الخميس، 26 مايو 2022

يحتاج هنا لفظًا قبيحًا

 يحتاج هنا لفظًا قبيحًا


محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

يوما ما كنت أقرأ مذكرات عباس حلمي الثاني (ابن توفيق بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي باشا)، وأتذكر أني كتبت على هامشها كثيرا من السباب له.. بدأت تعليقاتي علمية، ثم انحدرت شيئا فشيئا، حتى صرت أكتب هذه العبارة «يحتاج هنا لفظا قبيحا»!!

كان شنيعا في التبرير لأبيه وجده، وكلاهما من كبار الخونة الأوساخ الذين أهدروا موارد البلاد وأفقروا أهلها ومكَّنوا للأجانب فيها، وكانت أيامهم مسخرة حقيقية، فإسماعيل له وقائع في إنفاق المال تشعر فيها أنه مخبول!!

ثم جاء ابنه توفيق، فاقترف الخيانة الكبرى، حيث سلَّم البلاد إلى الإنجليز، وظلت مصر سبعين سنة تحت حكمهم، وهي الفترة التي انتزع فيها الدين من مصر انتزاعا، وظهرت فيها أفكار الإلحاد والإباحية وغيرها!

في بداية مذكراته يصوغ عباس حلمي دفاعاته عن أبيه وجده بأسلوب ينطوي على الجاهل، لكنه يستفز ويستثير حمية الذي قرأ تاريخ هذه الفترة ويعرف ظروفها!

لأسباب بحثية، رجعت الآن إلى مذكراته، وتبسمت وأنا أقرأ تعليقاتي عليه.. لكن تعليقا منها بعينه أثار في نفسي المعنى الذي أكتب له هذا المنشور.

مدح عباس حلمي أباه الخائن توفيق بأنه:

«تزوج بواحدة في بلاد تشتهر بتعدد الزوجات، وكانت أول مرة يقوم فيها حاكم، وربما مواطن، بالتصرف بهذه الطريقة»

فكتبت إلى جواره هذا التعليق:

«ليته تزوج عشرة وزني بعشرين.. وترك الحكم ولم يخن الأمة ولم يسلم البلاد للصليبيين.. هذا إيراد سخيف تافه قبيح.. يشبه أن السيسي لم يتفوه أبدا بكلمة بذيئة!!»

نعم، فالسيسي فعلا لم يتفوه بكلمة بذيئة، ولكنه فعل من الجرائم ما تطيش أمامه كل بذاءات هذا الكوكب!! ولكن السيساوي المنافق يتمسح في “أدب” الرئيس، فيجعلها من فضائله التي يحاول بها مسح جرائمه!

منذ شهور،

أذيع أن السيسي استقدم مغنية إباحية في حفلة خاصة، ونشرت بعض الصور، ومنذ أيام أشيع أنه تزوج من وزيرة الصحة هالة زايد.. لست أهتم بهذه النوعية من الأخبار، لأنه لا يمكن معرفة الحقيقة من المبالغة، لا سيما والذين يذيعونها ليسوا من الثقات، ولا يبعد أن يكون عملهم هذا نوعا من الدعاية السوداء التي يبدو أنها انطلقت من جناح ما في أروقة هذه السلطة بعدما ضاقت ذرعا بالسيسي وحكمه!

والأهم أن هذه النوعية من الأخبار، حتى لو صحَّت، فهي في المرتبة الأدنى من الذنوب والخطايا، فالذنوب الخاصة كشرب الخمر والزنا ونحو ذلك، هي من الفسق، وهي -لوحدها- لا تستوجب خلع الحاكم ولا عزله في فقهنا الإسلامي، إلا إذا أمكن خلعه ونصب غيره بغير فتنة..

وأما الذنوب العظام فهي الكذب وغش الرعية وخيانة الأمانة وسفك الدماء والظلم والتعذيب، وموالاة الأعداء، وتبديل الشريعة، والتفريط في مصالح المسلمين، وإعانة العدو عليهم… إلخ!

وتلك هي الخطايا الكبرى، لا سيما الكفر، فإن الحاكم ينعزل بالكفر إجماعا كما قال ابن حجر، وأما الظلم والجور فخلاف الفقهاء في عزل الحاكم بهذا قائم على خلاف التقدير فيما يترتب على الخروج عليه.. ولهذا فإذا تغلب احد على ظالم لم يدافعوا عنه!

هذه الخطايا العظام هي التي ارتكبها السيسي في وضح النهار، وآخر ما رشح عن نواياه القانونية تبديل الشريعة في قوانين الأحوال الشخصية: الزواج والطلاق والحضانة والسفر!!

وتبديل الشريعة، واختراع غيرها، كفر لا يختلف فيه أحد!!

يا الله!!

كم يرتكب المزورون والمنافقون والكذابون من الخطايا؟!

هل سيأتي زمن يكتب فيه محمود السيسي أو ابنه مذكراتهما، فنقرأ هذه العبارة: وكان أبي مهذبا مؤدبا لطيفا، لم ينطق بكلمة بذيئة!!

وهل ستغرّ عبارته هذه أحدا من القارئين؟!

وهل قد يأتي زمن يكتب فيه أحدهم: ليته نطق بالبذاءات كلها ولم يحكم البلد؟!!

حسبوا التاريخ أصم أعمى عنهمُ .. قد نوَّموه بخطبة وطنين

ويراعة التاريخ تسخر منهمُ .. وتقوم بالتسجيل والتدوين

وكفى بربك للخليقة محصيا .. في لوحه وكتابه المكنون

لئن كذب المؤرخون، فالحمد لله هو خير الشاهدين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق