العنصريّة شعارًا انتخابيًّا في سباق الرئاسة التركي.. وبؤس المعارضة
لوحات إعلانيّة في شوارع تركيا عليها صور مرشّح المعارضة كمال كليجدار أوغلو مكتوب عليها “السوريون سيرحلون.. أعطِ قرارًا”.
“أيّ تمييزٍ أو استثناءٍ أو تقييدٍ أو تفصيلٍ يقوم على أساس العرق أو اللّون أو النّسب أو الأصل القوميّ أو الإثنيّ، ويستهدفُ أو يستتبعُ تعطيلَ أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريّات الأساسية أو التّمتّع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السّياسيّ أو الاقتصاديّ أو الاجتماعيّ أو الثّقافيّ أو في أيّ ميدان آخر من ميادين الحياة العامّة”
هكذا جاء تعريف العنصريّة في الاتفاقيّة الدوليّة للقضاء على جميع أشكال التّمييز العنصريّ الصّادرة عن الجمعية العامّة للأمم المتحدة عام 1965.
ومع تعاقب السّنين نلحظُ أنَّ البشريّة لا تزال موغلةً في العنصريّة في جوانب شتّى، فمن عنصريّة عرقيّةٍ هنا، إلى عنصريّة اجتماعيّة هناك، وعنصريّة دينيّة في موضع آخر، وعنصريّة اقتصاديّة في مكان غيره، وهلّم جرّا. والعنصريّة ما هي إلّا تعبير عن مظهر من مظاهر توحّش الإنسان وتغوّله على الإنسان والإنسانيّة، لهذا تُسنّ القوانين وتوضع التشريعات للحدّ منها.
غير أنّ العنصريّة التي تمارسُها المعارضة التركيّة اليوم ممثّلة بمرشّحها رئيس حزب الشّعب العلماني تُمثّل صورةً من أكثر صور العنصريّة فجاجة، ليس على مستوى تركيا فحسب بل على مستوى العالم كلّه.
إنّها عنصريّة تقوم على الإساءة إلى شعب كاملٍ من أجل أصوات الناخبين، وتعتمد على إثارة البغضاء والكراهية من أجل الوصول إلى منصب يُفترض فيه أنّه لحماية الإنسان من التمييز، وترتكز على المتاجرة بآلام النّاس والتجييش ضدّهم للحصول على مكاسب انتخابيّة، ألا ما أرخص الديمقراطيّة التي لا تملك إلّا المتاجرة بأرواح الناس واستخدام حياتهم ومستقبلهم أوراقًا في صناديق الاقتراع.
البشاعات المتجليّة في الخطاب العنصريّ
إنّها عنصريّة تتجلّى فيها بشاعتان اثنتان: بشاعة التّمييز والخطاب العنصريّ القائم على الكراهيّة والتّنميط والتّعميم، وبشاعة الاستعلاء الممجوج على أناسٍ كرامٍ ذاقوا ويلاتِ الحرب والتّهجير واللّجوء، وقرّروا مواجهتها بالكفاح والثبات وإثبات الذّات، ولم يكونوا عالةً على أيّ من الدّول أو المجتمعات التي استقبلتهم.
وممّا يجبُ تأكيده أنَّ العنصريّة لا تنشأ إلّا على مقومين اثنين هما: الانحياز والإسناد.
فالعنصريّة بوصفها فكرةً تقوم على الانحياز الاستعلائيّ والتّنميط والشّيطنة، فإنّها لا يمكن أن تتحوّل إلى ظاهرةٍ أو تؤتي أيّة ثمارٍ نكدة دون وجود سندٍ ودعم من جهاتٍ لها قدرتها ونفوذها، وهذا هو المقصود بالإسناد أي جهةٌ داعمةٌ ومساندة، فكيف بك وقد غدت أحزابٌ عدّة تجتمع وتتحالف في معركة انتخابيّة؛ تتبنّى العنصريّة خطابًا وشعارًا؟ وكيف سيكون حال المجتمع بعد انتشار رائحة التفرقة النتنة على أسس عرقيّة؟ لا يمكن إلّا أن يكون التأثير عميقًا في بنية المجتمع، ولن تتوقّف تأثيرات هذه العنصريّة عند العربيّ والسوري بل ستصل إلى العنصريّة تجاه المواطن التركيّ المخالف للتّوجه السياسيّ إن كان منتميًا إلى عرق أو طائفة أو مذهب آخر.
من المسؤول؟
وهذا يدفعنا إلى القول بكلّ وضوح: إنّ ما يعيشه اللاجئون السوريّون من ممارساتٍ عنصريّة في تركيا لا يتحمّلون هم مسؤوليّتها، ولا يجوز على الإطلاق تحميلهم مسؤوليّتها أو الإلقاء باللائمة عليهم رغم تحمّل بعضهم بعضًا من المسؤوليّة بدرجاتٍ أقلَّ بكثير؛ فهم ضحايا ولا يليقُ بالمنصفين تحميل الضّحايا المسؤوليّة الرئيسة على ما يعانونه من تحيّزاتٍ عنصريّة بحقّهم.
ومن يتحمّل المسؤوليّة المركزيّة والرّئيسة هم العنصريّون من مؤسسات إعلاميّة أو أفراد ومؤثرين ومغردين فقدوا أدنى معاني الإنسانيّة فضلًا عن فقدانهم معاني الأخوّة والمروءة، وكذلك يتحمّل مسؤوليّة هذه الممارسات من هيّأ لهم الإسناد والتّغطية أو شجّعهم على إذكاء عنصريّتهم من خلال تبنّي العنصريّة شعارًا انتخابيًّا بائسًا من أحزاب المعارضة التي أثبتت بهذا أنّها لا تقيمُ وزنًا حقيقيًّا لكرامة الإنسان ولا لإنسانيّة الإنسان.
إفلاس أخلاقيّ وإنسانيّ وسياسيّ
إنّ استخدام العنصريّة شعارًا انتخابيًّا يدلّ إلى جانب الإفلاس الأخلاقي والإنسانيّ على الإفلاس السياسيّ، فأين هي برامج التنمية وبناء الاقتصاد أو إصلاحه، وخدمة المجتمع، وبرامج الصناعات، وغيرها من البرامج التي تتعلق بتركيا وطنًا وإنسانًا؟
هل نفدت جعبة المعارضة التركيّة من أي برامج تقنع الناخب التركيّ حتّى يغدو اللاجئ المسكين وترحيله وإخراجه من تركيا هو برنامجها الانتخابي؟
أيّ بؤسٍ تعيشه المعارضة التركيّة حين يكون برنامجها الوحيد للحصول على الرئاسة هو ترحيل السوريين؟ وأيّ بؤسٍ تعيشه هذه المعارضة وهي تغرس في المجتمع التركيّ جذور حقد وكراهية وبغضاء ستفرع فرقةً نتنة وعصبيّات جاهليّة تهدد المجتمع كلّه في تماسكه؟ ولعلّي أستعير من أمير الشعراء أحمد شوقي -مع تصحيفٍ يسيرٍ- ما قاله في الطليان الذين أعدموا عمر المختار، لأقول في هذه المعارضة البائسة:
يا وَيحَهُم نَصَبوا مَنارًا مِن “ضِغْن”
توحي إِلى جيلِ الغَدِ البَغضاءَ
ما ضَرَّ لَو جَعَلوا العَلاقَةَ في غَدٍ
بَينَ الشُعوبِ مَوَدَّةً وَإِخاءً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق