الاثنين، 5 مارس 2018

حوار مع المحلل الفرنسي، آلان جريش، رئيس تحرير «لوموند دبلوماتيك» السابق


حوار مع  المحلل الفرنسي، آلان جريش، رئيس تحرير «لوموند دبلوماتيك» السابق

آلان جريش لـ«ساسة بوست»: ابن سلمان «فاشل».. ومصر غائبة في المنطقة.. و«صفقة القرن» لن تتمّ


قال المحلل الفرنسي، آلان جريش، رئيس تحرير «لوموند دبلوماتيك» السابق: «إن الدعم الغربى للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستمر، ولن يتأثَّر بالتراجع الواضح لحقوق الإنسان داخل مصر»، متوقعًا فى الوقت نفسه صعوبة تمرير مايُسمى اصطلاحًا بـ«صفقة القرن» لاعتباراتٍ سياسية تجعل تنفيذ مثل هذا الاتفاق مستحيلًا.
وأضاف «جريش»، في حوارٍ خاص لـ«ساسة بوست»، أنّ ولى العهد السعودى فشل فى إدارة ملف السياسة الخارجية، وأن تصفية كُل رؤوس السلطة، وجمعها فى يده وحده، مسألة شديدة الخطورة على مستقبله، مؤكدًا أن دور الإمارات المتنامى داخل إقليم الشرق الأوسط يرتبط بغياب أي منافس على الأدوار، وضعف مصر وغياب حضورها عن أغلب الملفات الإقليمية.
وأكمل جريش بأنه يستحيل تدخّل الولايات المتحدة الأمريكية فى حربٍ عسكرية مع إيران، موضحًا أن قطر فازت على الدول الخليجية فى أزمة الحصار.
تنتهي ولاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الانتخابية الأولى، ويترشح دون منافسة حقيقية في ولايته الثانية، وسط موجة اعتقالات واسعة لمُرشحيين سابقين، ورموزٍ سياسية..  كيف تقرأ هذا المشهد وعلاقته بملامح ولاية السيسي الثانية؟
كنت متواجدًا فى مصر منذ أسبوعين، والتقيت بعض السياسيين وتابعت محاولات الحكومة للدفع بمرشحٍ منافس، وموجة الاعتقالات الواسعة للعديد من الرموز السياسية، والفريق سامى عنان رئيس أركان الجيش المصري. ومحاولات نظام السيسي لا تقف عند السيطرة على المرشحين، بل على الحملات الانتخابية. وأستطيع التأكيد أنّ ما يحدث من تأميمٍ للمجال السياسيّ، والهيمنة الكاملة والمباشرة على الإعلام، لم تحدث فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
فى رأيك .. أين موقع المؤسسة العسكرية المصرية من هذه التفاعلات السياسية؟
بشكلٍ مبدئيّ لا أحد يستطيع الجزم بتوقع ما سيحدث في القريب العاجل، وإذا سألني أحد عما إذا كنت متوقعًا لثورة 25 يناير (كانون الثاني)، فلن أستطيع الإجابة، لكن أقول إنّ من واقع التفاعلات الداخلية، وحركات الإقالة لرئيس الأركان السابقة، وعزل «عنان»، ورئيس المخابرات العامة، كُلها وقائع تُشير إلى أن شيئًا ما سيحدث، وأن الجيش سيقول فى وقت من الأوقات «كفاية».
لكن كيف يتّسق ما تقوله مع الدعم الواضح من جانب القوات المُسلحة للسيسي؟
أولاً؛ أول مرة يكون فيها الجيش في الحُكم بصورة مهيمنة وكاملة؛ فالمرات السابقة لم تكن المؤسسة العسكرية ذات نفوذ واسع فى السلطة بهذه الهيئة وهذه الطريقة، وأعتقد أن هذا الحضور على المدى البعيد، سيضرّ بالمؤسسة أكثر مما يفيدها.
تبدو الدول الغربية على وفاقٍ كامل ودعمٍ مفتوح لنظام «السيسي»، على خلاف ما قد يصدر من مواقف شجب وإدانة لقضايا حقوق الإنسان التي لم تعد تُشكل مُحددًا رئيسًا في نمط العلاقة الثنائية بين مصر والدول الغربية؟
هذا حقيقي، تتباين مواقف الدول الأوروبية بين التأييد الكامل، كحال فرنسا، والتأييد الذى يتخلله بعض الانتقادات لقضايا حقوق الإنسان، وقانون الجمعيات الأهلية، لكن بشكلٍ حاسم الغرب يدعم السيسي لاعتباراتٍ تتعلق بالمصالح الاقتصادية فى المقام الأول، وعادوا من جديد لخطاب أنّ هذا النظام، بالرغم من القمع المُطلق الذى يمارسه، أفضل من الفوضى، فضلًا عن  مُحاربته للإرهاب، وتصدِّيه لقضية الهجرة غير الشرعية، كما يروِّج دومًا فى خطاباته أمام رؤساء الدول الغربية. هذه المواقف الرسمية تتباين مع مواقف وسائل الإعلام، كحال فرنسا التي تنتقد كُل الصحف فيها السيسي، وتعتبر إداراته وسياساته شديدة الخطورة، لكنّ ذلك ليس له تأثير، جنبًا إلى كون مصر ليست القضية الأساسية فى الشأن الداخلي الفرنسي.
مرت السعودية بتغييرات سياسية كبيرة؛ أدت إلى تصعيد ولي العهد محمد بن سلمان، الذي بات مُهندس السياسات الداخلية والخارجية للمملكة، فضلًا عن إطلاق «رؤية 2030».. إلى أين تقود هذه التغيّرات السعودية؟
وليّ العهد السعودي أخذ ثلاثة مواقف شديدة الأهمية على مستوى السياسة الخارجية، وهى:
1- إطلاق الحرب المفتوحة في اليمن.
2- خطة مقاطعة قطر.
3- احتجاز الحريري داخل العاصمة السعودية.
ومن ثمّ إجباره على الاستقالة فى محاولة لتغيير معادلات التوازن داخل لبنان، وكُل هذه المواقف انتهت بالفشل الواضح للسعودية، وتراجع نفوذها بشكلٍ كبير فى هذه الملفات، وهو مؤشِّر نستطيع من خلاله استنتاج الوصول لحُكمٍ عن مُجمل سياساته الخارجية والداخلية. هذا الرجل عنده مشاكل كبيرة على مستوى السياسة الخارجية.
لكن التغيُّرات طالت كذلك المستوى الاقتصادى والاجتماعى.. فما هو تقييمك لهذا الجانب من خُططه القائمة؟
أنا سافرت إلى السعودية مرات كثيرة، والمجتمع السعودي تغيَّر كثيرًا من حيث الاهتمام بالثقافة والإنترنت، وواضح أن ولي العهد السعودي يريد أن يستثمر هذه التغييرات. المُشكلة الأساسية للسعودية أن التغيّرات الاقتصادية وخطّة 2030 نفذها خبراء ومختصون من الغرب، وواشنطن بشكلٍ أدقّ، لا يفهمون تركيبة هذا المجتمع، والاعتقاد بأن هذه الخطط ستغيّر من السعودية أمرٌ صعب.
المُجتمع مبني على تأييد الدولة مقابل مِنحٍ ماليّة تمنحها الدولة للمواطنين، والآن ليس هناك إمكانية لهذا التأييد فى ظلّ ارتفاع الضرائب، وارتفاع نسب البطالة. وقد التقيت مستثمرين فرنسيين يستثمرون داخل السعودية، ولديهم قلق واسع من تبعات هذا الأمر.
شكّلت التوازنات القبلية أحد مرتكزات سلطة آل سعود.. فكيف سيكون الوضع بعد تصفية كل رؤوس السلطة واختصارها في شخص ولي العهد؟
هذه نقطة أيضًا شديدة الأهمية تتعلق بانطباعي أنّ هذه الخُطط لن تؤدِّي لتغييراتٍ إيجابية؛ فلأوَّل مرَّة في تاريخ المملكة منذ وفاة عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة، تكون السُلطة في يد أميرٍ واحدٍ فقط. سياسة المملكة كانت ترتكز دائمًا على توزيع السُلطة بين الأمراء وأبناء العمومة، وتوزيع إدارة الملفات عليهم، كما كان الأمر فى العهود السابقة، بشكلٍ يراعى فيه توازن القوى، لكنّ ولي العهد السعودي قضى على مسألة التوازنات داخل آل سعود، وبات حائزًا على كلّ السلطات، وسؤالي هو: هل لديه القدرة الثقافية والسياسية ليكون الرجل (رقم واحد) في المملكة؟ أعتقد لا، وليس لديه إمكانات حقيقية.
تعتقد أن السعودية خسرت معركتها ضد قطر فى مسألة المقاطعة الرباعية.. فما هي الأسباب التي قادتك لذلك الاستنتاج؟
السعودية والإمارات مع بقية الدول ظنّوا أنّهم يستطيعون إنهاء ملفّ قطر خلال أسبوع؛ عبر خطوات المقاطعة، وكسب تأييدٍ أمريكي وغربي لهذا النزاع، لكنّ ذلك لم يحدث. القطريون فازوا في هذا الصراع، وعلاقة قطر بأمريكا صارت أقوى مما كانت عليه قبل النزاع الخليجيّ، والخطاب السعودي الإماراتي كان متطرفًا جدًّا.
لكن الأرقام تُشير إلى خسائر لقطر على المستوى الاقتصادي وتراجع حجم الاستثمارات؟
هذا حقيقي، الحصار كان له ثمن اقتصادي كبير، واضطرت قطر لشراء احتياجاتها من إيران وتركيا، وتغيير كثير من سياساتها الاقتصادية، لكنّ قطر لديها الإمكانات المالية لذلك، واستطاعت تجاوز ذلك حاليًا، ولم تكن الخسائر بالشكل الذى يجعلها تفقد توازنها الاقتصادي من جانب المؤسسات المالية الدولية.
لماذا تبدو الولايات المتحدة عاجزة عن إنجاز تسوية لهذه القضية؟
إمكانية الغرب عمومًا، وواشنطن بشكلٍ خاص، من حلّ الصراعات بين الدول تراجعت نسبيًا؛ فالعالم بات متعدِّد الأقطاب، وكُل دولة تلعب دورًا، وإمكانية الولايات المتحدة من حسم الصراعات تراجعت كثيرًا. أنا أعتقد أن ولي العهد السعودي أخذ قرار الحرب في اليمن، دون ضوء أخضر من أمريكا.
تبدو الإمارات أكثر حضورًا داخل الملفّات الإقليمية في الشرق الأوسط عمّا كانت عليه سابقًا، وباتت طرفًا أساسيًّا فى الكثير من الصراعات.. كيف ينعكس ذلك على خارطة النفوذ داخل الشرق الأوسط؟
دور الإمارات كبير، لديهم خطة سياسية واقتصادية، دولة صغيرة جدًا تتدخل فى اليمن عسكريًّا، وليبيا، وتونس، وتخدمها فى ذلك إمكاناتها المالية الضخمة. وولي عهد أبوظبي لديه خطَّة كبير للقضاء على «تنظيم الإخوان» أكثر من مصر؛ هذا الأمر يتعلَّق بجانبٍ شخصيٍّ فيه: إنّه يكرهم. فضلًا عن وجود خلايا للإخوان فى دولته.
أعتقد أن هذا الدور الكبير للإمارات مرتبطٌ بانحصار دور مصر بشكلٍ كبير، ولم يعد لها وزنٌ حقيقيّ داخل الملفات الإقليمية، باستثناء الملف الليبي، التي تشارك فيه الإمارات. وأعتقد أن الدور الإماراتى مُرشّح للتزايد، خصوصًا أنه لم يعد هناك أدوار لبلدانٍ أخرى.
من وجهة نظركم، ما هى تبعات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، واعتبار الأخيرة عاصمة لإسرائيل؟
أعتقد أنّ خلفيات هذه القرار لها أسبابٌ داخلية في المقام الأوّل تتعلَّق بالخضوع لمطالب جمهوره من التيار اليمني المتشدد، وهذا القرار ضدّ مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ويخصم من نفوذ أمريكا.
هل تعتقد أن خطوة نقل السفارة خطوة ضمن ما يُعرف اصطلاحًا بـ«صفقة القرن»؟
هذا الأمر سيفشل، حتى لو أن هناك تفاهمًا فيه بين السعودية وأمريكا، فمسألة تنفيذه على أرض الواقع صعبة للغاية. أبو مازن أعلن رفضه الموافقة على الصفقة، والرئيس الأردني كذلك، فضلًا عن استحالة قدرة أيّ قائد سعودي أن يقول لشعبه: «لسنا مهتمين بالقدس، وهي ليست فلسطينية».
هذا يعود فى الأساس إلى أنّ السعودية دولة إسلامية، شرعية حُكّامها وآل سعود دينية في الأساس. فهل يقدر حكامها أن يقولوا إنّ القدس يهودية؟ أعتقد هذا الأمر سيكون له تبعاتٌ كبيرة، ولن يمر هذا الأمر بسهولة.
ما هي احتمالات اندلاع حرب بين أمريكا وإيران في ظل احتداد تصريحات الرئيس الأمريكي والتلويح بورقة الحرب في أكثر من مرة؟
أعتقد أنه من الصعوبة بمكان دخول أمريكا فى حربٍ مع إيران، صحيح أن ترامب ومستشاريه العسكريين يرون أنّ إيران العدو الأساسي والأول لأمريكا، لكن يستحيل أن يُرسَل الجيش الأمريكي؛ لأنَّه ليس مستعدًا لتحمُّل خسائر مواجهة شاملة. حتى مسألة الضربة العسكرية، فإن تبعاتها ستكون مُزلزلة للمنطقة؛ وستدفع نحو حرب مفتوحة، فضلًا عن أن أوروبا لها موقف داعم للاتفاق النووي مع إيران.
تبدو تركيا أكثر حضورًا فى عددٍ من الملفّات الإقليمية، سواء عسكريًّا أو سياسيًّا.. كيف تقرأ هذا الحضور الواسع؟
أردوغان بنى دولة قوية لها وزن إقليمي في الشرق الأوسط، واقتصادًا قوي، وانعكس ذلك على نفوذها الواسع في العديد من الملفات الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط. مُشكلته الآن هي الأكراد، يرغب في التخلص منهم، خصوصًا بعدما أدرك صعوبة تغيير نظام الأسد.
لكن توجد مشاكل داخلية على مستوى الديمقراطية، وقمع المعارضة السياسية من جانب أردوغان؟
نعم، أردوغان يرغب في التخلص من الديمقراطية عبر إجراءات قمعٍ جديدة لكافَّة المعارضين السياسيين، والدخول فى خصومة مع كُل من يعارضه، ومحاولاته لتعديل الدستور، والتضييق على مناخ الحرية للصحافة، وهو أمرٌ يشتركُ فيه مع السيسي، لكنَّ الأمر المختلف فى تركيا عن مصر أنَّه لازال هناك مجتمع مدني قوي، وقوى سياسيَّة مُعارضة فعالة لها فعاليات على أرض الواقع، وتحاول مواجهة قمع أردوغان، على خلاف مصر التي تغيب عنها أي ردود فعل حيال سياسات السيسي، ولا يوجد حضور لأي حزب سياسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق