الأربعاء، 24 مايو 2023

تعالوا نتكلم جد!

 تعالوا نتكلم جد!

أحمد عبد العزيز


وكل كلامي "جد"، حتى الساخر منه (أي حتى كلامي الساخر)!

الكتابة الساخرة ليست هي تأليف النكت، أو الإفيهات، أو الكوميديا المسرحية التي تهدف إلى الإضحاك..

الكتابة الساخرة على العكس من كل ذلك!
إذ لا يكتبها ولا يُحسِنُها إلا صاحب القلم المهموم بالشأن العام، الحزين على وطنة، المتألم لمعاناة الناس البائسة اليائسة، مهيضة الجناح، العاجزة عن الخروج مما هي فيه من ظلم، وظلمات، وتخلف، وقهر، واضطهاد.. والقادر في الوقت نفسه على الصياغة المتميزة التي ترسم الابتسامة على وجه القارئ، حتى لو كان غارقا في الحزن!

الكتابة الساخرة هي صفعة قوية على وجوه الغافلين؛ كي يفيقوا من غفلتهم!
وهي دلو (جردل / سطل) من مكعبات الثلج يلقيه الكاتب على رؤوس السكارى، حتى يستعيدوا وعيهم..

الكتابة الساخرة لا تختلق المواقف "المستفزة" أو العجيبة، أو التي تتسم بالحماقة، أو البلادة، أو التخلف، وإنما تعلق عليها، بالأسلوب الذي يلفت الانتباه إليها، فتجعلها مادة للنقاش، وبحث سُبل علاجها..
أما كونها ترسم الابتسامة على الوجوه، فهذا سرها الرهيب الذي يطول شرحه!

فلست أنا الذي كتب كلمة "النهود" بدلا من "النهوض" في السؤال الذي ورد في امتحان مادة الاقتصاد:
"في رأيك: كيف يمكن النهود بالاقتصاد المصري؟"

ولست أنا الذي قال:
"الحكاية كانت كده، واحنا كنا كده، وبالرغم من كده، عملنا كده، ودي المعجزة"..

ولست أنا الذي قال:
"الحكاية كانت كده، واحنا كنا كده، وبالرغم من كده، عملنا كده، ودي المعجزة"..

ولست أنا الذي قال بكل ثقة وفخر:
"ربنا خلقني طبيب أوصف الحالة"

ولست أنا ألذي قال:
"أنا قعدت خمسين سنة أدرس يعني إيه دولة".. ثم جعل من مصر "أشلاء دولة"!

ولست أنا الذي قال:
"أنا بدأت أقرأ مقالات هيكل من سن تسع سنين".. ثم لا تجده يقول "جملة مفيدة"!

ولست أنا الذي قال:
"ففهمناها سليمان"!.. في إشارة وقحة (كصاحبها) أن الله اصطفاه على سائر المصريين وفهَّمه، ومن ثم فلا معقب لقراراته!

ولست أنا الذي ينطق مصر.. "مسر".. وينطق المصريين.. "المسريين"

ولست أنا الذي قال للمصريين غاضبا ومتوعدا:
"متسمعوش كلام حد غيري.. اسمعوا كلامي أنا بس".. فخرس كل ذي رأي يمكن أن يحول دون سقوط مصر وإفلاسها!

ولست أنا الذي قال للمصريين غاضبا ومتوعدا:
"متسمعوش كلام حد غيري.. اسمعوا كلامي أنا بس".. فخرس كل ذي رأي يمكن أن يحول دون سقوط مصر وإفلاسها!

ولست أنا الذي قال كاذبا متعمدا:
"وبكره تشوفوا مصر"..
"اصبروا وسترو العجب العُجاب"..
وصبر "المسريون" ولم يروا سوى الجوع والفقر والمرض والغلاء الفاحش.. وها هم ينتظرون جفاف النيل، أو جريانه بشرط أن يحصل الكيان الصهيوني على ما يريد من مياه النيل، وإلا سيموت "المسريون" من العطش، والجوع بعد بوار الأرض!

ولست أنا الذي يقول قبل الأكل، وأثناء الأكل، وبعد الأكل:
"طب والله والله والله...."

ولست أنا الذي قال لرئيس وزراء إثيوبيا:
"قول والله والله لن نقوم بأي ضرر للمياه في مسر"!.. هل هذا سلوك حاكم أم أسلوب سمسار في سوق المعيز؟!

ولست أنا الذي يقول:
"أوكسيم بالله"، وليس "أقسم بالله"، كما يجب أن تُنطق.. 

ولست أنا الذي يقول في كل مناسبة، وبدون مناسبة:
"أنا شريف أوي، وأمين أوي، وصادق أوي، ومُخلِس أوي"!

ولست أنا الذي قال:
"مش عايز أحلف، بس أوكسيم بالله..."

ولست أنا الذي يسأل بين كل هبدة وأختها:
"مش كده يا دكتور مصطفي؟"..
"وللا إيه يا كامل؟"

ولست أنا الذي نادى على "الحاج سعيد"؛ ليكلفه ببناء كوبري، ضاربا عرض الحائط بأبسط قواعد المناقصات! في إشارة كاشفة للكيفية التي يدير بها شأن 110 مليون إنسان، كما لو كان يدير شادر خضار في سوق العبور!

ولست أنا الذي نادى على "الحاج سعيد"؛ ليكلفه ببناء كوبري، ضاربا عرض الحائط بأبسط قواعد المناقصات! في إشارة كاشفة للكيفية التي يدير بها شأن 110 مليون إنسان، كما لو كان يدير شادر خضار في سوق العبور!

ولست أنا الذي قال في أعقاب الانقلاب على الرئيس المنتخب لتبرير الخيانة:
"دول أخدوا السلم معاهم فوق.. خمشصفكملع"

ولست أنا الذي قال:
"أي حاجة تغضب ربنا، إحنا معاها وبندعمها"

ولست أنا الذي قال:
"مفيش.. ممعييش.. مش قادر أديك.. هتاكلوا مسر يعني؟".. ثم يرمي مليارات الدولارات التي اقترضها باسم الشعب المصري، بغير حساب، في الصحراء؛ ليبني لنفسه ملاذا آمنا من غضب هذا الشعب إذا فكر يوما في الخروج عليه، وإنزال القصاص العادل به..

ولست أنا الذي قال:
"مفيش.. ممعييش.. مش قادر أديك.. هتاكلوا مسر يعني؟".. ثم يرمي مليارات الدولارات التي اقترضها باسم الشعب المصري، بغير حساب، في الصحراء؛ ليبني لنفسه ملاذا آمنا من غضب هذا الشعب إذا فكر يوما في الخروج عليه، وإنزال القصاص العادل به..

لست أنا الذي قال في عناد ووقاحة:
"آآآه.. بنيت قصور رئاسية، وهبني قصور رئاسية.. هو أنا ببنيها ليَّا؟ أنا ببنيها لمسر".. في الوقت الذي يهدم بيوت الناس؛ للاستيلاء على أراضيهم، وبيعها لكفلائه الخليجيين!

ولست أنا صاحب الكليشيه الفضيحة:
"صبَّح على مسر بجنيه"

ولست أنا الذي يختم كل "كذبة" بالجملة التي باتت علامة مسجلة باسم قائلها:
"سحيح.. بتكلم جد"!

بعد كل ذلك، وهو غيض من فيض.. فعندما أضطر للكتابة عن موقف مستجد لهذا الخائن القاتل الجِبِلَّة، فماذا أكتب وكيف أكتب؟
لا يمكن أن أكتب إلا بأسلوب ساخر، من شأنه أن يطيح بما بقي من اعتبار لهذا المسخ في نفوس المغيبين!

وأخيرا لمن لا يعرف، فأنا رسام كاريكاتير، ولي باع في هذا المجال..
يمكنكم (أعزائي) الحصول على نسختكم المجانية، من كتابي "كيف نقرأ الكاريكاتير"، بالضغط على اسم الكتاب، وفيه رويت "حكايتي مع الكاريكاتير" وكيف احترفته منذ عام 1988 وإلى عهد قريب، وأمارسه كلما وجدت في نفسي حافزا لممارسته!

نُشِر في 18 مايو على صفحتي الشخصية - فيسبوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق