ما بالُ حنظلة؟!
أدهم شرقاوي
تزوَّج حنظلة بن أبي عامرٍ الرَّاهب جميلة بنت عبد الله بن أُبي بن سلول في الليلة التي كانت في صبيحتها غزوة أُحد، وكان قد استأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يبيتَ مع عروسه فأذِنَ له، ثم لمَّا سمعَ النداء أن يا خيل اللهِ اركبي، حملَ سلاحه وخرجَ ليلتحق بالجيش وهو ما زال على جنابةٍ لم يغتسل، ولما التقى الجيشان واحتدمَ القتال، وانكشف المسلمون بسبب معصية الرُّماة للأمر النبويِّ القاطع الذي قال فيه: لا تبرحوا أماكنكم!
ثبتَ حنظلة يُقاتل قتال الشجعان، وكاد أن يقتل أبا سُفيان بعد أن أوقعه عن فرسه، لولا أن رجلاً من المشركين عاجله بطعنةٍ بالرمح في ظهره خرجت من صدره، وارتقى حنظلة شهيداً تحت أقدس رايةٍ عرفتها البشرية راية النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي سبيل أقدس قضية هي لا إله إلا الله، القضية التي لأجلها خُلقت السماوات والأرض والخلائق، وقام سوق الجنة والنار!
وعندما انتهى القتال، ونزل كل فريق
يُعاين قتلاه، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما بال حنظلة بن الرَّاهب؟ إني رأيتُ الملائكة تُغسِّله بين السماء والأرض، بماء الغيم في صحاف من فضة!
فقالوا: إنه سمع النداء يا خيل الله اركبي فخرجَ وهو جُنبٌ ولم يغتسل!
من ترك شيئاً لله عوَّضه اللهُ خيراً منه!
كان بإمكان حنظلة أن يتذرَّع بأنه عريس ولا يخرج للقتال، ولو أنه لم يخرج ما لامه أحد، فلم يمضِ على زواجه إلا سُويعات، ولكن الصحابة لم يكونوا كذلك، كان أمر اللهِ عندهم مقدَّما على أمورهم، والواحد منهم لا يعرفُ له مكاناً غير الذي أراد اللهُ له سبحانه أن يكون فيه، تركَ حنظلة كل شيءٍ لله، ومن صدقه وحماسه لتلبية نداء القتال خرج دون أن يغتسل من جنابته، فكان الجزاء من جنس العمل، تركَ الغسل خشية أن يتأخر عن الجيش، فأرسل الله سبحانه ملائكته لتغسله بين السماء والأرض في صحائف من فضة، وعندما سمع الصحابة قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حنظلة، بحثوا عنه فإذا شعره يقطرُ ماءً، فازدادوا إيماناً على إيمانهم!
كُنْ للهِ كما يريدُ يكُنْ لكَ كما تريدُ!
لا تحفل بالنهايات، عِشْ في سبيل اللهِ فقط، أرِه في كل تصرف لكَ أنكَ لا تريدُ سواه، أره أن كل صدقةٍ تُخرجها هي له خالصة، وكل جبر خاطر تقوم به أنك لا تريدُ إلا وجهه الكريم، وهو أعدل وأرحم أن تعيشَ له، فانياً عمركَ في سبيل رضاه ثم لا يختم لكَ بالخير، فاللهمَّ حسن الخاتمة!
بقلم: أدهم شرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق