رجلٌ أتعبَ الخليفة !
روى «مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي» في كتابه «غذاء الأرواح بالمُحادثة والمزاح»، أن أبا جعفر المنصور كان يدخل البصرة في أيام بني أُميَّة مستتراً متخفياً، فيجلس في حلقة المُحدِّث «أزهر السَّمان»، فلما زالت دولة بني أُمية وأفضت الخلافة إلى بني العباس، فولِيَها أبو العباس السفاح، ثم جاء بعده المنصور، جاء أزهر السَّمان إليه مُمنِياً نفسه بالمال مما كان بينهما من صحبة قديمة!
فرحَّبَ به المنصور، وقال له: ما جاءَ بكَ؟
قال: جئتُكَ طالباً!
فأعطاه المنصور عشرة آلاف درهم.
ثم بعد سنة عاد أزهر السَّمان، ودخل على المنصور، فقال له: ما جاءَ بك؟
فقال له: جئتُكَ مُسَلِّماً!
فأمر له بعشرة آلاف درهم.
ثم بعد سنة عاد أزهر السَّمان، ودخل على المنصور، فقال له: ما جاءَ بك؟
فقال له: جئتُكَ عائداً!
فأمر له بعشرة آلاف درهم، وقال له: لا تأتِنا بعد هذا طالباً، ولا مُسَلِّماً، ولا عائداً!
ثم بعد سنة عاد أزهر السَّمان، ودخل على المنصور، فقال له: ما الذي أتى بك؟
فقال: دعاءٌ كنتُ قد سمعتُهُ منكَ، جئتُ لأكتبه!
فضحكَ المنصور، وقال له: هو دعاء غير مستجاب، لأني دعوتُ اللهَ به أن لا يُريني وجهكَ، فلم يستجب لي!
وقد أمرتُ لكَ بعشرة آلاف درهم، وتعال متى شئتَ، فقد أعيَتْنا فيكَ الحِيلة!
بعض الناس عندهم قدرة عجيبة على التسوُّل! كلَّما أغلقْتَ له باباً جاءك َمن بابٍ آخر! وربما بكى، ورقَّقَ قلبكَ، وما بكاؤه إلا كبكاء إخوة يوسف لما جاؤوا أباهم عشاءً يبكون!
ثم لا تشعر بنفسكَ إلا وقد أعطيته، ثم إلى جولة أُخرى كلاكما يعرفُ أنها ستأتي!
ذكرتني هذه القصة بطرفة من متسول، وقف تحت شرفة منزل، ونادى على أهله يطلب رغيفاً فناوله صاحب المنزل واحداً، فعاد في اليوم التالي وطلبَ رغيفاً فناوله صاحب المنزل واحداً، وقال له: لا تعُدْ إلينا، اِعملْ واكسبْ خبزك!
ولكنه في اليوم التالي جاءه، ونادى عليه!
فقال له صاحب المنزل: أما نهيْتُكَ عن طلب الخبز منا؟
فقال له المتسوِّل: لا أريدُ خبزاً، أريدُ إبرةً أخيطُ بها ثقباً في ثوبي!
فقال له: وكيف أرمي لكَ إبرة، أخشى أن تضيع فلا تجدها؟
فقال له المتسول: اِغرزْ الإبرة برغيف!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق