الأحد، 14 يوليو 2019

تقريرراند بعنوان الإسلام الديمقراطي المدني


تقرير راند بعنوان الإسلام الديمقراطي المدني



قراءة في تقريرراند بعنوان الإسلام الديمقراطي المدني 


مفكرة الإسلام
راند والإسلام .. دلائل الفشل الأمريكي

أثارت الدراسة الأخيرة التي طرحتها مؤسسة "راند" الأمريكية صخبًا واسعًا بين النخب الإسلامية، وسارع الكثيرون إلى دق ناقوس الخطر مما هو آتٍ من قِبل أمريكا، أو كأننا لسْنا في خطرٍ أساسًا، أو كأنّ أمريكا لم تصرِّح بعدائها نحو الإسلام!.

فهل تستحق تلك الدراسة ـ التي صدرت بتاريخ 27 مارس 2007 في 217 صفحة وحملت عنوان (بناء شبكات مسلمة معتدلة) ـ كل هذه الضجة؟ أم أنها ليست سوى دليل آخر من دلائل الفشل الأمريكي في الحرب مع الإسلام، هذا ما نحاول أن نكشف عنه في هذا المقال.

أهمية الدراسة:

ما دفع الكثيرين إلى الاهتمام بتلك الدراسة، هو صدورها من مؤسسة "راند" والمعروفة بكونها واحدة من أقوى مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية، والتي أُسست في عام 1948 كمؤسسة تابعة لسلاح الجو الأمريكي، غير أنها ومنذ ذلك الحين تصدر تقاريرها ودراساتها لصالح وزارة الدفاع الأمريكية، كما أنّ الإدارات الأمريكية المختلفة لا تجد غضاضةً في الأخذ بتوصياتها، حيث تتميز تقاريرها بأنها تلقى اهتمامًا لدى المؤسسة الأمريكية.

يزيد من أهمية هذه الدراسة أنّ المُشرف على إعدادها "أنجيل سبارا" سبق له العمل بوزارتَيْ الخارجية والدفاع الأمريكية، بينما أحد الباحثين الأربعة "شيرلي برنارد" كانت قد أعدت تقريرا سابقا عن الإسلام صدر في عام 2004، وهي زوجة "زلماي خليل زاده" الذي يشغل منصب المساعد الخاص للرئيس "بوش"، وأحد المقرّبين منه، وواحد من وجوه المحافظين الجدد الذي بات من المتوقع أن تراه في أية قضية متعلقة بالمسلمين، حيث ظهر أولاً في أفغانستان، ثم ظهر في العراق، وفي الأيام الماضية توجّه إلى إقليم كوسوفا المسلم.

هدف الدراسة:

منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، بدأت مراكز الأبحاث الأمريكية بالالتفات إلى العالَم الإسلامي، غير أنّ هجمات 11 سبتمبر كان لها تأثيرها الخاص الذي زاد من اهتمام تلك المراكز بالإسلام والمسلمين، فمنذ تلك الهجمات أصدرت مراكز الدراسات الأمريكية عشرات الأبحاث التي تناقش كيفية التعامل مع الإسلام والمسلمين، بما يخدم المصلحة الأمريكية، وقد سبق لمركز "راند" أنْ أصدر دراسةً سابقةً في عام 2004 في الموضوع ذاته، وفي العام الجاري جاءت دراسته الجديدة بعد ثلاث سنوات من العمل.

في مقدمة الدراسة أوضح مؤلفوها الهدف منها، حيث قالوا: "إن المؤلفين في هذا الكتاب يسعون إلى تعلم الدروس من مرحلة الحرب الباردة التي قادتها الولايات المتحدة، ويدرسون إمكانية تطبيقها في العالم الإسلامي، ويقيّمون أداء برامج الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة الإسلامية، ويطوِّرون "خارطةَ طريقٍ" لتمكين شبكات إسلامية معتدلة".

وتؤكد الدراسة أنّ الحرب مع العالم الإسلامي هي حرب أفكار، فيأتي في المقدمة: "أنّ الحرب التي تدور رحاها في كثير من مناطق العالم الإسلامي هي حرب الأفكار، وستُحدّد نتائجها الاتجاه المستقبلي للعالم الإسلامي".

فالحرب هي حرب أفكار، والإسلام المعتدل المطلوب هو إسلام بمواصفات أمريكية، وإذا كانت البروستوريكا خطوة لتطويع الاتحاد السوفيتي بما يخدم المصلحة الأمريكية ، فإن "بناء شبكات مسلمة معتدلة" هو الخطوة إلى "المساعدة في إعادة بناء الديانة الإسلامية من جديد"، كما صرح بذلك تقرير "راند" الصادر في عام 2004 بعنوان: "الإسلام الديمقراطي المدني، الشركاء والمصادر والاستراتيجيات".

خلاصة ما سبق أنّ هدف الدراسة هو ما أخبرنا به الله ـ عز وجل ـ في كتابه الكريم حيث قال: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} البقرة: 120.

الدراسات السابقة:

حتى نتبيّن حقيقة هذه الدراسة الجديدة، من الجيد أنْ نشير إلى الدراسة السابقة التي نشرت في عام 2004 بعنوان: "الإسلام الديمقراطي المدني، الشركاء والمصادر والاستراتيجيّات"، والذي أعاد المركز نشرها في كتاب بعنوان "العالَم المسلم بعد 11/9".

في ذلك التقرير الأول حاولت الدراسة أن تضع فرضية مفادها أنّ تمسك المسلمين بالإسلام سببه هو الفشل السياسي والاقتصادي الذي يواجهونهما، وذهبت الدراسة إلى أنّ المسلمين يربطون بين هذا الفشل وبين أمريكا؛ لهذا انتشرت بينهم "الحركات المتطرفة"، لذلك دعت الدراسة إلى توسيع الفرص الاقتصادية لدى الشباب المسلم.

لا يتسع المقام لمناقشة ذلك التقرير، غير أنّ ما نستطيع أن نوجزه هو أن هذا التقرير راهن على أن شيئًا من الانفتاح الاقتصادي والسياسي كفيل بأن يصرف المسلمين عن الالتزام بالإسلام، وأنه لن تبقى بعد ذلك سوى فئات من الأصوليين يمكن محاصرتها.

ولكن التجربة العملية التي أعقبت هذا التقرير كان لها رأى آخر، فتسبب إجراء انتخابات نزيهة في مصر وفلسطين إلى صعود الإسلاميين، ومع الانفتاح الإعلامي كان الإقبالُ كبيرًا على القنوات الفضائية الدينية؛ ما مثل انتشارًا للإسلام، الأمر الذي ألقى بظلاله على تقرير مركز "راند" الجديد.

من مواجهة الأصولية إلى محاربة الإسلام:

في تقريره السابق، دعا مركز "راند" إلى مواجهة ما أسماه بالإسلام الأصولي والذي ينتظم في عددٍ من الجماعات والحركات الإسلامية ، غير أنّ تقريره الجديد دعا صراحةً إلى تغيير الإسلام نفسه، فبعد أن كانت الدعوة إلى إيجاد "شبكات إسلامية معتدلة" توصية من توصيات تقريره السابق، صار إيجاد هذه الشبكات أمرا لا بديل عنه في التقرير الجديد من أجل تقديم الإسلام الجديد.

وبعد الدعوة إلى "تشجيع إصلاح المدارس الدينية والمساجد"، أوصى التقرير الجديد بدعم "الدعاة الجُدُد الذين يعملون خارج المساجد" والبرامج الإعلامية الإسلامية "المعتدلة".

وهكذا انتقل مركز "راند" من التقرير القديم إلى تقريره الجديد، فبعد الدعوة إلى تشجيع بعض التيارات التقليدية ضد التيارات "الأصولية"، هاجم التقرير الجديد "الأزهر"، وأوصى بضرورة سحب البساط من بين أقدامه الشريفة، وتسليط الأضواء على أماكن أخرى تخرج المعتدلين.

وصار الإسلام التقليدي في المفهوم الأمريكي هو إسلام هؤلاء: "الذين يقبلون بالصلاة في الأضرحة والقبور"، في إشارة واضحة للتيار الصوفي، داعيًا إلى التعامل معهم.

وبعد أن كان التقرير القديم يدعو إلى إدخال الإسلاميين في العمل السياسي، طالب التقرير الجديد بعدم التعامل مع "الإسلاميين الذين لا يرون مشكلة في أن تكون الديمقراطية حاكمة على الدين"، داعيًا بدلاً من ذلك إلى التعاون مع "العلمانيين الليبراليين"، و"أعداء المشايخ" مثل تركيا وتونس، وبعد أن كانت تقارير"راند" تتحدث عن مساندة إسلاميين معتدلين في مواجهة المتطرفين، تم في تقرير 2007 الأخير وضع كل "المسلمين" في سلّة واحدة.

الاعتدال .. ودلائل الفشل الأمريكي:

هكذا لم يجد تقرير "راند" الجديد بدًّا من أنْ يكشف عن حقيقته، ويعلنها صراحةً أنّ الصراع مع العالم الإسلامي هو بالأساس "صراع أفكار"، ويذهب التقرير إلى أبعد من ذلك فيرسم ملامح المسلمين "المعتدلين" أو ما نستطيع أن نسميه بالإسلام الأمريكي أهمها ما يلي:

1- القبول بالديمقراطية: من سمات "الإسلام الأمريكي" قبول الديمقراطية بالمفهوم الغربي، وليس قبولها بما يتواءم مع المبادئ الإسلامية.

2ـ رفض تطبيق الشريعة.

3- الإيمان بحرية المرأة في اختيار "الرفيق"، وليس الزوج.

4 ـ يؤمن بحق الأقليات الدينية في تولي المناصب العليا في الدول ذات الغالبية المسلمة.

5 ـ دعم التيارات الليبرالية.

ولا يقف التقرير عند هذا الحد، بل يضع مجموعة من الأسئلة أشبه باختبار ليقيس المرء نفسه إذا ما كان مع "الإسلام الأمريكي"، أم ضده؛ من تلك الأسئلة:

هل توافق على تطبيق الدولة للجانب الجنائي في الشريعة الإسلامية؟.
هل توافق على تطبيق الجانب المدني للشريعة الإسلامية؟ وهل تؤمن بحق الآخرين في عدم الاحتكام لمثل هذا الجانب والرغبة في العيش في كنف قوانين علمانية؟.

وفي النهاية لا يجد التقرير غضاضة في الدعوة إلى تدريب كوادر عسكريّة من المنتمين لجيوش الدول الإسلامية، من المتصفين بالاعتدال على القِيم الأمريكية؛ للاستعانة بهم عند الحاجة، وفي ذلك دعوة صريحة إلى تأجيج الصراع داخل المجتمعات المسلمة التي يرفض أفرادها "الإسلام الأمريكي".

إنّ تلك التوصيات التي يقدمها تقرير "راند" إنما تؤكد على حقيقة واحدة؛ هي أنّ أمريكا فشلت في السنوات الماضية في حربها مع الإسلام، فلجأت إلى تصعيد تلك الحرب حتى تكون صراع أفكار مكشوفًا لا تغطيه عبارات منمّقة ولا سلوكيات دبلوماسية، ولو نجحت تقارير "راند" السابقة لما كان لهذا التقرير ظهور.


ولنا كلمة:

هكذا سار تقرير مركز "راند" كاشفًا عن أهدافه ومراميه، وإن كان البعض يذهب إلى التضخيم من الخطر الذي يحمله التقرير من توصيات؛ إلا أننا نُدركُ أنّ هذا الدين منصور بوعد الله ـ عز وجل ـ يقول تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} التوبة: 33.

ولكنْ فرقٌ بين الإسلام والجماعات الإسلامية، فإنْ كانت جماعات الإسلام السياسي تصاب بالفشل أحيانًا؛ فإن الإسلام ينتشر بشكل عالمي، وإن "ما نشهده اليوم هو التفاف حول مسألة الدولة (الإسلامية) من خلال حركتَي الأسلمة وبناء الهوية الإسلامية، انطلاقًا من الفرد وصولاً إلى إعادة تأسيس مجتمع"، كما يذهب إلى ذلك الخبير الفرنسي "أوليفيه روى"، فالإسلام في صعود ولا شكَّ في ذلك.

غير أننا أيضًا لا نقلِّل من أهمية مثل هذه التقارير وخطورة تلك التوصيات، ولكننا ندعو المسلمين إلى أن يخرجوا من دائرة "رد الفعل" وانتظار ما تسفر عنه مخططات الآخرين، وإذا كان الأمريكيون يطالبون بإسلام معتدل؛ فإننا ندعو إلى إسلام وسطي عماده العقيدة السلفية الصحيحة والسير على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.

قراءة محمد القطيبي
باحث مغربي، متخصص في الدراسات التاريخية

الإسلام الديمقراطي المدني" هو كتاب لـ"شيريل بينارد" الباحثة النمساوية المتخصصة في العلوم السياسية، والمهتمة بالشرق الأوسط وأفغانستان، وكانت إحدى أهم محللي مؤسسة راند البحثية حتى عام 2009، وهي زوجة زلماي خليل زاد السفير الأمريكي السابق في كل من أفغانستان والعراق، الكتاب عبارة عن تقرير صادر عن المؤسسة في فبراير 2005؛ وذلك في إطار الجهود الأمريكية لإعادة رسم الخريطة السياسية والاقتصادية للعالم الإسلامي بعد الحادي عشر سبتمبر 2001. وتعتبر مؤسسة راند أهم مراكز الدارسات الاستراتيجية الأمريكية، ويعدّها البعض "العقل الاستراتيجي الأمريكي"، وهي الذراع البحثي شبه الرسمي للإدارة الأمريكية. وقد ترجم هذا العمل إلى العربية إبراهيم عوض، الناشر دار تنوير، الطبعة الأولى 2013. وعدد صفحات الكتاب 138 صفحة، ولكي يتعرف القارئ أكثر على مضامين هذا التقرير، سنحاول عرض أهم أفكاره التي تصب في إعادة بناء الدين الإسلامي وقف استراتيجية الإدارة الأمريكية.
في التوطئة قالت شيريل إنّ العالم الإسلامي يغرق في صراع متعلّق بطبيعته وقيمته الخاصة، وأنّ هذا الصراع ستمتد آثاره إلى المستقبل، طارحة السؤال: ما هو الدور الذي يستطيع باقي العالم، المهدد بآثار هذا الصراع، القيام به، بغية الوصول إلى نتائج أكثر سلمية وإيجابية؟ والحلّ حسب شيريل يتطلب فهما دقيقا للصراع الأيديولوجي الذي يدور داخل الإسلام، بهدف تحديد الشركاء المناسبين، ورسم الأهداف الواقية، وتحديد الوسائل اللازمة لدفع هذا التطوّر باتجاه ايجابي. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة وفق رؤية شيريل هناك أهداف ثلاثة تتعلق بالإسلام المسيّس: فهي تريد أوّلا منع انتشار التطرّف والعنف، ولتحقيق هذا الهدف لا بدّ من تحاشي ترك أيّ انطباع يشير إلى عداء الولايات المتحدة للإسلام؛ وهو الهدف الثاني. أمّا الهدف الثالث، فيجب على الولايات المتحدة إيجاد سبل، على المدى الطويل؛ تمكّنها من التحكمّ في الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأكثر عمقا، والتي تغذّي التطرّف الإسلامي، فضلا عن دعم التنمية والتحوّل الديمقراطي. تقول شيريل: "إنّ المساجلات والصراعات الدائرة في العالم الإسلامي الآن من شأنها تشويش الصورة، لكن يصبح تصنيف الفاعلين أسهل إذا أدرك المراقب أنّهم لا ينتمون إلى كتل واضحة المعالم، بل يشكّلون طيفا فكريا، لتُسهم وجهات نظر هؤلاء الفاعلين، حيال بعض القضايا البارزة والحساسة، في تعيين موضعهم الصحيح على امتداد الطيف. ومن ثم، يمكننا التعرف على المجموعات المتوافقة مع قيمنا بشكل عام، وتلك المعادية جذريا. وعلى هذا الأساس، يشكل هذا البحث عناصر استراتيجية خاصة"[1]. وتأمل المؤلّفة في أن يلقى بحثها العناية الواجبة من الباحثين، وصنّاع القرار، والطلاّب، وكل مهتمّ بالشرق الأوسط والإسلام السياسي.
ونننظر الآن في فحوى الفصول الثلاثة والملاحق وما حوته من أفكار مهمة يتوجّب الوقوف عندها. بالنسبة إلى الفصل الأول، فقد عنونته المؤلّفة بـ"تحديد القضايا؛ مدخل إلى نطاق الأفكار داخل الإسلام المعاصر". ترى شيريل أنّ أزمة الإسلام تتجلى في بعدين أساسيين؛ أولهما معاناة العالم الإسلامي، منذ فترة طويلة؛ من التخلف والعجز النسبي، وقد جرّب كثيرا من الصيغ مثل: الوطنية القُطرية، والقومية العربية، والاشتراكية العربية، والثورة الإسلامية، لكن دون نجاح يذكر. معتبرةً أنّ هذا الأمر أغضب المسلمين وأصابهم بالإحباط فضلا عن تخلّف العالم الإسلامي عن ركب الثقافة العالمية المعاصرة وحركته المتسارعة باتجاه الاقتصاد العالمي، ويمكننا الردّ على هذا القول بما يلي: من المعروف في السياسات الاقتصادية أنّ لدى الدول الكبرى خططها لجعل كثير من البلدان تعيش تحت التبعية وخير دليل على ذلك سياسات البنك الدولي، لذلك لا يمكن أن نرجع التخلف الاقتصادي إلى الذات العربية الإسلامية هكذا بشكل مباشر.
لقد اعتبرت شيريل أنّ المسلمين اختلفوا على ما ينبغي فعله حيال هذه المحنة، كما اختلفوا حول أسبابها، وعلى الصورة التي يجب أن تكون عليها مجتمعاتهم في نهاية الأمر. وهنا ميّزت بين أربعة اتجاهات يمثّلها:
- الأصوليّون: وهم نسخة عدوانية توسعية لإسلام لا يتورّع عن العنف، غايتهم اكتساب القوة السياسية، ثم الفرض الصارم للإسلام بالقوة ومرجعيتهم ليست الدولة القومية، أو الجماعة العرقية؛ بل الأمّة الإسلامية. وهم: لا يدعمون الإرهاب أو على الأقل لا يساعدون الإرهاب الذي يستهدف المدنيين ويتسبب بقتل المسلمين مع الأعداء، لكن الأصولية بوجه عام لا تتوافق مع قيم المجتمعات المدنية، ومع التصور الغربي لمجتمع الحضارة والنظام السياسي العلماني".[2]
- التقليديون: فرّقت شيريل بين التقليدين المحافظين والتقليديين الإصلاحيين؛ فالمحافظون يؤمنون بالتطبيق الحرفي للشريعة. أما الإصلاحيون، فيرون وجوب تقديم الإسلام لتنازلات في قضية التطبيق الحرفي لتعاليمه.
- الحداثيون: وهم يسعون لإحداث تغييرات جوهرية في الفهم والتطبيق الحاليين للإسلام وذلك بتقليص تلك الصُّبارة الضارة التي شكّلتها الأعراف المحلية والتقاليد.
- العلمانيون: هم يرون أنّ الدين أمر شخصي يجب فصله عن السياسة، وأنّ الدولة لا يجب أن تتدخل في الممارسات لرعاياها؛ شريطة توافق ذلك مع القانون ومنظومة حقوق الإنسان.
بعد هذا التحديد لهذه الاتجاهات، تطرقت شيريل إلى مواقف هؤلاء من بعض القضايا كالديمقراطية وحقوق الإنسان، فحزب التحرير مثلا اعتبر الديمقراطية نوعا من الشرك، ثمّ قضية تعدد الزوجات التي يقبل بها الأصوليون، وكذلك قضية الأقليات، فحسب شيريل نجد الأصوليين يقمعون من يعيش تحت سلطانهم. ويتجلّى ذلك في مهاجمة الكنائس وقتل المتعبّدين. أضف إلى ذلك قضية المرأة ولبساها.
بعد هذا الوصف والتعريف بهذه التوجهات السالف ذكرها، انتقلت شيريل إلى الفصل الثاني الذي عنوته بـ"إيجاد شركاء لترويج الإسلام الديمقراطي؛ الخيارات المتاحة". تقول شيريل: "تحتاج عملية ترويج الديمقراطية في العالم الإسلامي والمساعدة البنّاءة في تطوير الإسلام؛ إلى جهود طويلة الأمد؛ فكل الأطياف المذكورة آنفا تمثل احتمالات وتحديات مختلفة حال فحص إمكانات الشراكة معها"[3]. وفي حديثها عن العلمانيين، ترى شيريل أنّه بالرغم من الغموض الذي يشوبهم، فإنّ الديمقراطيات الغربية ترتكز على الفصل بين الدين والدولة، وهو ما يستتبع أن يكون العلمانيون حلفاء، مع إشارتها إلى أنّ مشاعر كثير من العلمانيين في العالم الإسلامي سلبية، بل معادية عداء مفرطا لأمريكا، والعائق الآخر، تضيف شيريل، هو افتراض صانعي السياسة الغربية بأنّ العالم الإسلامي لا تلائمه العلمانية، واعتبرت أنّ هذا الافتراض غير دقيق، حجّتها في ذلك نجاح الأنموذج التركي. وبخصوص الأصوليين ترى أنّهم متطرفون يعادون الديمقراطية الحديثة والقيم الغربية، وأهدافهم لا تتماشى مع أهداف أمريكا والغرب. وتقول عن التقليديين: "للوهلة الأولى تبدو في التقليديين سمات عدة تضفي عليهم جاذبية كشركاء محتملين:
- أنهم يمثلون ثقلا مكافئا للأصوليين، لما يتمتعون به من شرعية عريضة لدى الجماهير المسلمة.
- يميلون إلى التوسط، وهو أكثر اعتدالا، ويمثلون تأثيرا ملطّفا للتزمّت الأصولي.
- منفتحون على حوار الأديان، بل إنهم يسعون إليه سعيا.
- عادة ما يدافعون عن العنف"[4].
بناء على هذه المميزات، ترى شيريل من المغري اختيار التقليديين كطليعة لمشروعنا لترويج وتعزيز الإسلام الديمقراطي، ويبدو أنّ هذا هو المسار الذي يميل الغرب إليه. بقي الحداثيون تقول عنهم المولّفة: "الرؤية الحداثية متوافقة مع رؤيتنا. ومن بين كل الأطياف، فإنّ هذه الفئة شديدة الاتساق مع قيم وروح المجتمع الديمقراطي الحديث. إنّ النزعة الحداثية لا التقليدية هي التي تتسق مع الغرب"[5]. فالحداثيون من الناحية الأيديولوجية أجدر وأوثق الفئات بحمل رسالة الإسلام الديمقراطي بتعبير شيريل. وفيما يتعلق بالصوفية، فهم لا يدخلون تحت أية فئة من الفئات، لكنّهم يمثّلون ورقة أيضا رابحة. تقول شيريل: "لا يدخل الصوفية تحت أية من الفئات المذكورة، لكننا سوف نسلكهم هنا مع الحداثيين. ويمثل التصوف التفسير الفكري المنفتح للإسلام. وينبغي دعم التأثير الصوفي في المدارس والقرارات التعليمية والمعايير الاجتماعية والأخلاقية والحياة الثقافية دعما فعليّا في البلاد التي يوجد به تقليد صوفي، مثل أفغانستان والعرب. ومن خلال الشعر والموسيقى والفلسفة، الذين يتفرد بهم التصوف؛ يستطيع التقليد والممارسة الصوفية القيام بدور الجسر الذي ينقل هذه المجتمعات خارج نطاق التأثيرات الدينية".[6]
وبدا لنا الفصل الثالث مهمّا بدءا من عنوانه: "استراتيجية مقترحة". لقد نعتت شيريل الإسلام بالتطرف بقولها: "إنّ التطرف الإسلامي، بكل تجلياته وأسبابه الكامنة ونزوعه إلى الانخراط في الصراعات السياسية والاجتماعية الدائرة قد عقّد الأمور وزاد من تشابكها. ولم تعد هناك معالجة من ثم يمكن اعتبارها وحدها الصحيحة، كما لا يوجد قطعا حلّ واحد معروف"[7]. ومن ثمة يلزم هذا الوضع معالجة مركّبة ترتكز على التزام قاطع بالقيم الأمريكية، وتدرك في نفس الوقت بأنّ التعاون التكتيكي المدفوع بالمصلحة هو ببساطة غير ممكن مع بعض الفاعلين من أصحاب المواقف المتزمّتة على امتداد طيف الإسلام السياسي. لكن مع ذلك، ترى شيريل أنّ ذلك يستتبع تطوير سلسلة من المواقف المرنة والملائمة للسياقات والبلدان المختلفة، تقول: "وهذا الطرح يهدف لدعم تطور الإسلام الديمقراطي المدني وترسيخ الحداثة وتعزيز التنمية. كما يوفر قدرا من المرونة المطلولة للتعامل مع مختلف المعطيات بشكل مناسب، ويقلّل أخطار التأثيرات السلبية وغير المقصودة"[8]. وفيما يلي الخطوط العريضة للاستراتيجية المقترحة حسب تصوّر شيريل:
- دعم الحداثيين أوّلا، وتكريس رؤيتهم للإسلام لإزالة رؤية التقليديين، وذلك من خلال تزويدهم بمنبر للتعبير عن أفكارهم ونشرها. فهؤلاء الحداثيون هم الذين ينبغي تثقيفهم وتقديمهم للجماهير؛ كواجهة للإسلام المعاصر.
- دعم العلمانيين بشكل فردي، وحسب طبيعة كل حالة.
- دعم المؤسسات والبرامج المدنية والثقافية العلمانية.
- دعم التقليديين (متى وحيثما كانوا من اختيارنا) بما يكفي لاستمرارهم في منافسة الأصوليين، والحيلولة دون أيّ تحالف بين الفريقين. أمّا داخل صفوف التقليديين، فينبغي أن نشجّع بشكل انتقائي المتوائمين مع المجتمع المدني الحديث وقيمه.
- ملاحقة الأصوليين بقوة وضرب نقاط الضعف في مواقفهم الإسلامية والإيديولوجية.
وسوف نحتاج إلى بعض الأنشطة الإضافية لدعم هذا الاتجاه، وهي:
- المساهمة في إنهاء احتكار الأصوليين والتقليديين للإسلام، تعريفا وشرحا وتفسيرا.
- اختيار العلماء الحداثيين المناسبين لإدارة موقع إلكتروني يجيب على الأسئلة المتعلقة بالحياة اليومية، ويعرض الآراء الفقهية الحديثة.
- تشجيع العلماء الحداثيين على كتابة النصوص الأكاديمية والاشتراك في تطوير المناهج.
- نشر الكتب الأولية والتمهيدية بأسعار مدعومة، حيث تكون في متناول الجميع كالكتيبات التي ينشرها الأصوليون.
- استخدام وسائل الإعلام المحلية واسعة الانتشار كالمذياع لإبراز أفكار الحداثيين المسلمين وممارساتهم، ونشر رؤيتهم وتفسيرهم للإسلام عالميا وعلى أوسع نطاق.
وفي ملاحق الكتاب، [9] قدّمت شيريل خططا متقدّمة أكثر تفصيلا، تتجلّى في بناء قوى حداثية، وتصوير الاضطهادات التي يتعرّضون لها، باعتبارهم قادة شجعان للحقوق المدنية. وفي المقابل نزع الشرعية عن الأفراد والجمعيات والمرتبطة بالأصوليين، وفضح الأصوليين خصوصا بعض السلوكيات المتعلقة بما هو أخلاقي، مع دعم التقليديين الذين ينتقدون الأصوليين، مع تشجيع الخلافات والنزاعات بين التقليديين والأصوليين، فضلا عن مساندة العلمانيين وتشكيل إدراك لديهم بأنّ الأصولية عدوّ مشترك، وإجهاض التحالفات العلمانية مع القوى المناهضة للولايات المتحدة على أرضيات أيديولوجية قومية أو يسارية. إضافة إلى دعم وتأييد فكرة إمكان فصل الدين عن الدولة في الإسلام، مع بيان أنّ ذلك لا يضرّ بالإسلام. ترى شيريل أنه لا بد من دعم المجتمع المدني في عالم الإسلامي، معلّقة على ذلك بالقول: "وهذا أمر مهم على وجه الخصوص في الأزمات وبين اللاجئين وفي أوقات ما بعد الصِّدامات المسلّحة، والتي يمكن أن تبرز فيها قيادات ديمقراطية، وتكتسب خبرة عملية من خلال المنظمات المحلية غير الحكومية، والجمعيات المدنية الأخرى. وعلى مستوى الريف والضواحي؛ تعدّ الجمعيات المدنية بنية تحتية يمكنها الإسهام في محيطها في التربية السياسية وإظهار قيادات حداثية معتدلة"[10]. من الاستراتيجيات التي يمكن أيضا توظيفها حسب المؤلّفة هو التركيز على التعليم والناشئة، تقول: "من المستبعد أن يُغيّر الشباب المنتمي لحركات الإسلامي الراديكالي آراءه بسهولة. أما الجيل التالي، فالمتصوّر أنه يمكن التأثير عليه وتشكيل وعيه؛ بإدماج رسالة الإسلام الديمقراطي في المقرّرات الدراسية ووسائل الإعلام في الدول ذات الصلة. لقد بذل الأصوليون المتطرفون جهودا ضخمة، ليكون لهم التأثير الأكبر على التعليم، ومن غير الممكن أن يفقدوا مواقعهم بغير معارك ضروس. والمطلوب بذل جهد مساو في القوة والفعالية، لخلعهم وإزاحتهم من مواضع التأثير".[11] وتقترح شيريل لمواجهة الأصوليين، ما يلي:
1- كشف وتحدي ما في تفسيرهم للإسلام من عيوب.
2- فضح علاقاتهم بالمجموعات والأنشطة غير القانونية
3- إبراز نتائج ما يرتكبونه من أعمال عنف.
4- تعرية عجزهم عن حكم البلاد على نحو يفيد مجتمعاتهم، ويحقّق تطوّرها الإيجابي.
5- توجيه هذه الرسائل، بوجه خاص؛ إلى جماهير الشباب والتقليديين الملتزمين والأقليات المسلمة في الغرب، وكذلك النساء.
6- تجنب إظهار الاحترام لهم أو الإعجاب بالأعمال العنيفة للمتطرفين والإرهابيين الأصوليين، وتصويرهم على أنهم مختلّون عقليا وجبناء، بدلا من تصويرهم على أنّهم أبطال أشرار.
7- تشجيع الصحفيين على تحري قضايا الفساد والانحراف الخلقي في الأوساط الأصولية والإرهابية".[12]
لقد توقفنا عند أهم النقاط الرئيسة التي تؤكد بالملموس أن الإسلام الذي تريده أمريكا هو الإسلام الذي يتماشى مع تصورها وقيمها، إلا أن تحقيق ذلك ليس بالأمر السهل، نظرا لوجود توجهات أيديولوجية في الإسلام، لذلك قدّمت شيريل بينارد استراتيجية رأت فيها الحلّ الأنسب لتحقيق الأهداف المسطّرة. فالهدف الرئيس لهذه الاستراتيجيّة هو إيجاد إسلام ديمقراطي مدني وفق ما تريده أمريكا. لكن لا يمكننا أن ننسى في المقابل ضرورة التنبيه إلى مسألة أكثر من مهمة، وهي استعمال القوة العسكرية في التصدي للعرب والمسلمين تحت مسمّى محاربة الإرهاب، دون أن نغفل في الوقت ذاته، عن النظرة الدونية تجاه العرب والمسلمين المقيمين بالغرب عموما، وبأمريكا خصوصا، فالتمييز العنصري حاضر في صور شتّى.
[1]- الإسلام الديمقراطي المدني، شيريل بينارد، ترجمة: إبراهيم عوض، مراجعة: عبد الرحمن الداخل، تنوير للنشر والإعلام، ط1، 2013، ص ص: 11- 12
[2]- الإسلام الديمقراطي المدني، شيريل بينارد، ص: 28
[3]- الإسلام الديمقراطي المدني، شيريل بينارد، ص: 53
[4]- الإسلام الديمقراطي المدني، شيريل بينارد، ص: 60
[5]- المرجع نفسه، ص: 73
[6]- الإسلام الديمقراطي المدني، شيريل بينارد، ص: 90
[7]- نفسه ص: 91
[8]- المرجع نفسه.
[9]- الإسلام الديمقراطي المدني، شيريل بينارد، ص: 112 وما بعدها
[10]- نفسه، ص: 113
[11]- الإسلام الديمقراطي المدني، شيريل بينارد، ص: 115
[12]- نفسه، ص: 117

ذات صلة
النص الكامل لدراسة راند: بناء شبكات الاسلاميين المعتدلين


كتاب  الإسلام الديمقراطي لـ شيريل بينارد 

(مؤسسة راند)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق