هل تنطبق على غزة هذه النبوءات؟
يرقب العالم كله ما يجري اليوم في غزة، ويتساءل: لماذا أحداث غزة على وجه التحديد تلوي إليها أعناق الخلق وتجذب نحوها قلوب العباد؟ لم يعد للناس في شرق الأرض وغربها حديث إلا أطفال غزة، ونساء وشيوخ غزة، وثبات المرابطين ورباطة جأش المقاتلين، وأخلاق الحرب التي يبلغ الفرق فيها بين إسرائيل وغزة مبلغ الفرق بين الأرض والسماء، ولم يزل المتابعون في طول المعمورة وعرضها يتداولون مقاطع الفيديو كأنّها إعلانات دعائية لمنتج عالميّ لفّ الكرة الأرضية وتغلغل في أمزجة ساكنيها فلم يدع بيتًا إلا وغزاه بجودته وبشدة احتياج الناس إليه؛ فهل نستطيع أن نستشرف من خلال هذه الظاهرة اللافتة مستقبلًا للإنسانية تكون أحداث غزة محورًا بارزًا فيه؟ وهل يكون لغزة حظٌّ من النبوءات؟
هل هذا هو رباط عسقلان؟
بإسنادٍ جيدٍ رجالُهُ ثقات روى الطبرانيّ وغيره عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ؛ فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلَانُ”، وإذا كانت عسقلان المجاورة لغزة تُعَدُّ اليوم قطاعًا مختلفًا عن غزة، فإنّها في الماضي كانت بالنسبة لغزة وغيرها العاصمةَ المركزية، فلم تكن غزة يومها إلا إقليمًا من الأقاليم التابعة لعسقلان، ورباط غزّة اليوم هو الرباط الذي لا يساويه في فضله وأثره إلا رباط أهل القدس حول المسجد الأقصى، هذا الرباط ليس رباطًا على الأرض المباركة وحسب، وإنّما هو رباط على ثغر الأمة الأكبر، الذي لو انهار تَعَرَّتْ الأمةُ كلُّها وأمْسَتْ للعدو الصهيونيّ ومَنْ وراءَهُ كلأً مباحًا، فلو أدركت العروشُ العربية أنّها داخلة ضمن الحمى الذي يرابط عليه هؤلاء الأخيار لما خذلوهم ولا تخلوا عنهم، ولو أنّ المسلمين -ولا سيما قاطني بلاد الطوق- أنفقوا شطر أموالهم لما أوفوهم حقهم؛ إذْ يقفون مرابطين في نحر عدوهم الأكبر والأخطر.
فأيّ ميراثٍ يقسمون وبأيّ غنيمة يفرحون؟
وهذه نبوءة قد لا تكون مختصةً بهم، لكنّها -وإن وردت في سياق أعمّ- نالتهم وحلت بهم على أيّ حال، وأحداث آخر الزمان التي أخبر بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ورواها عنه صحابته الكرام قد وقع في ترتيب بعضها شيء من التداخل؛ بسبب أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى كثيرًا منها في يوم واحد من صلاة الفجر إلى صلاة العشاء كما أخبر بذلك حذيفة، والراوي هنا عبد الله بن مسعود، قال: “إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ، حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ، وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ” وأشار نحو الشام، وفي سياق الحديث الطويل علّل ذلك فقال: “فَيَتَعَادّ بَنُو الْأَبِ -وكَانُوا مِائَةً- فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، فأيّ ميراثٍ يُقْسَم؟ وبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ؟”، وها نحن اليوم في غزة نجد العائلة الواحدة بها الأربعون والسبعون والمائة والأكثر من ذلك لم يبق منهم إلا واحد، وربما محيت كلها من الوجود فلم يبق منها واحد، إنّه -وربّ محمد وإبراهيم- لخطبٌ عظيم، وإنّ ما تُنْفِقُهُ غزةُ اليوم لَدَيْنٌ يقصم الظهور.
هم المقصودون هنا بالدرجة الأولى
هذا الحديث المشهور الذي رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع من الصحابة منهم ثوبان وجابر وعمران بن حصين ومعاوية وأبو هريرة، حديث: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”، ورد في بعض رواياته عبارة “يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ” بما يعني أنّ المقاتلين المرابطين هم قلب هذه الطائفة، وفي بعض الروايات قُرنت هذه القضية بجملة “إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ”، وفي بعضها بجملة “أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ”، وفي بعضها “فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ»، وعيسى ابن مريم ينزل في القدس، وفي بعضها “حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ”، والجيش الذي سيقاتل الدجال سيخرج من هناك، وفي بعض الروايات “قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”؛ فهل ثم ريب في أنّهم هم؟
النبوءة والنبوءة المضادة
وللصهاينة نبوءات أيضًا، نبوءات بظهور مسيحهم الذي يعدون له بالتنقيب عن الهيكل، ولقد نقبوا دهرًا طويلًا تحت المسجد الأقصى؛ علّهم يعثرون على الآثار التي انطوت النبوءات التوراتية عليها، لكنّهم لم يجدوا شيئًا، وجاء عالم الآثار الإسرائيلي “رافاييل غرينبرغ” المحاضر بجامعة تل أبيب ليؤكد أنه لا يوجد أي شاهد أثري يدل على صدق أيّ نبوءة، وصَرَّحَ بأنه “كان من المفترض أن تجد إسرائيل شيئًا عندما واصلت الحفر… يقومون بالحفر دون توقف منذ عامين ولم يعثروا على شيء”، ومن قبله شكّك “إسرائيل فنكلشتاين” -الذي يُعرف بأبي الآثار- في وجود أي صلة لليهود بمدينة القدس، بخلاف ما تقوم عليه الادعاءات الإسرائيلية بوجودهم التاريخي في المدينة، وأكد لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية التي تصدر باللغة الإنجليزية، أن علماء الآثار اليهود “لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة”، واتفق البروفيسور “يوني مزراحي”، وهو عالم آثار مستقل، اتفق مع رأى “فنكلشتاين”، وقال “إن جمعية (إلعاد) اليمينية لم تعثر حتى على لافتة مكتوب عليها (مرحبا بكم في قصر داود) برغم أن الموقف كان محسومًا لديهم في ذلك الشأن، كما لو أنهم يعتمدون على نصوص مقدسة لإرشادهم في عملهم”؛ فإلى أين يذهبون؟
النبأ اليقين
{وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}؛ هكذا أنبأ القرآن؛ ومن أصدق من القرآن قيلًا؟! وسوف يتحقق ذلك إنْ عاجلًا أو آجلًا، فإن لم يكن لأهل غزة حسمٌ عسكريٌّ عاجل، فسوف يكون لهم في الآجل، أمّا اليوم فقد تحققت لهم وللأمة انتصارات على أصعدة كثيرة، لا تخطئها بصيرة المتابعين أجمعين، والله غالب على أمره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق