بعد هدوء العاصفة..!
د.عبدالعزيز كامل
تفاعلات الحدث الإرهابي اليهودي حول مقتل الإعلامية الفلسطينية المظلومة شيرين أبو عاقلة؛ ستهدأ وتخف كغيرها من الأحداث الأليمة المهيجة للمشاعر الإنسانية، والمثيرة للانفعالات العاطفية، التي يوظفها الخبثاء والجهلاء عادة لأغراض التشكيك والتفريق.
لذلك فإن تلك التفاعلات الطارئة، والسجالات الناشئة؛ لا ينبغي أن تمر مر الكرام دون وقفات.. لعلنا نفيد مما فات لما هو قادم آت.
ومن تلك الوقفات:
(1)
أن الجدال الحاد في وسائل التواصل بين عموم الناس حول مسائل عقدية متعلقة بموتى غير الموحدين؛
كشف عن جهل فاضح عند جماهير غفيرة من عوام المسلمين -بل مثقفيهم- ببدهيات في الاعتقاد ومسلمات في الدين،
إلى حد وصل إلى تبرع البعض دون تورع بإدخال عموم المشركين إلى الفردوس في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،
مع اتهام منكري ذلك بأنهم تكفيريين متنطعين..!
(2)
أن هذا الجهل الفادح القادح الذي تورط فيه أيضا بعض من يفترض فيهم الفهم..
لا يعني سلامة مواقف من يحملون صحيح العلم؛ فلا تعفى المؤسسات والهيئات والكيانات العلمية والدعوية،
من المسؤولية عن ضعف قيامها باستفاضة البلاغ على مستوى عموم الأمة،
في معنى كلمة التوحيد نفسها، فضلا عن بقية حقوق كلمة الشهادة وشروطها وما يضادها وما ينقضها ..
(3)
أننا نرى في الجانب الآخر أن الجهود الحثيثة الخبيثة إعلاميا وتعليميا وثقافيا وفنيا من كيانات ومؤسسات وشخصيات العلمانيين المنافقين الكارهين للدين؛
قد نجحت إلى حد كبير في كسر الحصانة العقدية، بما أدى إلى انتشار أمراض «ضعف المناعة» الدينية عند طبقات كثيرة من جهلة المثقفين،
الذين ما عادوا يرون أهمية للمفاهيم المركزية في أصل الدين، ولا يفرقون بين معاني الكفر والإيمان فضلا عن لوازم الطاعة أو آثار العصيان ..
(4)
أن هناك واقعا صادما ربما لم ينتبه له الكثيرون، وهو أن العلمانية التي كان البعض يظنها تقتصر على الطبقات النخبوية السياسية أو الفكرية؛ قد تغلغلت وتمددت إلى قطاعات عريضة في المستويات الشعبية،
فانتشر العمى العلماني بجاهليته ليقسم غالب البلدان إلى شطرين منقسمين على بعضهما ..
قسم مناصر وممالئ لأفكار الكفار دون أن يدري أنه لا يدري، وقسم مناصر لثوابت الإسلام لكنه مكبوت مضغوط ومحاصر أمنيا وسياسيا، ومهمش إعلاميا واجتماعيا..
(5)
أنه لذلك فإن النزاع بين ضحايا العلمانية الجاهلية وبين حماة الدعوة الإسلامية سيطول، وهو قابل للتحول من نزاع إلى صراع ..
إذا لم يعاد النظر في أولويات تبليغ الدعوة، وفي أساليب نشرها وضوابط إعلانها والإعلام بها زمانيا ومكانيا،
وكذا في مراجعة آثار التراجع الحاد في جهود الداعمين لمسارها ومشاريعها، لتخطي عقباتها ومواجهة أعدائها.
(6)
أن إفاضة البيان وقت الحاجة حق واجب ؛ لكنه لا يمنع من مراعاة مقتضى الحال، وأن لكل مقام مقالا،
فكثير من الجدال حول جوانب الحدث الاعتقادية، كان لابد فيه من حكمة التبيين والتبليغ،
دون استجابة للاستفزازت التصادمية، التي تنتظرها للتصيد والتصعيد فئات البغي العلمانية.
(7)
أن استثمار الحدث ضد القتلة المجرمين كاد يضيع سياسيا وإعلاميا، وسط ضجيج القيل والقال حول أحكام صيغ العزاء للموصوفين بأنهم (أقربهم مودة)..
لينصرف عن مواجهة أهوال من هم (أشد الناس عداوة).. فلم تحظ خطورة جريمتهم، وجرائم داعميهم والمطبعين معهم -وسط الضجيج- بأدنى اهتمام
ولم يحط الأكثرون من أبعادها بأقل إلمام ، مع أن قطع الطريق على تغطيات المرأة الصحفية بقتلها المتعمد؛ كان على الأرجح للتغطية على خطوات أكثر خطورة وإجرامية..
(8)
أن كثيرا من المجادلات والسجالات التي ثارت في غير وقتها بين من ليسوا بأهلها؛
قد كان يكفي في مثلها أن يفصل في خلافها بكلمات علمية مفصلة أو تحسمها فتوى مؤصلة، ولو كانت مؤجلة..
تلقي في الطريق أنوارا وتلقم العاوين على العقيدة أحجارا..
ولكن الذي يحصل بعيدا عن ذلك أن ينشغل الكثيرون وقت الخلاف بصب مزيد من القطران على النيران..
فينقسم المتدينون أنفسهم على أنفسهم بعيدا عن أهل العلم، كلما تكرر ظرف مشابه في زمان أو مكان..
(9)
أن خلافات أهل الإسلام المعاصرين فيما لا يتصور الخلاف فيه؛ وتنازعهم فيما يجب أن يتفقوا عليه؛
يظهر أنهم لا يفقدون فقط القيادة السياسية الجامعة الواحدة، بل يفتقدون قبلها إلى الريادة العلمية العالمية الراشدة،
التي أوجب الله طاعتها وعزز القرآن مرجعيتها، في قول الله عز وجل في توجيه المختلفين في أمر من أمور الدين:
{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}
(النساء/٨٣).
وأولوا الأمر هنا هم العلماء الأمناء.. قولا واحدا..
دون تزيد أو مزايدة.
وللحديث بقية بإذن الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق