شروط الخلافة عن الله فى الفرد
أعظم التكاليف فلا يصلح لخلافة الله ولا يكمل لعبادته وعمارة أرضه إلا من كان طاهر النفس، فكما أن للبدن نجاسة فكذلك للنفس نجاسة، الأولى تدرك بالبصر والثانية تدرك بالبصيرة، وإياها قصد تعالى بقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: 28] ولقوله تعالى:
﴿ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125] كما أشار سبحانه إلى طهارة القلوب بقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ﴾ [الحجرات: 3]، وقوله: ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ﴾ [الأعراف: 58].
ومن الآيات أيضًا التي تتضمن معنى التطهر قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222][20].
ما تطهر به النفس:
ولكن كيف يتم تطهير النفس في رأي حكيمنا الأخلاقي حتى يصبح الإنسان مرشحًا لخلافة الله تعالى مستحقًا به ثوابه؟
يرى أن العلم والعبادات هما المطهران للنفس، إذ أن أثرهما في النفس كأثر الماء الذي يطهر البدن[21]، وأدلته على ذلك الآيات القرآنية التي يفسرها بهذا المعنى، مثل قوله تعالى: ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]،وقوله تعالى:﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾ [الرعد: 17].
فالآية الأولى تدل على أن حياة النفس في العلم والعبادة.
أما الآية الثانية فقد فسرها ابن عباس بأن الماء يعنى به القرآن لأن به طهارة النفس والأودية هي القلوب التي احتملته بحسب ما وسعته[22].
والذي يلزم تطهيره من النفس القوى الثلاث: قوة الفكر بتهذيبها حتى تحصل الحكمة والعلم - والحكمة هي أشرف منزلة من العلم[23] لأنها العلم والعمل به. ولهذا وصف الله تعالى الذين ليس لهم علم صحيح ولا عمل على الطريق المستقيم بقوله: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170].
فالعقل يقال بالإضافة إلى المعرفة، والاهتداء بالإضافة إلى العمل[24].
وتهذيب قوة الشهوة بقمعها لكي تكتسب العفة والجود، ويتم إخضاع قوة الحمية باستيلاء العقل عليها حتى تنقاد له فيحصل الشجاعة والحلم "فيتولد من اجتماع ذلك العدل"[25].
الطريق ممهد إذن للإنسان لتطهير نفسه ورياضتها، وتقويم أخلاقه والارتقاء بها إلى ما يمكنه بحيث يصل بها إلى أرقى المستويات، لأن الإنسان هو مختار
ولا يستحق الإنسان الخلافة إلا بتحري مكارم الشريعة، وهي الحكمة والقيام بالعدالة بين الناس في الحكم والإحسان والفضل، والغرض منها بلوغ جنة المأوى.
ولما كان شرف الأشياء بتمام تحقيق الغرض من وجودها ودناءتها بفقدان ذلك المعنى، فإن الفرس إذا لم يصلح للعدو اتخذ للحمولة، والسيف إن لم يصلح للقطع اتخذ منشارًا، وبالمثل فمن لم يصلح من الإنسان لتحقيق ما لأجله أوجد، فالبهيمة خير منه ولذلك ذم الله تعالى الذين فقدوا هذه الفضيلة ﴿ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [الأعراف: 179][18] وتحري مكارم الشريعة يحتاج إلى أن يصلح الإنسان نفسه أولًا بتهذيب نفسه قبل غيره، حيث ذم الله تعالى من يأمر غيره بالمعروف، وينهاه عن المنكر وهو غير مهذب في نفسه.
فقال سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق