الثلاثاء، 20 مارس 2018

انتخبوا الدبابة إذ تنافس جنزيرها

انتخبوا الدبابة إذ تنافس جنزيرها



وائل قنديل 
من الراقصة الوطنية إلى الوطنية الراقصة، انتقلت مصر إلى حالةٍ من اللوثة القومية على إيقاع الدفوف والموسيقى النحاسية الصاخبة، فيما يشبه حلقات الزار في الثقافة الشعبوية القديمة، تلك التي تستهدف إنهاك الجموع بالرقص العنيف، حتى الغيبوبة، ومن ثم تسهل الهيمنة عليهم.
في مشاهد ما تسمى الانتخابات، أنت أمام عملية تخدير على نطاق واسع، تجري بتقنية الرقص على موسيقى زاعقة، تنبعث من أهازيج عسكرية صاخبة، تستحضر العدو خطراً محدقاً بالوطن والمواطنين، ومع تصاعد الإيقاع يسري الخدر في الراقصين والراقصات، إلى أن تأتي لحظة يكون التصويت والهتاف فيها للعساكر الذين يحمون الوطن الافتراضي من الموت، لا لمرشح سياسي ينافس ظله.
أمام كل مقار البعثات الدبلوماسية المصرية في الخارج، حضر المصوّتون لكي يشاركوا في الزار السياسي على أنغام "سيد مغربي دبابة وقالوا إيه علينا"، ليصبح التصويت للجيش والشرطة، اللذين يحلان في شخص عبد الفتاح السيسي، الذي يصير، في تلك اللحظة المعبأة بالهستيريا، هو الجندي المقاتل وطفل الشهيد وتراب الوطن.
يعلم الذين هتفوا، والذين رقصوا، أنهم جيئ بهم لكي يقولوا نعم للدبابة، وهي تنافس جنزيرها، الذي أتى به عبد الفتاح السيسي ليكون خصمه الذي صنعه بيده، كي يلتهمه في مشهدٍ يجعل منه الزعيم الأسطورة الذي يستحوذ على تأييد الجميع، ما عدا ما يسمح به من أصوات توضع في جيب الجنزير المنافس.
هنا السؤال: لماذا أرادها السيسي شيئاً يشبه الانتخابات، ولو حتى هزلية، ولم يجعلها استفتاءً، خصوصاً أن أحداً، في الخارج أو الداخل، لا يهتم بهذا العبث من الأساس؟ ليس صحيحاً أن السيسي يريد أن يصٍّدر صورة إلى الخارج، مضمونها أنه منتخبٌ باكتساح، ذلك أن الخارج يدرك تمام الإدراك أنه بصدد شيء من اللامعقول السياسي، ومن ثم يكون الأقرب إلى الواقع أن الجنرال، بهذه الصور والمشاهد المصنوعة بدقة شديدة، يريد أن يجدّد تفويضه، ويملأ خزانات قافلة الثلاثين من يونيو بما يكفي من الوقود اللازم، لالتهام ما يبدو له نزعات رفض ومقاطعة ومناوأة لمشروعه الاستئصالي.
في ذلك، يقول المفكر الفرنسي فيليب برو، في كتابه "علم الاجتماع السياسي"، إنه "إذا قامت حكومات استبدادية بتنظيم انتخاباتٍ تعتمد مبدأ المرشح الوحيد على نطاق واسع، فإنه لا يكفي تفسير هذا السلوك الثابت بمجرد حبها للتنكر.
إنها تعلم، في الواقع، الفوائد السياسية التي ستجنيها منها وهي: تقوية سلطتها من خلال إثبات قدرتها على تأمين مشاركة كثيفة (ومن هنا تنبع ضرورة تقليل نزعة الامتناع إلى أبسط تعبير لها) والتقليل مسبقاً من قيمة مظاهرات المعارضة من خلال الحصول من الناخبين على مظاهر انتماء خارجية لها (للسلطة) وبالعكس".
كل ما يريده السيسي (الدبابة) من هذه الدراما المقزّزة أن يظهر وكأنه سحق كل مظاهر المعارضة الحقيقية، مدشناً منافسه (الجنزير) ممثلاً للمعارضة التي يفضلها، وهو في سبيل ذلك، ليس من المستبعد أن يملأ حصالة موسى مصطفى موسى بأعداد من الأصوات تفوق ما حصل عليه كل الكومبارسات السابقين، من 2005 إلى 2014 إمعانا في الغطرسة والإذلال، وتنكيلاً بمن دعوا إلى المقاطعة.
ومن أجل صناعة هذه الصورة، لم تترك ماكينة عبد الفتاح السيسي الدعائية سلاحاً إلا واستخدمته، للإيحاء بالشعبية الطاغية والتأييد الكاسح، بدءً من اللعب على وتر الطائفية التي حضرت بحافلاتها ورقصاتها المبتذلة، مروراً بمحفزّات أخرى، مثل الإعلان عن استدعاء لجان من القاهرة لاستخراج وتجديد بطاقات الرقم القومي للمصريين في الخارج، خلال الثلاثة أيام المخصصة للتصويت، وليس انتهاء بالاستثمار في الأهداف الأربعة التي سجلها لاعب "ليفربول"، محمد صلاح، وتوظيفها لخدمة لوثة ما تسمى الانتخابات، باعتبارها ضمن إنجازات الجنرال السيسي، حتى أن أصواتاً اشتغلت على ابتزازه، باسم الوطنية الراقصة، لكي يذهب إلى مقار الرقص من أجل استمرار الطغيان.
يريد السيسي، بمهرجان التصويت الماجن، أن يبث رسالة مفادها بأن الجميع معي ولي، وهذا هو الواقع، غير أنها واقعية هشة ومزيفة، لا تصمد أمام واقع أصدق وأجمل، يقول إنه بمواجهة فرق الرقص الانتخابي المصنوع، هناك نحو أربعين مليون إنسان تركوا كل هذا الزيف، وذهبوا إلى ألبوم حمزة نمرة الجديد.
وشتان بين من يطرب لكلمات أغنياتٍ تنتصر للإنسان، وبين من يتمايل مجبراً على موسيقى رقصة رعب من أجل قاتل وحيد.
من الراقصة الوطنية إلى الوطنية الراقصة، انتقلت مصر إلى حالةٍ من اللوثة القومية على إيقاع الدفوف والموسيقى النحاسية الصاخبة، فيما يشبه حلقات الزار في الثقافة الشعبوية القديمة، تلك التي تستهدف إنهاك الجموع بالرقص العنيف، حتى الغيبوبة، ومن ثم تسهل الهيمنة عليهم.
في مشاهد ما تسمى الانتخابات، أنت أمام عملية تخدير على نطاق واسع، تجري بتقنية الرقص على موسيقى زاعقة، تنبعث من أهازيج عسكرية صاخبة، تستحضر العدو خطراً محدقاً بالوطن والمواطنين، ومع تصاعد الإيقاع يسري الخدر في الراقصين والراقصات، إلى أن تأتي لحظة يكون التصويت والهتاف فيها للعساكر الذين يحمون الوطن الافتراضي من الموت، لا لمرشح سياسي ينافس ظله.
أمام كل مقار البعثات الدبلوماسية المصرية في الخارج، حضر المصوّتون لكي يشاركوا في الزار السياسي على أنغام "سيد مغربي دبابة وقالوا إيه علينا"، ليصبح التصويت للجيش والشرطة، اللذين يحلان في شخص عبد الفتاح السيسي، الذي يصير، في تلك اللحظة المعبأة بالهستيريا، هو الجندي المقاتل وطفل الشهيد وتراب الوطن.
يعلم الذين هتفوا، والذين رقصوا، أنهم جيئ بهم لكي يقولوا نعم للدبابة، وهي تنافس جنزيرها، الذي أتى به عبد الفتاح السيسي ليكون خصمه الذي صنعه بيده، كي يلتهمه في مشهدٍ يجعل منه الزعيم الأسطورة الذي يستحوذ على تأييد الجميع، ما عدا ما يسمح به من أصوات توضع في جيب الجنزير المنافس.
هنا السؤال: لماذا أرادها السيسي شيئاً يشبه الانتخابات، ولو حتى هزلية، ولم يجعلها استفتاءً، خصوصاً أن أحداً، في الخارج أو الداخل، لا يهتم بهذا العبث من الأساس؟ ليس صحيحاً أن السيسي يريد أن يصٍّدر صورة إلى الخارج، مضمونها أنه منتخبٌ باكتساح، ذلك أن الخارج يدرك تمام الإدراك أنه بصدد شيء من اللامعقول السياسي، ومن ثم يكون الأقرب إلى الواقع أن الجنرال، بهذه الصور والمشاهد المصنوعة بدقة شديدة، يريد أن يجدّد تفويضه، ويملأ خزانات قافلة الثلاثين من يونيو بما يكفي من الوقود اللازم، لالتهام ما يبدو له نزعات رفض ومقاطعة ومناوأة لمشروعه الاستئصالي. في ذلك، يقول المفكر الفرنسي فيليب برو، في كتابه "علم الاجتماع السياسي"، إنه "إذا قامت حكومات استبدادية بتنظيم انتخاباتٍ تعتمد مبدأ المرشح الوحيد على نطاق واسع، فإنه لا يكفي تفسير هذا السلوك الثابت بمجرد حبها للتنكر.
إنها تعلم، في الواقع، الفوائد السياسية التي ستجنيها منها وهي: تقوية سلطتها من خلال إثبات قدرتها على تأمين مشاركة كثيفة (ومن هنا تنبع ضرورة تقليل نزعة الامتناع إلى أبسط تعبير لها) والتقليل مسبقاً من قيمة مظاهرات المعارضة من خلال الحصول من الناخبين على مظاهر انتماء خارجية لها (للسلطة) وبالعكس".
كل ما يريده السيسي (الدبابة) من هذه الدراما المقزّزة أن يظهر وكأنه سحق كل مظاهر المعارضة الحقيقية، مدشناً منافسه (الجنزير) ممثلاً للمعارضة التي يفضلها، وهو في سبيل ذلك، ليس من المستبعد أن يملأ حصالة موسى مصطفى موسى بأعداد من الأصوات تفوق ما حصل عليه كل الكومبارسات السابقين، من 2005 إلى 2014 إمعانا في الغطرسة والإذلال، وتنكيلاً بمن دعوا إلى المقاطعة.
ومن أجل صناعة هذه الصورة، لم تترك ماكينة عبد الفتاح السيسي الدعائية سلاحاً إلا واستخدمته، للإيحاء بالشعبية الطاغية والتأييد الكاسح، بدءً من اللعب على وتر الطائفية التي حضرت بحافلاتها ورقصاتها المبتذلة، مروراً بمحفزّات أخرى، مثل الإعلان عن استدعاء لجان من القاهرة لاستخراج وتجديد بطاقات الرقم القومي للمصريين في الخارج، خلال الثلاثة أيام المخصصة للتصويت، وليس انتهاء بالاستثمار في الأهداف الأربعة التي سجلها لاعب "ليفربول"، محمد صلاح، وتوظيفها لخدمة لوثة ما تسمى الانتخابات، باعتبارها ضمن إنجازات الجنرال السيسي، حتى أن أصواتاً اشتغلت على ابتزازه، باسم الوطنية الراقصة، لكي يذهب إلى مقار الرقص من أجل استمرار الطغيان.
يريد السيسي، بمهرجان التصويت الماجن، أن يبث رسالة مفادها بأن الجميع معي ولي، وهذا هو الواقع، غير أنها واقعية هشة ومزيفة، لا تصمد أمام واقع أصدق وأجمل، يقول إنه بمواجهة فرق الرقص الانتخابي المصنوع، هناك نحو أربعين مليون إنسان تركوا كل هذا الزيف، وذهبوا إلى ألبوم حمزة نمرة الجديد. وشتان بين من يطرب لكلمات أغنياتٍ تنتصر للإنسان، وبين من يتمايل مجبراً على موسيقى رقصة رعب من أجل قاتل وحيد.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق