رسالة جنوب إفريقيا إلى أحرار العالم وكشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي!
الكفاح القانوني الذي تقوده دولة جنوب إفريقيا ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي يحمل الكثير من الرسائل، ويوضح أهمية أن يشكل الأحرار تحالفا عالميا ضد التفرقة العنصرية والإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري. وهناك الكثير من الأدلة الواضحة على ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي لهذه الجرائم ضد الشعب الفلسطيني.
لكن لماذا اختارت دولة جنوب إفريقيا أن تقوم بمبادرتها الشجاعة، وترفع دعواها أمام محكمة العدل الدولية، وما النتائج التي تريد تحقيقها، وما تأثيرها في صورتها الذهنية في العالم؟ الإجابة على تلك التساؤلات يمكن أن تفتح لنا مجالات لبناء تحالف جديد بين أحرار العالم الذين يكافحون ضد الاحتلال والاستعمار القديم والجديد والاستبداد والفساد في مرحلة جديدة تشهد صراعا يمكن أن يتحول إلى حرب عالمية ثالثة.
بناء المكانة العالمية!
بعد خروج نيلسون مانديلا من سجنه أراد أن يحول تجربة جنوب إفريقيا في الكفاح ضد التفرقة العنصرية إلى مصدر قوة لدولته، وبناء صورة إيجابية لها في أذهان شعوب العالم؛ تشكل أساسا لعلاقات جديدة مع الدول الإفريقية، وتقديم جنوب إفريقيا قائدةً لكفاح القارة التي تريد بناء مستقبلها على أسس الحرية والعدالة.
وكانت قصة كفاح مانديلا تثير إعجاب الشعوب، ولقد أدرك هذا القائد أهمية هذه القصة واستثمارها في بناء قوة دولته؛ ولذلك عمل لإنشاء وسائل إعلامية تعبر عن كفاح الشعوب الإفريقية ضد الاستعمار والتفرقة العنصرية؛ فبدأت قوة دولة جنوب إفريقيا تتزايد في القارة الإفريقية التي ألهمتها قصة مانديلا.
كان ذلك يعبر عن ذكاء سياسي ودبلوماسي، فلكي تبني مكانة الدولة العالمية يجب أن تقوم بدور داخل المحيط الإقليمي، وتعمل لكسب عقول الشعوب وقلوبها، وذلك يشكل أساسا للقوة الناعمة. وبذلك تمكنت جنوب إفريقيا من بناء علاقات اقتصادية وتجارية مع دول القارة التي أصبحت تعترف بدورها القيادي، كما تمكنت من بناء علاقات طويلة المدى مع الشعوب الإفريقية؛ فالحكومات تتغير، والشعوب تتطلع دائما إلى من يساعدها على كفاحها.
صورة جديدة لدولة قائدة
من الواضح أن مانديلا القائد المثقف خطط لبناء صورة إيجابية جديدة لدولته وشعبه؛ فأدرك أن أهم سمات الصورة الجديدة أنها دولة تقود كفاح الأحرار ضد التمييز العنصري، وما يرتبط به من جرائم، وأن ذلك الكفاح يجب أن يستمر، فالاستعمار الغربي يقوم على الاستكبار والاستعلاء واستخدام القوة الغاشمة لإخضاع الشعوب الضعيفة، ونهب ثرواتها، والتحكم في نظمها السياسية وفرض التبعية عليها.
لذلك بدأت جنوب إفريقيا تقدم للشعوب ثقافة جديدة -باستخدام وسائل إعلامها- تقوم على أن التفرقة العنصرية ستؤدي إلى تدمير العالم؛ حيث إنها من أهم أسباب انتشار الظلم، وأن جنوب إفريقيا تقود الكفاح ضدها، وبذلك تقوم بدور حضاري تاريخي. ومن المؤكد أن هذا الدور يستحق الإعجاب.
كما أن ذلك يعبر عن وعي سياسي وثقافي واستشراف للمستقبل، حيث يتزايد سخط الشعوب على نظمها الحاكمة التابعة للاستعمار؛ ولذلك فإن بناء العلاقات مع الشعوب، واستخدام وسائل الدبلوماسية العامة، يشكل أساسا لبناء قوة الدولة.
بناء علاقات مع الشعوب العربية
بهذه الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي توضح جنوب إفريقيا أنها تتمتع بخيال جغرافي وسياسي، وقدرة على استشراف المستقبل، وأنها تتطلع إلى بناء علاقات طويلة المدى مع الشعوب العربية التي يتزايد سخطها على نظمها الحاكمة التابعة لأمريكا، والتي لم تعد قادرة حتى على إدانة الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
وبتلك المبادرة بدأت جنوب إفريقيا تكسب عقول العرب وقلوبهم، حيث يتزايد الإعجاب بالدور الذي تقوم به في الدفاع عن المبادئ الإنسانية، واستخدام الوسائل القانونية الدولية في إدانة جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ومن المؤكد أن غضب الشعوب العربية سينفجر قريبا، وستغير الثورات القادمة نظم الحكم المستبدة الخانعة الخاضعة التابعة لأمريكا، ويومئذ ستتطلع كل شعوب العرب الثائرة لإقامة علاقات سياسية واقتصادية وتجارية مع جنوب إفريقيا؛ التي لا يمكن أن تنسى لها الأمة العربية هذا الدور الذي يبرهن على شجاعتها وقوتها ورفضها الخضوع لأمريكا.
تحالف الأحرار: نظرية جديدة!
لكننا يمكن أيضا أن نفتح المجال للتفكير في بناء تحالف عالمي للأحرار الذين يمكن أن يبدؤوا مرحلة كفاح جديدة ضد النظام العالمي الذي تسيطر عليه أمريكا؛ فالمبادرة الشجاعة التي قامت بها جنوب إفريقيا أثارت خيال الكثير من الأحرار، الذين يطالبون بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، ومعاقبة القادة الإسرائيليين على الجرائم التي ارتكبوها؛ فمشاهد قتل الأطفال والنساء والشيوخ في غزة تشكل صدمة للضمير الإنساني، وصمود أهل غزة يوضح للأحرار أن الشعوب تستطيع مقاومة القوة الغاشمة، والمقاومة الفلسطينية تقدم نموذجا يلهم الأحرار في كفاحهم ضد كل أشكال الاستعمار والعنصرية .
بذلك يمكن أن تفتح جنوب إفريقيا الطريق أمام الأحرار للتفكير في بناء تحالف عالمي يقوم بتوعية الشعوب بخطورة الجرائم التي تم ارتكابها ضد شعب فلسطين منذ عام 1948، فهذا الشعب تآمرت عليه القوى الاستعمارية لتغتصب أرضه، وتمنحها للصهاينة الذين يقومون الآن بعدوان على غزة بهدف تهجير الشعب الفلسطيني وإبادته.. وبذلك تقوم دولة الاحتلال الإسرائيلي بعملية تطهير عرقي وتفرقة عنصرية.
أما أمريكا فهي شريكة في كل الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ ولذلك فإن كل أحرار العالم يجب أن يتحدوا ضد جرائم العنصرية والإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري، واستخدام القوة الغاشمة في قهر الشعوب.. ويمكن أن تقود جنوب إفريقيا كفاح الأحرار وتحالفهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق