جامعة الدول العربية بعد عودة الأسد “هيئة بلا أنياب”
تقرير إعداد الإعلامى
هشام محمود
عضو منظمة “إعلاميون حول العالم”
قالت صحيفة “الفايننشال تايمز”؛ إن دعوة السعودية لرئيس النظام السوري بشار الأسد لحضور القمة العربية في جدة، يبعث برسالة مرعبة لضحايا النظام، لأن الأسد الذي يحضر أول قمة منذ 2010 لا يزال هو نفسه “المستبد الذي عذب وسجن وقصف وضرب بالغاز، وحاصر الشعب الذي من المفترض أن يخدمه”.
وأكدت الصحيفة أن حضور الأسد للقمة العربية سيكون يوما حزينا للدبلوماسية العربية، ويرسل رسالة مفزعة لضحايا فظائع النظام، مفادها أن الأسد يمكن أن يستمر في الإفلات من العقاب.
في عام 2011، قرر أعضاء جامعة الدول العربية تعليق عضوية سوريا، لمعاقبة الأسد جراء قمعه العنيف لانتفاضة شعبية سلمية إلى حد كبير، وفشله في الالتزام بمبادرة سلام عربية.
بينما أدت محاولة النظام الوحشية لسحق الاحتجاجات إلى اندلاع حرب أهلية، ودعمت دول الخليج الثرية المعارضة التي قاتلت للإطاحة بالأسد. ومع ذلك، بعد مضي عشر سنوات، ومقتل ما لا يقل عن 300 ألف شخص وإجبار 12 مليونا على ترك منازلهم، اختارت معظم الدول العربية الترحيب بعودة الأسد إلى الحظيرة.
وأكدت الصحيفة أن جامعة الدول العربية، هيئة بلا أنياب إلى حد كبير. لكن قرار إعادة القبول بوجود سوريا، الذي اتخذه وزراء الخارجية هذا الشهر، يمنح انتصارا دبلوماسيا غير ضروري وغير مبرر “لمجرم حرب وشركائه في الجريمة “إيران وروسيا” .
وتسارعت وتيرة إعادة التواصل مع الأسد بعد موجة من الدبلوماسية بقيادة السعودية. جاء ذلك بعد أن توسطت الصين في صفقة أدت إلى موافقة المملكة على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع خصمها اللدود إيران.
وأشارت الصحيفة إلى أن المطبعين مع الأسد يبررون ذلك بأنه نهج سياسي واقعي، يعترف بأن الأسد لن يذهب إلى أي مكان بعد استعادته السيطرة على معظم البلاد بدعم عسكري من موسكو وطهران، وأن الدول العربية بحاجة إلى معالجة المشاكل التي تنتشر عبر الحدود.
ومن هذه المشكلات، أزمة اللاجئين والاتجار غير المشروع بمخدر الكبتاغون، وهو عقار يسبب الإدمان ويمثل شريان الحياة الاقتصادي لدمشق، وصداعا متزايدا لبلدان مثل الأردن والمملكة العربية السعودية. ولكن بإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، تمت مكافأة الأسد دون تقديم تنازلات أولا لتخفيف معاناة السوريين.
وقالت الصحيفة؛ إن الفكرة القائلة بأن 6 ملايين لاجئ سوري في الخارج سوف يندفعون إلى الوطن إذا ضخت دول الخليج أو غيرها أموالا لإعادة بناء المدن التي دمرتها قوات الأسد، هي فكرة خيالية. ويخشى الكثير على حياتهم؛ إذ لا يزال عشرات الآلاف من السوريين محتجزين بشكل تعسفي أو “مختفين”.
“سيد الفوضى”.. كيف دمر بشار الأسد سوريا ليبقى في الحكم؟
عرض فيلم “سيد الفوضى” -الذي بث بتاريخ (2021/7/25)- المعادلة التي أقرها رئيس النظام السوري بشار الأسد؛ “إما أنا أو الفوضى” و “بشار أو تنظيم الدولة”.
ورسم الفيلم ملامح تحول بشار الأسد من شخص كان الغرب يعول عليه لتحديث النظام السوري وإصلاحه من الداخل؛ إلى دكتاتور وسفاح يقتل شعبه من أجل البقاء في السلطة، بفضل الدعم الإيراني والتدخل الروسي.
وقد ورث بشار الأسد واحدة من أكثر الدكتاتوريات وحشية في الشرق الأوسط، وقصرا منيفا على مرتفعات دمشق، بعد وفاة والده عام 2000.
واندلعت الثورة السورية مطلع العام 2011 بمظاهرات محدودة، وفي 18 مارس/آذار 2011 كتب شبان من درعا على جدار مدرستهم “جاك الدور يا دكتور”، وأثار اعتقالهم وصنوف التعذيب التي تعرضوا لها موجة احتجاجات اجتاحت البلد، مدينة بعد مدينة، وقابلها بشار بالقمع والتنكيل بالمعتقلين.
ويروي السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد لقاءه بشار الأسد وسؤاله له عن مدى قلقه من وصول رياح التغيير إلى سوريا؟ فأجاب بأنه مطمئن لأن الشعب السوري يدعمه ويساند حكومته كل المساندة، لكن مظاهرة عفوية في سوق الحريقة خرجت بعد أسبوعين، وقد صوّر سوريون ما جرى عبر هواتفهم المحمولة.
واقترح الأميركيون بعد اندلاع المظاهرات مساعدة بشار على الدخول في مناقشات مع قادة المعارضة، ورحبت الحكومة السورية بالحوار، وطلبوا من أميركا مساعدتهم على تنظيمها، ولكن كلما اقترب موعد جولة حوار تحركت الشرطة السرية
المسار المسلح
ويقول المعارض المنشق عن النظام السوري فراس طلاس -وهو نجل وزير الدفاع السوري السابق- إن بشار رفض الإصلاحات وقرر أن يستخدم الجيش ضد المتظاهرين، بعد أن كان مترددا في الأسابيع القليلة الأولى، وقد عقدت عائلة الأسد اجتماعا في بيت العائلة ثم اتفقت على إنزال الجيش وإطلاق يده ضد المحتجين، ويؤكد أن والدة بشار أشارت عليه أن يسلك نهج أبيه.
وأضاف أن بشار لا يهمه الدمار الذي لحق بالبلد طالما أنه سيبقى رئيسا، وأنه لن يتنحى أبدا عن السلطة حتى لو اتفقت كل الأطراف على إزاحته.
وقرر معارضوه تسليح أنفسهم بمساعدة منشقين عن الجيش، لكن تعامل النظام ازداد ضراوة وأخرج أسلحته الثقيلة، وفي صيف 2011 فقد بشار السيطرة على نصف أراضي سوريا، ما دفعه للزج بالجيش كله في المعركة دون تمييز بين مقاتل ومدني، وهو الأمر الذي أثار الرأي العام العالمي.
وسعت أميركا وحكومات أخرى إلى توحيد المعارضة، وتقوية شوكتها للتفاوض على عملية انتقالية، ورصدت مبالغ كبيرة وصلت إلى مئات الملايين من اليوروهات للتسليح وتدريب فصائل ثورية سورية، ولم يعد جيش بشار مسيطر إلا على ثلث البلاد.
وفي 21 أغسطس/آب 2013 قصفت قوات الأسد منطقة الغوطة بأسلحة كيميائية، مما أسفر عن مقتل المئات، كثير منهم أطفال، وأعلنت الإدارة الأميركية أن استخدام الأسلحة الكيميائية خط أحمر، وطلب الرئيس الأميركي السابق بارك أوباما من الجيش إعداد رد لا يستهان به.
وتحدث المعارض السوري مازن درويش -المعتقل السابق في السجون السورية- عن تعرضه للتعذيب، وكان أول سؤال يسمعه “لماذا لا تحب بشار الأسد؟” ويضيف أصبح التعذيب بعد عام 2012 لعبة بيد النظام وهدفا في حد ذاته لتحطيم السجين.
تخلي الغرب
وبعد تنكيل الجيش السوري بالمدنيين تخلى الغربيون الذين كانوا يدعمون بشار الأسد عنه، وقال الرئيس أوباما “قلتها مرارا وتكرارا إن الرئيس الأسد فقد شرعيته ويجب أن يرحل بدلا من إغراق بلاده في حرب أهلية، ينبغي عليه أن يقبل انتقالا سياسيا معقولا”.
وعبّر وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس عن دهشته من تحول بشار من الرئيس “اللطيف” -الذي زار الإليزيه للقاء الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي واجتمعا حول مأدبة عشاء بحضور زوجتيهما وعدد قليل من الحضور في نوفمبر/تشرين الثاني 2010- إلى شخص يأمر لاحقا بإسقاط براميل متفجرة من طائرات الهليكوبتر على السكان المدنيين.
مسارات الحل
ومع اشتداد الحرب شهد العالم أزمة هجرة غير مسبوقة، وكان للدول الأوروبية النصيب الأكبر من المهاجرين، ولإيجاد حل للصراع ووقف تدفق اللاجئين بدأت في عام 2012 مفاوضات دولية تحت رعاية الأمم المتحدة تهدف إلى تشكيل حكومة انتقالية في دمشق فيها معارضة ديمقراطية وشخصيات من النظام سمعتها مقبولة.
تنظيم الدولة
لم تخفِ الحكومة الأميركية خشيتها من أن سقوط الأسد فجأة قد يسمح للمتطرفين بالسيطرة على السلطة. واستغل بشار الوضع ليستثمر تلك المخاوف، وقد أطلقت حكومته سراح العديد من الجهاديين منذ بداية الثورة، وفي أواخر عام 2012 وطأت أقدام تنظيم الدولة الأرض السورية بعد العراق.
وسرعان ما توسع التنظيم حتى أحكم سيطرته على مدينة الرقة عام 2014، وبات التخادم واضحا بين قوات الجيش السوري ومقاتلين تنظيم الدولة حول مدينة حلب ضد قوات المعارضة، كما دأب بشار الأسد على تقديم نفسه لأميركا وأوروبا بأنه بديل للمتطرفين.
التدخل الروسي
وقد ناقش الأسد مع الرئيس فلاديمير بوتين الحرب على تنظيم الدولة، لكن الواقع كان يبحث عن دعم عسكري من شأنه أن يغير ميزان القوى لصالحه. وتدخل رسميا الجيش الروسي على نطاق واسع في سوريا لضرب تنظيم الدولة؛ وهو العدو الذي استفاد بشار من وجوده.
واستعادت قوات بشار في 2016 جزءا كبيرا من الأراضي التي فقدتها قبل ذلك في 5 سنوات. وشاهد الأوروبيون والأميركيون الدمار الرهيب الذي صاحب العملية، واكتفى الغرب بفرض عقوبات على الزعيم السوري ومقربين منه، لكنّ يديه أطلقت لاستعادة مناطق خرجت عن سيطرته.
الأسد.. عنوان جديد للخلاف بين الخليج والغرب
بعد سنوات طويلة من العزلة بدأت العلاقات العربية السورية استعادة بعض زخمها في الفترة الأخيرة، بعد مبادرات للتطبيع مع دمشق ضمت دولاً أساسية في المنطقة على رأسها السعودية والإمارات ومصر.
التقارب السوري الخليجي وجه الأنظار نحو زاوية أخرى وهي الموقف الغربي الرافض عادة للتقارب مع نظام بشار الأسد، وهو ما قد يخلق أزمة جديدة بين دول الخليج من جهة، والولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى، علاوة عن الأزمة القائمة فعلياً بسبب النفط والحرب الروسية الأوكرانية.
قمة الرياض
وفي 2 أبريل 2023، قالت ثلاثة مصادر مطلعة لوكالة “رويترز”، إن السعودية تعتزم دعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد لحضور القمة العربية التي تستضيفها الرياض في 19 مايو المقبل، وهي خطوة من شأنها إنهاء عزلة النظام الإقليمية رسمياً.
والشهر الماضي، ذكرت مصادر لـ”رويترز” أن السعودية والنظام السوري اتفقا على إعادة فتح سفارتيهما بعد قطيعة دامت 12 عاماً، وذلك بعد محادثات في الرياض أجراها مسؤول استخباراتي سوري رفيع المستوى.
ووفق المصادر، التي تحدثت للوكالة من دون ذكر اسمها، فإن مدير المخابرات العامة السورية، اللواء حسام لوقا، مكث أياماً عدة في الرياض، وتم التوصل إلى اتفاق لإعادة فتح السفارتين في القريب العاجل.
وفي 8 مارس الماضي، قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في تصريحات صحفية، إن زيادة التواصل مع النظام السوري قد تمهّد الطريق لعودته إلى جامعة الدول العربية، مع تحسن العلاقات بعد عزلة تجاوزت عشر سنوات.
أما الإمارات فقد أعادت فتح سفارتها في دمشق في العام 2018، بعد إغلاقها منذ بداية الصراع في سوريا عام 2011.
وقالت الخارجية الإماراتية، آنذاك، إن “فتح السفارة يؤكد حرص حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة على إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي”.
وفي العام 2021، أعلنت مملكة البحرين تعيين أول سفير لها في سوريا منذ أن خفضت مستوى العلاقات في 2011.
أما سلطنة عمان فكانت من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقات دبلوماسية مع النظام السوري بعد أزمة عام 2011، لكنها خفضت مستوى التمثيل.
الإجماع العربي.. شرط
وعلى صعيد الكويت، فإنها أكدت في أكثر من مناسبة أنها لن تعيد علاقتها مع نظام الأسد إلا بقرار من جامعة الدول العربية، ما يعني أنها مع الإجماع العربي؛ فهذا القرار على صعيد استعادة العلاقات ربما لن يكون صعباً وفق مراقبين في حال قررت غالبية الأعضاء بالجامعة العربية عودة سوريا لمقعدها.
ولا يختلف الموقف القطري كثيراً عن الكويت فقد اشترطت الدوحة، في مارس الماضي، توفر الإجماع العربي لاستعادة العلاقات مع النظام السوري.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية، د. ماجد الأنصاري، في تصريحات صحفية في 28 مارس الماضي، إنه “لا يوجد حتى الآن إجماع عربي حول عودة النظام السوري للجامعة العربية، ودولة قطر تتعامل مع هذه القضية باعتبارها من أولويات القضايا العربية، لذلك فإن الإجماع العربي فيها محل اهتمام، وحتى يتوافر هذا الإجماع الذي يأتي نتيجة تطورات إيجابية على الساحة السورية لا نراها ماثلة أمامنا نعتقد أنه لن يكون هناك أي تغير من الموقف القطري”.
هذا كله يشير إلى تطورات متسارعة في المواقف الخليجية بشأن عودة العلاقات مع نظام الأسد، وهو ما قد يثير غضب الدول الغربية التي ترفض ذلك.
ذهول الولايات المتحدة
وفي هذا الشأن نقل مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “ذهول” الولايات المتحدة من تقارب الرياض مع إيران وسوريا.
جاء ذلك وفق ما نقلته “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في 6 أبريل 2023، حيث كشفت أن بيرنز أعرب، خلال زيارة غير معلنة للسعودية، عن استيائه من قرار سلطات المملكة العربية السعودية بتحسين العلاقات مع إيران وسوريا.
وبحسب الصحيفة، فقد قال بيرنز لولي العهد السعودي إن الولايات المتحدة الأمريكية “صدمت بتقارب الرياض مع إيران وسوريا، اللتين لا تزالان تحت العقوبات الغربية”.
واعتبر تحليل نشره موقع “المونيتور”، في 26 مارس الماضي، أن الأسد تحول إلى رمز لسياسة عربية وخليجية حالية تحاول صياغة أسلوب مستقل نسبياً عن شركائها الغربيين، وعنصراً لإبراز طموحات دول خليجية في أن تصبح مراكز قوى عالمية.
وقال التحليل، الذي كتبه السياسي والباحث المخضرم جيل كيبييل، إن بشار الأسد فرشت له السجادة الحمراء في زيارته الرسمية الثانية إلى الإمارات في 19 مارس الماضي، بعد أسبوع من زيارته لسلطنة عمان؛ وهو ما يظهر أن عزلته على المسرح العربي قد تنتهي.
ويعتبر كيبييل أن حالة الأسد ليست سوى عرض لتغير أعمق بكثير في الشرق الأوسط، فالأجندة الغربية، التي جعلت الأسد منبوذاً بسبب اتهامات الإبادة الجماعية ضد شعبه، يتم تنحيتها الآن مع التغير الكبير في المنطقة الناجم عن اختلال العلاقة بين قوى إقليمية، وخاصة السعودية والإمارات، وحلفائها الغربيين التقليديين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق