العبط والاستعباط... والهبل والاستهبال!
خواطر صعلوك
محمد ناصر العطوان
أنا من أولئك الذين يتركون المذياع مفتوحاً على إذاعة القرآن الكريم، وبرامج الفتاوى عندما أخرج من المنزل أو عندما أقود سيارتي، أو عندما أفتح التلفاز دون أن يكون لي رغبة في مشاهدة أي شيء سوى الشعور بأن التلفاز معي، وأشعر بوجود البركة طالما أن صوت القرآن يسري في الشقة، وطالما أن المشايخ ما زالوا يذكرون الناس بالحلال والحرام...
وبينما كنت على وضعية «الصامت» والمتأمل فإذ بمتصلة على الهواء مباشرة تسأل الشيخ في برنامج الفتاوى المعروض على إحدى القنوات الفضائية لدولة عربية، تقول في سؤالها:
- «أنا متزوجة وعن طريق الخطأ دخلت في علاقة مع شخص ما عبر الإنترنت وأحببنا بعضنا البعض، لكنني شعرت بالذنب بعد ذلك وأخبرته أن يتوقف وأنني لا أستطيع الاستمرار معه، لكنه ظل يتوسل بي للبقاء معه وعدم تركه. ماذا عليّ أن أعمل؟
بعيداً عن أسلوب المياعة والفجاجة والوقاحة والسيولة التي عُرض بها السؤال، وبعيداً عن كلمة «عن طريق الخطأ» التي تدل على الاستهبال والمسكنة، وبعيداً عن كونها متزوجة ودخلت في علاقة مع آخر بإرادتها، وبعيداً عن كونها استمرت في هذه العلاقة بإرادتها، وكانت توافر الوقت لهذه العلاقة أيضاً بإرادتها، ثم بعد ذلك تتصل بالشيخ لتقول له «عن طريق الخطأ»(!) فهل الخطأ بهذا المقدار من الاتساع والرحابة لكي تتحمل كلمة «الخطأ» كل هذا القدر من أولئك الكذابين والسماعين للكذب أيضاً؟
بعيداً عن كل ذلك، وبعيداً عن كل ما سبق، فقد نقلت نفسي من وضعية الصامت والمتأمل إلى وضعية الشاخر والمستنكر - أي الذي يصدر صوت شخير النائم ولكنه وهو يقظان- وانتظرت رد الشيخ عليها.
عزيزي القارئ، هناك أسئلة غريبة تمر علينا في الحياة لا تحتاج إلى إجابات بقدر ما تحتاج إلى صفع صاحبها لكي يستيقظ من حالة الهبل والعبط والمسكنة التي يعيشها.
- أنا طالب ثانوية عامة وأريد أن أحصل على نسبة جيدة تُؤهلني لدخول كلية جيدة أو بعثة محترمة، ولكني لا أملك الوقت للدراسة ولا أحب الدراسة... فماذا أعمل؟
- أنا موظفة راتبي أكثر من 1000 دينار، وبمجرد نزوله اشتري «البراندات» وأتسوق في المولات وأحب الطلعات، وراتبي ينفد في الأسبوع الثاني بعد نزوله، فماذا أعمل؟
- أنا أتعاطى المخدرات، وأضرب أختي الموظفة لكي آخذ منها الأموال، وقد شاهدت مسلسلاً تلفزيونياً يموت فيه البطل بجرعة زائدة، وقد كان يضرب أخته أيضاً، ومنذ سنتين مات لي صديقان في حادث سيارة بسبب التعاطي، وأشعر أني صحتي بدأت تتدهور... فماذا أعمل؟
- طلبت من زوجي أن يحضر لي خادمة، ورغم حرصي الشديد على أن تقوم الخادمة بكل متطلبات زوجي مثل أن تُحضر له الطعام وتغسل ملابسه وتوقظه من النوم للعمل، وتُعد له الشاي والقهوة... إلا أني لاحظت أن زوجي بدأ «يمد بوزه» في وجهي كلما عُدت من جمعة صديقاتي، ويبتسم في وجه الخادمة... ماذا أعمل؟
عزيزي القارئ، أنا شخصياً لا أملك إجابات عن كل هذه الأسئلة، فالإنسان هو الحيوان الوحيد الذي استطاع أن يكذب على نفسه، ولكن يبدو أن جميع الأسئلة تنتهي بسؤال «ماذا أعمل» ؟... وأنا أعتقد أن هذه الحالات العمل فيها هو«عمل ربنا» والذي له في خلقه شؤون، ولذلك فإن أجمل ما يمكن لك فعله هو أن تترك إذاعة القرآن الكريم تتلو آيات الذكر الحكيم على مسامعك بدلاً من سماع حالات الهبل. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
Moh1alatwan@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق