المستقبل الإنساني للاجئين العرب
مثّل اعتقال السلطات الكويتية مجموعة من الإخوان المسلمين، التربويين المصريين، لتسليمهم لنظام عبد الفتاح السيسي، صدمةً شعبية عربية، بعد شعور الدولة بأن الصراع اليوم يقوم على تأمين وجودها القومي، فقد أصبحت الكويت على واقعٍ جديد، حيث تتعامل الأطراف مع تطبيع الأزمة الخليجية باعتبارها واقعا ممتدا لسنوات.
ومنذ تسلّم الرياض الأمير نواف الرشيد، وأسلوبه الذي انتهك سيادة الدولة الكويتية، تصاعدت المخاوف في ظل أزمةٍ، تعيشها الكويت بين استحقاق البرلمان والمعارضة والسلطة التنفيذية. وعلى الرغم من ذلك، قدّم أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، جهوداً كبيرة في سبيل تحقيق مصالحة خليجية، تقوم على فك اشتباك، خصوصاً بين الدوحة والرياض، رفضها السعوديون، وكانت على وشك النجاح في المحاولة الأخيرة، لولا تدخل أبو ظبي الذي أسقط المبادرة.
بعدها شعرت الكويت بأن طرفي محور الاعتدال الخليجي في مسقط والدوحة قد استكملا تأمين بعدهم الجيوسياسي في مواجهة أي تهديد سعودي، فعُمان أصلا تمتلك قدراتٍ دفاعيةً قوية لقواتها المسلحة، وديمغرافية صلبة، وتصالحا اجتماعيا عزّزه حرص السلطان قابوس على تجنب التصعيد الأمني على مواطنيه، وإن خضعت الدولة لبنية شمولية مركزية. وعُمان، بغض النظر عن التحفظ العروبي على علاقتها مع تل أبيب وطهران، تمتلك سلة توازنات سياسية في الإقليم ومع الغرب، ثبّتت عبرها نموذجا دبلوماسيا متماسكا واضحا، وعقلية تحظى باحترام
دولي واسع، وخصوصا في واشنطن، من دون أن تقدّم للشريك الأميركي ميزانياتٍ ضخمة، من رصيد أجيالها لأجل هذا التوازن. أما قطر فتوجهها الجديد اليوم بالتعامل المفتوح مع تطبيع الأزمة يأتي إثر استشعارها قوة موقفها، بعد سلة التوازنات التي تجاوزت فيها التهديد، بدءاً من القاعدة التركية في مطلع الأزمة، والتي كانت عنصر توازن لا حماية كلية، ثم صفقاتٍ متعدّدة غربية، وصولاً إلى التصحيح النهائي مع إدارة الرئيس الأميركي ترامب نفسه، والتي غُطيت بعشرات المليارات، وهو بالضبط ما اعتبره ترامب المطلوب من قطر، لتعديل موقفه من الأزمة الخليجية، وبذلك طوت الدوحة صفحة التهديد السعودي الظبياني الذي كانت تُهدّد بموجبه، باعتبار أن السعوديين أول الأزمة حيّدوا ترامب لصالح اجتياح قطر عسكرياً.
وهذا بالطبع لا يُخفّف من كارثة الواقع العربي، وإنهاك الأمن القومي ومصالح الأميركيين والإسرائيليين المتدفقة، منذ أزمة الخليج.
أما في الملف الإيراني، فقد أنجزت الدوحة أيضا توازنها الجديد، بعد أن أفادتها الأزمة الخليجية بالخروج الكلي من حفرة الحرب في اليمن.
ولكن الكويت لم تصل إلى هذا الواقع، فجاء اعتقال مجموعة الإخوان المسلمين، ليعطي مؤشرا خطيراً لمخاوفها، فماذا عن بقية العرب المقيمين الذين تطلب أبو ظبي والرياض تسليمهم، لأجل انتسابهم الحركي الإسلامي؟الملف الثاني هو رسالة ماليزيا، حين قرّر رئيس الوزراء، مهاتير محمد، قبل أشهر قليلة، تسليم أربعة من عناصر الإخوان إلى نظام السيسي، وقد قرأها المراقب بوضوح، أن ماليزيا لن تتحول تركيا أخرى، وأن توازنها الديمغرافي الصعب لا يسمح لها بذلك، فضلاً عن الأزمة الوظيفية لأبناء المالاوي، الشعب الأصيل لماليزيا.
هنا عاد الملف إلى أخطر منطقة جيوسياسية للعرب، وأكبر وجود عربي على الإطلاق، وهي تركيا، حيث بدأت السلطات حملة تفتيش في إسطنبول، احتجزت مئات من حملة بطاقات الحماية المؤقتة لمناطق تركية غير إسطنبول، ورحّلوا مباشرة الى الحدود السورية، في مناطق خاضعة لجبهة النصرة، وليس النظام.
نزل الإجراء كالصاعقة على اللاجئين، فالتطورات الجديدة هي ضمن مشاعر غضب شعبي تركي متزايد، ضد العرب عموما، والسوريين خصوصاً، ولفهم الكارثة وهل هناك آفاق للحل نعرض العناصر التالية:
أولا، هناك إشكالية ضخمة في التعاطي السياسي العربي لكل المعارضات المقيمة في تركيا، وخصوصاً الإسلاميين، تعتمد على خطاب التحشيد العاطفي، وتقديس مواقف تركيا، بل وصولاً إلى أنها خلافة جديدة لن تتخلى عن رعاياها.
ثانياً، على الرغم من أن سياسة تركيا كانت تخضع لمواقف قومية شرسة، لا تراعي فيها مشاعر الشعوب، وخصوصا في ظل انفجار الملف الكردي الذي يهيمن على القيادة العسكرية التركية، وتخضع له كل القوى السياسية، والبعد الطوراني في شخصية الإنسان التركي،
ثالثا، هذا لا يُلغي دور الموقف الأولي الإنساني للاحتضان للمطاردين، ولكنه لم ينظم قانونيا، وتزايد وتضخم، وأثر بالفعل على مصالح الشعب التركي ووظائفه، من خلال نمو شبكات الفساد الضخمة التي تورّط فيها حزب العدالة والتنمية، وتداخل مع سماسرة الحضور العربي العشوائي للجوء.
رابعاً، تصفية الثورة السورية في اتفاق سوتشي، واكتفاء تركيا بحسب الاتفاق بتأمينها، ضد أي إقليم كردي، فيما تتولى طهران وموسكو التصفية العسكرية لبقية الفصائل والمدنيين في مناطقهم، ويترك لتركيا مطاردة الأكراد المطلوبين لها، وهو ما أحدث ضغطا زمنياً شرسا على الوضع التركي الداخلي.
خامساً، في ظل هذه الأوضاع، تصاعدت حظوظ المعارضة التركية التي استشرفت المستقبل، وهو ما جعل حزب العدالة والتنمية يسعى إلى التسابق المضطرب معها، وتبني الملف الشعبي القومي، وهو إخراج أكبر قدر ممكن من العرب، وخصوصا السوريين من إسطنبول، وتحييد الانتشار العربي الواسع.
والإشكالية الكبيرة أن هذا الواقع لا يتجه إلى الاحتواء ولا إلى أفق الحل، خصوصاً حين يغضب الحكم والمعارضة التركية والشارع، حين يقال لهم حتى تحل أزمات العرب، أو يسقط النظام هنا وهناك، فلا يوجد أفق أصلا لسقوط النظام السوري، بل تم تثبيته، ونجح القرار الإسرائيلي الإيراني في فرض النظام على الشعب. ولكن ما نقوله للإخوة الأتراك اليوم إن اشتعال الحرب الاجتماعية بين العرب والأتراك خطير على الدولة التركية، حكماً ومعارضة وشعباً، وأن تهدئة الملف ضرورة لكي توضع بعدها تصورات لحلول عملية، تراعي مشاعر الشعب التركي وسلامة اللاجئين، والتي نأمل أن تبدأ عبر شراكة لدور قطري مع تركيا، والاتحاد الأوروبي، يحشد له كل دعم إنساني من العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق