الاثنين، 20 سبتمبر 2021

طالبان على أبواب الإمارة الثانية | (٤) هل انتصرت طالبان؟

 طالبان على أبواب الإمارة الثانية (4) 

هل انتصرت طالبان؟

مقاتلون من حركة طالبان الأفغانية


محمود عبد الهادي

هل انتصرت طالبان على الولايات المتحدة الأميركية، أم أنها وقعت في فخّ جديد؟ هل كانت وثيقة إحلال السلام في أفغانستان بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأميركية نهاية فبراير/شباط 2020 وثيقة إعلان انتصار طالبان وهزيمة الولايات المتحدة؟ أم وثيقة الالتفاف التي ستمكن الولايات المتحدة من وضع الطوق حول رقبة طالبان؟

أيا كانت تقديرات الولايات المتحدة وحساباتها المستقبلية، فإن طالبان انتصرت انتصارا تاريخيا على أقوى دولة في العالم، ومعها تحالف دولي لم تعرفه البشرية من قبل، ولكن، ما الذي سيترتب على هذا الانتصار؟ وكيف يمكن تحويله إلى انتصار للأمة الأفغانية كلها، وليس لحركة طالبان فحسب؟ وكيف يمكن استثماره لإعادة بناء دولة أفغانستان المستقرة القوية المتطورة المؤثرة باقتدار في محيطها الإقليمي والدولي؟ في حين أنها عملية طويلة وشاقة وكثيرة التحديات، وليست أقل وطأة من سنوات المقاومة.

حققت طالبان انتصارا عسكريا وسياسيا وفكريا وأمنيا تاريخيا، ومن حقها أن تقود المرحلة الراهنة، لا لتأسيس إمارة طالبان، ولكن لتأسيس "إمارة أفغانستان الإسلامية" الآمنة المستقرة التي يفتخر بالانتماء إليها جميع الشعب الأفغاني. فأفغانستان ليست طالبان، وإدارة السلطة في الظروف الراهنة ليست بالأمر السهل، ولكي تنجح طالبان في ذلك، فإن عليها أن تنتصر على نفسها أولا كما انتصرت على الولايات المتحدة، فهل تفعل؟

جوانب الانتصار

تعددت جوانب الانتصار الذي حققته طالبان في معركتها مع الولايات المتحدة وتحالفها الدولي، فكان انتصارا عسكريا وسياسيا وفكريا وأمنيا بامتياز، ونتناول فيما يأتي أبرز ملامح هذه الجوانب:

1.  الانتصار العسكري

من الصعب تحديد معيار ثابت لقياس الانتصار العسكري، حيث تختلف نظرة كلا الطرفين المتحاربين حول مفهومه الخاص للانتصار، ومدى تحقيق الانتصار لأهداف الحرب، وكيفية تقييم كلا الطرفين لنتائجها. والواضح من تصريحات المسؤولين الأميركيين أن طالبان انتصرت عسكريا على الولايات المتحدة وتحالفها، وأجبرتهم على الانسحاب من أفغانستان تحت شروطها؛ ليس بفعل تفوقها العسكري، ولكن بفعل مقاومتها وصمودها وإصرارها على موقفها ومطالبها، وتحملها في سبيل ذلك العديد من الخسائر البشرية واللوجستية الناجمة عن تفوق القوة العسكرية لأميركا وتحالفها. ويكفينا لتأكيد هذا الانتصار العسكري مراجعة كلمة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن -في جلسة استماع له أمام أعضاء الكونغرس يوم الاثنين الماضي حول أفغانستان- حيث ذكر كثيرا من العبارات التي تعد اعترافا رسميا من الإدارة الأميركية بانتصار طالبان عسكريا على الولايات المتحدة وتحالفها. ومن هذه العبارات قوله:

  • وافقت طالبان على وقف مهاجمة القوات الأميركية والقوات الشريكة والامتناع عن تهديد المدن الرئيسية في أفغانستان.
  • واصلت طالبان مسيرتها بلا هوادة للاستيلاء على البؤر الاستيطانية البعيدة ونقاط التفتيش والقرى والمناطق، وكذلك الطرق الرئيسية التي تربطها.
  • بحلول يناير/كانون الثاني 2021، كانت طالبان في أقوى حالة عسكرية لها منذ 11سبتمبر/أيلول 2001، وفي المقابل كان لدينا أقل عدد من القوات في أفغانستان منذ ذلك الوقت.
  • حان الوقت لإنهاء أطول حرب تخوضها أميركا لمدة 20 عاما، خسرت فيها 2641 جنديا أميركيا و20 ألف مصاب، وتريليوني دولار.
  • عندما تولى الرئيس بايدن منصبه، وجد نفسه مباشرة بين خيارين: إما إنهاء الحرب أو تصعيدها. ولو أنه لم يتقيّد بالتزام سلفه، لكان من الممكن استئناف الهجمات على قواتنا وقوات حلفائنا، وكان من الممكن أن يبدأ هجوم طالبان على جميع أفغانستان، وعلى المدن الرئيسية فيها.
  • وهذا سيتطلّب إرسال المزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان، للدفاع عن أنفسنا ومنع طالبان من الانتصار، ومنع سقوط ضحايا. وفي أحسن الأحوال، حينها، كان الوضع سيعود إلى الجمود، وكنا سنبقى عالقين في أفغانستان تحت النيران إلى أجل غير مسمى.
  • لا يوجد دليل يؤيد أن بقاءنا هناك لفترة أطول كان سيجعل قوات الأمن الأفغانية أو الحكومة الأفغانية أكثر مرونة أو اكتفاء ذاتي. فإذا لم تكن 20 سنة ومئات المليارات من الدولارات من الدعم والمعدات والتدريب كافية لذلك، فأي فَرْق سيصنعه بقاؤنا لسنة أخرى، أو 5 أو 10 سنوات؟
  • العكس هو الصحيح، فليس ثمة شيء كان المنافسون الإستراتيجيون مثل الصين وروسيا -أو الخصوم مثل إيران وكوريا الشمالية- يفضّلونه أكثر من تصعيد الولايات المتحدة نار الحرب التي استمرت 20 عاما وأن تبقى في المستنقع في أفغانستان لعقد آخر.
  • حين أعلن الرئيس بايدن الانسحاب، تبناه الناتو على الفور وبالإجماع.

2. الانتصار السياسي

بعد حرب ضروس استمرت لأكثر من 18عاما، وبعد مفاوضات مكوكية استمرت لأكثر من 18 شهرا، حققت طالبان أهدافها السياسية الكاملة، المتمثلة في:

  • التفاوض بصورة منفردة مع الولايات المتحدة، ندا بند، من دون مشاركة الحكومة الأفغانية أو أي من المكونات الأفغانية الأخرى.
  • فرض اسم إمارة أفغانستان الإسلامية على الاتفاقية.
  • عدم التدخل في حماية الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني.
  • تقديم تطمينات للولايات المتحدة وتحالفها بأنها محل ثقة في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
  • إلزام الولايات المتحدة -إلى حد كبير- بالجدول الزمني الذي تم التوقيع عليه.
  • الاعتراف الغربي (المشروط) بهم.
  • الاعتراف الروسي والصيني والهندي والقطري غير المشروط.

3.    الانتصار الفكري

لم تنتصر طالبان عسكريا وسياسيا فقط، بل انتصرت تصوراتها الفكرية للدولة ونظام الحكم، والمجتمع انطلاقا من أحكام الشريعة الإسلامية، وقد تجلى هذا الانتصار فيما يأتي:

  • انضمام الولايات الأفغانية لهم، الواحدة تلو الأخرى، على اختلاف انتماءاتها العرقية، والدينية، والمذهبية، والفكرية.
  • استسلام الجيش الأفغاني الذي يزيد على 400 ألف جندي أفغاني تلقوا تدريبات حديثة مكثفة، على يد القوات الأميركية وتحالفها، التي قامت بتجهيزهم بمعدات عسكرية متطورة، وأنفقت عليهم عشرات المليارات. هذا الجيش انهار من دون أن يبدي مقاومة تذكر، بطريقة خالفت جميع التوقعات، يعلق على ذلك رئيس هيئة الأركان المشتركة لقوات التحالف في أفغانستان، الجنرال ميلي، قائلا: "لم نر أي شيء يشير إلى احتمال انهيار هذا الجيش الأفغاني والحكومة في 11 يوما".
  • دخول شخصيات بارزة من الحكومات السابقة في حوار مع طالبان حول المرحلة القادمة مثل الرئيس الأسبق حامد كرزاي وعبد الله عبد الله.
  • عدم ظهور اعتراضات تُذكر، سواء كانت شعبية أو نخبوية أو نقابية أو عرقية أو دينية ترفض التوجه الفكري لحركة طالبان.

4.  الانتصار الأمني

الأمر الغريب حقا، هو الانتصار الأمني الذي تحقق في أفغانستان بعد انسحاب قوات الاحتلال الأميركي وتحالفه، وسيطرة طالبان على الدولة. هذا الانتصار الأمني تمثل في بسط الأمن في ربوع الدولة من دون تجاوزات تذكر، وكأن طالبان كانت مسيطرة على السلطة طوال العقدين الماضيين.

استثمار الانتصار

هذا الانتصار له العديد من الدلالات والانعكاسات، التي تحتاج إلى وقفة خاصة لا يتسع لها هذا المقال، وله العديد من التفاعلات التي توالت نتائجها، وسيستمر تتابعها في الشهور والأعوام القليلة القادمة. من قواعد الانتصار البديهية، سيطرة المنتصر على مقاليد الأمور، ورسم خارطة طريق المرحلة التالية مباشرة لما بعد الانتصار، ومن أولويات هذا الاستثمار ما يأتي:

  1. تحويل الانتصار من انتصار لطالبان، إلى انتصار للأمة الأفغانية، التي قدمت تضحيات باهظة على مدى نصف القرن الماضي، والعمل على الاحتفاء بهذا الانتصار بكل الطرق والوسائل الممكنة، وترسيخه في وعي الشعب الأفغاني ووجدانه، وهو الذي عاش تحت حكومة ظل يسيرها الاحتلال الأميركي طوال 20 عاما.
  2. تعزيز الاستقرار الأمني، والإسراع في إعادة الحياة إلى طبيعتها في كافة المجالات، وطمأنة الشعب في كل مناسبة أن مرحلة جديدة قد بدأت في حكم أفغانستان عمادها الاستقرار والتنمية.
  3. رسم خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية القادمة، وأهدافها، ومدتها، وترتيب أعمالها بحسب أولويتها في هذه المرحلة التي لا تتسع -قطعا- للقيام بكل شيء.
  4. إنشاء آلية للتواصل مع كافة مكونات الشعب الأفغاني للتفاكر حول مستقبل أفغانستان، وسبل تحقيق الاستقرار والتنمية والتغلب على التحديات القادمة.
  5. المواظبة على طمأنة الولايات المتحدة والعالم بأن طالبان ملتزمة مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بما تم الاتفاق عليه، وأنها تمد يدها لكافة الشركاء الإقليميين والدوليين، وأنها تعطي الأولوية في المرحلة القادمة لإعادة بناء أفغانستان وتحسين الظروف المعيشية للشعب الأفغاني الذي تعب من ويلات الحرب.

كانت طالبان رأس الحربة في مقاومة الاحتلال الأجنبي، على مدى 20 عاما، حتى أجبرته على الانسحاب والتراجع عن مخططاته التي أنفق عليها مبالغ طائلة طوال هذه المدة. انتصرت طالبان عسكريا وسياسيا وفكريا وأمنيا، ومن حقها أن تقود المرحلة الراهنة، لا لتأسيس إمارة طالبان، ولكن لتأسيس "إمارة أفغانستان الإسلامية" الآمنة المستقرة التي يفتخر بالانتماء إليها جميع الشعب الأفغاني. فأفغانستان ليست طالبان، وإدارة السلطة في الظروف الراهنة ليست بالأمر السهل، ولكي تنجح طالبان في ذلك، فإن عليها أن تنتصر على نفسها أولا، كما انتصرت على الولايات المتحدة، فهل تفعل؟

أما الملاحق السرية التي سبق الحديث عنها بين طالبان والولايات المتحدة، فلا تقلل من هذه الانتصارات، وستكشف الأيام القادمة حقيقتها وما تشتمل عليه، وكيفية إدارة طالبان لملفاتها المختلفة.

(يتبع… هل هُزمت الولايات المتحدة؟)







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق