الأربعاء، 17 مايو 2023

فوبيا أردوغان!

 

فوبيا أردوغان!

مالا أفهمه هو موقف بعض المتثاقفين والنخبة العربية، بل والمعارضين المصريين من الرئيس التركي، أنهم يضعون أردوغان فوق رؤوسهم ويصرخون


ربما أتفهم موقف الغرب الأوربي والأمريكي من وجود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على رأس دولة بحجم تركيا موقعا وتاريخا في الطرف الشرقي لأوربا، دولة تمتد جذورها إلى أعماق التاريخ، وتنمو بشكل كبير!

لقد بدأ الرجل مشواره من حارات إسطنبول مع وريقات في يده ورفاقه يسألون الناس عن أمانيهم وأحلامهم.. صاغ هذه الأماني في برنامج حزبي، ثم خاض انتخابات المدينة الأكبر في عدد السكان والمكانة في تركيا.. إسطنبول ذات التراث الإنساني الطويل، ليحولها -وهو رئيس بلديتها- إلى واحدة من أجمل بلدان العالم، وواجهة سياحية كبرى يزورها سنويا الآن ملايين السائحين.

تولى الرجل رئاسة وزراء الدولة الكبرى لثماني سنوات، فتصير تركيا بين الدول العشرين الأكبر اقتصادا في العالم. وبعدما كانت عملتها تطبع بالآلاف صار هناك ليرة وكسورها.. تصنع تركيا كل شيء، وكما كنا نقول في مصر” “من الإبرة إلى الصاروخ”.. يتمتع الشعب بمظلة عريضة من الحماية الصحية والاجتماعية، ثم مظلة تعليم مجانية شاملة من المدراس حتى الجامعات، وحتى بالنسبة للطلبة الأجانب صار التعليم التركي ومنح الجامعات التركية حلما كبيرا.

ربما أتفهم هذا الموقف الأوربي والأمريكي المعلن على صفحات صحفهم ومجلاتهم التي تتهم الرجل بالديكتاتورية في حملة هي أقرب إلى فوبيا السيد الطيب!
فكأن أصحاب المصالح والرؤساء هناك يهلعون حينما يرون صورة الرجل الذي يتمتع بعلاقات دولية متوازنة مع معظم دول العالم، وينتج أسلحة وسيارات ومنسوجات، وصناعات يدوية، ويصدر نحو 250 مليار دولار سنويا.

وربما أدرك خوف الأوربيين الذين يُعمّدون ملك بريطانيا أم الديمقراطية في الكنيسة من الرجل الذي يتوسع في بلاد الشرق الإسلامية والعربية، ويجعل لعملة بلاده قيمة، ولقوات بلاده حضورا، ويمارس دورا سياسيا كبيرا بين دول العالم، أتذكر مقولة جمال عبد الناصر “إذا رأيتم الغرب يرضى عني فاعرفوا أنني في الطريق الخطأ”.

موقف رفاق الطريق

ربما أستوعب موقف أحمد دواد أوغلو وزير خارجية أردوغان ورئيس وزرائه السابق حين انشق عليه وترك حزب العدالة والتنمية الذي تألق فيه، ليؤسس حزباً آخر ثم يتحالف مع المعارضة ومعه عدة رفاق لأردوغان مثله، كمؤسس حزب التقدم المنشق أيضا من حزب العدالة والتنمية الحاكم (علي باباجان)، إضافة إلى حزب السعادة الإسلامي ورئيسه.

وقد أتفهم هؤلاء حين يهرعون إلى معاداة حزبهم وصديقهم القديم فتلك نفس بشرية، وما أدراك ما هي؟!
رأيت الكثير من تلك النفوس بين السياسيين المصريين وعايشتها: “لماذا هذا هو الذي يجمع الناس؟ لماذا ينتظرونه؟”، وكنت أقول: “اللهم اكفنا شر الأصدقاء، أما الأعداء فنحن كفيلون بهم”.
وتعجبت من تصريح دواد أوغلو بعد الانتخابات المبهرة في تركيا عن ديكتاتورية أردوغان، وهل يكتشف هو ذلك بعد عشرين عاما أو أكثر برفقته ديكتاتوريته؟!
أدرك المطامع الشخصية والعداء للكاريزما الشخصية والحضور الجماهيري، وأجد مبررا لبعض هؤلاء، ولكن أي طموح كان لدى دواد أوغلو ورفاقه في حزبه، وحزبي التقدم والسعادة في الاصطفاف مع تحالف يموله الغرب ورجال أعمال لديهم مصالحهم السياسية والاقتصادية.

لقد اصطف رئيس حزب السعادة تيمل كرم الله أوغلو مع أقصى اليمين التركي ودعاة العنصرية، ومع أقصى اليسار ودعاة الشذوذ الجنسي! وقد عانى التاريخ الإسلامي من أمثال هؤلاء الذين لا يجيدون فهم  قيم الإسلام السامية، فكرم الله أوغلو نموذج واضح لبعض هؤلاء، وبالتالي قد يكون مفهوما حالة الرهاب التي تنتابه من نموذج رجب طيب أردوغان في فهمه السياسي أو الديني.

فوبيا أردوغان العربية

ربما أتفهم أيضا انزعاج بعض السياسيين والرؤساء العرب من نموذج الرئيس التركي وخوفهم سواء من نجاحه الديمقراطي وتقديم نموذج شرق أوسطي في انتخابات ديمقراطية فاز في دورتها السابقة بفارق 4.5% وحاز حزبه الأغلبية بالتحالف مع أحزب أخرى صغيرة.

ثم ها هو اليوم يدخل مرحلة الإعادة في انتخابات شهدت أعلى مشاركة في تاريخ البلاد وأيضا على مستوى العالم. إذن يقلق هؤلاء الحكام الذين يستمرون عشرات السنين بنسب انتخاب تقارب الـ90%، ونعرف فيها من الرئيس قبل معرفة المرشحين لها!ّ
فالخوف من انتقال مرض الديمقراطية إلى شعوبهم يجعلهم يرتجفون على مقاعدهم!

لكن ما لا أفهمه هو موقف بعض المتثاقفين والنخبة العربية، بل والمعارضين المصريين من الرئيس التركي، إنهم يضعون أردوغان فوق رؤوسهم ويصرخون!

أحدهم إعلامي شهير زاملته بعض الأيام في عمل سريع، لكنه إعلامي كبير ومعارض للنظام المصري مقيم بالخارج، ورغم تاريخه الإعلامي فوجئت به يقول عن الانتخابات التركية “مسرحية أردوغان”، ويضيف “رئيس الهيئة العليا ينتظر موافقة أردوغان على الرئيس القادم!”، وخذله الاثنان وأعيدت الانتخابات، كنت أعرف أنه يكره عبد الناصر كراهية التحريم، فلماذا يكره أردوغان؟ وهل فقدنا العقل لنصف ما يحدث بالمسرحية، ونصف الرجل بالديكتاتورية؟ مع من نصطف؟ ولماذا نعارض النظام المصري والغرب راضٍ عنه تمام الرضا إذا كنا نعارض من يهاجمه الغرب؟

اليسار المصري وتناقضه

والآخر سياسي كان قياديا في الحزب العربي الناصري لا يجد إلا كلمة الخليفة العثماني الديكتاتور، وحلم الخلافة ليصف الرجل. يا سيدي: السيد أردوغان يحكم بلدا دستوره علماني، وحينما عدّل الدستور لم يقترب من علمانية الدولة التركية. يكسب الانتخابات بصعوبة، وحزبه لا يحصل على أغلبية مريحة. أردوغان بنى دولة قوية، وحقق عدالة اجتماعية سعى لها عبد الناصر وحقق منها الكثير.

الطيب أردوغان ينشر التعليم الإسلامي في بلد علماني فهل يسعى للخلافة؟ ألم يرسل عبد الناصر البعثات الأزهرية لدول العالم؟ ألم يطور الأزهر؟ ألم ينشئ إذاعة القرآن الكريم؟ هل كان يسعى عبد الناصر للخلافة؟! وإن سعى؛ ماذا كان سيكون موقفك؟

يا أسيادنا في اليسار الناصري والمصري: أردوغان يقيم سياسات متوازية مع العالم شرقه وغربه.. أليس ذلك شبيه بمنظمة عدم الانحياز التي أنشأها ناصر وتيتو ونهرو وتتغنون بها حتى الآن.. ألم يوسع عبد الناصر من صناعاته الحربية وأنشأ المصانع الحربية وحاول تصنيع الطائرات والأسلحة والصواريخ وما زلتم تتمنون الحفاظ على ما تبقى منها وعودتها للإنتاج، فلماذا تعترضون على أردوغان؟ أليس أردوغان أقرب لنا بقيمه ممن يحكمون الوطن بأكمله؟ أليس نموذجا فريدا في التنمية؟ ألم تتغنوا بتنمية عبد الناصر؟ لماذا إذن؟

استغرب الكاتب الصحفي سليم عزوز -منذ أسبوع- حينما قلت إنني ناصري وأقف جنبا إلى جنب مع أردوغان، وها أنا ذا أجيبك هنا “لماذا اصطفُ مع السيد الطيب رجب أردوغان؟”.

يا سادة الفكر وخبراء السياسة في مصر: أرجوكم لا تتلقوا معلوماتكم من وسائل التواصل ولا من الإعلام الغربي، حتى لا يخذلكم أردوغان في كل معركة وينتصر عليكم بديمقراطيته وإنجازاته، كما خذلكم الأحد الماضي وسيخذلكم بعد أيام عشر.. رجاء ركزوا في دولتكم وحاولوا تصحيح مسارها، من فضلكم لا تعملوا مع الأعداء في خندق واحد: أعداء التنمية، أعداء التوازن السياسي، أعداء القوى المتعددة في العالم، أعداء من يبني بلاده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق