الجنرال المفضل للجماهير العربية
سوف يتوقف علم النفس الاجتماعي طويلًا عند ظاهرة الهتاف باسم الجنرال عبد الفتاح السيسي في المدن العربية، ذلك أنه لم يحدُث في تاريخ العرب الحديث أن كان حاكم أكبر دولة عربية حاضرًا بهذه الصورة، في ملاعب كرة القدم، أو ساحات التظاهرات الكبرى.
لقد بات اسم السيسي مرادفًا لما لا تريده الجماهير، وما تلفظُه الشعوب في حركتها الدائمة باتجاه الحرية والديمقراطية والعدالة والإنسانية، الأمر الذي سوف يدرس في مناهج "علم نفس الجماهير" لاحقًا تحت عنوان "النظرية السيسية".
من المشرق العربي، سورية ولبنان والعراق، وقبل ذلك فلسطين، إلى المغرب، الجزائر والمغرب وتونس، يتم استدعاء السيسي في كل هتافٍ يطالب بالأفضل، أو ينحاز إلى القضايا الراسخة في الوجدان الشعبي، وفي مقدمتها قضية العرب المحورية، فلسطين.
أخيرا، هتفت الجماهير التونسية، في مباراة النجم الساحلي والأهلي المصري، ضد السيسي، في مناسبةٍ من المفترض أنها فرصة للتخفّف من هموم السياسة، لكن كارثية الأوضاع المصرية، على المستويين، القومي والمحلي، تأبى إلا أن يتم استدعاء اسم الجنرال، تعبيرًا عن الأسى لما آلت إليه الحال في تلك التي تستقر بالوجدان العام تحت اسم "الشقيقة الكبرى".
الملاحظة الأولى في الهتافات التي دوّت في أماكن عدة أنها تعبّر عن محبةٍ صادقةٍ لمصر العربية، مقرونةٍ بكراهيةٍ صادقةٍ لجنرالها الذي يعيث فيها قمعًا وقهرًا وقتلًا لكل قيمةٍ إنسانيةٍ أو وطنية، ذلك أن أحدًا من الهاتفين ضده لم يتناول الفريق المصري المنافس بسوء، بل جاء الهتاف خلوًا من أية روحٍ شوفينيةٍ أو عنصرية.
هذا لم يحدث أبدًا من قبل، حتى أيام أنور السادات، بعد زيارته الكيان الصهيوني والمقاطعة العربية لمصر الرسمية، لم تكن ثمّة هتافات على هذا النحو الغاضب، الأمر الذي يعد استفتاءً متكررًا على شعبية عبد الفتاح السيسي في الوطن العربي، إلى الحد الذي أصبح معه هتاف الشعوب العربية ضد استبداد حكوماتها يأتي مقرونًا، أو مسبوقًا، بالهتاف ضد جنرال مصر.
صارت الحالة المصرية موضوعًا للأسى والأسف، وعنوانًا لما لا يجب أن تتطلّع إليه الشعوب أو تقبل باستنساخه في بلادها، ولا يكفي هنا القول، كما تردّد دوائر السيسي الإعلامية، أن هذه مؤامرة إخوانية عابرة للحدود تستهدف الإساءة والإهانة، ذلك أن الواقع يسخر من هذه المقولات الباعثة على السخرية والأسى، معًا، في آن واحد.
والحاصل أن الجماهير العربية تؤدّي فرض الكفاية، عن الجماهير المصرية التي بات تعبيرها عما يختلج في الصدور طريقًا إلى جحيم السجن، والاتهام بالخيانة والعمالة، وربما التجريد من حقوق المواطنة.
هنا، تأتي هتافات الجماهير التونسية انتصارًا لفلسطين، وللشاب المصري الذي رفع العلم الفلسطيني في مباراة في القاهرة فتحرّكت نحوه الأقدام الهمجية، وانتزعته الأيادي السوداء من وسط الجماهير لتزجّه في الزنزانة محبوسًا بتهمة محبة فلسطين وكراهية العدو الذي اغتصب البلاد وشرّد أهلها، ووسّع احتلاله ليشمل القرار الرسمي العربي الذي صار معاديًا لإرادة الشعوب.
ولو قارنتَ بين هذه الصورة ونظيرتها بعد استشهاد الرئيس محمد مرسي، ستجد العكس تمامًا، حيث امتد سرادق عزاء شعبي له، وهو الذي لم يمكث في السلطة سوى شهور معدودة، من المحيط إلى الخليج، بل وتجاوز ذلك إلى قارات الدنيا الست، في استفتاءٍ عفوي على الرجل، أو قل على الصورة التي يريدها الإنسان العربي، أو الإنسان عمومًا، لمصر.
هذا يعني، في المحصلة، أن السيسي واقع مفروض ضد الفطرة الإنسانية في بساطتها وسوائها، هكذا تقول الجماهير، وهكذا يمكن فهم ذهاب رئيس حكومة الكيان الصهيوني إلى أن الرأي العام العربي هو العدو الأول لإسرائيل، وذلك حين أطلق مقولته الشهيرة "أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام ليست زعماء الدول التي تحيط بنا بل هي الرأي العام في الشارع العربي الذي تعرّض على مدار سنوات طويلة لدعاية عرضت إسرائيل بشكل خاطئ ومنحاز".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق