السبت، 27 مايو 2023

27 مايو 1873م: وفاة رفاعة الطهطاوي.. بذرة التغريب الأولى ومؤسس العلمانية في بلاد العرب

 27 مايو 1873م: وفاة رفاعة الطهطاوي.. بذرة التغريب الأولى ومؤسس العلمانية في بلاد العرب

رفاعة رافع الطهطاوي، إمام البعثة المصرية إلى فرنسا وواعظها، الذي أصبح بين عشيةٍ وضحاها بوقًا من أبواق هجمات التغريب والانبهار بالحضارة الغربية، ويعتبر هو المؤسس الأول للعلمانية في بلاد العرب …

المولد والنشأة:

وُلد رفاعة رافع الطهطاوي في 15 أكتوبر 1801م، بمدينة طهطا، إحدى مدن محافظة سوهاج، ونشأ في أسرة كريمة الأصل شريفة النسب،

فأبوه ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت الشيخ أحمد الفرغلي، ينتهي نسبها إلى قبيلة الخزرج الأنصارية.

حفظ القرآن الكريم، صغيرا، ثم المتون والمعلقات، ودرس الفقه والنحو

سافر رفاعة الطهطاوي إلى القاهرة، وهناك التحق وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817م

نقطة التحول في حياة الطهطاوي:

بعد سنوات قضاها رفاعة الطهطاوي في طلب العلم، ودراسة الشريعة، أرسلته الحكومة المصرية إلى فرنسا مع البعثات التعليمية، إمامًا للصلاة والوعظ مع البعثة، ولكنها كانت نقطة التحول وبداية مرحلة من جهوده المناهضة للشريعة، فقد انبهر الشيخ القروي المُعمّم بالحياة الفرنسية، وتخلّص من ملابسه الأزهرية، وتحرر تدريجيا من كل شيءٍ تعلّمه في الأزهر، من فقه وعبادات وأيضا من العادات والتقاليد المصرية، وصار فرنسيا قلبا وقالبا..

(حتى أنه أثناء عودته على السفينة إلى مصر، وجد بعض أهله وجيرانه في انتظاره، فصاح فيهم قائلا: أيها الفلاحون، مَن الذي جاء بكم لتكونوا في شرف استقبالي؟)

– عاد رفاعة الطهطاوي إلى مصر بوحهٍ غير الذي ذهب به..

تولّى رئاسة الترجمة في المدرسة الطبية، وأنشأ جريدة (الوقائع المصرية)، وألّف وترجم عن الفرنسية كتبًا كثيرة، وأسس مدرسة الألسن وعمل ناظرها، وهي المدرسة التي أوحى له الفرنسيون بإنشائها، والتي كانت مركزًا لبث الحضارة الغربية بين طلبتنا باسم العلم والثقافة، عندما استقدمت مصر أساتذة من فرنسا؛ لتدريس المواد في تلك المدرسة التي شوهت حضارة الإسلام

وبسبب راية التغريب والفَرْنَجَة التي رفعها الطهطاوي، فقد رضى الحاكم (محمد علي) وجميع أبنائه الولاة عن الشيخ رفاعة الطهطاوي، فقد بلغت ثروته يوم وفاته: (1600 فدان) غير العقارات، وهذه ثروته كما ذكرها علي مبارك باشا في خططه، فقد أهدى له إبراهيم باشا حديقة نادرة المثال في (الخانقاه)، تبلغ مساحتها، 36 فدانًا، كما أهداه محمد علي، 250 فدانًا بمدينة طهطا، وأهداه الخديوي سعيد، 200 فدانًا، وأهداه الخديوي إسماعيل، 250 فدانًا، بينما اشترى الطهطاوي نفسه 900 فدانًا، غير العقارات العديدة في بلده طهطا، وفي القاهرة،

– فماذا قـدّم الطهطاوي حتى يخلع عليه هؤلاء الولاة هذه الأموال والأراضي؟

جهود رفاعة الطهطاوي في مناهضة الشريعة:

رائد الإصلاح والتنوير كما يطلق عليه مؤيدوه، كان الثغرة الأولى التي نفذ منها الغربيون إلى عالمنا الإسلامي، فكما يقول المستشرق “جب”:

(كانت المصادر الأولى التي أخذ الفكر الأوربي يشع منها هي المدارس المهنية التي أنشأها محمد علي، والبعثات العلمية التي أرسلها إلى أوربا، وعلى رأسها مدرسة الألسن التي كان يشرف عليها العالم “الفذ” رفاعة الطهطاوي، وهو تلميذ جومار ألبار)

أما ما يتعلق بإعجابه الهائل بزيف الحضارة الغربية، فيقول في كتابه: “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”:

(والغالب أن الجلوس للنساء، ولا يجلس أحد من الرجال إلا إذا اكتفى النساء، وإذا دخلت امرأة على أهل المجلس ولم يكن ثَمَّ كرسي خالٍ قام لها رجل وأجلسها، ولا تقوم لها امرأة لتجلسها، فالأنثى دائمًا في هذه المجالس معظمة أكثر من الرجل، ثم إن الإنسان إذا دخل بيت صاحبه؛ فإنه يجب عليه أن يحيي صاحبة البيت قبل صاحبه ولو كبر مقامه ما أمكن، فدرجته بعد زوجته أو نساء بيته)

– يقول رفاعة في وصف المراقص:

(فالرقص في باريس دائمًا غير خارج عن قوانين الحياء، بخلاف الرقص في أرض مصر فإنه من خصوصيات النساء؛ لأنه لتهييج الشهوات، أما في باريس فإنه لا يُشم منه رائحة العهر أبدًا !! وكل إنسان يعزم امرأة يرقص معها، فإذا فرغ الرقص عزمها آخر للرقصة الثانية، وهكذا، وسواء أكان يعرفها أو لا، وتفرح النساء بكثرة الراغبين في الرقص معهن)

ثم يسهب الطهطاوي في وصف نوع الرقصات وشكلها؛ فيقول: (وقد يقع في الرقص رقصة مخصوصة؛ بأن يرقص الإنسان ويده في خاصرة من ترقص معه، وأغلب الأوقات يمسكها بيده)

(لا أدري ما علاقة الواعظ والإمام بالرقص والمراقص، وتلك الأماكن يا شيخ رفاعة)

دفاع رفاعة الطهطاوي عن قواعد الحضارة الغربية الباطلة:

يقول في أحد مؤلفاته، محاولاً تلبيس تلك القواعد العقلية الاعتزالية الغربية، لباس الشرع: (ومن زاول علم أصول الفقه، وفقه ما اشتمل عليه من الضوابط والقواعد؛ جزم بأن جميع الاستنباطات العقلية التي وصلت عقول أهالي باقي الأمم المتمدنة إليها وجعلوها أساسًا لوضع قوانين تمدنهم وأحكامهم؛ قلَّ أن تخرج عن تلك الأصول التي بُنيت عليها الفروع الفقهية التي عليها مدار المعاملات، فما يُسمى عندنا بعلم أصول الفقه، يشبه ما يُسمى عندهم بالحقوق الطبيعية أو النواميس الفطرية، وهي عبارة عن قواعد عقلية تحسينًا وتقبيحًا يؤسسون عليها أحكام المدنية.. وما نسميه العدل والإحسان يعبرون عنه بالحرية والتسوية، وما يتمسك به أهل الإسلام من محبة الدين والتولع بحمايته مما يفضلون به عن سائر الأمم القوة والمنعة يسمونه محبة الوطن)

رفاعة الطهطاوي والمرأة المسلمة:

وكعادة دعاة التغريب والانحلال تحت مُسمى التنوير والحداثة، يطالبون بتحرير المرأة، ورفع الظلم عنها، ولكنهم في الحقيقة يحاولون القضاء على كل حياء إسلامي رفيع؛ ولذا فقد نالت المرأة من كتاباته الكثير، فقد عاد الطهطاوي من فرنسا ليقول بملء فيه: (إن السفور والاختلاط ليس داعيًا إلى الفساد) ويُبرر لدعوته تلك بالاقتداء بالفرنسيين حتى في إنشاء المسارح والمراقص، وضمَّن ذلك كتابين: (تلخيص الإبريز في تلخيص باريز)، وكتاب (المرشد الأمين).

العوامل المؤثّرة في تكوين رفاعة الطهطاوي الفكري:

وعن هذا يخبرنا الأستاذ سالم مبارك في كتابه: (اللغة العربية.. التحديات والمواجهة)، فيقول عن رفاعة الطهطاوي: (تم تسليم الطهطاوي إلى أخطر مستشرق وداهية المستشرقين الخبثاء، إنه البارون الفرنسي “سلفستر دي ساسي”، فتنُوه وجعلوه يشاهد أروع المحافل والمراقص والحانات التي تتألق أنوارها، فتتألق معها مفاتن النساء، انتزعوه من بُؤس الصعيد وحواري وأزقة طهطا، وقضى في باريس 6 سنوات، فنسى كل ما يتعلق بالعروبة والإسلام)

انزوى رفاعة الطهطاوي في آخر حياته عن الساحة، وترك مكان الصدارة الذي ظل يشغله طيلة خمسين سنة يترجم علوم وأفكار أوربا والقوانين الوضعية ويرأس تحرير جريدة (الوقائع المصرية)، ويكتب المقالات ويؤلف الكتب ويقنن الأفكار، حتى وافته المنية في 27 مايو 1873م، بعد أن قام بالدور الأول في طمس معالم الحضارة الإسلامية وتحويلها لمسخ من الحضارة الغربية.

(سيقول أحدهم إنه رمز.. ومَن أنت حتى تتكلم عن الطهطاوي؟،، يا سيّدي هذا الكلام بالحرف من كتبه، اقرأ كتبه، ثم تكلّم)

– وتبقى حسنة الطهطاوي العظمى، هي حفيده: الدبلوماسي محمد فتحي رفاعة الطهطاوي، رئيس ديوان رئاسة جمهورية مصر العربية، الأسبق، والسفير، والمتحدث الأسبق باسم الأزهر،، فهو حالة بشرية نادرة من الوفاء والإخلاص، وقصة تفوق الخيال والعقل والمنطق، وما زال الرجل السبعيني يدفع ثمن وفائه وإخلاصه، رغم أنه لا ناقة له ولا جمل في ذلك، فهو غير (مُؤدلَج)،، نساه الناس، ولا يتذكّره أحد،،

ولذا يقول صلاح عبد الصبور:

هذا زَمنُ الحقِّ الضائِع/

لا يعرفُ فيه مقتولٌ مَنْ قاتِلُهُ ومتى قتَلَه/

ورؤوسُ الناس على جثثِ الحيوانات/

ورؤوسُ الحيواناتِ على جثثِ الناسْ/

فتحسّس رأسَك!

فتحسّس رأسَك!

ـــــــــــــــــــــ

مصادر

يسري الخطيب



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق