السبت، 4 سبتمبر 2021

موت الغرب

موت الغرب




بقلم الخبير السياسى
رضا بودراع

إن هزيمة الغرب المدوية في افغانستان
اسالت حبرا كثيرا وربما سيسيل لعقود طويلة في محاولة للسياسيين والمفكرين والعسكريين فهم ما حدث واستشراف تداعياته الممتدة
غير ان التباين الشديد ببن تحليل نخب الشعوب المهزومة وبين مراكز تفكير قوى الاحتلال الغربي المنهزمة في بلاد ما وراء النهر يدعو للدهشة و الاستهجان

ففي الوقت الذي تتكلم قوى الغرب والشرق ان هزيمتهم في افغانستان منعطف تاريخي ستتحرك معه الجغرافيا السياسية و يعيد صياغة العالم.
نجد العقول المهزومة والنخب المستضعفة تتكلم عن العبقرية الامريكية في الانسحابات التكتيكية لخلق عوائق امام قوى صينية وروسية ..!!!!
و في مشهد مثير للشفقة والتقزز معا
رأينا بعض المراجع الدينية ترفع عصا التقريع لطالبان محذرة اياها من الفشل في ادارة بلدهم بعد تحريره !!!
متناسين تماما ذهول العالم الواعي امام شهود معجزة عسكرية تضاهي معركة عين جالوت ضد التتر و الثورة الجزائرية ضد الامبراطورية الفرنسية
اقول بعد هذه المقدمة انني حتما لن احاول بيان الحدث عن اية انشقاق القمر فلن تكون ردة الفعل الا انه سحر مستمر!

ولكني في هذا المقام اريد اولا التذكير بآيات الله وان الله امرنا ان نفرح بنصره رغم ما قد يعقبه من قلاقل وفتن لم يسلم منها الصحابة انفسهم رضوان الله عليهم

ثانيا لا يمكن اغفال القراءة التاريخية التي عاشها هذا الجيل مرتين على الاقل في نصف القرن الماضي فقط.
فالاحداث الكبرى التي غيرت وجه العالم السياسي
تجعل من السهل جدا التنبؤ بالتغيرات الكبرى التي نحن على ابوابها وستفاجئنا في اي لحظة

فانكسار الاتحاد السوفييتي في افغانستان اعقبه سقوط جدار برلين في1991 وانتهاء فترة الثنائية القطبية افرزت توازنات قوى جديد شكلت عالمنا السياسي احادي القطب
واهتزت دول عظمى بسبب هذه التغيرات
رغم ان الافغان دخلوا بعدها في حرب الاحزاب لسبع سنوات ثم قدوم طالبان واستلامها الحكم

وكذلك سيكون للانكسار الامريكي وحلفها الغربي والدولي في افغانستان تداعيات اخطر بكثير مما تلى سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه ذلك لان العالم وجد بعده قطبا امريكيا يرثه.
اما الان فليس هناك قوة عالمية مؤهلة لإرث الامبراطورية الامريكية معنى ذلك ان “ممتلكات” القطب الامريكي ستكون “محل التنافس الدولي” والعالمي بما في ذلك الشركات واللوبيات الدولية.

ولما نتكلم عن الممتلكات نقصد بها المستعمرات ومناطق النفوذ والحماية بما في ذلك اروروبا نفسها التي تخشى التفكك التلقائي وربما العودة الى عصر الظلام بعد “الانسحاب الامريكي الاعظم”

ان العالم كله يتهيأ للانسحاب العظيم و انتهاء فترة القطبية بفراغ منصب القطب في البناء الدولي
هذا يعني نقض العالم المعاصر الذي تشكلت الدول كلها حول مركزيته وهُندست عقائد تلكم الدول وهويات شعوبها بمعلومية الافكار المؤسسة للعالم الغربي والتي انهارت منظومته القيمية منذ وقت طويل بل ان منظومته القيمية التى قامت اصلا على الخطيئة الكبرى التي يصفها فوكوياما انها مركبة من ثلاث مساوئ لا تنجبر الظاهرة الاستعمارية والعبودية و جزية الحياة او الضريبة على الفرد .

اما ما نراه الان من شلل دولي فهو مرحلة متقدمة من الانهيار العنيف القادم لهيكل المنظومة والتي تمثل “الدولة” وحدته الاساسية.
ومعلوم ان الانهيار يبدأ بشكل ملاحظ ويصل لسرعته القصوى بفعل الجاذبية (جاذبية السنن ) الى القواعد في لمح البصر اين يشكل الارتطام حالة سحق شديدة على مستوى القاعدة وربما ردمت المنطقة بأكملها واختفت .
وهذا مانراه اليوم ” تفكك بعض الدول واختفاءها”


لا شك ان هذه الجاذبية ماهي الا السنن القاهرة التي نجدها في قوله تعالى (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون )

و ما يوحي من تغلب لمنظومات امنية صغيرة في نماذج الاقطار المغنومة كالجزائر والمغرب ومصر والممالك الخليجية …كله استقرار زائف وتصلب يستعد فقط للسحق الدولي.
ولاشك اننا مقبلون على تغيرات كبرى فلم يعد ذلك استشرافا بل واقعا اصبح يفرض خيارات مؤلمة على القوى الكبرى فنحن نعيش مرحلة الانسحابات الكبرى والمؤلمة!!
كالانسحاب الامريكي في افغانستان وقد يتلوه انسحابات اخرى في العراق وسوريا ..والبريكست البريطاني
والانسحاب الفرنسي من الساحل الافريقي.
وانسحاب الصين من المواجهة في الحرب التجارية الامريكية.
ورفض روسيا والصين عملية استلام افغانستان وستر العورة الامريكية.

لقد اصبحت الامور واضحة ونقطة الارتطام حتمية
ولا يحجب عنا تلكم الحقائق الا وهم تغلب السلطة الوظيفية التي قريبا ستبقى بدون وظائف دولية وتتحول الى بؤرة فوضى تتفكك معها اجهزة الدولة وتنتعش فيها المليشيات والشركات الامنية

و يبقى السؤال هنا ما هو مصيرنا كأمة في خضم هذه التغيرات الهائلة؟
اقول بدون تردد ان هذه التغيرات هي السانحة الكبرى لتخلق امة قائدة مثل امة الاسلام وضياعها يعني كبوة قرن او قرون اخرى .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق