الأحد، 11 مارس 2018

عاصفة "تعريض" تضرب مصر

عاصفة "تعريض" تضرب مصر


وائل قنديل

دعك من إعلان مفيد فوزي (الذي ليس مذيعا بل محاوراً) استعداده ورغبته في لعق ما تحت حذاء عبد الفتاح السيسي، فذلك جوهر شخصيته، وتلك رغبته المتأجّجة في كل عصور الطغيان، إن لم يجد طاغيةً يلعق ما تحت حذائه، لاخترعه وصنعه على عينه.

هكذا كان مع زمن جمال عبد الناصر، حتى مات، ومع أنور السادات، حتى قُتِل، ومع حسني مبارك، حتى سقط، حتى جادت عليه المقادير بالسيسي، يتخذه صنماً، يلفّ حوله، مردّداً تمتماته الدائمة في ملاطفة الطغيان وملاعبته وهدهدته.

إن لم يفعل مفيد فوزي ذلك لأصابه المرض، وربما مات ظمأً لمن يشبع مازوخيته، وميله الفطري إلى الانسحاق تحت أحذية الطغاة.

ودعك أيضاً من أحمد عكاشة، صاحب الاسم الأشهر في عالم التجارة بالصحة النفسية، والذي اصطفاه السيسي قبل ثلاث سنوات رئيساً لما أطلق عليه الفريق العلمي الاستشاري، فالرجل في مجال الطب النفسي مثل مفيد فوزي في الإعلام، ومثل أي مذيع "توك شو" يتغذّى على التغزّل في الطغيان والقمع والقهر.

ليس مفاجئاً أو جديداً أن يقول أستاذ الطب النفسي في حوار صحافي إن "رفاهية حقوق الإنسان لا مجال لها أثناء تعرّض البلاد للإرهاب"، فالرجل مع الطغيان والقهر بالسليقة، ناهيك عن أن هذا الحوار المنقوع في حبر الفاشية يتكرّر في مثل هذا الوقت من كل عام، وقد سبق له، في حوارات سابقة، أن ارتدى زي جنرال المخابرات الراحل، عمر سليمان، واستعار لسانه، وقال في صرامة إن المصريين في عمومهم لا يستحقون الديمقراطية، وذهب، في حوار تلفزيوني مع الفاشيست الصاعد معتز بالله عبد الفتاح، إلى أن"إعطاء الحرية والديمقراطية لجاهل مثل إعطاء السلاح لمجنون"..
لم يكتف بذلك، بل راح يبرّر مقاطعة المصريين، وخصوصاً فئة الشباب، لمهزلة ما تسمى انتخابات في زمن عبد الفتاح السيسي، بأن المقاطعين مصابون بأمراض الكبت الجنسي.
كل هذا متوقع من هؤلاء ومكرّر في هذه المناسبات، حيث ينشطون في تجارة "التعريض" مع ملاحظة أنه، بالرجوع إلى المعاجم اللغوية، تجد أن معنى عرّٓض بالشخص، أو الشيء، أنه ادّعى عليه شيئاً يعيبه ويدينه.

وعرّٓض البضاعة أي باعها بالعرض، وبالتالي يقتات هؤلاء على التعريض بخصوم السيسي، والتعريض له، أي ترويج بضاعته، وفرضها على الجمهور فرضاً.

حتى جاء هذا الموسم، وقرّر مصطفى الفقي أن ينافس بقوة، ويتفوّق على مفيد فوزي وأحمد عكاشة، ويمنح المسألة بعداً تاريخياً دولياً، فيأتي بما لم يأت به أحد، ويشبّه الموقف بين السيسي و كومبارس انتخاباته المصنوع في ورشته السياسية بحالة شارل ديغول، زعيم فرنسا الأشهر، و فرانسوا ميتران، رئيسها ذائع الصيت فيما بعد، والذي كان أشرس معارضي الديغولية.
يقول الفقي، والذي نال مكافأته بالتعيين رئيساً لمكتبة الاسكندرية، في مداخلةٍ مع محامٍ صار مذيعاً، إنه يحترم المرشح موسى مصطفى موسى، لأنه قرّر الترشح أمام السيسي لاستكمال شكليات الممارسة الديمقراطية، ومن أجل التمكين لاستمرار السيسي فترة جديدة، ثم يمارس التدليس والكذب على التاريخ، مضيفاً أن ميتران فعل ذلك مع زعيم فرنسا التاريخي ديغول.
هذه الأكذوبة المريعة يدحضها مصطفى الفقي نفسه، في مقال منشور له في صحيفة "المصري اليوم" عام 2008 يصف فيه فرانسوا ميتران على النحو التالي "بقي أن أضيف أن ذلك الرجل كان داهية سياسية يتصرف كالوعل أمام خصومه، ويستطيع أن يوجه لهم ضربات قاصمة دون أن يتحرك كثيرًا، وهو الرئيس الفرنسي الذكي الذي أعطى العامل الثقافي في السياسة الفرنسية الخارجية دوره الطبيعي، والطليعي".
غير أنه، لزوم الصنعة، قرّر الفقي، بعد عشر سنوات، أن يحول ذلك "الوعل الشرس الداهية" إلى كومبارس، على شاكلة موسى مصطفي موسى، ويكذب على الجمهور، ويدلس متجاهلاً ما يقوله التاريخ عن ميتران، وهو  أنه عارض بكل شراسةٍ ما رآه انقلاب الجنرال شارل ديغول عام 1958 على الجمهورية الرابعة، وتأسيس الجمهورية الخامسة، وصوّت في البرلمان ضد تسليمه السلطة، ثم خسر في انتخابات البرلمان في العام نفسه، وانتقل إلى صفوف المعارضة، وأصبح واحدا من زعماء المعارضة اليسارية للجنرال، وترشّح ضده في الانتخابات الرئاسية عام 1965 لكنه خسرها.

إنها عاصفة "تعريض" عاتية تضرب مصر هذه الأيام، لم تترك الفرصة لمصطفى الفقي أن يكون مثل ميتران الذي يصفه بأنه بقي "محافظاً على وقاره"، وقاد فرنسا، رئيساً من 1981-1995، مخلداً اسمه في "الصف الأول من قادة فرنسا وساستها العظام"، بتعبير الفقي، حتى مات بسرطان البروستاتا عام 1996، وقانا الله وإياكم من "سرطان التعريض".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق