الثلاثاء، 6 مارس 2018

بن سلمان والسيسي.. تابع ومتبوع أم تابعان؟

بن سلمان والسيسي.. تابع ومتبوع أم تابعان؟


وائل قنديل
ليست المسألة أن أميراً  شاباً صاعداً ومفتوناً بالسياحة قرّر أن يبني مشروعاً سياحياً، يتحدث به العجم والعرب، لكن المساحة لم تسعفه، فشبت بداخله رغبةٌ في توسيع مشروعه في أراضي دولة مجاورة.. ثم قررت الدولة المجاورة منحه ألف كيلو متر مربع، لتحقيق رغبته، على اعتبار أنه لا شيء أجمل من أنك تصنع فرحةً في عيون شاب صغير.

القصة ليست سياحة، ولا طموحاً شخصياً.. إنها السياسة، يا عزيزي، حيث الحسابات الدقيقة، ولا شيء متروك للمصادفة، وكما لم يكن الأمير الصاعد مولعاً بفنون عصر النهضة حتى ينفق نصف مليار من الدولارات في لوحة قيامة المسيح، فإنه كذلك ليس مأخوذا بالتطوير السياحي، حتى يضع كل طاقاته في مشروعٍ عابرٍ للحدود والخرائط، بحثاً عن انتعاشة سياحية.

نحن في مرحلة تمزيق الخرائط ومحو الفواصل وإذابة الحدود، كما حلم بها شيمون بيريز قبل عشرين سنة، وهو يرسم خرطة الشرق الأوسط الجديد، على أنوار "كامب ديفيد" ثم أوسلو، تلك الرؤية التي ضمنها كتابه الأشهر، وكانت السياحة حاضرةً فيه، قاطرةً نحو التطبيع الشامل والسلام الإسرائيلي الكامل.

كان بيريز، في الكتاب، يفصل في مسألة حتمية المشروع السياحي الواحد الذي تتشارك فيه إسرائيل مع الدول العربية، داعياً الجميع إلى التحرّر من قيود التاريخ والجغرافيا، والانخراط في التصور الصهيوني للمنطقة، كما وضعته في زمن الهرولة العربية، فدخلت إلى قاموسنا عباراتٌ مثل "تبادل الأراضي" و"فتح الحدود"، لترقد سيناء فيما بعد ممدّدة على منضدة التفكيك والتبادل، إذ يفقد التراب قدسيته، وتساق الجغرافيا خادمةً مقهورة، في بلاط الحكام الجدد. 
ويكون التطبيق الأول لمبدأ أن لا قداسة للأرض والحدود بالتخلي عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية، بعلم إسرائيل ورغبتها، ثم يأتي مشروع "نيوم" ترجمة حرفية لأحلام شيمون بيريز، إذ يمتد في عمق سيناء والأردن والأراضي الفلسطينية، بملكية وإدارة سعوديتين. 

وكما جاء في الإعلان السعودي عن المشروع أواخر أكتوبر/ تشرين أول الماضي، أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي أن مدينة نيوم ستكون مملوكةً للصندوق بالكامل، ثم قال ابن سلمان في مقابلة مع "رويترز" إن المدينة ستكون "أول مدينة رأسمالية في العالم.. هذا هو الشيء الفريد الذي سيحدث ثورة". 

وفي التفاصيل، يقع المشروع شمال غرب المملكة، ويشتمل على أراض داخل الحدود المصرية والأردنية، ما يعني أن المنطقة مجاورة للبحر الأحمر وخليج العقبة، وبالقرب من ممرات بحرية تجارية معتمدة، وستكون بوابة لجسر الملك سلمان المقترح الذي سيربط بين مصر والسعودية.

وفور الإعلان عن المشروع، دوت صافرات البهجة في الكيان الصهيوني، إذ نشرت "جيروزاليم بوست"، ذلك الوقت، أن رجال الأعمال الصهاينة بدأوا في الاستعداد للمشاركة، وقال أحدهم (إيريل مارغليت) إن "الأمير محمد بن سلمان جاء بمشروع للتعاون الإقليمي.. إنه يعطي دعوة للإسرائيليين للتحدث باسم التعاون الاقتصادي الإقليمي من خلال مفهوم الابتكار".
تندرج الفكرة إذن تحت مشروع صفقة القرن، كما يريدها دونالد ترامب وتفرضها إسرائيل
والمشروع شرق أوسطي بامتياز، كما هندسه شيمون بيريز، واللحظة لحظة استسلام تام لقاعدة أن من يريد السلطة، أو يبقى بها، لا بد أن يمر عبر بوابة القبول الإسرائيلي. وفي هذه النقطة تحديداً، فإن بن سلمان على خطى عبد الفتاح السيسي في الانفتاح الكامل على الكيان الصهيوني، والارتماء في أحضان مشروعه وتصوراته. وكما قلت سابقاً، تثبت فإن الوقائع أن النضال المشترك بين أهل السلطة في كل من القاهرة والرياض، لانتزاع "تيران" و"صنافير" كان جزءًا من ثمن الجلوس على السلطة، تم دفعه، وبقيت فواتير أخرى كثيرة واجبة السداد في الخزينة الإسرائيلية، وليس مشروع "نيوم" إلا واحدة من هذه الفواتير، ظاهره السياحة وباطنه السياسة كما تفرضها تل أبيب، وليس السماح للطائرات الهندية المتجهة إلى إسرائيل بعبور الأجواء السعودية إلا خطوة تمهيدية للسماح للطيران الصهيوني باستخدام المجال الجوي السعودي، ليصبح الاستثناء الذي تم مع طائرة ترامب المنطلقة من الرياض إلى تل أبيب مباشرة، هو القاعدة عما قريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق