أم صلاح الدين والشيخ شمس الدين
د. محمد الصغير
لا تستقل جهدك ولا تقلل من عملك، فالجبال الرواسي من صغار الحجر ومعظم النار من مستصغر الشرر، ولولا طبقة التراب الرقيقة لما خرج من الحبة الضعيفة كبار الشجر، فكل ميسر لما خلق له والحساب على قدر الطاقة ووفق المستطاع فلا يكلف الله نفسا الا وسعها ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها.
ولنطالع ما حفظه لنا التاريخ من قصة ست الملك خاتون تلك المرأة الكردية التي طالما راودها الحلم بإنجاب ولد يطهر المسجد الأقصى من الاحتلال ويعيده إلى حظيرة الإسلام وأثمر زواجها من أيوب التكريتي عن الولد الصالح يوسف بن أيوب الملقب بصلاح الدين وكان أول ما وصل إلى مسامعه من صوتها: "يا محرر بيت المقدس"، وكانت كلما هدهدت طفلها وحركته بين يديها قالت له ذلك وظلت تناديه به.
الأم هي المصدر الأول للمعارف ومنها تستمد اللغة لذا يقال "لغة الأم" فتشكلت لغته وتكونت عقيدته مما تكرره على مسامعه، وحقق الله فأل المرأة واستطاع ولدها الناصر المظفر صلاح الدين الأيوبي من إزاحة الاحتلال الصليبي عن القدس والذي دام أكثر من تسعين سنة بصدق نيتها وحسن تربيتها.
ابن السلطان مراد
كذلك فعل المربي والمعلم آق شمس الدين الذي تولى تربية وتعليم محمد ابن السلطان مراد الذي عرف بعد ذلك بمحمد الفاتح ؛ وكان السلطان قد لا حظ تأخر ابنه محمد في ختم القرآن الكريم فعهد به إلى الشيخ أحمد إسماعيل الكوراني المعروف بالحزم وقوة الشخصية، وبالفعل أتم محمد بن مراد ختم القرآن الكريم في فترة وجيزة وسن مبكرة، أما الدور الأكبر في بناء شخصيته من الناحية الإيمانية والعلمية وغرس روح الجهاد فيرجع إلى الشيخ آق شمس الدين الذي أكد له أنه الأمير المبارك الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم بأن فتح القسطنطينية سيكون على يديه وهو يحفظه حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش" . رواه أحمد في مسنده وقال الحاكم: "حديث صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي.
وكانت أول محاولة لفتح القسطنطينية في عهد أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وخرج في ذلك الجيش كبار الصحابة كأبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن عمر وغيرهما، حرصا على موعود رسول الله في شأن فتحها حيث قال عليه الصلاة والسلام: (أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر (أي القسطنطينية) مغفور لهم). رواه البخاري ومسلم.
ولم يتم لهم الفتح لكن كتب لهم الأجر، ومات أبو أيوب الأنصاري أول من ضيف رسول الله في بيته في المدينة بعد الهجرة ودفن قرب أسوار المدينة حيث أوصى أن يدفن في آخر ما تصل إليه خيول المسلمين وقبره فيها الآن مشهود معروف..
وما شعر حاكم مسلم بقوة جيشه وتمكنه إلا وحاول فتح القسطنطينية حتى تحقق هذا لمحمد بن مراد ولقب من بعدها بمحمد الفاتح وكان قد اصطحب معه أساتذته الشيخ أحمد إسماعيل الكوراني والشيخ آق شمس الدين، وخطب في جنوده فقال: إن الله ادخر لكم الفضل الذي حرص عليه أبو أيوب الأنصاري وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه مدينة هرقل إما أن يكون لي فيها عرش أو يكون لي فيها قبر وليس فرحي لفتحها بأكبر من فرحي بوجود الشيخ آق شمس الدين بيننا، وظهرت عبقرية محمد الفاتح العسكرية، من خلال الوسائل التي سبق إليها في فتح أكبر مدن العالم تحصينا ومنعة، حيث حفر الأنفاق للوصول خلف خطوط العدو واستخدم زيت الزيتون في تبريد المدافع التي توهجت من شدة القذائف وتتابعها، كما استخدمه في دهن الخشب الذي أجرى عليه السفن فوق اليابسة في المنطقة التي كانت تفصل بينه وبين الماء وتفاديا للسلسلة العظيمة التي تمنع مرور السفن وكانت خطة عبقرية غير مسبوقة هو من افترعها... ودانت له.
درة التاج
القسطنطينية مدينة هرقل درة التاج عاصمة الدولة البيزنطية وقلب العالم المسيحي الذي مازال يتحسر عليها حتى الآن...!!
وغير محمد الفاتح اسمها إلى إسلامبول أي الإسلام الكثير استبشارا بانتشار الإسلام منها ثم أصبحت قلب الإسلام وعاصمة الخلافة العثمانية، وهكذا تحرر المسجد الأقصى بدعاء وتربية من أم صالحة هي أم صلاح الدين، وفتحت القسطنطينية بتعليم وتوجيه من عالم مجاهد هو الشيخ آق شمس الدين.
فليبذل كل منا ما في يده.
وليقدم ما في وسعه وطاقته.
(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق