الأربعاء، 31 يوليو 2019

التعذيب... في السجون العربية!


التعذيب... في السجون العربية!

خواطر قلم
  • د.محمد العوضي
      «التعذيب في السجون العربية»، من الحلقات المحفورة في وجداني وذاكرتي مما قدمته في مسيرتي الإعلامية المتلفزة، التي ابتدأت عام 1995م على شاشة تلفزيون الكويت ولا يمكنني نسيانها.
      في عام 2000، كانت لي سهرة تلفزيونية بعنوان «ساعة صريحة»، بدأتها بحلقة «التدين المغشوش»، وثنيتها أو ثلثتها بحلقة «التعذيب في السجون العربية»، قدمتها وأنا أعيش حالة من مشاعر بركانية وأحزان تغذيها ذاكرتي ومخيلتي المكتنزة بما قرأته من ذكريات السجناء والمعذبين من النساء والرجال، كتب وموسوعات ومقالات إضافة إلى لقاءات مع من قضوا في السجون مددا طويلة وخرجوا منها منهكين يحملون من ذكريات الألم والإذلال والتسلط ما يجعل الولدان شيبا.
      في الحلقة اتخذت من كتاب (سنة أولى سجن) للسياسي ورئيس تحرير جريدة أخبار اليوم المصرية مصطفى أمين نموذجاً لمن سرد معاناته وخواطره الشخصية في ذكر تجربته مع السجناء، ولا أعتقد أن من قرأ الكتاب استطاع أن يتمالك دموع عينيه أو بكاء قلبه لا سيما عندما يقرأ فصل (مصرع السفاح)، كما أنني عرضت على الشاشة صورة ملك المنابر والخطابة الشيخ عبدالحميد كشك وعرضت مقطعاً من صوته أحفظه منذ كنت طالباً في المرحلة الثانوية يقول فيه:
      (إن الأفكار لا تُغَيَّر بالكرباج، إن الأفكار لا تغير بتعليق الآدميين كما تعلق البهائم في السلخانات، إن الأفكار لا تغير بوضع الطوق الكهربائي في الرؤوس، إن الأفكار لا تغير بإطفاء أعقاب السجائر في مواطن العفة والكرامة... إن الفكر لا يغير إلا بالفكر).
      واستشهدت بكل ما أملك من معلومات ومصادر، أعزز فيها قيمة الانتصار للمعذَّبين من أي دين أو عرق أو جنس كانوا وأن يكون ذلك مبدءاً إنسانياً مجمعاً عليه.
      كتاب «موسوعة العذاب» لعبود الشالجي، و«ثورة في السنة النبوية» لغازي القصيبي، و«قذائف الحق» لمحمد الغزالي و«ذكرياتي في سجن النساء» لنوال السعداوي التي أختلف معها وأنتقد آراءها الفكرية.
      وقائمة طويلة من المصادر تُحدث وعيا في عقول الجماهير ويقظةً لضمائرهم، ضد هذه الانتهاكات عرضتها في هذه الحلقة.
      قطعا كان للحلقة تبعات وعليها ملاحظات ولكن لم يتم إيقاف البرنامج، وأذكر أنه كان ممن شاهد الحلقة عضو رابطة العالم الإسلامي الداعية المربي الذي عُرف ببرنامجه وفتاواه على قناة إقرأ الدكتور الفاضل عبدالله المصلح فطلب مني ناصحاً ومشفقاً أن أحتاط في كلامي وأن في التلميح غنىً عن التصريح وفي الإشارة كفاية عن العبارة، فقلت له يا سيدي واقع الكويت غير، وحدثته عن سقف الحرية عندنا وطبيعة العلاقة المرنة والمباشرة والودية بين المواطن الكويتي ومؤسسات الدولة وبين الحاكم والمحكوم، وأننا في بحبوحة من الحرية وطرح الآراء يحسدنا عليها الآخرون.
      وذكرت طرفا من هذا الموضوع في الملتقى السادس عشر للإعلاميين العرب في الكويت، والذي كان تحت رعاية سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك وبإدارة ناجحة تحت إشراف الأمين العام لهذا الملتقى الزميل ماضي الخميس، والذي قلت له إن محاضرتي عن تجربتي الإعلامية، وأي سرد لأي تجربة لن يكون لها معنى ما لم تحتوِ على بعض الصراحة التي تستلزم ذكرا تفصيليا لبعض المحطات والأسماء في مسيرة المتحدث.
      والآن بعد تلك الحقبة ومع دخول العالم في الألفية الثالثة، هل ارتقت مفاهيم العدالة وتطورت قوانين حماية نزلاء السجون وضبط إجراءات التعامل معهم في بلدان العرب؟!
      وماذا يقول واقعنا المعاصر عن التعذيب الجديد في سجون العرب الآخذة في الازدياد؟
      لا أدري لماذا تذكرت... وسيل التساؤلات تتوالى على ذهني... لا أدري لماذا تذكرت الكتاب المترجم الذي قرأته قديماً (من يجرؤ على الكلام؟!) لعضو الكونغرس الأميركي بول فندلي... فهل نجرؤ حقاً على الكلام في نقد واقعنا العربي المُتخم بانتهاكات حقوق الإنسان والاعتداءات الصارخة على كرامة المواطن العربي بل وعلى عِرضه وحياته وتكريس الظلم والجهل وسلب الحقوق، بالقبضة الأمنية حيناً وبالفتاوى الدينية الشاذة أحياناً أخرى؟!
      ‏@mh_awadi

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق