أعمال السيادة ابتدعها القضاء لحماية استقلاله وصون حياده عن العمل السياسي
السياسة والعدالة
السياسة والعدالة في قول مأثور ضدان لا يجتمعان، وإذا اجتمعا لا يتمازجان، والواقع أنهما مختلفان في الطبيعة والوسيلة والغرض، فالعدالة من روح الله والسياسة من صنع الإنسان ليحمي بها القضاء استقلاله من الولوج في صراع سياسي مع السلطة السياسية وهو صراع غير متكافئ.
نظرية أعمال السيادة
من الخطأ الظن بأن نظرية أعمال السيادة التي تحصن القرارات والقوانين الصادرة في شؤون الحكم من رقابة القضاء سندها الوحيد المادة (2) من قانون تنظيم القضاء في الكويت، ومن قبله قانون إنشاء مجلس الدولة الصادر سنة 1946 في مصر، بل هي نظرية تدين بنشأتها إلى القضاء الفرنسي والأميركي، منذ أوائل القرن الثامن عشر، وقد أصبحت هذه النظرية في العالم كله قضاء مستقراً ليحصن نفسه من التوغل على اختصاص السلطتين التشريعية والتنفيذية في شؤون الحكم، وهما سلطتان سياسيتان، وذلك صوناً لرسالة العدل التي يحملها القضاء، ونأياً به عن العمل السياسي، فالسياسة وفقا للقول المأثور السابق تبقى مصلحة، والعدالة تطلب حقاً، وليس أقدر من السلطة السياسية، وهي تمارس شؤون الحكم على وزن مقتضيات الضرورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تُـلجئ رئيس الدولة الى استخدام سلطته الدستورية في حل مجلس الأمة من السلطة السياسية المتمثلة في رئيس الدولة، وقد اعترفت المحكمة الدستورية في الطعون الانتخابية العديدة التي فصلت فيها عبر عقود من الزمن عندما قررت بأنها تكون مقيدة فيها بضوابط العمل القضائي وضماناته، بعيداً عن العمل السياسي في حساباته وتقديراته.
(أحكام المحكمة في الطعون أرقام 10 لسنة 2006 و9 و39 لسنة 2008)
الحكم ببطلان حل مجلس الأمة
لهذا أثار الحكم الصادر من المحكمة الدستورية في الكويت بتاريخ 15 مارس 2023 بإبطال عملية الانتخاب برمتها التي أجريت بتاريخ 2022/9/29 في الدوائر الخمس وبعدم صحة عضوية من أُعلن فوزهم فيها لبطلان حل مجلس الأمة وبطلان دعوة الناخبين... إلخ، أثار الدهشة خروجها على ضوابط العمل القضائي إلى حسابات العمل السياسي وتقديراته، فضلاً عن تساؤل حول الدور السياسي للقضاء في منظومة الحكم الديموقراطي خاصة، وقد خرج هذا الحكم على حدود ولاية القضاء التي استبعد منها قانون تنظيم القضاء رقم (23) لسنة 90 أعمال السيادة التي يندرج تحتها مرسوم حل مجلس الأمة ومرسوم دعوة الناخبين إلى الانتخابات لأن غايتهما الاحتكام إلى الأمة مصدر السلطات فيما تمارسه من سيادة إعمالا للمادة (6) من الدستور.
والواقع أن قانون تنظيم القضاء رقم (23) لسنة 90 فيما نصت عليه مادته الثانية من أنه «ليس للقضاء النظر في أعمال السيادة» إنما رددت إرثاً قضائياً خلال أربعة قرون مضت، ويطبقها القضاء في العالم كله حتى الآن دون نص تشريعي، وجاءت تفعيلاً لمبدأ دستوري قرره الدستور الكويتي فيما تنص عليه المادة (6) من الدستور من أن الأمة مصدر للسلطات جميعاً، تمارس سيادتها على النحو المبين في الدستور، وتطبيقاً سليماً لمبدأ الفصل بين السلطات الذي قرره الدستور في المادة (50) فيما نصت عليه من أنه «يقوم النظام على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور». ومن ثم يكون مرسوم الحل الصادر طبقا للمادة (107) من الدستور وغايته الاحتكام إلى الأمة، هو عمل من أعمال السيادة التي تمارسها الأمة مباشرة من خلال إعادة اختيار ممثلها في مجلس الأمة ومن خلال إعادة تشكيل الوزارة عند بدء الفصل التشريعي، إعمالاً للمادة (57) من الدستور فلا يجوز لسلطة من السلطات التي خرجت من رحم الدستور أن تحول دون الاحتكام إلى الأمة مصدر السلطات جميعاً بإبطال مرسوم الحل.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق