الجمعة، 10 سبتمبر 2021

“الشّيطانية” التي تُروج لها نيويورك تايمز

“الشّيطانية” التي تُروج لها نيويورك تايمز



دانيال حاقيقاتجو

ترجمة: محمد رفيق كودري




لم تكن الشيّطانية لتبلغ هذا المبلغ من الشعبية لولا جهود وسائل الإعلام المُهيمنة اليوم. عندما يسمع الناس مصطلح “الشيطانية”، أو عبادة الشيطان، فإنهم يفكرون في طقوس الدم والتضحية بالأطفال وتقديمهم قَرابين لإبليس. هذه، بكل تأكيد، جوانبٌ من “الشيطانية”، لكن جوهر عبادة الشيطان هو عبادة الذات.تأمّل هذا الردّ الشيطانيّ على سؤال من ربّ العزّة أعلَمنا به القرآن الكريم: “قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ”.


مبدأ عبادة الذات مكتوبٌ في التعويذة التي يؤمن بها الشيطانيّون: “افعل ما تريد، ما تريده سيكون القانون كله”. أي، لا يوجد شيءٌ فوقنا يمكن أن يملي علينا كيف يجب أن نتصرف، وفقًا للشيطانيين. لا توجد أخلاقياتٌ تتجاوز ما يريد المرء أن يفعله. أيا كان ما يعتقد المرء أنه أخلاقي، فهو أخلاقي. يكفي أن يرى المرء بأن ما فعله أمر صائب وأخلاقي، ليكون أمرًا صائبًا وأخلاقيًّا.


وإذا كانت الأخلاق، بهذه الطريقة، تحدد ذاتها بذاتها، فوجُود مفهوم “الذنب” أمرٌ غير منطقي. كيف يمكن أن تكون مذنبًا إن كنت تعتبر نفسك المُشرّع؟ كيف يمكن أن تكون مُذنِبًا، إن كانت الفضيلة هي أن تفعل ما تريد؟


إن الليبرالية والشيطانية  تشتركان في هذا النفور من مفهوم الذنب والخطيئة، لأن الفكرة ذاتها تُقوّض مفهوم عبادة الذات. إن الاعتراف بالذنب، هو اعتراف المرء بأنه ارتكب خطأ، وأنه مسؤول أمام قوة عُليا،  للتبرير والتكفير عن هذا الخطأ. لكن العقل الليبرالي والعقل الشيطاني  يتلوّيان عند التفكير في هذا التسلسل الهرمي، عند التفكير في الخضوع لُحكم قوة عليا.


لذا فإن الليبراليين وعبدة الشيطان ينتهزون كل الفرص لتقويض مفهوم الذنب والخطيئة، والصحف والمنصات الإعلامية العالمية مثل نيويورك تايمز كثيرًا ما تُقدم لهم هذه الفرص. 


تسأل كاتبة المقال: “بما أنني لم أفلح في جعل ولدي يستوعب مفهوم الخطيئة، هل يعني هذا أنني فشلتُ في  إعطائه أساسًا أخلاقيًّا؟”. 


جوابُنا: نعم، بالضبط. 


“لقد سيطر مفهوم الخطيئة على طفولتي. إذ قد نشأت في ولاية أنديانا في ظل آباء أصوليين، وكانت الخطيئة هي المقياس الذي حُوكِمتُ به. لم تكن الأفعال والكلمات وحتى الأفكار في مأمنٍ من التدقيق والمراقبة. كان الإله وكأنه يدق في رأسي بمكبر الصوت مُعلنا: أنت إنسان غير صالح، أنت سيء، أنت سيء!. وكُنت أعاني من كوابيس متكررة، أرى رياحًا رهيبة تعصف في غرفة نومي، وكنت أعتقد أنها الإله، إله غير مرئي، إله انتقاميّ.”


من الواضح أن الكاتبة تعاني من مشاكل نفسية، ربما مشاكل تعود للطريقة التي أنشأها  عليها والداها ، الأب خاصة، وتعتقد أن لها علاقة بالمفهوم الديني للخطيئة. أو ربما تُعاني من المس، بالمعنى الحرفي. 


“ولكن بعد ذلك، عندما أصبحتُ في سن المراهقة، والْتحقتُ بمدرسة  عامة مختلطة،  بدأت نظرتي للعالم تتغير  ولو بقدر طفيف، لم يعد العالم العلماني يخيفني، بل أصبحتُ مفتونةً به. ولقد دفعتُ ثمن ذلك. ففي السابعة عشرة من عمري، بعد أن قُبض عليّ أُمارس “الزنا” مع صديقي  بالمدرسة الثانوية، تم إرسَالي إلى مدرسة إصلاحية مسيحية، أين يتعرض الأطفال للضرب باسم الرب.” 


في الحقيقة، إن كان الضرب سيجعل المراهقين والمراهقات يُعرِضون عن الزنا، فاستمرّوا بضربهم! شيءٌ آخر، من المضحك وضعُها لكلمة “الزنا” بين مزدوجتين، ماذا تقصد بذلك؟ 


“هناك، في الكنيسة، تعلمت أن  ثمّة صلة قوية بين التعصّب والنفاق.” 


نقول: لمجرد أنك عانيتِ من تجربة أقلُّ من ممتازةٍ مع الدين المسيحي،  لا ينبغي أن تُعممي القول بأن كل الأديان سيئة. لم يخطر ببالها أبدا أن المسيحية قد تكون باطلة، وأنه قد يُوجَد دينٌ آخر صحيح. وهل تودين معرفة ماهو الدين الصحيح؟ سأعطيك تلميحًا: إنه الدين الذي يوجِب عقوبة “الجلْدِ” على مُمارِس “الزِّنا”. 


“لقد كنت أفقد إيماني بالتدريج، ولكن الحقائق المطلقة التي آمنت بها في طفولتي انهارت تمامًا عندما شاهدتُ سلسلة “Cosmos” للفيزيائي كارل ساجان، المكون من ثلاثة عشر جزءًا،  تضمنت نظرةً عامة على نظرية التطور التي أثارت فضولي وأنا طفلة، ولكنّ منطقها كان معقولًا تماما بالنسبة لي.” 


أيُّ إيمانٍ عميقٍ كان لديها، حتى تطلّب الأمر “برنامجًا تلفزيونيًّا” لِيَنهار.. لا بد أنه كان إيمانًا راسِخًا حقا.


“وبعد سنواتٍ من العيش حياة “علمانية”، أدركت أن تصوّري للخطيئة قد تطور وارتقى. لمّا كنت صغيرة، كان شغلي الشاغل دخول الجنة. لكنني اليوم أعتقد أن هذه الحياة هي الحياة الوحيدة التي سنعرفها. هذا الكوكب، هو وجودنا الوحيد. لم يعد يدفعني الخوف من جحيمٍ غير مُثبت. وإنما تدفعني مخاوف العالم الحقيقي، كالظلم وانعدام العدالة.”


بعبارة أخرى: هيلاري كلينتون أصبحت إلهها.


“أنا أربي  ابنَتَيَّ حسب قاعدتي الأخلاقية، بالنسبة لي، فإن أعظم خطيئة على الإطلاق هي الفشل في أن أكون مواطنا صالحًا في هذا العالم. لذا، فإن ما أعلمهما إياه هو الانفتاح على الآخرين بدل الانغلاق.”  


لم تستطع أن تقبل قانونًا أخلاقيًّا طلب منها ألّا تُمارس الجماع كخنزيرٍ بريّ، فاخترعت قانونها الأخلاقيّ الخاص. ويا للهول، كيف تصادف أن يكون قانونها الأخلاقي مُطابقًا تماما للنموذج المُسلَّم به في منصة الحزب الديمقراطي لعام 2018 بقيادة هيلاري كلينتون؟ 


“بدأنا في اصطحاب أطفالنا إلى المسيرات عندما كانت ابنتنا  الصغرى، دافيا، رضيعة نحملها على أكتافنا، وكانت ابنتنا تيسا، البالغة من العمر  ثلاثَ سنوات، ترقص بين صفوف المتظاهرين كما لو كانت حفلة جماعية. لقد خرجنا في مسيرة من أجل العدالة العرقيّة، ومن أجل حقوق المرأة. كنيستُنا هي الشارع، تجمُّعنا وتوحدُّنا هو حملتُنا الصليبية. كُنّا نعلم أطفالنا احترام الأرض والمحافظة عليها من خلال التقليل من إعادة التدوير.” 


زميلة صليبية

“إني أكون فخورة عندما أرى ابنتيَّ فاعلَتَيْن في مواجهة الظلم،  مشكِّكَتَيْن في العالم من  حولهما دائما.” 


نعم، جميل، فلتُشكك  ابنتَاكِ في كل شيء ما عدا العقيدة اليسارية المزيفة التي  تغذّيهما بها. جِديًّا، إن هذا إساءةٌ للأطفال، يجب أن يُؤخَذ هؤلاء الأطفال بعيدًا من طرف هيئة حماية الطفل. 


تُضيف الكاتبة: “ولقد ألهم نشاطهم حتى الأخرين. في عام 2016، ألّفت تيسا مع عشرين تلميذًا في المدرسة الابتدائية رقصةً جماعيّةً بعنوان: “أطفال من أجل هيلاري كلينتون” في بيركلي.” 


هذا مؤلم بحق. تخيل أن الأطفال يقتدون بهيلاري كلينتون، يتطلعون إلى أن يكونوا تلك القاتلة. 

التأثير الجميل والإنسانيّ لهيلاري كلينتون على الأطفال في ليبيا

“ابنتي، لها قانون أخلاقي، لم يُفرض عليها، ولم تتبعه قسرًا، ولكن من رغبتها الخاصة في جعل العالم مكانًا أفضل.” 


رغبتُها؟ أو ربما غسلكِ لدماغها. لقد حولت طفلاً بريئًا إلى روبوت بغير روحٍ مبغضٍ للّه. 


هذا ما يتوهّمه العلمانيون الليبراليون: أن كل الأطفال يولدون بفطرة الخنازير اليسارية. في الواقع، لدى جميع البشر، بشكل طبيعي، شعورٌ بالتواضع، ولهم القابلية للشعور بالخزي إذا ما اقترفوا ذنبًا، والشعور بأنهم مسؤولون أمام خالقهم. كلنا عندنا ضميرٌ  وهبنا الله إياه، حتى نلتفت إليه باستمرار طالبين منه العفو والمغفرة والخلاص. 


تماما مثل الشعور البدني، كالألم في الجسد، الذي هو طريقة الجسم  لإنذارنا خطرا ما  علينا أن نفعل شيئًا لمُعالجته، فإن الشعور بالذنب بعد الخطيئة هو طريقة قلبنا لإِخبارنا أن هناك  خطأ ما، وأن علينا مُعالجته. نحن بحاجة إلى العودة إلى الله دوما، وإلى توسُّل المغفرة.  


لكن العقلية الشيطانية تعتبر أن الشعور بالذنب هو عاطفة سلبية يجب استئصالها أو على الأقل تجاهلها والسخرية منها. هذا هو، بالذات، الفكر الدافع وراء جملة “لا تحكم علي”، ولقد أصبح هذا الهراء متداولًا في الأوساط الإسلامية للأسف. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق