إلى التطبيع سيراً فوق جثث الفلسطينيين
في دافوس، منتدى الاقتصاد العالمي، المنعقد في سويسرا منذ يومين، اصطحب عرب أشواقهم للتطبيع، فلم يفوّتوا الفرصة لتجديد مغازلة الكيان الصهيوني بعروض تطبيعٍ جديدة، في لحظةٍ وصل فيها عدد شهداء العدوان الحالي إلى حدود 25 ألف إنسان فلسطيني، بينهم أكثر من عشرة آلاف طفل.
يلوّح دبلوماسيون عرب للاحتلال الصهيوني بجائزة الاعتراف الكامل والتطبيع الكامل والدمج الشامل في المنطقة، إن تعطّف وتنازل ووافق على وقف المذبحة وإقامة دولة فلسطينية.
يحدُث ذلك على مسافة أقل من ساعة طيران من لاهاي، حيث خاضت جنوب أفريقيا معركة الدفاع عن فلسطين ضدّ عدوٍّ يمارس الإبادة الجماعية، فعلًا وقولاً، في ظلّ تواطؤ عربي بالصمت وادّعاء العجز... هي ساعات أو أيام تفصل بين حدثيْن عالميين: محاكمة الكيان الصهيوني بتهمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، حيث غاب العرب جميعًا، والحدث الثاني هو منتدى دافوس حيث حضر العرب، ومعهم أحلام التطبيع.
المطالبة بوقف الحرب على غزّة حاضرة في الحدثين، لكن شتّان بين مطالبتين بوقف المجزرة الإسرائيلية، إذ تطالب به جنوب أفريقيا لأنّ ذلك هو العدل الذي يستحقّه الفلسطينيون والعالم ويستوجب معاقبة المجرم على جريمته ومعالجة مشكلات الاحتلال، فيما يريد العرب وقف القتال لأنه عقبة أمام سيناريوهات التطبيع، التي كانت تمضي باندفاعٍ شديدٍ، فجاء طوفان الأقصى ليوقفها.
سُئل وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال جلسة نقاشية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، عمّا إذا كانت بلاده تستكمل المفاوضات في شأن إقامة علاقات دبلوماسية بين الرياض وتل أبيب في إطار اتفاق أوسع بعد حلّ الصراع الفلسطيني، قال: "بالتأكيد".
كان التطبيع السعودي الإسرائيلي حاضراً أيضاً في زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الرياض في الأسبوع الماضي، حيث كشف أنّه ناقش في السعودية مسألة إقامة العلاقات مع إسرائيل وتنسيق الجهود لمرحلة ما بعد الحرب في غزّة.
يحدُث ذلك بينما الكيان الصهيوني يعلن على لسان رئيس وزرائه، بنيامين نتنياهو، أنّ العدوان مستمرٌّ حتى القضاء على المقاومة الفلسطينية بشكل كامل، وتحويل غزّة إلى مكان لا يمكن أن يأتي منه تهديد للاحتلال في المستقبل، فيما يكرّر وزير الأمن الصهيوني تصريحاته عن حتمية احتلال قطاع غزّة والبقاء داخله وتهجير سكانه، ومن ثم يطالب بتكثيف القصف والتدمير وصولاً إلى إجبار الشعب الفلسطيني على الخروج إلى الشتات، وهي الأحلام ذاتها التي عبّر عنها وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في مطالباته المتكرّرة بتهجير الفلسطينيين من غزّة، ودعوة العالم إلى استقبالهم واستيعابهم.
لا أظن أنّ الشعب الفلسطيني قدّم 25 ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى، حتى اللحظة، لكي يصنع من جثثهم جسراً يعبر فوقه العرب المشتاقون للتطبيع إلى شرق أوسط، إسرائيلي القيادة، أميركي المعالم والتضاريس، وليس من المعقول أن تجد هذه الأشواق والأحلام المشينة قاعدة شعبية من الجماهير العربية ترضى بها وتتمنى حدوثها.
ومن المعيب، والصهيوني يحرق الأطفال أحياء، ويبقر بطون الأمهات، وينتزع الأعضاء من جثث قتلاه، أن يتصوّر مسؤول عربي أنّ هناك إنساناً يمكن أن يقبل منطق التجار والسماسرة الذي يقول: نتعاون مع اللص من أجل حقوق الضحية، نصاحب العدو المستعمر لكي ينعم الشقيق الذي اغتصبت أرضه بمناخ استعماري لطيف.
مرّة أخرى، لماذا لا يبذل الرسميون العرب نصف الجهد المبذول جريًا وراء استجداء التطبيع من الصهيوني، في التوّجه نحو تطبيع عربي كامل مع فلسطين والفلسطينيين؟
أزعم أنّ كلفة التطبيع مع الشقيق أقلّ كثيرًا، وعوائده أكبر كثيراً من التطبيع مع العدو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق