نحو الارتقاء بالوعي الجمعي
إسرائيل لا تحكم من الداخل بل يقرر سياساتها الخارج -غير الظاهر-!
أشرت في مقالات عديدة مع بداية معركة طوفان الأقصى إلى أن إسرائيل وإن كانت مأزومة في بعض جوانبها، إلا أن المشروع الأمريكي يستخدمها ويقرر سياساتها الاستراتيجية في التعامل مع القضايا المحورية لاسيما العربية.
إسرائيل ذلك المكون الهجين الذي صنعه الغرب بعينيه، لم يحمله في بطنه ويلده ولادة قيصرية عسيرة ثم ينفق عليه ويحميه ويحرسه أطراف الليل وآناء النهار، إلا ليحقق أهدافه الكبرى.
ومن المستغرب أن يتهم بعض السياسيين الفلسطينيين أمريكا بالمشاركة في قتل الفلسطينيين رغم أنها أس القتل ومحركه ومذخره، فهي من يقتلنا في فلسطين بأيد إسرائيلية، كما قتلتنا في العراق ونحرتنا في اليمن والشام بأيد إيرانية!
إن أمريكا تقرر لإسرائيل سياساتها وفق تصورها المرحلي كما حصل في خطة وخطوة أوسلو عام 1993 التي رعاها الأمريكان ونفذتها إسرائيل، بل إن قرار هدم مقرات السلطة عام 2002 ثم قتل عرفات عام 2004 كان قرارا أمريكيا نفذته إسرائيل، مع احتفاظها بهامش سياسي داخلي باعتبارها خادم مضح وضيع للسياسة الأمريكية.
ومما يشار له في هذا السياق أن عرفات وجد نفسه بين فكي أمريكا وإسرائيل (كلينتون- ايهود باراك) في كامب ديفيد عام 2000 حيث ضغط عليه الأمريكان للتنازل عن القدس فرفض التوقيع -رحمه الله-، فكان قرار قتله وهدم السلطة الموهومة، والتي وهبته إياها أمريكا عن مكر ودهاء، وقد أخبرني أحد الأقارب القريبين من عرفات أنه قد أخبره فور عودته من كامب ديفيد قائلا له لقد خدعني الأمريكان، قاصدا بكلامه اتفاق أوسلو الذي زينته المراحل والتقسيمات والضمانات الأمريكية التي سقطت على الأرض في ليلة سوداء!
أمريكا وليست اسرائيل من سيقرر واقع حركة حماس السياسي في المستقبل القريب.
أقول وأكرر أن أمريكا تتعامل مع الأحداث الخارجية -وعلى وجه الخصوص في المنطقة العربية- وفق ثلاث نظريات:
1/ فإما أن تصنع حدثا لتبني عليه خطة تراكمية.
2/ وإما أن تدفعك لصناعة حدث مغر لك ومفيد ومثمر لها وفق تصورها ومشروعها.
3/ وإما أن تصنع أنت حدثا ثم تديره هي من خلال غلبة وسائلها وإمكانياتها وتربيط علاقاتها من حولك ومع حلفائك.
إن مصطلح اليوم التالي مصطلح مخادع، فمعركة طوفان الأقصى لن يعقبها اليوم التالي، بل الترتيب التراكمي اللازم وفق مخطط أمريكا ومشروعها القائم.
أما إسرائيل اللقيطة فستسعى بكل جهدها للاستفادة من فرصة معركة الطوفان لإحداث تغيير كبير وضخم في فلسطين، غير مكترثة بقضية الأسرى الإسرائيليين، لاسيما وأنها برعت في استخدام قضية الأسرى التي حققت لها مكاسب سياسية وعسكرية استراتيجية تسعى من خلالها لتغيير وجه فلسطين القضية مبتدئة من غزة وعينها اليمنى على القدس، والعين اليسرى على المعركة الكبرى والتحدي الضخم في الضفة!
إن فلسطين لن تنجو مهما قامت بمعارك بطولية دون أن تعيد نسج سياساتها وفق تحالفاتها وخططها المرحلية والإستراتيجية مع الشعوب والحركات العربية وحاضنتها الإسلامية -بديلا عن تحالفها مع المحور الإيراني أو تنسيقها مع المعسكر الإسرائيلي-، ودون مراجعة جادة عميقة وشجاعة لكل المشروع الفلسطيني السياسي الهادر للخير سواء في الضفة الغربية أم في قطاع غزة.
اللهم انصر المجاهدين الصادقين واجعل دماءنا الزكية وصبر أهالينا الصامدين ويقين عجائزنا المؤمنين سببا في تصحيح أوضاعنا وتحرير أقصى المسلمين وتحقيق النصر المبين.
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 11/1/2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق