ألبانيا.. أرض النسور التائهة بين التبشير والشيوعية والإسلام
تجربة تمثل نموذجا للمجتمعات التي تتبنى هوية مرفوضة من قبل المجتمع الدولي الأوسع المحيط بها، كما حصل في أوروبا مع الإمبراطورية العثمانية التركية
محمد الحافظ الغابد
ألبانيا أو "شيبري" وتعني أرض النسور بلغة أهل البلاد الأصليين، وهو تعبير ذو حمولة غنائية ومجاز لغوي مطرب، ولذلك فقد اتخذ الألبان المعاصرون النسر رمزا في العلم الوطني للبلاد التي تقع ضمن شبه جزيرة البلقان، وتطل من الناحية الغربية على البحر الأدرياتيكي، وتحدها من الجهة الشمالية كوسوفو والجبل الأسود، ومن الشرق مقدونيا، ومن الجنوب إلى جهة الشرق اليونان.
نستعرض في هذه المادة الوثائقي الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية عن ألبانيا ضمن سلسلة "نسيج وطن" بعنوان "ألبانيا المسلمة.. الدائرة المغلقة"، وهو فيلم يستعرض جوانب هامة من تاريخ ألبانيا وهويتها واندماجها كمجتمع إسلامي في أوروبا ذات الهوية المسيحية المتوجسة من الإسلام.
وستبقى تجربة ألبانيا نموذجا للمجتمعات التي تتبنى هوية مرفوضة من قبل المجتمع الدولي الأوسع المحيط بها، كما هو حاصل في أوروبا التي لا تقبل بدول إسلامية داخلها نتيجة للصراع التاريخي مع الإمبراطورية العثمانية التركية.
ملتقى الأديان
وتعتبر ألبانيا عبر العصور ملتقى تواصليا للديانات والثقافات، وعرفت باستمرار روافد حضارية مختلفة، ومنذ سبعة قرون شهدت حضورا بارزا للديانة الإسلامية، ولذلك فإن أغلبية السكان مسلمون.
يمتد عرق شيبري في إقليم البلقان، فهم يشكلون أغلبية شعب كوسوفو وجزءا من شعب مقدونيا، ويمثلون نسبة 10% من سكان الجبل الأسود.
يقول الدكتور ديتان إرجو الباحث في المركز الألباني للدراسات العثمانية "خضعت ألبانيا للسيطرة العثمانية مدة خمسة قرون شكلت خلالها قاعدة لطلائع الحضور العثماني التركي في أوروبا".
ويعود التاريخ السياسي الحيوي لألبانيا لألف سنة قبل الميلاد، فقد حكمها اليونانيون ثم البيزنطيون وبعد ذلك البلغاريون.
ومع نهاية القرن الرابع عشر الميلادي بدأ الفتح العثماني لألبانيا، وأصبحت البلاد ولاية عثمانية لأكثر من أربعة قرون، ومع انكماش دولة الخلافة وانهيار قوتها في أوروبا انفصلت ألبانيا عن الدولة العثمانية وتم الاعتراف بها دوليا بعد الحرب العالمية الأولى.
وفي سنة 1925 أُعلنت جمهورية ألبانيا رسميا برئاسة أحمد زوغو، وشكل الإسلام والهوية الإسلامية محورا أساسيا دارت في فلكه الأحداث التاريخية الهامة المكونة للوطن الجديد للألبان، وعاش المسلمون في ألبانيا عبر العصور حالة مد وجزر منذ انتشار الإسلام في ربوعها وحتى هذه اللحظة.
اتصال مبكر بالإسلام
يقول سليم موتشي رئيس المشيخة الإسلامية ومفتي ألبانيا السابق "إن أول اتصال لألبانيا بالإسلام كان عن طريق التجار القادمين من بلاد فارس، وذلك قبل الفتح الإسلامي العثماني للبلاد، فجاء هؤلاء التجار يحملون بضائعهم واختلطوا بالناس وخاطبوهم بعدل الإسلام ودعايته دون ضغط أو إكراه، فعرفوا هذا الدين السمح وآمنوا به، فكان ذلك أول روافد الدين الإسلامي لهذه البلاد".
وثمة رأي آخر يرى أن الألبان اتصلوا بالإسلام عبر الحملات التي قام بها العرب الصقليون خاصة في منطقة ليجا بألبانيا، فلا تزال الآثار شاهدة على التأثير العربي الإسلامي الصقلي وذلك قبل الحضور العثماني بقرون، بل ولا تزال هناك تسميات عربية لقرى في تلك المنطقة، مما يؤكد أن العرب المسلمين عاشوا فيها.
ومع وصول العثمانيين لمنطقة البلقان انتشر الإسلام بسرعة في كافة أنحاء البلاد ودخل الناس في دين الله أفواجا.
مع وصول العثمانيين لمنطقة البلقان انتشر الإسلام بسرعة في كافة أنحاء البلاد ودخل الناس في دين الله أفواجا
الألبان والثقافة الإسلامية
يقول بينسك مصطفاي وزير الخارجية السابق لألبانيا "شكّل الألبان عنصرا أساسيا في الدوائر العسكرية والمدنية للخلافة العثمانية، وهذا بحد ذاته شكل عامل شراكة واندماج بين الألبان والأتراك، وتقلد الألبان وظائف هامة في كافة أراضي الخلافة، بما في ذلك البلاد العربية التي كانت تشكل جزءا من هذه الإمبراطورية الكبيرة".
ويرى ديرتان إرجو "أن النموذج الأبرز لتواصل الألبان مع العالم العربي خلال الحقبة العثمانية هو شخصية الوالي العثماني على مصر محمد علي باشا المنحدر من مدينة قوالا بألبانيا، فهو ذو أصول ألبانية، فالتواصل مع العرب قائم بشكل مباشر عبر توطين ألبان كثر في مصر والشام والحجاز".
وأضاف "لم يكن الألبان مجرد مستقبلين للثقافة الإسلامية، بل كانوا منتجين لها ومشاركين فيها وأبرز نموذج على ذلك العلامة ناصر الدين الألباني، فهو مولود بألبانيا كما تدل على ذلك النسبة في آخر اسمه، وهو نموذج حي على اندماج الألبان في الثقافة والحضارة الإسلامية".
وتتميز ألبانيا وكذلك البوسنة بانتشار الإسلام في كافة ربوعها واعتناق غالبية السكان له، ولم تغير سبعة عقود من الحكم الشيوعي شيئا من هذه الحقيقة، رغم الحصار القوي المفروض على الإسلام منعا لانتشاره وممارسة شعائره إلا في أضيق الحدود.
تحد ألبانيا من الجهة الشمالية كوسوفو والجبل الأسود، ومن الشرق مقدونيا، ومن الجنوب إلى جهة الشرق اليونان
الإسلام وصراع الإلحاد
يقول الشيخ أحمد كلايا إمام مسجد ديني خوجا "إن غالبية الشعب الألباني مسلمون، ولكنهم من حيث القدرة على تطبيق الشعائر والالتزام بأحكام الإسلام متفاوتون وجلهم مشبعون بالقيم الغربية البعيدة عن دين الإسلام، نتيجة انتشار الجهل بأحكام وآداب الدين بعد عقود من هيمنة الحكم الشيوعي الإلحادي وضعف وجود الإسلام في مناهج التربية والتعليم، فمن الطبيعي أن تكون الأغلبية تعرف العقيدة الإسلامية انتماء عاما وهوية دينية لكنها تجهل أحكامه وفرائضه كممارسة، يقول لك أحدهم أنا مسلم لكنه لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، وقد ينكر الآخرة والميعاد ولا يدرك أن ذلك مخالف لمقتضيات العقيدة الإسلامية".
يروي أحد الشباب الألبان قصته في مستهل الوثائقي متحدثا عن تجربة صراعه مع الإلحاد "عندما سيطرت الشيوعية على ألبانيا أُجبرت عائلتي المسلمة على تبني الإلحاد، وفي عام 1991 التقطت أذناي صدى كلمتي الشهادة، وكان المبشّرون بالمسيحية يجوبون مدرستي يغنون ويعزفون على آلة الجيتار ثم يدعوننا لنذهب إلى الكنيسة، وقد جاريت أصدقائي الأطفال في تلبية تلك الدعوة لكن قلبي لم يطمئن بالإيمان بها، وذات مرة خرجت مع صديقي إلى أحد المساجد في رحلة صافية من صخب الغناء وطرب الموسيقى، فوجدت الإسلام دينا جادّا لا وسيط فيه بين الله والإنسان، وما أفتقر إليه الآن فقط مُعلم جيد كأولئك العرب الذين كانوا هنا من قبل".
ويقول أكرنيكش عثماني الباحث في المجلس الألباني للعلاقات الإسلامية الأوروبية "هذه البلاد لا يمكن أن تُترك ليعيد فيها التاريخ نفسه مثل ما حدث في الأندلس والبلدان الإسلامية التي خسر فيها الإسلام والمسلمون الكثير".
يمتد عرق شيبري في إقليم البلقان، فهم يشكلون أغلبية شعب كوسوفو وجزءا من شعب مقدونيا، ويمثلون نسبة 10% من سكان الجبل الأسود
الاستقلال والهوية الجديدة
منذ اللحظات الأولى لاستقلال ألبانيا بدأ صراع الأفكار حول الدولة الحديثة، حتى إن بعض المسلمين وعلمائهم أفتوا بأنه لا يجوز الانفصال عن الدولة العثمانية، وانطلقت حملة شعبية ترتكز على هذه الرؤية، وبالتالي أفتوا بعدم جواز استقلال البلاد.
إلا أن زعيم الاستقلال إسماعيل شمالي استصدر فتوى من أحد كبار العلماء الألبان ترتكز على تفادي المخاطر التي قد تنجم عن التشبث بالارتباط بتركيا والعالم الإسلامي وتزكي وجه المصلحة الشرعية في رؤية الساعين للاستقلال من أجل الحفاظ على أصل الهوية الإسلامية ضمن المنظومة الأوروبية.
جاء الملك الألباني أحمد زوقو الذي كرس رؤية نخبوية لدى الألبان تتأسس على دعوة الأوروبيين للقبول بالدولة العلمانية على النمط الأوروبي، وتسويق الهوية العلمانية للألبان كهوية منفتحة ذات خصائص تتميز بإسلام منفتح ومتقبل للآخر، إسلام نابذ للعنف والقوة والإكراه.
وبدأ الساسة الألبان تسويق هوية إسلامية جديدة لبلادهم بعيدا عن إرث الإمبراطورية التركية التي تميز وجهها الإسلامي بالارتباط بالجهاد والفتح والإخضاع القسري للشعوب، فكان لابد للنخبة الألبانية من تأسيس قبول الدولة الجديدة في أوروبا على أساس العلمانية الصرفة ونبذ الإسلام الجهادي المشوه في الذاكرة الأوروبية، فتم الاستقرار على صيغة ألبانيا دولة أوروبية علمانية بها شعب مسلم، فالدين لله والوطن للجميع وهي الصيغة التي كانت تتفق وقتها مع الإستراتيجية الأوروبية في العالم الإسلامي.
منذ اللحظات الأولى لاستقلال ألبانيا بدأ صراع الأفكار حول الدولة الحديثة
أوروبا وِجهة مقصودة
يقول بينسك مصطفاي "أسس أحمد زوقو سياسة ترتكز على التوجه نحو أوروبا كقبلة ثقافية وفكرية تستبدل ثقافة الشعب الألباني الدينية والإسلامية بالثقافة الشعبية ذات الأصول الأوروبية مهمشا دور الدين، ونجح إلى حد كبير في تأسيس هوية شعبية جديدة تستبعد الدين من مكونات الهوية في محاولة للتوافق مع روح العصر الأوروبي الناهض المستبعد لدور الدين في الدولة الحديثة".
ويضيف كريشنيك عثماني "في سبيل ترسيخ هذه القيم قام الملك الألباني بالزواج من مسيحية كاثوليكية أوروبية من العائلات الرفيعة في الأوساط الملكية الأوروبية، وهي خطوة حاول من خلالها زوقو تكريس الثقة بين الأوروبيين وهذا المشروع الاندماجي لألبانيا في الدول الأوروبية العلمانية".
ومنذ تلك اللحظة نشأت هوية مزدوجة لألبانيا فهي دولة أوروبية علمانية ذات مجتمع مسلم منفتح ومتعايش مع الديانات الأخرى دون عنف أو تعصب، وبذلك اكتسبت ألبانيا ثقة المجتمع الأوروبي دولا وحكومات ومنظمات، ولاحقا كانت ألبانيا ونتيجة لوضعها الجغرافي وتملصها من التدين لقمة سائغة للثورة البلشفية فوقعت تحت الاحتلال الإيطالي عام 1939، ونشأت أولى خلايا الحزب الشيوعي الذي سيلعب الدور الأبرز منذ عام 1942، فقد ناضل الألبان لمجابهة المحتل ونالوا استقلالهم من الاحتلال الفاشي الإيطالي، لكنهم وقعوا فريسة للنظام الشمولي الذي صادر حرياتهم وجثم على صدورهم لعدة عقود.
غالبية الشعب الألباني مسلمون، ولكنهم من حيث القدرة على تطبيق الشعائر والالتزام بأحكام الإسلام متفاوتون
الشيوعية وهدم المساجد
في عام 1945 انتهى الاحتلال الإيطالي، واستقلت البلاد تحت قيادة الحزب الشيوعي برئاسة أنور خوجة، وفي هذه الحقبة حارب الحزب الشيوعي كل اتجاه وكل سلطة معارضة لأفكاره بما في ذلك الدين.
وقام نظام الحزب الشيوعي بهدم المساجد وتحويلها إلى مكتبات ونواد ومنتديات وإسطبلات خيل ومتاحف، كما لم يدخر النظام الشيوعي بقيادة أنور خوجة جهدا في طمس معالم الإسلام بألبانيا، محاولا إحداث تغيير كلي في هوية الشعب الألباني المسلم عبر اتباعه للنظام الشيوعي الفولاذي الصارم الأكثر تطرفا حتى من الشيوعية السوفياتية في عقر دارها.
يقول إيلير ميتا وزير الخارجية السابق ونائب رئيس مجلس الوزراء "إن الحزب الشيوعي ألغى جميع الأديان وحمل الناس على دين واحد ألا وهو الشيوعية الإلحادية ذاتها، والمفارقة أن الرئيس أنور خوجة الذي قام بمهمة طمس الهوية كان هو نفسه مسلما وكان ينحدر من أسرة متدينة تتردد على المساجد، بل كان جده يقوم بوظيفة دينية كالإمامة، ولكنه من الناحية السياسية أراد أن يوحد القوى الشعبية وينظمها لمجابهة التحديات التي تشهدها البلاد، وخصوصا تحدي ازدواج الهوية، لذلك ذهب مذهبا متطرفا في التعامل مع الأديان والعقائد وحاول أن يفرض تصور الحزب القوي والدولة القوية في ألبانيا في عهده".
وخلال حملة الحزب التي استهدفت الإسلام، دمر النظامُ الشيوعي كافة البُنى التحتية التعليمية والدينية وخربها بشكل كامل، فلم يترك إلا دور العبادة ذات الرمزية الأثرية، وفرض رقابة صارمة على الناس في مناطقهم لمنع أي تحرك لاستعادة الهوية الإسلامية أو استمرار أي جهد تعليمي للإسلام على المستوى الشعبي والجماهيري.
يقول الشيخ سليم موتشي "إن نظام خوجة هدم من المساجد ما يربو على 1960 مسجدا، وذلك في الحملات التي استهدفت الهوية للإسلامية للبلاد قبل عام 1966، وبعد عودة الديمقراطية واستعادة الشعب للحرية الدينية وصل عدد المساجد بعد الترميم 540 مسجدا، ولكن هذا العدد ضعيف وغير كاف، وتبقى المساجد المتبقية بحاجة للترميم وإعادة الإعمار".
خسرت ألبانيا كثيرا من تراثها الإسلامي جراء عمليات التخريب والهدم، فطُمست معالم الثقافة الإسلامية وأضر ذلك بالإرث الثقافي للبلاد، فلم تكن كل تلك المساجد مجرد مؤسسات دينية بحتة، وإنما كانت تشكل معالم ثقافية أيضا.
يقول الشيخ سليم موتشي "إن حكم خوجة امتد 40 عاما، نشر فيها الشيوعية والإلحاد وحارب الإسلام وسجن الأئمة واعتقل كل من يعمل لنشر الإسلام، لكن الإسلام لم يخرج أبدا من قلوب المؤمنين به".
أحدث خوجة تغييرا كبيرا على مستوى الهوية، فأجبر الناس على تغيير الأسماء الإسلامية، ليمحو بذلك الأسماء الإسلامية والعربية من ذاكرة الشعب.
قام نظام الحزب الشيوعي بهدم المساجد وتحويلها إلى مكتبات ونواد ومنتديات وإسطبلات خيل ومتاحف
خوجة والحرب الوهمية
تمكن خوجة من صناعة وهم التفوق عبر دعاية كبيرة أساسها أن ألبانيا مستهدفة من أكثر من طرف دولي، فهي مستهدفة من السوفيات، كما أنها مستهدفة أيضا من الولايات المتحدة الأمريكية لأنها تشكل أحد النماذج القليلة للتطبيق الناجح للاشتراكية الاجتماعية في أوروبا، لذلك بنى خوجة مئات الآلاف من الخنادق في جميع أنحاء ألبانيا.
يقول أدريان سيقيسي رئيس الجامعة الأوروبية في تيرانا "بني خوجة في ألبانيا ما لا يقل عن 700 ألف خندق ونفق مشيَّدة بمئات الآلاف من أطنان الإسمنت المسلح. وبحسابات اليوم فهي تعادل 500 ألف مسكن كانت تكفي لإيواء ما لا يقل عن مليوني شخص على الأقل، إنها خسارة بالنسبة للحساب التنموي والاقتصادي، لأن هذه المبالغ أنفقت في معاقل وأنفاق ولم تستخدم في التنمية الفعلية المتعلقة ببناء الإنسان وبناء ما يفيد أجيال البلاد، وقد انعكس هذا الإنفاق الضخم على اقتصاد البلاد بصورة سلبية كبيرة، فمشاريع التصنيع التي انطلقت وصلت في النهاية لطريق مسدود وفشلت نظرا لحجم الإنفاق على الاقتصاد الحربي".
وفضلا عن ذلك أدت هذه السياسة إلى عزل ألبانيا عن أوروبا وعن العالم الإسلامي مما جعلها جزيرة منقطعة عن العالم.
بعد أربعينية خوجة الشيوعية لايزال المسلمون يدفعون ثمنا باهظا لفترة الحكم الشيوعي، وترك خوجة بلاده على خط الفقر المدقع رغم غناها بالموارد الطبيعية.
تمكنت الإرساليات التبشيرية من تحويل دين نسبة كبيرة تجاوزت 20% من المسلمين الألبان
إصلاحات التسعينيات
مع مطلع التسعينيات بدأت رياح التغيير الديمقراطي تجتاح أوروبا الشرقية فسقط حكم الحزب الشيوعي، وبدأ "رامز علي" جملة إصلاحات ديمقراطية واقتصادية.
وفي 1992 أجريت أول انتخابات ديمقراطية في ألبانيا، فاز بها حزب المعارضة بقيادة الطبيب "صالح إبريشا" فبدأ عهد جديد من الديمقراطية، واتضح أن تعلق الشعب الألباني بالحريات وحقوق الإنسان هو تعلق كبير جراء ما عانى في الفترات السابقة من ظلم الشيوعية وكبتها الخطير للحريات وتنكرها لدين وقيم الشعب.
وكان من نتائج هذا التحول أن انفتحت البلاد على العالم الخارجي، فزارتها وفود كثيرة، وبدأ عهد جديد كانت البلاد بحاجة إليه للوقوف على قدميها، والانطلاق من المرحلة الانتقالية نحو عهد جديد من البناء والنمو بعد عقود من الانكماش والانكفاء على الذات.
يقول الشيخ سليم موتشي "خلال السنوات من 1990 إلى 1992 جاءت إلى ألبانيا وفود من المنظمات الإسلامية والعربية، وكان لذلك الحضور دور كبير في توعية الناس وإيقاظ الشعور الديني، وتأسيس مؤسسات دعوية وتطوير دور الكادر الدعوي، فتركت تلك الجهود ثمرات طيبة على طريق الإحياء واليقظة الدينية للمسلمين، ففُتحت المساجد وعاد الشباب إلى دين الله".
ومن نتائج هذا الانفتاح الديمقراطي رجوع بعثات الطلبة الألبان للعالم العربي والإسلامي، لينهلوا من العلوم ليعودوا إلى بلادهم مرشدين ومعلمين.
تبعات هجمات سبتمبر
وما إن جاء الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 حتى تم طرد المنظمات الإسلامية ليبقى أصحاب الجانب الدعوي كالأيتام على مأدبة اللئام.
وأغلق المجال من جديد أمام دعاة الإسلام ومعلمي الناس الخير، رغم أنه لم يسجل أي دور يذكر للألبان في الجهاد الإسلامي ومنظماته.
وفي الوقت الذي أغُلقت فيه المنظمات الخيرية والدعوية التعليمية، ظل المجال مفتوحا للكنائس والعمل التبشيري لتمارس ضغوطها على المسلمين الألبان من جديد ليبدلوا دينهم إلى المسيحية خصوصا وأن كثيرا من الشباب نشأ وترعرع في ظل الشيوعية ويعاني ظروفا صعبة تدفعه للسقوط بسهولة فريسة للدعايات التبشيرية.
وتمكنت الإرساليات التبشيرية من تحويل دين نسبة كبيرة تجاوزت 20% من المسلمين الألبان، نتيجة لحجم الدعاية التي تستهدف المسلمين الخارجين من حكم شيوعي إلحادي طويل فرض عليهم جهل دينهم وتراثهم وتركهم في فقر مدقع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
وقد وصل عدد الإرساليات إلى 125 منظمة من أهدافها أن ينسى الألبان الإسلام، ويصبحون بلا عقيدة دينية حتى ولو لم يتحولوا إلى المسيحية.
لقد قامت الشيوعية بمهمة محو الهوية الدينية للشعب الألباني، وتحمي الحكومة الألبانية هذا النشاط الديني الواسع ولا تحاربه، في مقابل التضيق على المنظمات الإسلامية بحجة الإرهاب والتطرف.
إن هناك تأخيرا في عملية تقريب ألبانيا إلى الاتحاد الأوروبي بسبب وجود أغلبية مسلمة في الشعب الألباني
ألبانيا والأسرة الأوروبية
يقول بينسك مصطفاي "الألبان يريدون أن يكونوا جزءا من الأسرة الأوروبية نظرا لموقعها الجغرافي".
أما وزير الثقافة فريدناند جعفري فيقول "هدفنا الأساسي دخول الاتحاد الأوروبي لنكون جزءا من العائلة الأوروبية مع الحفاظ في نفس الوقت على الهوية الثقافية الألبانية".
ودائما يقول المسؤولون الألبان إن هناك تأخيرا في عملية تقريب ألبانيا إلى الاتحاد الأوروبي بسبب وجود أغلبية مسلمة في الشعب الألباني، ويتم هذا التأخير استجابة لضغوط أقلية في البرلمان الأوروبي ببروكسل لا تزال تؤثر وتصوت لصالح منع ألبانيا من عضوية الاتحاد بسبب العقيدة الإسلامية للشعب الألباني.
وتتعدد وجهات النظر في ألبانيا بهذا الخصوص وإن كان بعض الألبان يعتبرون ألا علاقة لإشكال الهوية الدينية بقرار أوروبا، وإنما ثمة عوامل متشابكة بهذا الخصوص، فمخلفات النظام الشيوعي القاسية هي السبب أكثر من الهوية الدينية، كما أن ألبانيا ليست وحدها وإنما هناك دول أخرى لا يمثل المسلمون فيها أغلبية ومع ذلك يحارِبون من أجل دخول الاتحاد الأوروبي، وعليه فإن مسار انضمام ألبانيا سيكون طويلا لأسباب متعددة وليس للعامل الديني فقط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق