الأحد، 28 مايو 2023

أحكام الإعدام ومراكز القوى في مصر

 أحكام الإعدام ومراكز القوى في مصر

قطب العربي


 قررت إحدى الدوائر الاستثنائية المصرية إحالة أوراق قضية ما عرف بمذبحة المنصة (يوم 26 يوليو 2013) إلى المفتي، تمهيدا لإصدار حكم الإعدام بحق المتهمين في تلك القضية وعلى رأسهم المرشد العام لجماعة الإخوان ونائبه، والوزير السابق أسامة ياسين وبعض البرلمانيين والدعاة. وقد جاء هذا القرار بعد فترة هدوء نسبي جاوزت العام منذ صدور آخر حكم بالإعدام في آذار/ مارس من العام الماضي، ليكشف جانبا من تباين مواقف مراكز القوى داخل النظام بين من يريد تهدئة جزئية، أو من يريد تصعيدا، وكلاهما بهدف الحفاظ على النظام.

القضية التي أحيلت أوراقها إلى المفتي هي نموذج للمحاكمات الصورية الانتقامية من الخصوم السياسيين، ومعاقبة الضحايا مع ترك الجناة بل وتكريمهم. فأحداث المنصة التي وقعت عقب 3 أسابيع من الانقلاب العسكري، كانت بدايتها بمحاولة رجال الشرطة مدعومين بمليشيات ترتدي ملابس مدنية للاعتداء على المعتصمين السلميين في ميدان رابعة، وقد تصدى لهم المعتصمون، ومات في ذلك اليوم أكثر من مائة معتصم، وكذا بعض المعتدين من رجال الشرطة والمليشيات التابعة لهم. وظلت تلك القضية تنتقل من النيابة إلى المحكمة منذ ذلك الوقت حتى صدر القرار الأخير تمهيدا لإصدار الحكم يوم 20 أيلول/ سبتمبر المقبل، والذي سيكون حكما نهائيا لا يجوز الطعن عليه كونه صادرا من محكمة استثنائية، حتى إن رأي المفتي هو أمر شكلي ليس ملزما للمحكمة.

القضية التي أحيلت أوراقها إلى المفتي هي نموذج للمحاكمات الصورية الانتقامية من الخصوم السياسيين، ومعاقبة الضحايا مع ترك الجناة بل وتكريمهم. فأحداث المنصة التي وقعت عقب 3 أسابيع من الانقلاب العسكري، كانت بدايتها بمحاولة رجال الشرطة مدعومين بمليشيات ترتدي ملابس مدنية للاعتداء على المعتصمين السلميين في ميدان رابعة، وقد تصدى لهم المعتصمون

وهذه القضية مثل العديد من القضايا التي سبقتها هي محض انتقام سياسي للنظام من خصومه ومعارضيه، وقد سبق للنظام المصري تنفيذ الإعدام بحق 105 مواطنين، في حين يوجد 95 آخرون صدرت بحقهم أحكام إعدام نهائية وينتظرون التنفيذ في أي لحظة، ناهيك عن مئات الأحكام غير النهائية الأخرى، بما يجعل مصر تتصدر عالميا في أحكام الإعدام وتنفيذها، بينما يتجه العالم إلى إلغاء عقوبة الإعدام حماية لأرواح قد تُزهق بأحكام خاطئة لا يمكن استدراكها بعد التنفيذ.

نعود إلى قصة خلافات مراكز القوى داخل النظام المصري، والتي ظهر جانب منها في قضية الإعدامات التي كانت تسير بوتيرة متسارعة من قبل، ثم اختفت لأكثر من عام، كان من الواضح أن الأصوات التي تتبنى التهدئة هي الغالبة في تلك الفترة، وقد أنجزت إضافة إلى ذلك عدة أمور شكلية أخرى، منها ما عرف بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، واعتبار عام 2022 عام حقوق الإنسان في مصر، ثم شكلت لجنة العفو الرئاسي، وأخيرا الحوار الوطني.

كانت تلك الجهة هي المخابرات العامة، وقد انطلقت من واقع خبراتها السابقة منذ الستينيات في ضرورة السماح بقدر من التنفيس على طريقة "طنجرة الضغط"، فقليل من التنفيس في نظرها كفيل بمنع الانفجار، بينما وقف جهاز الأمن الوطني، وريث أمن الدولة والبوليس السياسي، موقفا معاكسا تماما، إذ يرى أن أي مساحة مهما صغرت من التنفيس تسمح بتوسيعها، وخروج الأمر عن السيطرة كما حدث في ثورة 25 يناير 2011.

لم تمر خطوات التنفيس التي ذكرناها بسلام، إذ تصدى لها جهاز الأمن الوطني فأفرغها جميعا من مضمونها، بدءا باستراتيجية حقوق الإنسان التي ظلت محض حبر على ورق، ثم لجنة العفو الرئاسي التي لم تفرج إلا عن أعداد محدودة جدا، بينما كانت هناك اتفاقات بين القوى السياسية والمخابرات العامة على قوائم لأعداد كبيرة تجاوزت الألف في إحداها.

لم تمر خطوات التنفيس التي ذكرناها بسلام، إذ تصدى لها جهاز الأمن الوطني فأفرغها جميعا من مضمونها، بدءا باستراتيجية حقوق الإنسان التي ظلت محض حبر على ورق، ثم لجنة العفو الرئاسي التي لم تفرج إلا عن أعداد محدودة جدا، بينما كانت هناك اتفاقات بين القوى السياسية والمخابرات العامة على قوائم لأعداد كبيرة تجاوزت الألف في إحداها

وقد حرص هذا الجهاز أيضا على إفشال ما يسمى بالحوار الوطني رغم أنه يجري بين معسكر 30 يونيو فقط، وكان من علامات ذلك رفض الإفراج عن رموز وكوادر الأحزاب المشاركة في الحوار (وقد كان الإفراج شرطا مسبقا لهم للمشاركة في الحوار)، بل لم يقتصر الأمر على ذلك، إذ عمد هذا الجهاز إلى اعتقال المزيد خلال فترة الحوار الوطني، وفي يوم انطلاق جلسته الافتتاحية تم اعتقال أحد الصحفيين في تحدٍّ ظاهر، وهو ما استوجب ردود فعل معاكسة من الطرف الآخر، ومن نقابة الصحفيين، أسفرت في النهاية عن إطلاق الصحفي في نفس اليوم وقبل بدء جلسة الحوار تجنبا لتهديد نقابة الصحفيين بعدم المشاركة. ثم كان هذا المظهر الأخير الخاص بالإعدامات، إذ نجح فريق التهدئة في وقف صدور أحكام جديدة على مدار أكثر من عام، لكن الأمن الوطني تمكن أخيرا من قطع ذلك الطريق بهذه الأحكام الجديدة.

من المفترض نظريا أن ينحاز السيسي إلى موقف المخابرات التي يجلس على رأسها صديقه الحميم اللواء عباس كامل، والتي تعتقد أن قدرا قليلا من التهدئة، وانتخابات رئاسية أقل فجاجة في العام المقبل؛ هي أمور ضرورية لبقاء النظام، لكنه -أي السيسي- ينحاز عمليا في الغالب إلى رؤى الأمن الوطني الأكثر تشددا واحترازا

من المفترض نظريا أن ينحاز السيسي إلى موقف المخابرات التي يجلس على رأسها صديقه الحميم اللواء عباس كامل، والتي تعتقد أن قدرا قليلا من التهدئة، وانتخابات رئاسية أقل فجاجة في العام المقبل؛ هي أمور ضرورية لبقاء النظام، لكنه -أي السيسي- ينحاز عمليا في الغالب إلى رؤى الأمن الوطني الأكثر تشددا واحترازا، ذلك بحكم ما يسكنه هو شخصيا من هواجس يغذيها جهاز الأمن الوطني نفسه.

السيسي الذي ظهر مؤخرا في الروضة الشريفة باكيا، وشاكيا من التدهور الكبير للأوضاع في مصر، والذي هرع وزير أوقافه لتنظيم صلوات علنية على النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم عقب صلاة الجمعة طلبا للتساهيل وفك الكروب؛ هو نفسه الذي يتسبب في المزيد من الكروب للوطن، بسياساته الغاشمة، وبإزهاقه لأرواح الأبرياء عبر محاكمات صورية، وصدق من قال "ألا أيها المستبشرون بقتلهم أطلت عليكم غمة لا تفرج".

twitter.com/kotbelaraby


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق