الاثنين، 5 مارس 2018

اغتيال أمة


إغتيال أمة 

إسم الكتاب :إغتيال أمة
تأليف : الدكتورمحمد عباس  


ينقل الكاتب من خلال صفحات كتابه للقارئ ماذا كان يحدث في مصر على أعتاب القرن الواحد والعشرين. والذي يجذب القارئ لهذا الكتاب هو أسلوب الكاتب في عرض انفعالاته مع الأحداث سواء في مجال عمله الوظيفي أو على ساحة العمل الوطني والعام في وطنه مصر. فهو أسلوب تصويري معبر يشعر القارئ بأن الألفاظ مختارة بعناية دون افتعال، وأن الصياغة روعي فيها إشراك القارئ في أحاسيس الكاتب دون إرهاق له أو ضغط عليه. فجمع بين الكتابة الجادة في أدق موضوعات الحياة السياسية بروح وطنية عالية وبين العرض بالطريقة القصصية السلسة التي لا تتعب الذهن، وإن كانت تثير المشاعر وتدفع إلى معاودة التفكير فيما حدث والكاتب يروي وقائع الأحوال التي مرت به أو ما استخلصه منها في تلك الفترة التاريخية في حياة مصر السياسية، وذلك في حال وقوعها، لذا فإن قيمة الكتاب تكمن بالدرجة الأولى في تصويره لنفسية شاب مصري مثقف ممتلئ حباً لوطنه.

يرنو ببعده إلى المثل العليا ويريد الخير والصلاح لبلده. يبحث عن القدوة الطبية بين رجالات هذه الأمة. وعلى هذا الأساس، فإن محتوى الكتاب يعبر عن مشاعر الكثير من أمثاله من الشباب المخلص في هذه الحقبة من حياة مصر إزاء الأحداث الجارية على أرضها، وعما دار في أذهانهم من أفكار حولها سواء جاءت هذه المشاعر والأفكار نتيجة فهم متكامل لكافة الظروف والملابسات أم كانت تتصف بالمثالية التي تبعد عن الواقعية في إصدار الأحكام. وهو بهذا المعنى يعتبر عوناً للباحثين في تاريخ السياسة المصرية على تفهم الكثير من ردود أفعال الشعب إزاء الأحداث، ومرشداً للمشتغلين بالعمل السياسي إلى صدى بعض التصرفات التي يأتونها عن عمد أو يقعون فيها عن قصد حتى يتجنبوا التردي فيها فتسيء إليهم وتدين بعض أفعالهم. على ضوء ذلك يمكن القول بأن اغتيال أمة هو عصارة نفس مؤلفه وخلاصة انفعالاته خلال فترة غير قصيرة من أنضر أيام حياته وهي مرحلة شابه المبكر، مدركاً بأنه ينبغي أن يخرج للناس كما هو دون تعديل أو تحرير، شأنه في ذلك شأن الفيلم التصويري الذي يسجل الأحداث حال وقوعها... فهي اعترافات شاب ذاك العصر. 


مقتطفات من اغتيال أمة

المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس

"تدير أناملي مفاتيح المذياع فى بحث عن صوت مصر الحبية .. أبحث عن البرامج فلا أجد إلا أغاني وطنية .. 
أذاعت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانها الرابع :
عبرت قواتنا المسلحة قناة السويس ..
الله أكبر ..
الله أكبر ..

من أعمق الأعماق صارخة متوسلة مستغيثة داعية باكية ملهوفة مفزوعة .. الله أكبر … فى لحظة مركزة من الزمان تتجمع مرارات الهزائم العلقمية عبر التاريخ ودم الشهداء المسفوك وهوان المذلة والانسحاب ودموع الثكالى والأرامل والأيتام والرغبة الهائلة الدامية فى أن نغسل عار جيلنا وننتصر .. محمد وأحمد ومصطفى وحسين وعباس وعبد السلام وصلاح وعتريس وموريس … لا يحاربون إسرائيل ولا حتى أمريكا وإنما يحاربون الموت ذاته .. يارب ..

اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تقوم لنا قائمة فى الأرض بعد اليوم .. يا رب إنه أملنا الأخير .. ميناؤنا الأخير .

لن نحتمل هزيمة أخرى .. انتصر … انتصر يا سادات … انتصر لتحمل مصر اسمك مدى التاريخ .. إني أغفر لك حماقتك وغرورك وزيفك .. انتصر .. فلا أمل أمامنا إلا أن ننتصر .. يا رب .. هؤلاء هم عبادك .. خطاؤون لكنهم عبادك التوابون فانصرهم .. يا محمد … يا رسول الله .. أمتك أمتك .. أدركنا يا رب .. أغثنا .. يا ملائكة الرحمن .. اهبطوا وحاربوا .. اليوم بدر .. يا جبريل قد جيشك وهاجم .. يا خالد بن الوليد يا صلاح الدين الأيوبي يا سيف الدين قطزيا ابن تيمية يا عز الدين بن عبد السلام يا أحمد عرابي يا مصطفى كامل يا عبد المنعم رياض يا جمال عبد الناصر يا أرواح الملايين الذين استشهدوا .. هبوا من قبوركم وحاربوا إن أرواحكم موجودة فى مكان ما فى هذا الوجود فتعالوا .. 
زوجتي والأصدقاء يذهلهم انفعالي ..

أنتم لا تدركون ما بي .. إني أحمل فى صدري نارا ..

التاريخ كله يشتعل داخل قلبي .. مئات الملايين الذين قطنوا مصر منذ خلقها الله كأنهم أحياء يصرخون داخلي . آمال محيطة وآلام وملتاعة وعواطف مشبوبة وخوف مروع حتى العظام فى القبور تصرخ داخلي … إنكسارات المسلمين عبر التاريخ .. هم خير أمة أخرجت للناس .. فلماذا لا يتبؤون مكانتهم يا رب 
يفسر بعض الزملاء انفعالاتي الطاغية بأن لي شقيقا أو عزيزا فى الحرب .. لا يدركون أن كل من يحارب أعز على من شقيق .. وأنه لا يوجد أبدا شخص معين أخاف عليه .. 
أسمع إذاعة إسرائيل .. وطن الطغيان والكفر والجبروت .. وطن العصابات يأجوج ومأجوج .. كنت قد حرمت على نفسي سماعها منذ 67 .. تشاجرت مع الأصدقاء كثيرا لأنهم يسمعونها .. الآن أسمعها لأعرف .
عبر المصريون القناة وسوف نسحق عظامهم .. يارب .. يا قوي يا قهار يا جبار إمنعهم .. إن الكلمات تسري داخلي فتتحول من موجات صوت إلى مزيج مروع من العظام المسحوقة والدماء المسفوكة واللحم البشري المشوي والرمال المعجونة فى كل هذا .. كأنما يتجمع المليون مقاتل داخلي .. فأسمع بأذني دوى القنابل وزفير الصواريخ وأزير الطائرات وأصوات السفن ودوى الرصاص وتسحقني جنازير الدبابات الضخمة فاستشهد وأصحو وأستشهد وأصحو مليون مرة ..

تتداعى إلى مخيلتي مثل كابوس رهيب أحداث يونيو 67 ..
وبرغم أنني أيامها كنت أتوقع الهزيمة إلا أن التوقع ليس كالواقع.. 
منذ عام 62 كانت الجفوة قد بدأت تحل بيني وبين جمال عبد الناصر .. لا معنى لأي شئ إن خالطه قهر فرد أي فرد .. وبناء السد العالي برغم ما يمثله من شموخ قومي لم نمارسه منذ بناء الأهرامات وهزيمة الصليبيين والتتار إلا أنه لا يساوي إعدام الشيخ سيد قطب ".
"ويأتي مايو 67 مشحونا بأحداث جسام .. ويقف جمال عبد الناصر فى مؤتمر صحفي (...) إلا أنني كنت أفكر بطريقة أخرى .. أن الاستعمار العالمي لن يسمح له أبدا بالنصر.. إنني أنظر له وهو يتحدث فى فيض من الثقة لكنني أرى فى عينيه الخوف "فليعنا الله أن نعود إلى حدود سنة 1948 الدولية .. الناس يتوقعون أن تدخل تل أبيب فى بضع ساعات أم أنك تناور .. ذهبت إلى حجرتي أقرأ قصيدة لأمل دنقل : آخر كلمات سبارتا كوس وأنا أقول لنفسي أن سبارتا كوس سيصلب من جديد . ونصحوا على دوي القنابل والبيانات العسكرية الكاذبة .. لا يمكن أن تكون الهزيمة بشعة هكذا .. الطيران كله يدمر .. أمر بالانسحاب إلى الخط الثاني .. أين يوجد . على بعد أمتار من الحدود الدولية أم ضاعت سيناء .. أمر آخر بالانسحاب إلى قناة السويس .. إسرائيل ترقص وتغني قولها لعين الشمس ماتحماشي .. جيش عبد الناصر راجع ماشي .. لا بد أنها خدعة . استدرجهم عبد الناصر إلى سيناء كي يحصيهم عددا ويشتتهم بددا . الآن سوف تخرج القوة الضاربة الأساسية للجيش والتي لم تحارب بعد أرهم ياعبد الناصر جبروتك الذي أريتناه .. السادسة مساء اليوم ستخطب كما وعدت .. فى النهار متسع إذن لضربة قاصمة لإسرائيل .. إن لم يكن كذلك فسوف نسحلك فى
الشوارع.

السادسة مساءا ..
عبد الناصر يتنحى ومصر هزمت .. 
كبر كان يقذف حممه انفجرت مصر بالجماهير الصارخة الرافضة .. طوفان من البشر .. سنحارب .. سنحارب حتى النصر .. ابق يا عبد الناصر .. (...)… ويعود جمال عبد الناصر وننام كل يوم على أمل الضربة الكبرى فى اليوم التالي . كم مات منا ؟ عشرة آلاف .. عشرون ألف .. خمسون ألف .. ما زال الباقون أحياء لديهم الإرادة والأمل والسلاح سيعوض فى أسابيع …. ونهاجم … رأس العش .. سنطور الهجوم .. هجوم الطيران المصري فى يوليو .. ستزحف المشاة والدبابة ………
لكن الآمال كلها كانت مجهضة …..
حجم الهزيمة يكبر كل يوم …………"

مرت الأيام الأولى ولم تسحق إسرائيل عظامنا .. يصحوا الحلم على استحياء … خائف أن أتشبث بأهداب الأمل فأسقط فى غياهب اليأس والواقع .. كعطشان تشقق بالجفاف حلقه فيرى الواحة أمامه فيظنها سرابا .. ألم الموت أصبح أمامه أهون من موت الأمل .. وتتالى البيانات باقتضاب ووقار لا يناسبان الأوار داخلي …. أعطهم القوة وامنحهم النصر يا رب .. تدمير لواء دبابات إسرائيلي بالكامل وأسر قائدة عساف يا غوري .. التليفزيون السعودي يعرض صورته وحديثه عن مفاجأته المذهلة بإمكانيات الجندي المصري …. الله أكبر .. تدمير النقاط الحصينة الباقية من خط بارليف … الجيش السوري يتعرض لضغط رهيب لكنهم أبطال وأسود كواسر .

تتوقف البيانات المصرية عن إضافة جديد سوى أن قواتنا تحكم قبضتها على أرض محرره .. كم حررتم ؟! ولماذا لم نواصل تقدمنا إلى الممرات .. إسرائيل تتحدث عن هجومها المضاد .. ينخلع القلب هلعا .. عاجز أنا كحيوان حبيس فى قفص .. لو أنني كنت فى مصر .. أعلم أنه لن يكون لي دور ولا قيمة .. لكنني أريد أن أكون هناك .. معرض مثلك يا مصر .. لقصف الطائرات ونسف الصواريخ كي يختلط لحمي بلحمك ودمي بدمك … أموت لا محالة إن مت وأعيش أو أموت إن انتصرت .. لا أكاد أنام والمذياع يصاحبني وأنا ألهث بين محطات الإذاعة باحثا عن خبر يطمئنني .. موشى ديان يعترف بكثافة الهجوم المصري وعجز الجيش الإسرائيلي عن رده إلى غرب القناة …
الحمد لله …
والله أكبر …
نصر عبده وأعز جنده ونصر مصر وحده .. تقدم يا سادات إلى الممرات إذن الضغط على سوريا رهيب فتقدم .. تأتي رسل العالم تطلب وقف إطلاق النار .. كان الطالب الأول يعبر عن العهر الأمريكي حيث طلبوا عودة القوات المتحاربة إلى خط 6 أكتوبر بما يعني انسحاب الجيش المصري من سيناء .. يا رجس الشيطان .. ولماذا لم تطلبوا مثل ذلك يوم 5 يونيو .. وتتوالى الرسل راجية وقف إطلاق النار على خطوط القتال … وافق يا سادات … احفظ نصرنا الغالي الدامي من أن يتحول إلى هزيمة السادات يرفض .
الله معه ……
أذقتنا بشائر النصر فلا تحرمنا حلاوته يا رب 
14 أكتوبر .. جولدا مائير تصرح أن قوات إسرائيلية تحارب غرب القناة وتهدد أبنها ستدخل دمشق ..
تحت وطأة العذاب تسقط الكلمات صرعى .. لا شئ يصف الألم .. نجلس مع القنصل المصري فى السفارة المصرية بجدة فيخبرنا أن الوضع خطير وأن إسرائيل تحاول حصار الجيش الثالث والثاني …
تخمد الآمال وتنطفئ الأضواء .. 
ينبئني بالكارثة قلبي .. لكن على أن أنتظر عشر عاما حتى أقرأها صريحة فى مذكرات إسماعيل فهمي أننا فى سنة 73 هزمنا عسكريا وأن أقرأ فى مذكرات محمود رياض كيف حول السادات النصر إلى هزيمة .. 
ويصرح محمود رياض :
-"كان العالم كله مع مصر … لكن السادات كان مع أمريكا " ويؤكد أن ما حدث هو جريمة ضد الأمة يستلزم التحقيق الشامل لمعرفة أسباب الفشل مشروع الأمن القومي العربي بعد جهود هائلة استغرقت خمسة وعشرين عاما حفلت ببشائر الانتصار وتذر الهزيمة لكننا كنا فيها أحياء نعي ونحاول ونحارب .. وكانت الأيام الأولى فى حرب أكتوبر موحية بأنها ستحلق بسوابقها العظام فى القادسية وحطين وعين جالوت لنحطم مذلة هزيمة 67 والتي حاولوا بعدها أيهامنا بأننا شعب لا يستطيع أن يقاتل .. متجاهلين عمدا أن العرب عامة ومصر بالذات قد خاضت أشرس حروب التاريخ … وأنها انتصرت فى مجملها لتوجد فى النهاية بعد سبعة آلاف عام .. ولم ينجحوا بعد 67 .. لكنهم سينجحون بعد 73 فيما سماه محمود رياض جريمة ضد الأمة .. وستنهال كالطوفان بعد ذلك مئات المذكرات يكتبها مسئولون وخونة .. 
وكان أقل القليل منها يستحق الاحترام لصدقه … 
لكن أغلبها كان إما محاولة عميل لإمكال اغتيال الأمة وهدم ثقتها فى نفسها أو محاولات خائن أو مخطئ لإبعاد سيف الاتهام بالجريمة عن عنقه بأن يسرد الأحداث من وجهة نظره هو محاولا طمس أدلة اتهامه .. كانوا قد باعوا الوطن وقبضوا الثمن لكنهم يريدون أن يتنصلوا من الجرم تنصل أخوة يوسف .. وضاعت الحقيقة وما زالت ضائعة .

الأيام الأخيرة من الحرب ..
كتل المرارة الفاجعة ..

محادثات الكيلو 101 .

لا أستطيع أن استمر

1974 … 
"يتسلل الشرف والمجد بين مسامنا كما يتسلل الماء فى الأرض الخراب .. يدير السادات دفة البلاد فتنهار قيم وتمزق مشاعر ويضيع تاريخ .. كنت أكره هذا الرجل منذ عرفته ولا أثق فيه .. لكنني أسلمت له مجامع قلبي فى العشرة أيام الأولى من الحرب فلما خاب وأهدر إمكانية انتصارنا عاد بغضي له بصورة أشد .

الآن أدرك فداحة ما فعلته بنا .
أكاد أصرخ كهاملت وهو يواجه أمة الخائنة التي قتلت أباه وعشقت عنه " أنت أمي وليتك لم تكوني " وأنت يا سادات رئيسنا وليتك لم تكن ."
ولم يكن قراراك بتنوع مصادر السلاح قرارا من أجل قوة جيشنا إذن .. بل كنت تتحول من رئيس دولة إلى سمسار لبيع السلاح لوطنك .. ولما كان التعامل مع الكتلة الشرقية تعاملا بين دول ولا توجد به عمولة ولا رشوة فإن سلاحها لم يعد يناسب آمالك فى المستقبل .. مستقبلك أنت لا مستقبل مصر فك الاشتباك الأول …… 
لكم عذبتني أيها الجيش الثالث وأنت محاصر .. كيف حدث ذلك وكيف حوصرت .. إن محمد حسنين هيكل يكتب عن الفواصل بين الجيوش كنقط ضعيفة .. والفريق سعد الدين الشاذلي يستقيل أو يقال .. المعلومات قليلة لكنني أحس أن الأمر فيه خيانة .. تحكم إسرائيل فى مرور الماء والطعام والبطاطين يمرغ فى الوحل كرامتي .. أتوق إلى مواجهة عسكرية للثغرة لكن رحلات كيسنجر وطريقة مقابلة السادات له تشعرني أن شيئا غاليا جدا وعزيزا جدا يمتهن ويباع … شرفنا القومي … وتم فك الاشتباك الأول … 
(...)
********

فك الاشتباك الثاني ..
كل شئ يضيع .. دم الشهداء هباء .. تسقط أحلامنا القومية عبر عشرين عاما .. الجيش ينسحب من سيناء .. ثلاثون دبابة فقط تبقى فيم كان العبور إذن .. فيم كان الألم الطاحن والرغبة المشبوبة والشوق المجنون للعبور إن كنا سنسحب بعده .. تقيح الجرح وأزمن فتعودنا عليه وعايشنا ألمه .. إنني حتى لا أملك القوة – ولا الرغبة – أن أهمس أين أنت يا جمصى وأين أنتم يا قادة العبور .. إن كان السادات يخون القضية فأين أنتم ..(...)

وفى مجلس الشعب – الذي غير السادات اسمه ضمن ما غير .. كانوا يدقون الطبول للبطل .. وكانت الحكومة تمارس نوعا من التجارة المحرمة أشد خطرا من تجارة المخدرات .. ألا وهي بيع أوهام كاذبة للشعب الذي يعاني عناء اقتصاديا شديدا بعد أن طفحت سياسة الانفتاح نماذج غريبة من الشواذ والنصابين ، وارتفعت الأسعار ارتفاعا أخل بشعرة معاوية ، لقد عبر البطل المؤمن قناة السويس وحقق أول انتصار فى تاريخ مصر الحديث ، وسيعبر بنا عنق الزجاجة إلى عام الرخاء .. وفجأة هبت رياح الرخاء المنتظر بإعلان الحكومة رفع الأسعار .. وكأنما مصر كلها قلب رجل واحد انفجر بالغيظ والغضب والاحتقار من الإسكندرية إلى أسوان ، حيث كان رب العائلة فى مشتاه الدافئ .. واضطر يومها إلى الهروب هلعا بعد أن كادت المظاهرات تدهمه وتسحقه ، حتى لقد ترك أوراقه دون جمعها ، ومن يومها لم يغفر السادات لشعب مصر قط . ولم يعد بعد ذلك مصريا .
​​October 7
اغتيال أمة2

حاشية: أبرأ إلى الله سبحانه وتعالى من دنس تأييد عبد الناصر ذات يوم حتى لو كان مغلفا بالإدانة.. وأمحو من كتبي الأولى كل ما ورد فيه ذلك..وأتبرأ منه



المبادرة ..

السادات فى القدس …

عار ما بعده عار …

لو لم أكن مصريا لما تمنيت أن أكون كذلك …

كيف أمكنك يا مصر لأن يخرج هذا الرجل من بين أحشائك . أشك فى نفسي…

إما أنني جننت أو أن العالم قد جن .

وتنطلق أجهزة الإعلام تزين الفاجعة كما يزين القواد الزنى لبغى .. لا يمكن أن يحدث .. مستحيل .. آلاف السنين وملايين الأشياء ترفضه.. ضد المنطلق والإحساس والتاريخ .. كيف إذن يحدث … ستشتعل الأرض نارا فل يذهب .. سيهب الشعب المصري فلا يذهب .. سوف يصطدم طيارة بالطائرة فى قمة جبل فيحترق .. دولة عربية سوف ترسل طائراتها لتدمره فى الجو .. إن لم يحدث ذلك كله فستنزل عليه من السماء صاعقة .. سوف تعود عصور المعجزات فيمسخه الله .. أو سوف تصحو مصر صبيحة يوم الزيارة فإذا هوميت .. لكنه لا يموت ولا يحترق ولا يصعق وشعبه لا يقتله ، والعرب جميعا كأنما أخذتهم الصاعقة ، ولم تحدث معجزة من المعجزات ، ولم تغير قوانين الطبيعة من نفسها فحمل الهواء طائرته كما يحمل كل طائرة .. واستمر اشتعال الوقود داخل المحركات فلم تنفجر .. ألمح جزءا من المشهد فى التليفزيون السعودي حيث كان العالم كله يرى ما يحدث ساعة حدوثه .. وحدي فى المنزل بجده .. كان يوم راحتي وكانت زوجتي بالعمل .. أغلق التليفزيون بسرعة .. أتذكر هزيمة 67 ، وذلك الرجل الذي أطلق رصاص مسدسه على التليفزيون عندما على منه أخبار الهزيمة .. لم يكن مجنونا إذا كما ظننت.

أطل من شرفة بيتي ملتاعا مرتاعا .. يترامى أمامي شارع طريق مكة يمتد من منزلي حتى المسجد الحرام على بعد 75 كيلو مترا تشخص عيناي إلى مكة .



يارب …

لم يعد يستطيع منعه إلا أنت فامنعه …

أرسل إليه عزرائيل يقبض روحه وهو هناك .. لا تدعه يكمل ، كأنه ينبش قبور الشهداء كي يبيع عظامهم .. إنني أرى الحسين يموت من جديد .. يذبحه الفجار وهو عطشان .. وأمام أهله .. آل بيت النبي (ص) .. وأرى كل جيوش المسلمين تجرجر أذيال الهزائم .. ريات لا إله إلا الله محمد رسول الله منكسة .. ها هو ذا أبو جهل يخلفه عبد الله بن أبي يخلفه يزيد بن معاوية يخلفه أنور السادات .. بالإنكسارات المسلمين عبر تاريخ جريح مضمخ بالدم .. أحاول أن أقنع نفسي .. أن تاريخ المسلمين كان فيه ما هو أسوأ .. أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة ماتوا قتلى .. وأن عليا .. عليا .. ظل مائة عام يلعن فوق المنابر .. وأن المسلمين فى الأندلس ظلوا مائتي عام يسحقون ويحرقون وتأكل الوحوش أجسادهم ..

وبالرغم من ذلك استمر الإسلام والمسلمون .. فلا تقف هكذا فى هذه الشرفة تنعي ​​الوجود بأكمله .

تتوسط الشمس السماء .. ما زال يسري عبر الأثير شعاعا كأن بعضا منه لم يضئ للسادات اليوم طريقة ..

ما زال فى القشرة الأرضية هواؤها ..

تنظر عيناي إلى اللاشئ .. إلى اللانهاية .

كأني أخترق حاجز الزمان فأرى بداية الخليقة ..

لا شئ إلا الله …………

يخلق الكون فى أيام .. آلاف الملايين من الأعوام تمر .. ويعصى آدم ربه بالغواية فيهبط إلى الأرض .. لو لم يهبط لما كنت أنا الآن هنا أعاني ما أعانيه .. كان يمكن أيضا لأي واحد من أجدادي عبر مئات الألوف من السنين أن تلتهمه الوحوش أو أن يتزوج بجدة عاقر تنتهي السلسلة التي استمرت فقذفت بي فى هذا المكان أعاني هذا الألم .. تترامى أمامي صفحة السماء محايدة ، ويمتد الأفق .. كم يمتد ؟ سرعة الضوء 186000 ميل فى الثانية الواحدة ، فكم يكون فى الدقيقة والساعة واليوم وكم يكون فى العام . ما يقطعه الضوء فى العام يسمونه سنة ضوئية . يختلف العلماء حول عمر الكون بليون عام أو بليون عام .. عبر هذا التاريخ كله .. وفوق هؤلاء الناس جميعا .. هل تتخيل يا محمد عباس أن تستجيب القدرة الإلهية المهيمنة على ذلك كله لك أنت وحدك ؟!

أترك مكاني فى الشرفة .. أدور فى غرف البيت كالمجنون .. أمام المرآة يصادفني وجهي .. لا .. هذا وجه آخر .

وجه غريب …

وجه إنسان يختنق .. العينان اللتان لم تذرفا الدمع كأسا دم .. أتأمل ملامح الغريب كأنني أراه أول مرة .. الحزن ثقيل .. كأنك تأتي بعربة حمولتها عدة أطنان فتضع فوقها ملايين الأطنان .. أحس بالدوار ..

يا أيها الألم

سرقت هويتي فأنت مزيف

لست الألم

لأنني أنا الألم

إن كان الواقع هكذا فأنا ألفظه . وإن كانت قوانين الطبيعة والسياسة والجغرافيا تقبل أن يحدث ذلك فأنا أسحب اعترافي بها .. وادلف إلى عالم نصفه جنون ونصفه أحلام يقظة ..

يصحو العالم العربي من إجل فلسطين.. آلاف الطائرات تنطلق وعشرات الآلاف من الدبابات وملايين الجنود .. يتصدر الملك فيصل جيش المسلمين الذي يدك حصون اليهود دكا .. ونصل إلى القدس بعد انتصار ساحق عذبته ألف عام من المهانة والانتظار .. ونقبض على أنور السادات هناك ويقف يرتجف أمام الملك فيصل فيحكمني فيه فأصدر حكمي بأن يحاكمه كل من ذبحت مشاعره اليوم وأن يصدر حكمه فيه وأن تنفذ الأحكام منفردة حكما حكما ..

لكن جيوش المسلمين لم تتحرك وثبت أن العالم الجديد الذي دلفت إليه أشد جنونا من سابقه ..


****

هاهو ذا السادات فى إسرائيل ، ليس أسيرا – وليته كان – وإنما صديقا .

وكما مات المنفلوطي يوم موت سعد زغلول فلم يجد من يشعر به أحد:ضاع وسط الركام الهائل .. موقف وطني عظيم لإسماعيل فهمي حين تقدم باستقالته احتجاجا ورفض محمد رياض تولي الوزارة مكانه ..

وشخصت الأبصار إلى قيادات مصر ..

هذا هو أوانك يا عز الدين بن عبد السلام ..

وهذا هو لأوانك يا حسن العدوي ..

وهذا هو أوانك يا شيخ شعراوي .

بعد هزيمة عرابي أخذت المحكمة الفاجرة التي شكلت كلها من خونة تحاكم أبطال مصر ..

وسألت المحكمة الشيخ حسن العدوي :

-هل أصدرت حكما بعزل سمو الخديوي توفيق .. فأجاب ، والحراس حوله والطاغوت فى قصره والانجليز فى البلاد :

-أنا لم أصدر هذه الفتوى لأن أحدا لم يطلبها مني ومع ذلك لو قدمت لي هيئة المحكمة الآن فتوى بعزل توفيق لما ترددت فى توقيعها .. وليس فى وسع هيئة المحكمة وأعضائها مسلمون أن تنكر أن الخديوي توفيق مستحق للعزل لأنه خرج على الدين وعلى الوطن ..



فافعلها الآن يا شيخ شعراوي لتنضم إلى الرعيل العظيم من الفقهاء والمجاهدين اعزله من الحكم .. شارك الأزهر وشيوخ الفكر واعزلوه وهو هناك .. سيطيعك الشعب كله فافعلها لوجه الله ولأجل دينك .



لكنه لم يفعلها .

بل ليته سكت .

بل أنه أخذ يقارنها بصلح الحديبية .

فآه من القلب المسحوق يا مصر.

أين الباقون اذن .ز

أين الكتاب ..

أين الجيش الذي حارب وانهزم وانتصر واستشهد أبطاله .

أين الشعب .

يا للخزى ويا للعار .

وأنا .

مواطن .. فرد .. وحيد .. ماذا أفعل ..؟

أتخيل نفسي فى ساحة مديرية طنطا سنة 1883

أتخيل نفسي البطل يوسف أبو رية وقد حكم عليه بالإعدام لاشتراكه فى ثورة عرابي .. وتحت المشنقة يسألونه عن رغبته الأخيرة قبل أن يموت .

ويجيب البطل

-أريد لمصر الاستقرار .. أي شئ يرضيني وقد قطعتم آمالنا .. لكن اليوم لكم وغدا لنا .

أجل ..

اليوم لكم .. وغدا لنا .

يطاردني إحساسي بالخزى والعار .. من ملامحي يعرف السائرون فى الشوارع أنني مصري وأخال عيونهم تخترق ظهري وأصابع تشير :

هذا هو الخائن .

أخجل من نفسي ..

أتجنب السير فى الشوارع .. كيف أسير وأنا أحمل عاري ..

أختنق وأحترق …

لكن كثيرا من الزملاء يؤيدون أنور السادات ..

وألمح وجها آخر للفاجعة .. أننا وصلنا إلى درجة الدمار النفسي التام الذي يغلق أمامنا أبواب المستقبل جميعا .. إلا أن نبيع الشرف والدين والتاريخ .



ويأتي توفيق البسام صديقي السعودي الذي كنت أحبه .. والألم يعتصره ولكنه كالآخرين يؤيد السادات ويهتف بي : ماذا تنتظر .. أن ندخل معهم فى حروب نفنى فيها جميعا .. علينا أن نحني قامتنا أمام إعصار الزمان حتى تمر العاصفة . يا توفيق أمامنا ألف سبيل آخر .. لكننا

بهذه الفاجعة نعود مائة عام إلى الوراء .

الأيام الأخيرة فى السعودية .. يأتي د. عبد الكريم الخطيب أحد الذين ذبحهم ما فعله السادات .. يحاورني وهو يحاول إقناعي ألا أعود إلى مصر .. لماذا لا تبقى هنا وتحصل على الجنسية السعودية . سوف تعاني أنت آلام الغربة والوحدة والحنين إلى الوطن . لكنك ستحمي أبناءك وأحفادك إلى ما شاء الله من أن يعانوا ألما كذلك الذي تعانيه أنت اليوم .



لا يا عبد الكريم .. لا أستطيع ..

هي مصر .. الأمل والألم .. الجرح والبرء ..

أخلع روحي ولا أتخلى عن رداء جنسيتها ..

وفى أوائل يناير 1978 .. أعود إلى مصر






By ‎المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس‎


اغتيال أمة 3



سعد إدريس حلاوة



وفى تلك الفترة كان السادات يكمل صفقته لبيع شرفنا القومي فى كامب ديفيد ..

لم يعد فى القلب مكان لنار ألم جديد تلفحه..

ولم يعد بالعين مزيد من الدموع تسفحه ..

وزير الخارجية(1) يستقبل فى أثناء المفاوضات احتجاجا ، لكن الصفقة تستمر … وأقول لنفسي لقد متنا فعلا ، فما يضر الشاه سلخها بع ذبحها . فلقد أكمل هذا الرجل القضاء على تاريخنا عبر مائة عام . كان جمال عبد الناصر صورة من محمد على ، أما أنور السادات فهو صورة طبق الأصل من الخديوي توفيق . لكنه لم يكن مطمئنا أن الشعب مات بعد فاستصدر فى استفتاء مخز قانونا مخزيا بجس من يرفض اتفاقية كامب ديفيد .



الآن .. 1986 . أشعر بأنه كان عارا وعلى من يفكر مثلي ان يستسلم .. وكان أمامنا أحد خيارين كي نهرب من هذا العار .. كان يجب أن نتصدى .. وإما أن نسجن بهذا القانون أو أن نلغي كامب ديفيد .. لكن القانون ما زال ساريا .. ولعل الخيار ما زال مطروحا على السلطة : أما أن تسجننا وأما أن تلغيها …



وكأنما لم تمت الشاة بالذبح فسلخوها حية ..

وكان علينا أن نعاني العار ذاته مع تنفيذ بنود اتفاقية كامب ديفيد وبعيدا عن الدراسات الاستراتيجية والمنهج العلمي لتحليل أثار تلك الاتفاقية فقد كانت على المستوى القومي عملية اغتيال ثم تمثيل بمشاعر الناس .

آه من هذا الداهية ..

فى البداية خط جمال عبد الناصر وانحنائه أمام صورته . كما ينحني العابد أمام معبودة . ثم حرب أكتوبر 73 والنصر المجهض الذي حرم الله جمال عبد الناصر منه ، ثم الانتقال من طور البداوة الهمجية إلى طور الحضارة والرقي .. ثم الانتقال من الانغلاق إلى الانفتاح ، ومن الدكتاتورية إلى الديمقراطية …… ومن عبادة الفرد إلى عبادة الله … ما أعظم الكلمات لكن ما أبشع المضمون .. وفى كل مرحلة يجد مجموعة تطبل له وتصفق . إما عن جهل وإما عن خسة .. وكانت هذه المجموعة تفصل له القوانين وتجري الاستفتاءات التي كانت نتيجها دائما 99% … ثم تغيير لائحة طلبة الجماعات لقمعهم .. ثم محاولة بيع القطاع العام .. ثم اطلاقة بالونات اختبار مع نوع طرح اشتراك مصر فى حلف الأطلنطي ورهن قناة السويس .. ثم إلغاء الرقابة الإدارية عندما كادت أن تمسك اللصوص من أهله .. بل الإعلان عن ذلك كما لو كان قد حقق انتصارا ساحقا ضد أعدائه .. بل لقد تم الاستيلاء على كل أوراقها وحرقها فى مهرجان طرب فيه اللصوص والكلاب.

كيف احتملنا..

لكن كل ذلك لم يكن آخر المصائب ولا أفدحها ..

فقد كان ذلك الداهية بارعا فى تلويث كل شريف ، وفى إخفاء نواياه الفاجرة أو تخدير الشعب عنها .. وفى زيارة القدس كان يدرك فداحة ما يفعل فقدم ثمنا هو نفسه يعرف قيمته لدى معارضيه .. انه إذا لم تنجح مبادرته خلال شهر واحد فسوف يستقيل .. كانت الزيارة كارثة .. لكن الثمن كان مغريا .. وفشلت الزيارة لم يستقل .. كان فقط يخدرنا .. واستعمل لعبة التخدير مرة أخرى حين سأله أحد الصحفيين إن كان سيتبادل العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل فأجابه أن ذلك لن يحدث فى جيلنا الذي تغرقه المرارة والعداوة والدماء .. وانه يمكن أن يحدث فى أجيال قادمة ..

لتطمئني يا مصر إذن فبقية العار ما زالت بعيدة ..

لكن عاما واحدا لم يمر فيكمل السادات عار مصر ..

وفى يوم الثلاثاء 26 فبراير سنة 1980 كان السفير الإسرائيلي يقدم أوراق اعتماده وكل السفراء العرب يغادرون مصر ..

وامصراه واعرباه ، واإسلاماه

بناتك سبايا يا محمد ...

ورجالك أيضا…

لكننا كنا كالسبي التي اغتصبت أول بعد مقاومة مهزومة .. فماذا تجدي المقاومة مرات أخرى … ضاع الشرف وانتهك العرض وجبن الرجال . فأي جدوى لا شئ بعد ذلك .. أبكى يا مصر أو اضحكي .. انذبحي أو أرقصي .. ما احدث .. وما يحدث اغرب من أي خيال .. وأبشع من أي كابوس .. وهو غريب وشاذ ورهيب حتى لا نكاد نصدق أنه واقع ، وبرغم ذلك فإنه الحقيقة .. يجلل العار الرؤوس .. لكن الصمت يسحب عباءته على الناس كالموت .. فتحي رضوان وإبراهيم شكري وحلمي مراد يرفعون شعار مليون علم فلسطيني مقابل علم واحد لإسرائيل .. كأنما يتركونه رسالة باكية للأجيال القادمة أن كل الرجال لم يكونوا سبايا ولا خصيانا .

واحد ..

واحد فقط من شعب مصر هو الذي فعل ما كان يجب أن يفعل الناس بعضا منه ، أسمه سعد إدريس حلاوة ..

فلاح مصري .. لم يفعلها وزير ولا قائد ولا كاتب ولا ثائر ولا أحد ينتمي إلى أحزاب المعارضة ، فقط سعد إدريس حلاوة ..

فلاح مصري .. نمته أرض مصر الحقيقية الطاهرة .. كان يريد أن يسمع العالم صوته .. احتجز مجموعة من الفلاحين فى مبنى الجمعية الزراعية بقريته .. وكان معه ميكرفون ومدفع .. وطالب بطرد السفير الإسرائيلي فى نفس اللحظات التي كان يقدم فها أوراق اعتماده. . وأخذ يتحدث عن تاريخ مصر ومجدها .. وفى بضع ساعات كان 3000 من جنود الأمن المركزي بقيادة النبوي إسماعيل وحسن أبو باشا يحاصرون المكان .. وتتخذ إجراءات مهينة ضد أمه العجوز وعائلته فيتوسلون إلي فى ميكرفون آخر أن يستسلم .. فيصرخ فيهم .. لا تبكي يا أمي .. أنا منذ بدأت أعلم أني شهيد فاحفري قبري .. لكنه فى ذات الوقت يطمئن الرهائن أنه لن يمسهم بسوء .. وفى الفجر تبدأ قوات الأمن المركزي بإطلاق رصاص كثيف حتى يسقط جزء من الجدار والنافذة ويسقط سعد إدريس حلاوة هو ينزف بعد أن أنهكه الضعف .. فيقوم الرهائن ويطلبون منهم إلقاء مدفع سعد فيلقونه ويقتحم العشرات الغرفة كجرذان جائعة متوحشة قذرة وضيعة فتنهال على سعد إدريس حلاوة بالأحذية ومؤخرات البنادق حتى يموت .. لكنه قبل أن يموت يكتب على الجدران بدمائه (اطردوا السفير الإسرائيلي من القاهرة .. ولتحي مصر حرة .. ولتحي مصر عربية).



ويحفظ التحقيق فى العملية نفسها لموت الفاعل لكنه يبدأ فى جريمة قتل سعد إدريس حلاوة نفسه ، حيث أقر الشهود أن قوات الأمن المركزي هي التي قتلته بأوامر عليا ، لكن التحقيق يحفظ بعد ذلك . فمن هو القاتل الخسيس الجبان الذي أمر بقتله وهو عاجز وينزف .



ويعترف بعضهم بعد ذلك أن قتله كان أمرا لا رد فيه خوفا من أن يكرر فعلته آخرون وليكون عبرة .



وفى اليوم التالي تنشر صحف تتبع إعلاما يدعي السفلة أنه إعلامنا القومي أن فلاحا مجنونا احتل الجمعية الزراعية واحتفظ برهائن مطالبا بمزيد من التقاوي وعلف الحيوانات من الجمعية .. ويأتي فى نهاية الخبر أن المجنون طالب أيضا بإبعاد السفير الإسرائيلي



من المجنون ومن العاقل…

من الخائن ومن الفدائي..

بعد ستة أعوام فى 26 فبراير 1986 كان 17 ألف جندي أمن مركزي .. إخوة من قتلوا سعد إدريس حلاوة يخربون ويعضون أيدي سادتهم ..

ولست أحاول أن أوجد علاقة بين تشابه التاريخ وتاريخ اعتماد أوراق السفير الإسرائيلي فأنا أدرك أن التاريخ لا يكرر نفسه بسذاجة .. لكنني فى ذات الوقت أدرك أن العدل والقصاص والانتقام الإلهي حق .. وأنه كما يحيق بالأفراد يحيق بالأمم ونظم الحكم .

وبرغم الرفض الشعبي المتحضر لما حدث إلا أن النظام لم يقدر ذلك . كما لم يقدر أيضا ذلك الضغط الرهيب الذي فجر جنود الأمن المركزي ( والذي قد يفجر الأمة كلها ذات يوم ) .. لقد جردهم النظام من إنسانيتهم ومعنوياتهم كي يقمع بهم معارضيه دون أن يفكر إذا كان ما يفعلونه خطأ أو صوابا .. الآن ينقلب الوحش (الذي كان إنسانا) على مرؤوسيه .. ووقف الجندي البسيط الذي يرتجف عادة أمام مجرد شاويش .. وقف أمام وزير الداخلية نفسه يهدده بجذع شجرة وهو يصرخ فيه (امش يا بن الـ...كلب) كان وزير الداخلية هو احمد رشدي والذي اكتسب شعبية هائلة لمجرد إحساس الشعب أن السلطة غاضبة عليه .

وبعد ذلك بأعوام سيطلق مجهولون الرصاص على اللواء حسن أبو باشا الذي كان أحد قادة عملية سعد إدريس حلاوة ، وساعتها تنطلق الحكومة وكتبتها فى هلع لإدانة الإرهاب ، متناسين فى جهل فادح أن من يزرع الحنظل لن يحصد قمحا .. وأن من قتل يقتل ولو بعد حين .. كانت تلك حقيقة واضحة .. وكان الجميع يعرفون أن تصرفات الحكومة إرهاب تولد عنه إرهاب مضاد .. لكن الأغبياء والجهلة وضعوا رؤوسهم فى الرمال كالنعام متخيلين أنهم إذا لم يكتبوا تلك الحقيقة فلن يعرفها الناس .

لن ننساك يا سعد إدريس حلاوة .. لن تنساك مصر وحتى اليوم – وربما حتى مئات الأعوام القادمة – سوف نظل نقول معك وننزف :

"اطردوا السفير الإسرائيلي من القاهرة .. ولتحي مصر حرة ولتحي مصر عربية".

سنقولها ..

لكننا أقل نبلا وأكثر جبنا من أن نموت مثلك.

...

أما الآخرون من أصحاب الفكر والقلم .. تلك الحثالة البشرية التي استولت على مقادير مصر فى عهد السادات فأصبحت تشكل الكتلة الأساسية من كتاب الصحف ورؤساء تحريرها .. تلك الحثالة البشرية لا تستحق من أحد أن يواجهها .. فهم كالكلاب النابحة وهم مرتزقة سفلة لا يمثلون فكرا ولا قيمة .. وهم مستعدون لأن يغيروا جلودهم مرات ومرات بلا كرامة ولا شرف ولا صدق ولا ضمير .. إلا أنني هنا أتساءل تساؤلا خطيرا : لنفترض أن قوة معادية لمصر ولتاريخ مصر ولدين مصر قد استطاعت التسلل إلى مراكز السلطة ومصادرها .. هل ستجد تلك القوة المعادية أفضل من هؤلاء لتعينهم فى الأماكن التي عينوا بها .. فى أماكن تمكنهم من صياغة المعرفة والفكر والعقل والضمير ، ولقد تولت تلك الحثالة البشرية هذه المناصب بالفعل .. وتولوا بالفعل صياغة عقول أبناء مصر .. وخربوها ..

لذلك لم يكن غريبا أن تجد الأغلبية تؤيد السادات وتعجب برأي نجيب محفوظ ومن على شاكلته .

إلا أن هذه الأغلبية كانت بين المتكلمين والمنافقين .. أما الغالبية الصامتة فقد كان لها رأي آخر






By ‎المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس‎

اغتيال أمة 4





سليمان خاطر



كان خريف 1985 خريفا حزينا ، لكن الشتاء كان اشد حزنا ..

وكأنما خلا الجسد العربي من مكان وحيد لطعنة جديدة تستنزف الباقي من كرامته ، وتذل المتبقي من كبريائه .. ففي أول أكتوبر 1985 قامت الطائرات الإسرائيلية بمعونة أمريكية بنسف مقر منظمة التحرير الفلسطينية فى تونس فالتهمت المجزرة مائة وخمسين عربيا غير الجرحى .

يا رب .. أليس لهذا الهوان والذل من نهاية .. رحماك .. كانت مشاعر الأمة العربية كلها ـ دون الحكام ـ تغلي بالغضب …

كان هذا الهوان فوق طاقة البشر . لو أن كل هذا الاستفزاز والإهانة والسخرية والقهر وجهت لحيوان أعجمي من حيوانات الغابة لفقد الحيوان غريزة البقاء وواجه الموت ، فالموت أكرم .. إلا أننا كنا وصلنا لمرحلة كانت أنباء قتلى العرب وأشلائهم موضوعا روتينيا فى كل نشرة أخبار وكل صحيفة كتقرير الأرصاد الجوية عن حالة الطقس .. ولم يكن صمت الأمة صمت من فقد الإحساس ، وإنما تصرفت كما يفعل الجسد البشري عندما يتعرض لألم يفوق احتماله فيفقد الوعي . إلا أن حالة الغيبوبة هذه لم تكن كاملة ولم تشمل الجميع.

ففي يوم 5 أكتوبر سنة 1985 فاجأ سليمان خاطر العالم كله بإطلاق النار على الصهاينة ، ولم تكن عظمة العمل أنه بطولي ولا خارق ، بل كانت عظمته أنه عمل عادي تماما .. تعبير حقيقي عن مشاعر الأمة .. كان يمكن لأي واحد منا أن يقوم بهذا العمل لو كان مكان سليمان خاطر .. عمل تمليه ملايين المشاعر والأشياء والأحداث ودير ياسين وصابرا وشاتيلا .. وأكثر من مائة ألف شهيد وكامب ديفيد .. وذل السنين وهوانها وعارها .. لذلك لم تتوحد مشاعر الأمة كما توحدت خلف سليمان خاطر .. حتى خالد الإسلامبولى نفسه لم يحظ بهذا التعاطف والتأييد



وكان موقف الأمة منه استفتاء حقيقيا غير مزيف على اختيار الحرب ورفض الاستسلام .. ولم تقف ضمائر الأمة ولا زعماء المعارضة معه وحدها ، بل وقف الشارع المصري والعربي كله وكانت إحدى المرات النادرة التي يعبر فيها الناس عن رأيهم الصريح مباشرة .. وتكلم الجميع .. فتحي رضوان ، وإبراهيم شكري ، وعمر التلمساني ، والفريق محمد فوزي ، وأمين هويدي ، ومحمد إبراهيم كامل ، ومئات ومئات يطالبون بعدم محاكمته أصلا لأنه نفذ الأوامر .. كان يحرس منطقة ممنوع الاقتراب منها .. فلما اقترب منها الصهاينة رغم تحذيراته أطلق الرصاص .. وإلا لماذا أعطوه الرصاص أصلا .. وفيم كان يطلق الرصاص إن لم يطلقه فى موقف مثل هذا .. إن الجندي المصري الذي قتل البطل أحمد عبد العزيز فى حرب 1948 لأنه لم يعرف كلمة السر ولم يمتثل للوقوف لم يحاكم .. فكيف يحاكم سليمان خاطر ؟

لكن السلطة لم تكن مصرة على المحاكمة فقط .. وإنما المحاكمة السرية أمام محكمة عسكرية رفضت كل طلبات الدفاع .. وإنني كفرد عادي لا أستطيع أن أعلق على تصرفات هذه المحكمة .. لكن التاريخ سيحكم .. وستظهر الحقيقة ناصعة يوما ما إذا كانت هذه المحكمة قد أضافت إلى شرف العسكرية المصرية أم سلبته .. إلا أن نقابة المحامين التي كانت أحد عناصر ضمير الأمة أبدت رأيها مع اللواء سمير فاضل الذي حاكم خالد الإسلامبولى ورفضت بعد ذلك أن تمنح هذا الرجل شرف عضوية النقابة .

كان الشارع المصري يغلي ..

وكانت المظاهرات لا تتوقف ..


*******

وفى إسرائيل كان الإصرار على إعدام سليمان خاطر .. وكان الفجور الأشد أنهم فى نفس الوقت كانوا ينظرون طلبا قدمه المجرم السفاح الآن جود مان الذي قتل وأصاب أكثر من 150 مسلما وهم يصلون صلاة العيد وحوكم يومها وحكم عليه بالسجن سبع سنوات لكنه قدم طلبا للإفراج عنه قبل انتهاء المدة !!

صرح حسني مبارك أن سليمان خاطر مجنون وكان رد المظاهرات الشعبية : " ماتقولوش عليه مجنون .. قولوا عليه ما قدرش يخون " وظننته يناور كما يناور الصهاينة لإنقاذ الآن جود مان .. وفسرت الأمر لنفسي بأنه كان يقول ذلك تبريرا لعدم الحكم على سليمان خاطر بعد ذلك ..

كان معظم الصحافيين - إلا من رحم الله- يكذبون بلا خجل ويهاجمون سليمان خاطر بلا خجل وينافقون السلطة بلا خجل.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. كانت وظيفتهم الصدق فصارت الكذب .. أيامها أصبحت الوسيلة لفهم أي قضية ليست متابعة الصحافة أو الإذاعة أو التليفزيون ، إنما تجنبها جميعا .

وكانت وظيفة جهاز أمن الدولة حماية أنت المواطن فتضخم وتضخم وأصبحت وظيفته الأولى هي تهديد أمن هذا المواطن !!

وكانت وظيفة وزارة الداخلية إجراء انتخابات حرة ونزيهة فأصبحت كل مهمتها تزوير هذه الانتخابات !

وكانت وظيفة الجيش –الذي عبر عام 1973- مواجهة العدو فإذا به يواجه الشقيق !!



كان القانون الذي نعيش فى ظله آنذاك يجرم من يزدري نظاما فاسدا فاجرا ويحرم علينا أن نعلن أن إسرائيل عدوة ..

والقانون الذي نعيش فى ظله يعطي صوتي بالرغم مني لمجلس شعب لم أنتخبه !!

والقانون الذي نعيش فى ظله يفرض على بقوة القهر الكذب .. وليته كان كذبا غير مفضوح أو مكشوف .. فقد كان ذلك على الأقل سيعني جزءا من الاحترام لعقلي .


***

كان حادث سليمان خاطر يهز مصر ..

وكان ثمة حادث آخر يرج المجتمع المصري رجا .. كانت إحدى الفتيات من المعادي فى نزهة مع خطيبها على كورنيش النيل فى سيارتهما الخاصة .. وفجأة تعرض لهما ستة من أبناء عصر الانفتاح وكامب ديفيد والسادات وأجبروهما على النزول من السيارة واتجهوا بها إلى عمارة خالية تحت التشطيب .. كان المسكينان يحاولان فض الأمر بأقل قدر من الفضيحة .. عرضوا على البلطجية أموالهم وحليهم .. لكنهم أخذوهما إلى ذلك المكان المهجور .. وأدرك الخطيب ما سيحل بخطيبته فبدأ يقاوم فأوثقوه بالحبال . وبدأوا يحاولون اغتصاب خطيبته أمام عينيه وهي تصرخ وتقاوم .. فتعاونوا عليها حتى تمكن أولهم من اغتصابها فانهارت تماما فأخذ الباقون يغتصبونها واحدا واحدا .. وخطيبها المسكين يصرخ ..

***

تنداح إلى مخيلتي ذلك السياسي فى وضع مماثل .. فهل هؤلاء البلطجية أقل إجراما من ضباط ذلك المعتقل السياسي .. الآن ينمو الوحش الذي ربته السلطة وينشب مخالبه بأفراد المجتمع خارج السجون .. وكانت أسرة الفتاة فى مركز أتاح لهم الاتصال بوزير الداخلية مباشرة فظفرت هذه القضية – دون آلاف القضايا المماثلة – ببحث مكثف لوزارة الداخلية وتغطية إعلامية هائلة .. وانتشر الرعب فى الشارع المصري كان ما يحدث على مستوى الوطن يحدث على مستوى الأفراد .. وكان ما يحدث على مستوى الأفراد يحدث على مستوى الوطن ..وكنت أربط فى مشاعري بين هؤلاء البلطجية وأمريكا .. وبين حادث اختطاف الفتاه واختطاف الطائرة المصرية وبين اغتصاب الفتاة المتكرر واغتصاب مصر المتكرر .. أما ذلك الخطيب المسكين الذي جرح فى كرامته ورجولته كما لم يجرح رجل ( والذي كان من النبل بحيث لم يتخل عن خطيبته فتزوجها بعد أيام) فقد كان يمثل الشرفاء فى مصر .. كان يمثل ذلك النزيف الوحشي فى صدورهم إزاء وطن يغتصب ويغتصب ويغتصب ويغتصب ويغتصب


***

كانت قضية سليمان خاطر الشغل الشاغل للعرب جميعا ، وكانت تفاصيل المحاكمة المخزية تملأ عديدا من الكتب .. كان العالم العربي كله معه وكانت مصر معه.. لكن تفاصيل المحاكمة كانت عارا كتفاصيل محاكمة خالد الإسلامبولى وتفاصيل محاكمة سليمان الحلبي من قبل .. كانت أمريكا وإسرائيل تطلبان رأسه .. وكنا جميعا نفتديه . وتبلور الصراع فى منعطف حاد جسده اشتعال الشارع المصري بمظاهرات اعتبرت سليمان خاطر تجسيدا لآمال الأمة .. واتخذت المحاكمة خطها المرسوم .. وتولى الدفاع عن سليمان خاطر من دافعوا عن خالد الإسلامبولى .. وكانوا يدافعون عن رمز وطن .. وكانت الصحافة الإسرائيلية تؤكد أن الحكم سيكون بالإعدام .. لكن إزاء الغليان الشعبي والجبهة العريضة التي شكلها ضغط الرأي العام ولجنة الدفاع عن سليمان خاطر والتي كانت نبراسها فتحي رضوان ، كذلك وصف نقيب المحاميين أحمد الخواجة لسليمان خاطر بأنه " أخلص أبناء مصر " وما أصدرته العديد من النقابات منها نقابة الأطباء .. كل ذلك كان يشكل مؤشرا خطيرا أمام السلطة أعطى الشعب أملا كبيرا فى أن السلطة برغم ما يحدث فى المحكمة من تجاوزات وصدام مع المحامين لن تجرؤ على الحكم بالإعدام .. وكانت كلمات سليمان خاطر التي تتسرب إلى الشارع المصري تزيده اشتعالا .. وكان منها :

• أنا لا أخشى الموت ولا أرهبه .. لكنني أخشى أن يكون للحكم الذي سيصدر ضدي آثار سيئة على زملائي تقتل فيهم وطنيتهم .

- وكان أحد المحامين يصرخ:

• هل لو كان السبعة الذين اقتربوا من النقطة العسكرية الممنوع الاقتراب منها مصريين وأطلق عليهم سليمان خاطر الرصاص .. هل كان يحاكم؟

وكان سليمان خاطر يوجه اتهامات صريحة للقيادات العسكرية فى سيناء : (كلهم بيشتغلوا مع الأجانب وحيضيعوا البلد ) وأن ( فيه واحدة إسرائيلية عملت مسطولة ودخلت نامت فى شاليه عسكري وأخذت تردد جهاز الإشارة فيه) كما فجر العلاقات الجنسية بين الإسرائيليات العاريات والعسكريين المصريين .. وفسرها بأنها تجسس.

وكان الشيخ الجليل عمر التلمساني يقول :

" العمل الجليل الذي قام به هذا المواطن الشريف هو الموقف الذي أتمنى أن يقفه كل مصري إزاء إسرائيل وأن ما تفعله بنا إسرائيل هو عار الدنيا وخزي الحياة .. لقد قبلت مصر كامب ديفيد فتفرغت إسرائيل لمواجهة الدول الإسلامية .

وقال إبراهيم شكري :

-لقد عبر سليمان خاطر بما قام به عن غضب المصريين جميعا .. إن قالوا عنه أنه مختل العقل والتفكير فإنني أقول أنه عبر عن كل الحكماء فى مصر .


*****

وكانت السلطة بكل جبروتها مستخذية إزاء الهبة الشعبية والشعور القومي . لكن الأمر لم يخل من كلاب من كلاب السلطة – كل السلطة – أخذ يهاجم سليمان خاطر ويطالب برأسه .


*****

وتتداعى إلى مخيلتي ذكرى كلب خسيس فى محاكمة مماثلة عندما دخل الصحفي الذي طالما أشاد بأحمد عرابي قبل الهزيمة .. دخل إليه فى السجن بعد الهزيمة ليبصق فى وجهه.


***

كان الشعور القومي والديني يزداد أواره كل يوم .. وأدركت السلطة خطورة إعدام سليمان خاطر .. وفى 28 ديسمبر 1985 حكمت المحكمة على سليمان خاطر بالأشغال الشاقة المؤبدة .

وقال سليمان خاطر :

- كنت أتوقع وساما .. هذا حكم ضد مصر .. فقد كنت أؤدي واجبي .

وهتف فى حراسه :

-اذهبوا واحرسوا سيناء فلست محتاجا لحراسة .


*****

وبرغم الاستياء البالغ الذي قوبل به الحكم من الجماهير فقد كان هناك بالرغم من ذلك بعض شعور بالراحة أنه لن يعدم .. وكان ثمة أمل كبير أن رئيس الجمهورية سيخفف الحكم وحتى إن لم يخفف فسوف يخففه فيما بعد أو سيلغيه قطعا من يأتي بعده .




*****

وبعد أيام قليلة فوجئت بباب مكتبي يفتح بعنف وينطلق منه كالقذيفة .. الصحافي سمير شرباش ملقيا بنفسه على مقعد .. كان يلهث كما لو كان الشيطان يتعقبه ..

وكان شهيقه صراخا وزفيره نواحا .. وكان جسده غارقا فى العرق ووجهه غارقا فى الدموع .. صرخت فيه ماذا حدث ..؟ لكنه وسط الصراخ والنواح والنحيب لم يجب ..

تداعت إلى مخيلتي آلاف الاحتمالات لكنني لم أجد منها أي احتمال يفسر موقفه ..



وأخذت أسائله وأسائله وأسائله ..

وأخيرا التقطت من شفتيه المرتعشتين كلمة :

- سليمان خاطر..

صرخت فيه ..

- ماذا به ..

وغرق فى النحيب مرة أخرى ..

ثم صرخ صرخة مروعة من أعماق روحه الدامية .. كانت كلمات صرخته كأنما صنعت من فئات جسده الذي سحق وروحه التي ذبحت ..

- قتلوه ولا الكلب ...




*******

(1) فى نفس اليوم – 7 يناير 1986 – أصدر رئيس الجمهورية ( الإسرائيلي ) قرار بالعفو عن السفاح آلان جودمان.

الحزن أجل من ان يوصف .

لكنني أتعزى بكلمات سيدنا الحسين :

"إن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيي بن زكريا أهدى إلى بغى من بغايا بنى إسرائيل "

وها هو ذا رأسك يا سليمان خاطر يدركه ذات المصير .

أما حزن الشعب المصري فقد كان فاجعا ..

***

ثقيل الوطأة أن أعيد سرد ما حدث ..

جبل المقطم يجثم على صدري ..

قالت السلطة أنه انتحر ..

وقالت الأمة العربية أنه قتل .


***

طلب الشعب المصري كله وطلب العالم العربي بإعادة تشريح جثة سليمان خاطر فقد كان تقرير السلطة عن الوفاة مستمدا من مثل قول يزيد .. بل وأعلنت منظمات عالمية استعدادها للاشتراك فى تشريح الجثة دون مقابل كشفا للحقيقة ..

لا نبكيك وحدك يا سليمان خاطر ..

وإنما مثلك نبكي مصر التي كنت رمزها وضميرها .. نبكيك يا حلمنا الذي اغتالوه .. نبكيك يا نحن .. أبكيك يا أنا ..--غتيال أمة 5

من أخطائي الفادحة السقوط في المطلقات : إما أبيض أو أسود متجاهلا طباع البشر وأن بين اللونين آلاف الألوان من درجات الرمادي.. وجعلني هذا أغفل القامة الهائلة للداعية الفذ والمفسر الجليل الشيخ محمد متولي الشعراوي وبين دوره السياسي وأخطائه فيه. وقد كلفني هذا الخطأ كثيرا والحمد لله أنني أدركته.. ولو متأخرا.
سوف أحذف من هذا الفصل ما تجاوزه الزمن وما عاد يهم شبابنا الآن:

مسرح مجلس الشعب
الشيخ الشعراوي !!
==============
.. 1978 
شيخ بلا أمل .. مثخن بالجراح واليأس وأعود .. 
لا أطيق قراءة صحيفة أو سماع مذياع ..
فى السنوات الخمس التي قضيتها فى السعودية طرأت أمور كثيرة 
- كان الشيخ شعراوي يمثل قيمة كبرى ارتفعت من مستوى الواقع إلى عالم الرمز الرحب الذي يمثل جيلا رأى فيه أضواء الحكمة الإلهية المتجسدة فى كلماته .. وفى عام 1976 كان هو الذي أم الحجيج ودعا لهم فى عرفات فتبوأ مكانة على رأس العالم الإسلامي كله .. وتكون لدى الناس - طبقا لمعتقدات كل فرقة - أمل أنه قد يكون كالمهدي المنتظر ، أو مسيح آخر الزمان الذي يجمع المسلمين بعد ان شرذمهم الزمان فيوحد كلمتهم ويملأ الدنيا عدلا ونورا بعد أن امتلأت ظلما وجورا .
لكنه يهبط من على عرفات إلى كرسي الوزارة فيجهض أمل وينطفئ بريق .. وتتابع تصرفاته فإذا هو سياسي قدير بمفهوم السادات لا بمفهوم الدين .. 
وكنت ما أزال فى السعودية فذهبت إلى مكة وقابلت الشيخ محمد الغزالي … 
ذهبت إليه مع صديق لي كان من تلاميذه : الدكتور عبد الكريم الخطيب (بارك الله فيه) .. وسألت الشيخ الجليل: 
- خبرني يا شيخنا عن الشيخ الشعراوي ..
ويتحدث الشيخ الجليل فتقطر كلماته حكمه جليلة :
- الشيخ شعراوي عالم لغة وهو مفسر جيد للقرآن إلا أن من حوله يستغلونه لمأربهم وضد مبادئه وإن كان هو لا يشعر بذلك .. ليس كالــ (...) محمد توفيق عويضة والذي يفعل ذلك بوعي كامل منه وبعلاقات محددة بينه وبين الآخرين (1) ………
وانطلق الشيخ الجليل غاضبا هادرا يتحدث عن أحوال الإسلام والمسلمين .
وبعد ذلك حدثت أحداث رهيبة فى مجلس الشعب وكان للشيخ الشعراوي ضلع كبير فيها . وقد يبدو فى الأمر أنني أخرج عن سياق الأحداث لكنني أدخل فى صلبها فدعوني أحكي لكم عن تلك الأيام الرهيبة السوداء من أيام العار الذي عشناه ..
...
حاول النائب عادل عيد طيلة عام كامل أن يقدم استجوابا فى مجلس الشعب للشيخ شعراوي عن انحرافات محمد توفيق عويضة لكن تصرفات رئيس المجلس سيد مرعي كانت تعرقل ذلك من جلسة إلى أخرى .. وفى جلسة 30/12/77 حضر الشيخ شعراوي وأبدى استعداده لمناقشة الاستجواب لكن المجلس أجل ذلك إلى جلسة 22/1/78 .. وفى ذلك اليوم لم يحضر الشيخ شعراوي ووقف حلمي عبد الآخر يعتذر عنه لأنه سافر إلى السعودية صباح اليوم فى مهمة عملية تستغرق أربعة أسابيع .. ولقد كان الشيخ شعراوي موجودا بالمجلس فى اليوم السابق وكان يعلم ان الاستجواب بعد ساعات . لكنه لم يبلغ أحدا بعزمه على السفر .. وبعد ثلاثة أيام فقط .. ظهرت الحقيقة سافرة ومخزية .. فقد تبين أن الحكومة قد كذبت على مجلس الشعب وأن الشيخ شعراوي لم يسافر … وإنما استجاب لنصيحة وجهت إليه بالاعتكاف وعدم حضور جلسة مجلس الشعب يوم الاستجواب .. وفى يوم 25/1/78 كان الشيخ شعراوي يظهر فى التليفزيون والصحف مصاحبا أنور السادات وهو يفتتح مقصورة جديدة للسيدة زينب…
أراك بعين الخيال يا مولانا الشيخ تصلي وتدعو أمام السيدة زينب .. 
ثم أراك بما وهبه الله لك تخترق ستائر الزمان فتجول فى غياهبه .. حيث ترى بعيني قلبك صاحبه المقام الجليل فى ذلك الموقف الرهيب والجليل .. وهى تمر مع نساء أهل البيت على مكان المعركة الأخيرة .. فترى ضمن ما ترى أهل البيت شهداء فى ساحة الوغى وأتخيلك يا مولاي الشيخ تسمع سيدتي وسيدتك وهى تهتف من قلبها المكلوم :
يا محمداه يا محمداه صلى الله عليم وملك السماه 
هذا حسين بالعراه مزمــل بالدمـــــاه
متقطـع الأعضاء يـــا محمــــــداه
وبنــــــاتك سبـــــايــــــا 
وذريتــــــك مقتلـــــــــــة 
وأراك يا مولاي الشيخ بعد أن سمعت تبكي .. وأراك تلقي خلف ظهرك عرض الدنيا الزائل .. طالبا وجه الله .. لكن كيف استطعت يا مولاي الشيخ أن تقف هذا الموقف الطاهر فى هذا المكان الطاهر وقد تركت كذبة معلقة كذبوها باسمك .. ألم تكن هذه الكذبة منكرا عليك أن تغيرها بيدك وبلسانك وبقلبك ؟ .. لكنك لم تغيرها ..
فدعني أسألك إذن : لو رجع بك الزمان نيفا وثلاثمائة وألف عام : أمع الحسين كنت تكون أم مع يزيد .. 
*****
يا محمداه ..
بناتك سبايا وذريتك مقتلة
وأتباعك حتى اليوم أيضا سبايا .. ويقتلون
******
ثم تحددت جلسة 28/2/78 لنظر الاستجواب .. وفاجأ الشيخ شعراوي المجلس بطلب تأجيل الاستجواب أسبوعين حتى تتمكن النيابة الإدارية من إنجاز تحقيقاتها بطلب تأجيل الاستجواب أسبوعين حتى تتمكن النيابة الإدارية من إنجاز تحقيقاتها مع محمد توفيق عويضة واعترض عادل عيد على ذلك لأن الاستجواب ليس متعلقا بانحرافات توفيق عويضة ببل بمسئولية الشيخ شعراوي السياسة كوزير عن تراخيه فى استخدام سلطاته للتصدي لهذه الانحرافات .. ووقف الشيخ شعراوي ويقول أنه يعاني موقفا نفسيا عنيفا فهو ممزق بين واجبه كوزير مسئول متضامن مع الوزارة فى مسئولياتها وبين موقفه كانسان يجد المخالفات صادقة ولا يستطيع أن يفعل شيئا .. 
يا مولانا .. أنت تدخل معهم لتعلمهم الحق لا لتتعلم منهم الباطل . 
ونجح الشيخ شعراوي فى تأجيل الاستجواب ثلاثة أسابيع .
وفى يوم 15/3/1978 أحالت النيابة الإدارية توفيق عويضة إلى المحكمة التأديبية العليا وفى يوم 20/3 بدأ الاستجواب بالتحدث عن ظاهرة توفيق عويضة وليس عن مجرد انحرافاته .. عن الجهات العليا والمسئولين الكبار الذين أضفوا الحماية عليه ومكنوه من هذه التجاوزات دون أن يتعرض لأي مساءلة .. وقوطع النائب عادل عيد بطريقة مستفزة ومستمرة وهدده سيد مرعي رئيس المجلس أن يؤجل الاستجواب .. وقام فؤاد محيي الدين وحامد محمود وحلمي عبد الآخر بدورهم المرسوم .. فإذا تحدث عادل عيد عن واقعة تتناولها تحقيقات النيابة الإدارية قيل له أنها بين يدي القضاء فلا ينبغي له أن يسبق حكمه .. وإذا تحدث عن واقعة جديدة لم تتناولها تلك التحقيقات قيل له أنه لا ينبغي أن يوجه اتهاما بغير دليل .. واستمرت المقاطعات حتى خير عادل عيد رئيس المجلس بين أن يحميه ويمكنه من مواصلة الاستجواب أو أن يطوي أوراقه وينصرف وصرخ نائب (أجل نائب ! ) أسمه محمد فاروق الدربي : أن الاستجواب أصلا خطأ .. وأيده سيد مرعي فى أن الاستجواب خطأ .. لكنه طلب الاستمرار .

واخذ عادل عيد يتحدث عن الموظف محمد توفيق عويضة المرقي إلى الدرجة الوظيفية الخامسة فى سنة 1965 وخلافا للقانون يصدر قرار جمهوري (أجل قرار جمهوري !) بترقية فى نفس العام إلى الدرجة الثالثة بمرتب 100 جنيه شهريا برغم أن مربوط هذه الدرجة هو 57 جنيها . وفى سنة 1970 طلب سامي شرف ترقيته إلى الدرجة الثانية فاعترض الوزير لأن القانون لا يسمح فصدر قرار جمهوري فى يناير 71 بترقيته إلى نائب وزير وأجير الدكتور محمد الذهبي وزير الأوقاف على أن يفوض سلطاته إلى محمد توفيق عويضة .

وصرخ الرئيس المجلس :
هل قلت أجبر ؟ .. أرجو أن يكون كلامك مؤيدا بالأدلة 
وأجاب عادل عيد : 
-لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسوء كم .. 
وقدم عادل عيد ما يفيد ضمنا مسئولية رئاسة الجمهورية عن هذا الإجبار .. ثم تحدث عادل عيد عن أوجه الفساد والانحراف لتوفيق عويضة واستعرض القوانين التي تجعل من وزير الأوقاف مسئولا عن هذه الانحرافات التي تحدث فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية والذي يرأسه توفيق عويضة . وانتقد عادل عيد عدم قيام الشيخ شعراوي بواجبه الوظيفي كوزير فى التصدي لجهاز يتبعه كما انتقد بمرارة طلب الشيخ إلى رئيس مجلس الوزراء " بأن يتبع هذا المجلس جهة أخرى غيره يرى ولاة الأمور أنها أولى بها " وصرخ عادل عيد :
- أنا لا أفهم ما هي الجهة التي يتبع لها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وسيادتك وزير الأوقاف وشئون الأزهر .. أيتبع وزارة الخارجية أم المخابرات العامة مثلا وما المقصود بولاة الأمور .. من هم هؤلاء .. أنني أعتقد أنك تقاعست عن استخدام سلطاته التي خولها لك القانون ولقد كنت أنتظر من الشيخ شعراوي أن يكون له موقف يتفق مع موقفه كعالم جليل من علماء المسلمين .. من رأي منكم منكرا فليغيره .. أنني لا أرضى منك فى موقعك أن تنكر بقلبك ولسانك .. وإنما كنت أود أن تنكره بيدك .. فإذا تصدى بعد هذا لك متصد لعرقله قراراتك فقد أبرأت ذمتك إلى الله وإلى الناس.
واستمر عادل عيد فى طرح استجوابه :
ولقد أرسل السيد وزير الأوقاف يشكو محمد توفيق عويضة إلى رئيس الوزراء … فلماذا أرسل ليستأذنه وهو السلطة المختصة والقانون معه بنص المادة رقم 60 والتي تجيز للوزير المختص إيقاف الموظف عن العمل إذا اقتضت مصلحة لتحقيق ذلك .. فلماذا لم توقفه ولم تمنحه أجازه مفتوحة أو تنتدبه للعمل بالوزارة.
ولقد رد رئيس الوزراء على الشيخ شعراوي بأنه وزير مسئول وعليه اتخاذ ما يراه فى حدود سلطات وظيفته بالنسبة لتوفيق عويضة وهو أحد مرؤوسيه .

إن الشيخ شعراوي قد قصر فى أداء الواجبات الدستورية لمنصبة الوزاري ، بأن رأي الفساد والانحراف يتفشيان فى جهاز تابع للوزارة .. وأن رئيس هذا الجهاز هو مجرد موظف إداري يتمرد على سلطان الوزير ويتحدى الدولة فلا يملك السيد الوزير إزاء ذلك كله إلا أن يجأر بالشكوى لله عز وجل ثم للسيد رئيس الوزراء .. وحتى بعد عام كامل من توليه منصب الوزارة . وأغلب الظن أن الشيخ شعراوي ما كان ليتحرك لولا طلبات الإحاطة والاستجواب التي قدمت فى هذا الشأن ، واستطرد عدل عيد بعد ذلك مبينا أوجه العبث بالمال العام والتي مارسها توفيق عويضة .. وطالب بمحاسبة المسئولين الكبار الذين مكنوه من ذلك لأن تحقيقات النيابة لن تعيد إلى البلاد الأموال التي أهدرت . وبين عادل عيد كيف كان توفيق عويضة يتفاهم مباشرة مع رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية من خلف ظهر وزير الأوقاف وعاتبه أنه لم يتصد لذلك .. وذكر أن رئيس الجمهورية يرسل توفيق عويضة للخارج فى مأموريات لا يعلم الشيخ شعراوي عنها شيئا ، بالرغم من أن القانون ينص على أن سفره لابد أن يتم بموافقته كوزير …
وتحدث عادل عيد أيضا عن أن توفيق عويضة كان يمنح موظفي الجهاز المركزي للمحاسبات مكافآت مقابل عملهم عنده فى المساء .. وهم الذين يراقبون عمله فى الصباح !! كما أن الجهات الحكومية كلها كانت عاجزة أمامه لنفوذه ولنفوذ من يضفون الحماية عليه . وعندما بدأ عادل عيد يعرض لانحرافات خطيرة لمحمد توفيق عويضة ، فقد تصدى له فؤاد محيي الدين مطالبا بألا يذكر اتهام يثبت بتحقيق قضائي ، وتناوب البعض مقاطعة النائب المستجوب فصرخ النائب أحمد ناصر : - هذا إرهاب ، لماذا ترهبون السيد العضو المستجوب ، أننا نريد أن نعرف كيف تسير الأمور فى هذا البلد ؟ وأنكم أما أن تأكلوا الاستجواب وأما أن ترهبوا العضو المستجوب . اتركوه يتكلم بحرية .. اتركوه يتكلم .. واسمعوا وافهموا .

رئيس الجلسة : ما هذا الكلام يا أستاذ أحمد ولمن توجهه ؟ 
أحمد ناصر : لماذا ترهبوننا ؟
رئيس الجلسة : ليست هذه طريقة عمل .. عضو يصرح وآخر يضرب بيده على الخشب .
فؤاد محيي الدين : احترم الجلسة يا أستاذ أحمد .
أحمد ناصر : ما هذا الإرهاب .
رئيس الجلسة : لا يمكن أن نستمر بهذه الطريقة وإذا استمر الزميل أحمد ناصر بهذه الطريقة فسوف أطبق عليه اللائحة . وأخذ الكلمة الدكتور محمود القاضي الذي ناشد فى مرارة رئيس المجلس أن يمكن عادل عيد من مواصلة الحديث دون مقاطعة مقررا أنه مهما كانت بلاغته وفصاحته لارتبك الأمر معه وما أمكنه الاسترسال فى الحديث وفند حجج المقاطعين بقوله أنهم يقاطعونه عندما يريد أن يتحدث عن خطأ الشيخ شعراوي كوزير فهو من وجهة نظرهم لم يخطئ فإذا أراد أن يثبت ذلك بذكر الوقائع التي كان الشيخ شعراوي يستطيع التصدي لها ومنع الانحراف قلتم له أنه ليس من حقه التعرض لقضية أمام النيابة وإذا أراد سرد انحرافات ليست أمام النيابة قلتم له أنه ليس من حقه أن يهاجم أحدا إلا بحكم قضائي .. إذن فكيف يمكن أن يبين أن الوزير مخطئ (2)
وتوالى المتحدثون فى محاولة مستمرة لتشتيت أفكار عادل عيد . ,اخيرا طلب رئيس المجلس منه أن يواصل . إلا أن الشيخ عاشور محمد نصر قام قائلا :
- لدي كلمة تتعلق بالائحة .
ورفض رئيس المجلس السماح له بالحديث فهتف مرة أخرى :
- لائحة .. لائحة ..
ورفض رئيس المجلس ..
- فصاح الشيخ عاشور :
- إنني من هذا المكان أطلب أن يحضر السيد رئيس الجمهورية جلسة خاصة ليسمع من ممثلي الشعب المخالفات التي تحدث فى هذا المجلس .
وغضب رئيس المجلس وقال موجها حديثة لمجلسي الجلسة :
- لن يثبت هذا الكلام فى المضبطة فلم يسمح للعضو بالكلام . واستنكر الشيخ عاشور كلام رئيس المجلس فقال له الرئيس :
- ما هذا يا شيخ عاشور ؟ هل أول نشاط لك فى هذا المجلس منذ عام ونصف تبدأه بهذه الصورة . 
- وأخيرا .. أخيرا جدا سمح لعادل عيد أن يقول بعض ما عنده من انحرافات صارخة وثراء غير شروع .. محذرا من أن تتردى الأوضاع فى مواقع أخرى من جهازنا الحكومي بتكرر ظاهرة توفيق عويضة (3)
واختم كلمته بقوله : لا أجد ما أختم به كلمتي هذه إلا أن أقول لكم مقالة رسول الله (ص) "إنما أهلك الذين من قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، فوالذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " 
وجاء دور الشيخ شعراوى ليرد على الاستجواب فكان همه الأول الدفاع عن يزيد بن معاوية – بلا طلب للعفو – أقصد أنور السادات .
راح فضيلة الشيخ يشيد بأنور السادات ويقدح فى جملا عبد الناصر .. ودوت القاعة بالتصفيق والتهليل للشيخ الجليل الذي كان يمثل فى نظر الكثير نور عقل أمته وضياء ضمير دينها .. وإزاء الاستحسان فاقت حماسة الشيخ كل حد فاندفع يقول :
والذي نفسي بيده لو كان لي من الأمر شيء لحكمت الرجل الذي رفعنا تلك الرفعة وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة من لايسأل عما يفعل (4) 
وصرخ الشيخ عاشور :
- مفيش حد فوق المساءلة .. لنرع الله .
لكن رئيس المجلس أمره بالصمت .
وصاح الشيخ صلاح أبو إسماعيل :
- لقد كذبت يا رجل .. لقد كفرت .. لقد كدت تكفر فاستغفر الله فهذه الصفات لا تمنح لبشر ، إنما أختص بها المولى سبحانه … 
ورد الشيخ شعراوي موجها حديثه للشيخ عاشور :
-أنا اعرف بالله منك .
وانتهى الاستجواب بتوجيه الشكر للشيخ الشعراوي .
وفى اليوم التالي كانت بعض النفوس تغلي بالغضب فهل وصل تشجيع الحكومة للفساد إلى هذا المدى .. وغلى هذا الحد تبلغي المصالح الضيقة عقول الناس وضمائرهم. 
وفى هذا اليوم حدثت حادثة يقصر خيال أي مبدع مسرحي فكاهي عن إخراجها ، فقد كانت المناقشة تدور حول سوء حال رغيف الخبز الذي يعانيه الشعب ، وفوجئ الأعضاء بوزير التموين يشير إلى بعض الموظفين إشارة خاصة فيدخل أحد العمال إلى قاعة المجلس وهو يحمل عليها أرغفة خبز جيدة الصنع كي يبرهن على كذب من يدعون سوء صناعته .. لكن هذا الوزير وأمثاله لا يريدون وجه الله ولا تصديق الناس وإنما يرجون رضاء أنور السادات.
واستبد الغضب بالشيخ عاشور فقال :
- إني خارج ده مش مجلس شعب .. ده مسرح مجلس شعب.
ورد رئيس مجلس الشعب : امش أطلع بره ..
وقرر رئيس المجلس إحالة الشيخ عاشور إلى اللجنة المختصة ، كما قرر ألا يحضر الجسة حتى يتعلم النظام ويحترم المجلس ، وهتف الشيخ عاشور : 
ليسقط أنور السادات ..
وصرخ رئيس المجلس بارتياع :
- ماذا تقول ؟ 
وكرر الشيخ عاشور :
- يسقط أنور السادات ..
وصرخ رئيس المجلس :
-تنعقد اللجنة المختصة فورا وتقدم تقريرها إلى المجلس للنظر فى عضوية الشيخ عاشور.
وصرخ عضو اسمه سماح صبيح ( أؤكد للقارئ الذي قد يشك أنه كان عضوا بهذا المجلس ) لا بد أن يقوم المجلس الآن بمحاسبة الشيخ عاشور وإلا سأقوم بمحاسبته(5) * 
وبدأت مباراة ساخنة بين أعضاء كلهم من نوع المسمى سماح صبيح تمجيدا فى أنور السادات وتأليها له .. ولماذا لا يؤلهونه خلف شيخهم وأمامهم .. وتخلى حزب الوفد عن عضوه فى البداية وتبرأ منه .. وبلغ الأمر حدا لا يتخيل حدوثه فى مجلس شعب فى الدنيا بأسرها عندما اندفع أحد الأعضاء يتهم الشيخ عاشور بأنه رجل دين يسير وراء الغواية مدافعا عن نساء ساقطات(6) 
وكانت الأصوات العاقلة قليلة على رأسها صوت الدكتور محمد حلمي مراد.
لكن العجلة كانت تدور بقوة خارقة واتخذت الإجراءات لفصل الشيخ عاشور من المجلس .. واكتشف الدكتور حلمي مراد تزويرا فى هذه الإجراءات طرح تفاصيله على المجلس مقررا أن هذا يعتبر جناية تزوير فى أوراق رسمية وطالب بالتحقيق فى ذلك .
وتحدث حافظ بدوي ( أو حافظ الميثاق كما سموه فى العهد الناصري ) ومحمد عبد الشافي وحسين المهدي والدكتور السيد على السيد وعبد الرحيم الشريف وفتحي الوكيل … اندفع كل هؤلاء مهاجمين الدكتور حلمي مراد والشيخ عاشور إلا أن العضو مدكور أبو العز قال غاضبا :
-الدكتور حلمي مراد أثار نقاطا فى منتهى الأهمية تمس هذا المجلس ولا يمكن أن تمر ببساطة .. فإن كان ما قيل صحيحا فهو مأساة وإن كان خطأ فهو أيضا مأساة . ولذلك أطالب بإجراء تحقيق دقيق لمصلحة هذا المجلس .
إلا أن كلمات حلمي مراد ومدكور أبو العز راحت مع الرياح هباء واستمرت الإجراءات وبدأ الشيخ عاشور يقول كلمته الأخيرة 
وهنا يجب أن أعتذر للقارئ على قطع تسلل الأحداث لبرهة كي نزيد معرفة بالشيخ عاشور .
كان الشيخ عاشور واحدا من عشرات الآلاف الذين تمتلئ بهم مساجدنا كخطباء . لم يكن بطلا ولا زعيما ولا حتى متميزا عن أقرانه . إلا أنه كان ذو لسان حاد . وقد بدأ الناس يعرفونه فى ديسمبر 1968 عندما عقر المؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي والذي حضره جمال عبد الناصر . ووقف الشيخ فى المؤتمر قائلا :
أن هناك فراغا دينيا ليس منسوبا للطلاب فقط ، وإنما منسوب لكم جميعا وعلى رأسكم السيد جمال عبد الناصر . وفى التطبيق الاشتراكي ترى الذين يتكلمون عن الاشتراكية يأتي المحاضر راكب عربية طولها 6 متر ولابس خاتم سولتير ويقول فى المحاضرة اربطوا الحجر على بطونكم للجوع .. جوع … جوع .. الله يخرب بيتك أنت خليت فيها جوع وأنت ما بتجعش ليه .. هو الجوع مكتوب على أنا .. هي الاشتراكية على أنا وعليك لأ .. هانحن يا سيادة الرئيس نرى الفساد وقد دخل علينا المساجد .. والله تخش الست المسجد عندنا فى أبو العباس بالميني جيب ولما تنحني ينكشف المستور وتظهر العملية كلها .. إلخ(7) . 
ومرت الأحوال عادية حتى سنة 1976 وفوجئ لشعب المصري بعشرات الحكايات التي يروجها النظام حول بطولة الشيخ عاشور الذي تصدى لجبروت وفساد عبد الناصر .. كانت حكايات ملفقة كلها هدفها أن ينجح الشيخ عاشور فى الانتخابات لكي يكون ركيزة فى حكم السادات ، لكن الشيخ عاشور لم يفهم قواعد اللعبة عندما نجح فلم ينضم إى حزب السادات ، بل انضم إلى حزب الوفد الجديد ..لذلك ينبغي ان يضرب وبقسوة .
بدأ الشيخ عاشور يلقي كلمته الأخيرة … 
"لم يسألني سائل حتى الآن لماذا فعلت ما فعلت " 
" لقد قلت لحافظ بدوي أترضى ان ينام كلبك جائعا عاريا .. والله لقد نام جيراني جياعا عرايا ورأيت ذلك بنفسي "
" ولقد طالبت بحق الشيخ كشك فى الكلام ولم يسمعني أحد "

"أنني سعيد .. والله لست حزينا .. ولكنني سعيد لأنني عرفتكم وعرفتموني ولست باكيا على العضوية .. أنكم تقولون أني قد فقدت الثقة والاعتبار والحمد لله أنني بقيت على ديني وضميري فهما أغلى شئ فى الوجود عندي .. انهم بدلا من أن يذهبوا لإغلاق الخمارات قد ذهبوا لإغلاق ميكروفون الشيخ كشك .. ( مقاطعة مستمرة .. تتكرر طوال الحديث). 
ويصرخ الشيخ عاشور : "لقد جعلتموني مجرما وهذا حرام عليكم فاسمعوا دفاعي " " أن رئيس الجمهورية ينادي بنبذ الأحقاد فكيف أنبذ الحقد عندما أرى هناك من يدفع 100000 جنيه يدفعها خلو رجل وهنك من لا يجد 100 مليم يتعشى بها أليس هذا هو مجتمعنا . أننا نواب الشعب يجب أن نعالج هذه الموضوعات . 
إن الفقراء يعاملون فى المستشفيات دون ضمير ولقد حدثتكم قبل ذلك عن الرجل الذي جاء من محافظة المنوفية بخطاب إلى معهد القلب فى إمبابة ، وقد وصل هذا الرجل إلى المعهد متأخرا ولم تكن معه نقود فقيل له اذهب إلى مستشفى إمبابة ، وفى المستشفى قيل له أن الخطاب موجه إلى معهد القلب وليس إلى المستشفى . وفى الصباح وجد هذا الرجل ميتا أمام باب المعهد .
" ولقد تكلمت عن مشكلة المواصلات وقلت أن إدارة النقل العام تعاملنا كحيوانات".
"وتحدثت عن مشكلة الإسكان وقلت أن الناس ينامون فى الشوارع وحتى الذين تتعرض منازلهم للهدم يوقعون على تعهد بمسئوليتهم عن حياتهم باعتبار أن ذلك أفضل من الطرد فى الشارع لأنهم يتعرضون لهتك أعراضهم . حرام عليكم . حكموا ضمائرهم ، فهناك يوم سوف يسألكم الله فيه .. هناك عصابات متحكمة يجب أن نوفقها عند حدها(8) ". 
لقد منعت من الكلام وأنا رجل ضعيف ولست فى قوتكم .. ولكن الله أكبر من كل شئ" "
"لقد غضبت من فضيلة الشيخ شعراوي على الرغم من أنه وزيري ، ولكن الله عندي أهم من كل شئ .. غضبت منه أن وقف هنا وجعل من أنور السادات إليها مع الله .." 
وهنا وقف الشيخ شعراوي يدافع عن نفسه .. لكنه لم يعتذر عما قاله .. مقررا أن ما قاله لا يحمل المعاني التي فهمها منتقدوه الذين لا يفهمون أسرار اللغة العربية وقال :
- لا يمكن لمثلي وأنتم تعرفون من هو .. أن يزل هذه الزلة أمام الله سبحانه وتعالى .. وقد قصدت أنه لا يسأل عما يفعل فى الأمور التي يرى فيها مصلحة لا يجب أن يعلنها للناس لأن ذلك قد يفسد الهدف منها .. وإن كان السيد العضو عاشور محمد نصر قد فهم منى غير ذلك فأستغفر الله مما فهم .. أستغفر الله مما فهم .. أستغفر الله مما فهم .." . 
وأضاف الشيخ شعراوي :
-"أنني أحب أن تفرقوا بين رأي يقال هنا بحرية وبين حكم يصدر بتهور فكلمة ليسقط هل هي رأي أم حكم (9) إنها حكم ونتيجة .. فل أنتم مكلفون بأن تحكموا على الناس أم بأن تروا رأيكم .." .
ورد الشيخ عاشور قائلا:
-" إن الذي حدث فى ذلك اليوم قد اثر فى لدرجة أنني لم أنم ليلتها ومن الجائز أن أكون رجلا جاهلا لم يتيسر لي فهم كلام الشيخ محمد متولي الشعراوي ." 
"أنني لا أسمح لنفسي أبدا أن اسمع أن السادات لا يسأل عما يفعل … لأن السادات من الناس وسيد الناس سيسأل عما يفعل … والسادات ليس أفضل من الرسول محمد بن عبد الله .. إن الله هو وحده الذي لا يسأل عما يفعل ..
وواصل الشيخ عاشور حديثة فانتقد الفساد المستشرى فى المجتمع . وأن القانون يطبق على الفقراء فقط أما ذو السلطان فلا قانون عليهم وضرب مثلا باقعة تتعلق بالعضو الدكتور السيد على السيد الذي هتف فيه :
-انتظر يا شيخ عاشور .
الشيخ عاشور :- قل طظ يا شيخ عاشور .. لقد قلتموها قبل ذلك .
الدكتور السيد على السيد :- إنى أتركها لك لكي تقولها أنت وغرق المجلس فى ضحك عميق … 
وواصل الشيخ عاشور حديثه فساءل عن قواعد المعاشات الاستثنائية .. إن على شفيق مات فى لندن فوجدوا فى بيته مليون جنيه "فكة" فكم يبلغ رصيده فى البنك .. إنه لم يكن وزيرا ، بل كان مديرا لمكتب عبد الحكيم عامر .. إذن فما مقدار الذي يوجد لدى الوزير .. مليون جنيه فكة وبرغم هذا يمنح معاشا استثنائيا .. هذا أمر لا يمكن قبوله ، أننا نحصل على اشتراكات مجانية ونركب الدرجة الأولى المكيفة بينما يتسطح المجندون القطارات .
وهذه هي العوامل التي أدت إلى انفعالي وآخرها تمثيلية الطابونة والعيش .. وكان ذلك مهزلة فى مجلس يجب أن يحترم .. ولذلك عندما قلت هذا مسرح كان يجب أن تلتمسوا لي العذر . أنني لا أقول ذلك لكي لا تسقط عضويتي .. إني ماشي طبيعي .. كان لا بد أن يصل صوتي وليكن ما يكون .. وهذا هو الذي كان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..". 
وبعد الحديث الدامي للشيخ عاشور تحدث الكثيرون … وتبارى الجمع فى إظهار الولاء لأنور السادات وفى رغبتهم سفك دماء الشيخ ..
وتحدث حلمي مراد كعقل للجيل وأستاذ جليل ذهب ليشارك قمما شامخة تصوغ تاريخ مصر القادم .. فإذا به يجد نفسه ويا للذهول مرغما أن يلقي محاضرة يتناول فيها بديهيات استقر عليها غيرنا منذ مئات الأعوام .. صعب أن تشرح نظيرة صعبة كنظرية النسبية حتى لعلماء .. لكن الأصعب أن تحاول إقناع كبار أن الأرض كروية وأن حاصل 1+1=2 … ماذا تفعل إن لم يقتنع من أمامك .. هل أصرخ مثل أحمد ناصر : أسمعوا وافهموا .. حتى لو أطاعوه فلا فائدة .. بالنسبة لهم أن يكون 1+1= 2 أبدا ولن تكون الأرض كروية ، وبرغم هذا فقد أخذ حلمي مراد يحاول أن يرد المجلس عن قرار خطير وهو إسقاط العضوية عن الشيخ عاشور ، ولقد كان حديث الدكتور حلمي مراد استمرارا لنهج فكرة وعظمته التي لم تتبدل مع الزمان ، ولم تتغير. وتحدث أيضا عبد الفتاح حسن ومحمود القاضي الذي قرر بأن المجلس لم يقرر إسقاط العضوية عن أعضائه الذين ضبطوا يحاولون تهريب بضائع من جمرك بورسعيد فكيف يسقط العضوية عن الشيخ عاشور . كما تحدث خالد محيي الدين وممتاز نصار فعارضوا جميعا إسقاط العضوية : . لكن أصواتهم ضاعت هباء فى ذلك الخضم الهائل من أصوات أخرى كان من بينها صوت نوال عامر(10) وأخذت الأصوات على إسقاط عضوية 
الشيخ عاشور .. ووافق 279 عضوا على إسقاطه ولم يوافق 16 عضوا وانسحب أعضاء حزب الوفد الجديد . 
وانتشرت شائعة قد تكون حقيقة وقد تكون مجرد شائعة كاذبة .. وهي إن صدقت وإن كذبت كارثة .. فقد قال البعض أن ما دفع الشيخ عاشور ليهتف بسقوط أنور السادات لم يكن بسبب انفعاله ضد رئيس المجلس أو الشيخ شعراوي فقط ، فقد كان يمكن لهذا أن ينتهي بتصريحه أنه مسرح لا مجلس شعب وبانصرافه .. لكنه بينما يهم بالانصراف قام أحد أعضاء مجلس الشعب عن الحزب الحاكم بفعل فاضح معه داخل المجلس (هتك عرض) فكان ذلك السبب المباشر فى انفلات أعصابه وهتافه بسقوط أنور السادات .
وإن صدقت الشائعة فهي كارثة تدل إلى أي حد بلغ الانهيار .. وإن كذبت فليس هناك إلا احتمالات : أولهما أن الحزب الحاكم أطلقها لإهانة الشيخ عاشور والتنكيل به والنيل من كرامة .. وثانيهما أن أحزاب المعارضة أطلقت تلك الشائعة تشهيرا بالحكومة .. وأي من الاحتمالين 
كارثة .. ذلك أن فلسفة الشائعة تتلخص فى أنها شئ غريب لكنه قابل للتصديق بسبب شواهد سبقته أو أنها تقدم للواقع تفسيرا أكثر منطقية من التفسيرات المعلنة .. وبهذا تكتسب الشائعة أهميتها كعنصر موضوعي قد يفوق بيانات السلطة فى دقته وتعبيره عن حقيقة الواقع البشع .. 
وكان هذا هو مجلس الشعب الذي يشرع لمصر ويقنن لها . ولعل هذه الأحداث تكفى كمجرد نموذج لما كانت الأحداث تسير فى مصر عليه . ولقد كنت حريصا على أن أنقل للقارئ هذه الصورة كى أكشف عن بعض جذور الانهيار والفساد .. لم يكن محمد توفيق عويضة فقط .. وإنما كانوا آلافا وآلافا ، كل منهم يمثل ساداتا صغيرا .. ولم يكن الشيخ عاشور فقط .. وإنما كانوا آلافا وآلافا من البسطاء الذين أرادوا كلمة حق بسيطة ونظيفة ، لكن العجلة الدوارة لمجتمع يسيطر عليه الفساد سحقتهم . وبعدد هذه الآلاف والآلاف قصص حدثت فى مصر على أعتاب القرن الواحد والعشرين فساد هائل .
أبمثل هذا يرجى صلاح لمصر .. أبمثله نأمل فى مستقبل أقل سوء ..
لكن يبقى تساؤل جوهري : إذا بلغت القيم هذا الحضيض وإذا فسدت الضمائر وخربت الذمم وتعطل العقل وغاب الضمير .. ما هو دور إنسان مثلي .. ماذا يستطيع أن يفعل .. يندك الجبل فهل أستطيع أن أقيمه؟ 
لا أملك إلا أن أردد خلف سيدي وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بعد أن ظهر له من أهل الكوفة ما ظهر :
"كل ما حسم نازل .. عند الله تحتسب أنفسنا وفساد أئمتنا" .
أجل يا سيدي ويا مولاي ..
"كل ما حم نازل . عند الله تحتسب أنفسنا وفساد أئمتنا"
... 
لم يكن ما يجري مجرد أحداث معزولة وإنما كان السم يسري فى جسد المجتمع كله .. ولم يبق عضو لم يتأثر بالفساد … وحتى فى الأماكن التي لا يوجد بها مفسدون فقد كانت عجلة المجتمع الدوارة بالفساد كفيلة بإفسادهم أو بعزلهم كي يتولى بدلا منهم مفسدون .
إن حديث الشيخ عاشور فى مجلس الشعب والذي أراد به أن يلخص معاناة الناس فى مصر كلها يصلح للتعبير عن معاناتهم فى كل مكان بها . كان مرتب العامل فى المتوسط عشرين جنيها وكان متوسط مرتب الممرضة بالحوافز والمكافآت ثلاثين جنيها ولم يتحرك هذا المرتب منذ عشر سنوات إلا فى أضيق الحدود ، بينما ارتفع كيلو اللحم من 35 قرشا سنة 1970 إلى 350 قرشا ( ثم ثمانية جنيهات عام 85) .. وتضاعف سعر البيضة 15 مرة .
أما مشكلة المواصلات فلم تتغير عما كانت عليه من سوء .. لكن مشكلة السكن كانت قد انفجرت بشكل رهيب بحيث أنها أصبحت وصمة عار فى جبين جيلنا وتخلى الشعب المصري عن تقديسه للموت المتوارث عبر آلاف السنين فاقتحم المقابر كي يسكن فيها . وأباحت الضرورات المحظورات فتخلى الناس عن صفة أخرى طالما كانت لديهم مقدسة : وهي السلوك المحافظ فى العلاقات الاجتماعية ، وضاعت فيهم قيم وانتكهت أعراض . ولم يكن يمكن أن تمر كل هذه الظواهر بمعزل عن العمل كقيمة .. فإن القيمة الأساسية للعمل أن يوفر بعائده حياة كريمة .. ولقد كان الأمر كذلك فى بداية السبعينات . كان المؤهل المتوسط يوفر لصاحبه 15 جنيها شهريا كافية لإيجار مسكن ولنفقات حياة متواضعة لكنها مستورة .. حد الكفاف مع الكرامة .. الآن لا كفاف ولا كرامة .. وتجاوز الأمر حدود الفقراء كي يمسك بتلابيب الطبقة المتوسطة بل وسحقهم سحقا . إن الملايين من ذوي الشهادات الجامعية يحصلون على مرتب حوالي أربعين جنيها شهريا بينما قفز إيجار لشقة إلى خمسين أو مائة جنيه ووصل خلو الرجل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات(11). وانعدمت إمكانية الحياة أمام أجيال بأكملها . وصرخت ممرضة ذات مرة لم يعد أمامنا إلا الإعارة أو الدعارة . وكانت تلخص أزمة مجتمع .. وكان هذا خللا جسيما فى العقد الاجتماعي فكيف تتوقع من الناس أن يتصرفوا بمقتضى المنطق إذا وضعتهم فى ظروف لا منطقية .. كيف يستطيع المواطن العادي بداية من العامل والفلاح حتى خريج الجامعة أن يعيش بدخله .. وهل يمكن أن تصمد القيم أمام ظروف ساحقة مجنونة كتلك .. بل هل يمكن صمود القيم منطقيا … إن الله نفسه أباح لعباده فى ظروف خاصة أكل الميتة . وزاد الطين بلة تلك الطائفة من السفهاء التي برزت فجأة فى المجتمع كمليونير، حدد البعض عددهم بما يزيد عن ربع مليون مليونير .. ولم تكن السلطة بقادرة حتى بكل فقهائها أن تقنع الناس أن الأغنياء الجدد ينطبق عليهم قول الله أنه يرزق من يشاء بغير حساب .. وإنما كان الناس يرون أن هؤلاء الأغنياء ينبغي أن يخضعوا لحد السرقة بل الحرابة .

وتوطدت العلاقات بين الحكم وهؤلاء الأغنياء الجدد بصورة مريبة .. كانت متشعبة فى البلاد كلها ويكفي رمزا عليها علاقة أنور السادات وجيهان السادات برشاد عثمان .. وعلى رأس كل جهاز كان يوجد سادات آخر ورشاد آخر .. وضحايا .. ولم تعد العلاقة بين الأغنياء والسلطة تثر مجرد الريبة ، بل استقر اليقين فى ضمير الناس أن السلطة تبيعهم وبثمن .
لم يكن المواطن العادي يفكر بكل هذه التفاصيل بالطبع ، لكن ظلالها الدامية قد استقرت فى عقول الناس دونما حاجة لاستقراء علم الاقتصاد والتاريخ والاجتماع والقانون الجنائي … لم يكونوا بحاجة إلى كل ذلك كي يفهموا ويحسوا .. كما لم يكونوا بحاجة قط لأن يفهموا علوم الطبيعة والفلك كي يحسو بدفء الشمس ونورها . وكان رد الفعل الطبيعي هو التمرد .. كانوا قد تعودوا عبر دهور أن وظيفة الحكومة ثروة . كان الانسلاخ عن هذه العادة يحتاج إلى قرار بعد أن أصبح المرتب لا يكفي لمجرد الحياة فى أحط صورها .. وكان الضياع لمثل هذا العامل أن بفصل من عمله .. الآن أصبح الضياع ألا يفصل .. وعندما يصل الأمر إلى هذا الحد : أن يصبح أقصى عقاب تستطيع أن تلحقه بمرؤوسك شيئا مرغوبا عنده .. عند هذه النقطة لابد أن يحدث الانهيار.. وهو ما حدث فى مصر .
لم تكن كل هذه المعاناة من نصيب العمال والممرضات فقط .. بل لقد سحقت الموظفين وشباب الأطباء وقادتهم إلى ذات المشاعر الساخطة المتمردة ليس ضد رئيس بذاته وإنما ضد ذلك الخلل الرهيب فى العقد الاجتماعي الذي جعل عملهم لا يوفر لهم الحياة والكرامة وكانت أقصى أماني الجميع هي العمل بالخارج فإن لم يتيسر فالعمل الحرفي القطاع الخاص . 
كنت أحاول أن أجد العزاء عن حالة الإحباط القومي المروع التي أعيشها ويعيشها جيلي ومثلما فعل صلاح عيسى كنت افعل . كنت أراجع تاريخ بلادي ابحث فيه عن العزاء وهربا مثله مما وصفه بأنه حالة أشبه بجنون الاكتئاب أو الانتحار العقلي (عدت إلى تاريخ بلادي فى تلك الأيام الحزينة " بعد يونيو 1967" أقرؤه بحب كما لم أقرأه طول عمري . تجولت فى العذاب المصري العظيم عبر عصور ضاربة فى القدم . وأحببت شعبي كما لم أحببه فى أي وقت . أطل فى وجهه المبتسم رغم عذابه الجليل والطويل فهدهد القلب المعاني وخفف بعض عذاب الروح ، وأنبت شجيرة فى صحراء الآمال المحترقة .. سقاها بتاريخه الفذ والعظيم(12) 
كنت قد خبرت التعليم الجامع لمدة سبع سنوات فى جامعة القاهرة وعرفنا نماذج شامخة من أساتذة الجامعات . ولم يكونوا قمما شامخة فى الطب فقط وإنما فى الآداب والفنون والثقافة .
وكانت مفاجأة لي أن أرى مدى تدهور أحوال الجامعة حيث لمستها فى تجربتي الشخصية من معاناة بلا مبرر وقمع للطموح العلمي وإذلال لطالب العلم أثناء دراسة الماجستير أو الدكتور .. ولم يكن الإذلال بقصد تحسين المستوى العلمي .. وإنما كان بغرض الإذلال فقط .. كان شيئا مروعا .. فالآباء يأكلون أبناءهم ولقد ترتب على ذلك تراجع المستوى العلمي كقيمة تحدد مستوى خريجي الدراسات العليا والتي يعين الأوائل فيها أعضاء فى هيئة تدريس الجامعة .. وكان هؤلاء الأوائل فى أغلب الأحوال أقارب لأساتذة آخرين أو لمركز جديدة من مراكز السلطة . ولم تعد هذه المراكز مقصورة على السلطة العليا بالقاهرة .. وإنما كان أي ضابط مخابرات أو موظف بمكتب المحافظة أو أحد الأغنياء الجدد مركز قوة يثلم شرف التعليم الجامعي من أجله .

كان المرض الذي يدفع بالمجتمع للانهيار قد أصاب الجامعة أيضا فانهارت قلعة حصينة طالما حافظت على التوازن الفكري للمجتمع ، وكانت بالنسبة له حكما شريفا ومقياسا صادقا . لكن هذه الجامعة التي رفضت أن تمنح فاروق الأول ملك مصر شهادة دكتوراه فخرية قد منحتها بعد ذلك عشرات المرات لمن هم أسوأ منه . 
ولقد كان ذلك رغم فظاعته منطقيا مع ما يحدث فى المجتمع ككل . لقد فقدت القيمة من أعلى . ولم يكن منتظرا من واحد كالسادات أن يختار وزراء أو رؤساء جامعات عظماء . لقد قفز الانتهازيون ليصحبوا رؤساء جامعات . واختار رؤساء الجماعات عمداء كليات على شاكلتهم فاختاروا رؤساء أقسام يريحونهم ووصل العطب إلى الجذور . ولم تكن الجامعة جسدا ميتا ، بل شهدت اختلاجات عنيفة ترتب عليها بتر كل من يقول لا بمنتهى القسوة والعنف .. فتبارى الباقون فى تقديم شرف الجامعة قربانا على مذبح السلطة . وفقدت الجامعة مصداقيتها كهيئة مستقلة ومحايدة . ولم تعد قلعة من قلاع الفكر والحكمة. 
ولأن السمكة تفسد من رأسها .. ولأن للفساد ثمنا فقد استمر تدهور الأمور بصورة مخيفة . كان رئيس الجامعة أو عميد الكلية الذي يزور مستندا لصالح السلطة لا يذهب إلى السجن وإنما إلى كرسي الوزارة ومجلس الشعب .. ولم يكن العميد المزور بقادر على أن يواجه أستاذا مرتشيا . بل ويفضله من أستاذ عظيم . لأن أستاذا عظيما سيكون شاهدا حيا على حقارة الباقين .. أما عندما يكون الجميع ملوثين فلا أحد يخجل من أحد .. بل ولقد كان من المستحسن دائما أن تكون التعيينات فى المناصب الكبيرة يشوبها خطأ إداري كعنصر ضغط مستمر فأما أن يطيع وإما أن يطاح به . وانتشرت الرشوة والعمولات فى أعمال مالية ضخمة فى إنشاء وتجهيز الجماعات . ولم يقتصر الأمر على ذلك ، بل لقد امتدت الرشوة إلى الامتحانات .. ومن لا مولى له من رجال السلطة فالمال مولاه . ولقد شهدت بعيني رأسي نماذج عديدة تراوحت فيها رشوة الطالب للأستاذ من عدة مئات إلى عدة ألوف من الجنيهات وسألت أحد الأصدقاء من أساتذة الجامعة هل يمكن أن يحدث هذا .. فأجابني أنه منتشر جدا .. وأنه لم يعد يقتصر على الطلبة فقط .. فعدد كبير من أساتذة كلية الطب يقوم بعلاج المرضى فى المستشفيات الجامعية الحكومية المجانية بعد الحصول على الثمن ، وهذا الثمن على أي حال يعتبر رشوة .. كما أن تجارة المذكرات فى الكليات الأخرى كانت عملا تجاريا مربحا ومخزيا. 
وكان أمرا فاجعا لم تقتصر الفواجع فيه على وجه واحد ، بل كان لها ألف وجه ووجه ، فالجسد يأكل نفسه .. ولم يعد هناك للأشياء منطق تسير عليه .. وبعد أن كان الأساتذة القدامى عمالقة فكر وعلم يربون أجيالا تبني الجديد على أساس قوي من خبرة القديم فقد أصبح الأستاذة الجدد والذين وصلوا إلى مناصبهم بوسائل عديدة ليس منها فى معظم الأحوال مستواهم العلمي عاجزين عن تقديم شئ لتلاميذهم من ناحية .. أما الناحية الأخرى وهى مخزية ومقززة لأن نتائجها لن تقتصر على هذا الجيل وحده ، فهي أن هؤلاء الأساتذة يضنون بخبرتهم على تلاميذهم حتى لا ينافسهم هؤلاء التلاميذ بعد ذلك فى العيادات الخاصة أو فى المناصب .. لم يكن ذلك مطروحا على الإطلاق فى الماضي . أما الآن .. والأستاذ كالتلميذ جاهل فإنه يحتفظ لنفسه بالقليل الذي يعرفه … وليست هذه الوقائع أحداثا شاذة تمثل للقاعدة وإنما تمثل القاعدة نفسها ودونها استثناء. ولست اعرفها وحدي ، بل يعرفها الجميع ويتسترون عليها كما تتستر الأسر الراقية على العلاقات الشائنة بين زوج وعشيقة أو زوجة وعشيق . الجميع يعرف ولا يستنكر حدوث الفعل نفسه لكنهم يستنكرون بتعال واشمئزاز الحديث عن الفعل أو الفضيحة معتبرين من يتصدى لذلك جلفا لم يتعلق أصول الآداب والايتيكيت اللائقة بالمجتمع الراقي ؟. وفى هذا الجو المسموم تحولت العلاقة بين الطالب والأستاذ ( ,أنا هنا أقصد طلبة الدراسات العليا على وجه الخصوص ) إلى العلاقة إذلال من الأستاذ وكراهية واحتقار وتربص من الطالب .. وامتلأت الجامعات بصراعات صغيرة مخجلة لكنها كانت ابنا شرعيا لعلاقة مريضة .
وذات يوم قابلت الأستاذ الدكتور محمد عبد الوهاب رئيس قسم الأشعة السابق بالقصر العيني ورئيس جمعية الأشعة المصرية وواجهته بهذه المأساة : أن الشهادات الجامعية تباع وليس بمجرد الدروس الخصوصية بل بالرشوة الصريحة . ورد الرجل بمرارة : أنني أصدقائك لكن كيف نستطيع إثبات ذلك ، لن يعترف الراشي ولا المرتشي . وسألته عن السبيل الشريف للرقي العلمي فأجابني بالسفر إلى الخارج : وبرغم أن إجابته ذكرتني بكلمة ماري انطوانيت للجياع الذين لا يجدون الخبز : ( ولماذا لا تأكلون البسكوت) إلا أنها كشفت أمامي عجز التكنوقراط والخبراء مهما كانت عظمتهم وخبرتهم عن حل مشاكل غير منطقية .. وكان طبيعيا أن هذا الأستاذ الكبير يبدي عجزا كاملا عن حل مشكلة الرشوة بين الطالب والأستاذ . 
الجدير بالذكر أن الأستاذ الدكتور محمد عبد الوهاب كان معروفا على مستوى العالم.. لكنه في مصر.. كان معروفا فقط.... بأنه...:زوج السيدة فاتن حمامة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق