الاثنين، 26 مارس 2018

للقصة بقية- أبو ظبي.. التدين الجديد

للقصة بقية
أبو ظبي.. التدين الجديد




صراع سياسي بقفازات دينية.. تشكيل مؤسسات ومنظمات دينية حديثة لمواجهة مؤسسات دينية عريقة.. فبين تمويل ورعاية واستقطاب تمتد أيادي أبو ظبي من المحيط إلى الخليج، عبر مؤسسات ترتدي العباءة الدينية ظاهرا وتتدثر بأجندات السياسة الخارجية الإماراتية بين جنباتها.
مؤتمرات يراها البعض مشبوهة تدعو إليها الإمارات من تشاء وتخرج فيها من تشاء من ملتها، وشيوخ يكرسون لخطاب العبودية للسلطة وَفق مبدأ إسلام جديد تروج له بوجه مبتسم للخارج يرسم تقاسيم التسامح والانفتاح، وآخر يضيق ذرعا بالداخل.
منظمات وروابط ظهرت فجأة مع ثورات الربيع العربي، فكانت رأس حربة دينية للثورات المضادة.. شراء ذمم.. وتشكيك بمؤسسات دينية عريقة كالأزهر والمؤسسة الدينية السعودية القديمة.
وبين هذا وذاك، تسحب في فلكها دولا عربية وإسلامية لم تكن يوما ندا لها، راسمة ملامح ما بشّر به العتيبة ذات بريد إلكتروني ولقاء تلفزيوني.. شرق أوسط جديد تحكمه دول عَـلمانية ديمقراطية، فبماذا تلعب أبو ظبي؟ وإلى أي مدى ستتمكن من فرض هذا الشكل الجديد للتدين؟
حلقة (2018/2/26) من برنامج "للقصة بقية" عرضت الفيلم الوثائقي "أبو ظبي.. التدين الجديد"، وناقشته مع المفكر والداعية الإسلامي أبو زيد المقرئ الإدريسي، ومحمد المختار الشنقيطي أستاذ الأخلاق السياسية في جامعة حمد بن خليفة.
الثورة المضادة
يقول الشنقيطي إن الإمارات بعد الربيع العربي اختارت أن تسير في نهج الثورة المضادة، وأدركت أنها تحتاج لوجه ديني، فوجدت من بعض المشايخ من ضعفاء الحصانة الأخلاقية ممن لديهم علم شرعي ربما، لكن ليس لديهم موقف شرعي.. وجدت من هؤلاء مطية للسير في هذا المسار.
واعتبر أن تسييس الدين ليس هو المشكلة، فالإسلام دين سياسي تأسس على دولة وأسس دولة، ولكن المشكلة هي: هل تسيّس الإسلام خدمة للإسلام ووقوفا مع المظلوم ضد الظالم ومع الشعب ضد الحاكم، أم تسيّس الإسلام بترويض قيمه لتسويغ الظلم والجور؟
وأوضح الشنقيطي أن الإمارات اختارت تسييس الإسلام بالطريقة السلبية، وتجلت هذه السياسة في "مؤسسات ضرار"، أولها كان مجلس حكماء المسلمين، وكان نوعا من المنافسة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وجلبت في هذا المجلس الشخصيات التي لا تريد أن تتخذ موقفا سياسيا تجاه الأنظمة، ومعروفة تاريخيا بقربها من الأنظمة مثل شيخ الأزهر أحمد الطيب.
أسلوب استعماري
من جهته، اعتبر الداعية الإسلامي أبو زيد المقرئ الإدريسي أن جوهر القضية سياسي.. من يستطيع أن يمسك بالخيوط ويدير اللعبة ويستطيع أن يكون فاعلا كبيرا في المنطقة ثم بعد ذلك على مستوى العالم.. والدين أداة من هذه الأدوات والخيوط، ولهذا يبدو في الظاهر غريبا أن السياسة الرسمية للإمارات هي تبني إسلام يختلف مع إسلام الجارة الحليفة، ويختلف مع إسلام ينسب للجارة الخصمة، وهذان الإسلامان مختلفان ومتناقضان، والموقفان السياسيان متناقضان.
ويتابع أن الذي يوحد هذه التركيبة العجيبة هو الرغبة في أن يكون لدولة مثل الإمارات إسلامها الخاص بها، وبه تقدم نفسها كقائد وفاعل وجهة قادرة أن توجه العقل والفعل المسلم، وتوجه حراك المسلمين في الاتجاه الذي في نهاية المطاف لا يصطدم مع الجهات العليا المتحكمة في اللعبة.
ويرى الإدريسي أن الفاعلين الذين يظهرون في الشاشة هم الحكام المحليون، لكن أقوى دليل على أن وراءهم لاعبين كبارا هو أن المشروع المتمثل في استحداث دين أو مذهب جديد في الإسلام والدفاع عنه وتقييده بمواصفات وتوجيهه وصناعة رموز وأعلام وتمويل مؤسسات.. إنما هو أسلوب استعماري قديم.
ويوضح أن هذا الأسلوب صنعته بريطانيا في باكستان والهند، وهي التي دعمت البهائية في إيران، لأن تجربة العلمانية العارية فشلت، بدليل أن أقوى وأشرس تجربة علمانية هي العلمانية الأتاتوركية على الصعيد الإسلامي والعلمانية البورقيبية على الصعيد العربي، وقد فشلتا معا وولدتا ما نراه اليوم في تركيا وتونس، وهو نقيض الأهداف التي من أجلها كانت هذه العلمانية دكتاتورية دموية شرسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق