من ينبش قبر محمد مرسي؟
في سبتمبر/ أيلول 2015 تعجّل أستاذ العلوم السياسية، الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، في فتح ملفات مرحلة حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي، الأمر الذي دفع الابن الأكبر للرئيس، المسجون حاليًا، محرومًا من الزيارات وأبسط حقوق السجين السياسي، المحامي أسامة مرسي، للرد مطولًا على ما تطرّق إليه، من غير مناسبةٍ تستحق، سيف الدين عبد الفتاح.
كان الموضوع مرشحًا للتصاعد، بعد دخول أطرافٍ حاولت النفخ في النار، في لحظةٍ كان الجميع فيها بحاجة إلى شيءٍ من الترفع والتسامي عن الإحباطات والمرارات الشخصية، فبادرتُ إلى التواصل مع أسامة مرسي، طالبًا منه الاكتفاء بردّ مطولٍ، بالغ التهذيب، نشره على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، فاستجاب بكثير من الود والاحترام، ودوّنت بعدها بما يلي "ذات يوم من أيام التحرير الجميلة، لم نستطع، الدكتور سيف الدين عبد الفتاح وأنا، الوصول إلى الميدان، إلا سيرا على الأقدام لمسافة بعيدة، يدا في يد، وحلما على حلم.. تلك كانت علاقتنا، كما هي الآن، وستبقى. وأجزم أن هذا ما يجمع بين النبيل الدكتور سيف ونبيل ابن نبيل آخر هو أسامة محمد مرسي. أنصح الجراء والثعالب الصغيرة ألا تفتش في هذه المساحة الإنسانية المعتبرة عما يسد جوعها للثرثرة والنميمة".
الآن، الرئيس مرسي في رحاب الله، شهيدًا للغدر والطغيان والجريمة الانقلابية الكاملة، ليلحق به الابن الأصغر عبد الله، بينما ابنه الأكبر، أسامة الذي كان متحدثًا باسم الأسرة، في الزنزانة، في فترةٍ تشتعل فيها الرغبة بنهش سيرة الرئيس وافتراس سمعة عائلته، من جانب سلطةٍ منعدمة الصلة بالأخلاق والقيم والأعراف المحترمة.
في هذه اللحظة بالتحديد، تستأنف، على نحو مفاجئ ومبكر للغاية، الحكايات والروايات الخاصة بأطرافٍ لا تستطيع الرد، ولا يملك ذووها فرصة التصويب أو التصحيح، غير أن السؤال الأهم هنا: ما جدوى هذه الثرثرة الأحادية بحقّ من غيّبهم الموت، ومن ابتلعتهم السجون، في هذا التوقيت بالذات؟.
ماذا سيعود على الحراك "المتجمد" والقضية"المتيبسة"من اجترار حواديت من طرفٍ واحد، تحمل وجهة نظر ذاتية، تبدو، في مستهلها ومنتهاها، نوعًا من التنفيس عن أزماتٍ خاصة وتقلصات ذاتية، وتصفية خناقات شخصية؟.
حسنًا، ستقول حق الذاكرة ومحاولة حماية التاريخ .. هذا جيد، بل ومطلوب. وقد كتبت في ذلك طويلًا، وقلت مبكّرًا إنه في أزمنة التردّي والإسفاف والعبث بالذاكرة الوطنية، والاتجار بالأحلام والأوجاع، يصبح من المهم، بل من الواجب، الاستبسال في حماية التاريخ، قبل أن يتلاعب به التجار، ويزيفه اللاعبون الكبار والصغار، ويبيعونه، مجفّفاً، في عبواتٍ بلاستيكيةٍ ضارّة بالصحة العقلية والنفسية.
في هذا المناخ العبثي، وفي وسط الغبار الكثيف المنبعث من حوافر تعربد في تربة التاريخ، ما كنت أتمنّى أن أضطر للرد على أشياء تقال، وقد كنت شاهدًا عليها بالعين ومشاركًا فيها بالقول، يتم اجترارها الآن، بعد أشهر قلائل من استشهاد الرئيس الذي خذله الجميع، وبصقها في وجوه الناس، بوصفها حقائق مفروغًا منها، وشهادات دامغة.
ما كنت أتمنّى أن أجدني مضطرًا للرد على روايةٍ أحادية، يكتنفها عوار نرجسي، عن "جبهة فيرمونت الوطنية"، وما نتج عنها من مواقف ووقفات وأحداث ومعارك، كان لها تأثير فيما وصلت إليه الأمور في مصر، وخصوصًا أن المتحدّث هو صديق ورفيق سابق في هذه الجبهة، هو الدكتور سيف عبد الفتاح، الذي كان يتعرض لكثير من الهجوم، في كل مرة يفتح فيها هذا الملف، باستعجالٍ مثير للدهشة، وكنت أتدخل للدفاع عنه.
أما وأن الدكتور سيف قرّر أن يحكي قصته، منفردًا، عن هذه الفترة، فهذا حقه، لا ينازعه فيه أحد. ولكن مع اعتبار أن في القصة شهودًا آخرين، وأن عيونًا أخرى كانت ترى، وأصواتًا أخرى كانت تتكلم وتعرض وتطالب وتساهم، وهؤلاء من حقهم، بل من واجبهم، أن يقدّموا ما لديهم، حتى لا يترك الأمر لصبيةٍ يتقافزون في الموالد، وينتشرون كالذباب حول الموائد، يبتذلون الرواية، ويحوّلون المشهد إلى حفلات مجون.
ولأن الشهداء لا يستطيعون الرد، والسجناء لا يملكون القدرة على الكلام، فليس من الإنسانية في شيء الصمت على هذا التوثيق الخليع للتاريخ، والاكتفاء بالذهول من استعراضات بعض"الأبطال" الذين شاهدتهم بعيني يتدافعون كالصبية لخطف مناصب استشارية في مركب الرئيس مرسي، وعند الإحساس بالخطر قفزوا، وحين استشعروا قرب زوال الخطر طلبوا العودة، بل أن بعضهم عاد من أبواب خلفية.
.. ونواصل لاحقًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق