الثلاثاء، 8 أبريل 2014

هل تستطيع خرافة أن تحكم أمة؟ الحقيقة حول ترشيح السيسي للرئاسة في مصر

هل تستطيع خرافة أن تحكم أمة؟ 

الحقيقة حول ترشيح السيسي للرئاسة في مصر 


هذا المقال كتبه "جوشوا ستاشر" أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة ولاية كنت، ومؤلف كتاب:"تكيف المتسلطين:  نظام السلطة في مصر وسوريا" ونشره في المجلة ألأمريكية "شؤون خارجية" بتاريخ 31 يناير 2014. وقد اخترنا أن نترجمه للقارئ لسببين  اثنين،  الأول، لأنه يقدم قراءة تحليلية – من وجهة نظر أمريكية-  لترشح السيسي للرئاسة وأثر ذلك على مستقبل الأمن والاستقرار في مصر، والثاني، لأنه يتوقف بتحليل سياسي يعتمد مفهوم الخيارات السياسية، على حقيقة الأزمة التي ستعرفها مصر بعد أن أصبح الجيش في مركز اللعبة السياسية، والمآل الخطير الذي ستدخل إليه مصر، وأثر ذلك على مستقبل المنطقة.
نص المقال التحليلي:
أي شخص يدعي أنه يمتلك السلطة الكاملة في مصر بعد نظام مبارك يعتبر كاذبا. قد يكون من الصعب تصديق ذلك، نظرا  للدور الواسع الذي يقوم به الجيش هذه  الأيام. لكن الرؤية المقدسة التي يحاول أن يسوقها المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأنصاره وللذين يتطلعون إلى الاستقرار هي مجرد سراب.
وقريبا جدا ستتبدد هذه الصورة، وستكشف عن توترات عميقة في مصر، وعن الخيارات المتاحة حول ما يفترض غالبا أن تكون عليه أقوى مؤسسة في مصر.
يوم الاثنين، منح المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الهيئة  التي تسير الجيش المصري، بالإجماع للفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، مباركته للترشح للرئاسة( بالإضافة، إلى أنه اعتبر ترشحه للرئاسة واجبا). السيسي، الذي رقاه الرئيس المؤقت عدلي منصور إلى درجة مشير في نفس اليوم، لم يعلن بعد ترشحه بشكل رسمي للرئاسة. ومع أن أغلب الناس يقبلون بذلك، ويريدون ترشحه للرئاسة، ويعتبرون رئاسته لمصر أمرا واقعا، إلا أن الخطوة النهائية تتمثل في استعادة الجيش لمصر والعودة بها إلى أيام الرئيس حسني مبارك.
لكن ليست هذه هي القصة الكاملة.
في يوينو الماضي، جاء أنصار مبارك وبعض الثوار مجتمعين لعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي. من ذلك الوقت، التفت قطاعات واسعة من المجتمع المصري حول السيسي، الذي صار يمثل الرمز المجدد للقوة القومية المصرية. فتمت الإشادة به من قبل مؤسسات  إعلامية تابعة للدولة ، وأشادت به شخصيات ورموز من الحزب البائد الذي كان يقوده حسني مبارك، والشبكات الزبونية المستفيدة  من النظام.  وصار الكثير من الناس، من غير الإخوان والثوار، ينظرون إليه باعتباره فوق الخلافات السياسية، كما جاهرت العرائس بالرغبة في الزواج منه،  وأظهر الرجال رجولته لتعزيز سلطتهم الأبوية.
وهؤلاء الذين يتطلعون إلى الاستقرار- من أباطرة الإعلام إلى   المصريين متوسطي الحال، إلى  وزير الخارجية الأمريكي جون كيري- يتحدثون عن خارطة طريق الديمقراطية والانتخابات القادمة، بينما يتم كنس الواقع السياسي تحت البساط.
 لقد حاول السيسي أن  يدعم موقفه في السياسة عبر  حملة ضد الإرهاب في مصر، أطلقها في أواخر شهر يوليو من السنة الماضية. وقد تضاعفت آليات القمع الحكومية للمظاهرات الاحتجاجية المعارضة للحكومة، وأدت إلى مقتل  الآلاف. إنها أكبر من مجرد حملة ضد جماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها الحكومة المدعومة من قبل الجيش بكونها منظمة إرهابية.
لقد تسببت الحكومة المؤقتة والأجهزة الأمنية أيضا في قتل وجرح العديد من المحتجين من غير المنتمين إلى جماعة الإخوان، وسجنت الناشطين الثوريين، والصحفيين المستقلين عن الدولة، ووجهت تهما قضائية ضد سياسيين برزت أسماؤهم بعد  الانتفاضة المصرية، وقامت بالتشهير بأكاديميين معارضين.
لقد تزامنت الحملة مع موجة من التفجيرات والاغتيالات، وتمرد جماعة إسلامية ضد الدولة (أنصار بيت المقدس) تمركزت في سيناء.
ومع تزايد عدد الجثث(قتلت الأجهزة الأمنية ما يقرب من 70 شخصا في الأسبوع الماضي) أصبح من الواضح أن الدولة قد ضعفت خلال الثلاث السنوات الأخيرة.
يبدو أن سياسة استعمال العنف التي اعتمدتها الحكومة ضد المعارضين مثلت الجهد الأخير لإصلاح قارب دخلت إليه المياه، لكنها ستُبقي مصر على شفا ثورة.
وحتى نفهم لماذا، ينبغي أن نعتبر بما حدث للمحتجين الذين  قتلهم ضباط نظام الرئيس المتنحي حسني مبارك في يناير وفبراير 2011: لقد ركز الجيش نظره على حماية البنية التحتية وشركاته الخاصة، وبعد ذلك، عمل على تقسيم التحالفات التي نسجت ضد حكم مبارك، في الوقت الذي كان الجميع يركز على تقديم مبارك لاستقالته.
لقد قام المجلس العسكري للقوات المسلحة بنفي أو اعتقال بعض رجال الأعمال المحسوبين على نظام مبارك، والفريق المؤيد للإصلاح الاقتصادي للحكومة، لأنها لم تكن تتحكم فيهم، وقام بإقصاء عدد من  منافسيهم في وزارة الداخلية، وجعلهم تحت سيطرتهم. فعلى سبيل المثال، غير المجلس العسكري اسم جهاز مباحث أمن الدولة، وأحدث جهازا للتجسس الداخلي، وجدد قيادته في مارس 2011. ولم تنجُ بعض الأجهزة الأساسية المنافسة مثل وكالات الاستخبارات نفسها من هذه العملية. خذ على سبيل المثال، أجهزة الاستخبارات التي كان على رأسها الجنرال عمر سليمان، لم يتم تفسير محاولة اغتيال ضده في القاهرة خلال الانتفاضة المصرية، ومعظم الروايات اعتبرت أن الجيش هو الذي كان وراء هذه العملية، لأنه لم يعتقل أي شخص في الحادثة. يمكن لهذا الحدث أن يكون قد نُسي، لكن لا أحد ينسى أن الجنرال عمر سليمان تقاعد مباشرة بعد تنحية مبارك.
 في غشت الماضي، تم تعيين محمد فريد التهامي،   ضابط سابق في المخابرات الحربية، مكان الجنرال عمر سليمان على رأس أجهزة الاستخبارات، وهذا يثبت كيف تمكن الجيش من تفكيك الشبكات القديمة التي كان يعتمدها عمر سليمان داخل أجهزة المخابرات.
ومع مرور الوقت، وانتهاء الثورة،  أصبحت السلطة السياسية كلها تقريبا بين يدي المجلس العسكري.
وفي تلك المرحلة، كان للمجلس العسكري العديد من الخيارات: كان يمكنه الحكم لوحده، لكنه لم يرد ذلك. وبدلا من هذا الخيار، قرر الجنرالات حماية مصالحهم، والاختفاء وراء وجه مدني. ولذلك، سعوا إلى بناء إدارة مدنية لا يمكن تحديها.
في هذه العملية، قام المجلس العسكري بتفكيك نظام مبارك الذي كان يقدم خدمات لدوائر وشبكات متعددة، وحاول استبداله بنظام آخر يخدم مصالح الجيش وحدها.
لقد بحث المجلس العسكري عن خصم سابق له، اعتقادا منه أنه يمكن أن يساعده في تهدئة مجتمع مضطرب. ووضع الإخوان المسلمون أمام خيارين: الوقوف بجانب الثورة أو الجيش. انحنى قادة الإخوان للجنرالات، اعتقادا منهم، أنهم إذا كانوا  مطواعين بما يكفي، فإن الجيش لن يستغني عنهم. ومع ذلك، وفي الأخير، لم يستطع مرسي وجماعته أن تعطي للجيش ما يريده: الاستقرار والحفاظ على الأمن العام أو مظاهرات الشارع التي لا تنتهي.
في الحقيقة،  زاد وجودهم في السلطة من الاحتجاجات وزادت الوضعية سوءا، مما دفع الجيش وأنصاره للاستشارة مع- أو السماح-  للمحتجين من حركة تمرد للانقضاض على مرسي. وقد دفعت حركة الشارع في أواخر يونيو جنرالات الجيش للعودة مجددا إلى ساحة الفعل.
بأحد المعاني، فقد قرر الجيش هذه المرة أن يأخذ زمام المبادرة. لقد أثبت نفوذه على الدولة المصرية، حين، اعتقد بعض الملاحظين أنه تم تهميشه من قبل مرسي، الذي أجبر عددا من  الجنرالات على التقاعد في غشت 2012، بمن فيهم وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري للقوات المسلحة آنذاك  المشير محمد حسين طنطاوي.
لكن بمعنى آخر، لقد أربك الجيش مؤسسات الدولة التي ورثها. فعبر الدفع بمسؤول منتخب، فقد أزال المصداقية عن فكرة استعمال الانتخابات كأداة للتداول وانتقال السلطة السياسية بين المجموعات المدنية.
 الماضي الضائع كان يظهر بأن الجيش يستطيع أن يبقى محايدا عبر السماح ببروز فائزين في الانتخابات، وعدم التدخل في العملية السياسية.
الآن، ومن دون مجموعات مدنية منظمة يسمح لها بالعمل معه، تبقى خيارات الجيش محدودة،  فقد ألقى المجلس العسكري عبد الفتاح السياسي في دائرة الضوء وبدأ يخلق حوله أسطورة القادر على استعادة الاستقرار والأمن بمصر.
والحال، أن القيام بذلك يتطلب من الجنرالات بعض الوقت، لكن المهمة قبلهم- أي هندسة نظام جديد- تحتاج إلى وقت أطول من ذلك.
فكلما طال مسار التحول، كلما وجد الجنرالات أنفسهم في الزاوية الضيقة.
في الواقع، على الرغم من أن ترشيح السيسي للرئاسة قد برز كحاجة لا مفر منها أو كحاجة موجهة، يمكن للمرء تأكيد يعبر في جوهره عن ضعف المجلس العسكري وجنون العظمة التي جعلت ترشح السيسي للرئاسة أمرا وشيكا.
بعد كل شيء، ونظرا لشعبيته، يمكن للسيسي أن يغر أي شخص بكونه الرئيس القادم المفضل لدى المصريين.
ومن المحتمل أن تكون الانتخابات الرئاسية المفتوحة مجرد واجهة لترشيحه المفضل، وستمكن العملية من تحقيق هدفين متوازيين: الاحتفاظ على الإجراءات الشكلية للديمقراطية وقدرة المجلس العسكري على التدخل في نفس الوقت.
فبعد تسمية الجنرالات للسيسي، فإنهم ينتظرون منه أن يجهز على الثورة،  ويقضي على مشاركة الإسلاميين في العملية السياسية.
لكن خلف الأقنعة الذهبية الملونة التي يصنعها إعلام الدولة عن السيسي، كرجل المروءة الذي يلتف حوله المصريون، هناك اعتقاد لدى العديد من الذين كانوا في ميدان التحرير في ذكرى ثورة 25 يناير الثالثة، بأن السيسي ليس لديه إلا القليل مما يمكن أن يراهن عليه لبناء نظام حقيقي.
ليس للسيسي سياسات اقتصادية، ولا برامج سياسية للحديث عنها. قاعدة الحكومة المدعومة من طرف الجيش ضيقة، ونظرا لأن السيسي لا يملك وسائل لإدماج المعارضين،  فإنه سيتم  توليد مزيد من المعارضة، ومن عنف الدولة في مواجهته.
   في الوقت الراهن، حاز السيسي والمجلس العسكري على شعبية رأي عام متقلب، لكن الرياح يمكن أن تتغير في أي وقت.
في السنوات السابقة، كان الجيش يملك سلطة التحرك، مبديا مرونة ملحوظة، لكن الآن، بعد ترشيح السيسي، فقد  تم وضع الجيش في موقع اللاعب المركزي في المسرحية. دوره اليوم في السياسة أصبح معروفا لدى الرأي العام، وسوف يواجه العديد من الاختبارات وهو يحاول سحب العتلات. ليس لديه شريك مدني يمكن أن يعلق عليه الشماعة ويحمله المسؤولية، وهو يفقد حليفه الرئيسي في القاعدة الشعبية (تمرد). وكلما لجأ النظام إلى استعمال القوة أكثر فأكثر،  كلما فاقم الوضع  وزادت الأزمة السياسية في مصر استفحالا.
يقال أن المؤسسة الوحيدة التي برزت بيد نظيفة بعد تنحية مبارك  تلعب بشكل متزايد بأوراق محدودة: لها جميع النوادي، لكن بدون قلوب،  الذهب أو البستوني.  
فعلى الرغم من أن الجيش يبد  مسيطرا على السلطة الآن، لكن الشعب لن يتسامح معه، ومع قبضته الحديدية المتزايدة بشكل دائم.
سيأكل اللااستقرار والعنف أسطورة القاهر، المشير الصاعد حديثا، وحكاية  حفظ الاستقرار. ويوم يحدث ذلك، فإن المقاومة الشعبية الجارية ستنتقل إلى المرحلة التالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق