الجمعة، 12 يوليو 2019

ثورة السودان ومصير البرادعي

ثورة السودان ومصير البرادعي

"والإسلامي" لا يلدغ من جحر مرتين، إلا جحر العساكر فقد لدغوا منه مرارا حتى بلغوا مرحلة الغرام بسم الأفاعي!
د. محمد الصغير
‏لست نادما على الوقوف مع الأصوات المطالبة بإسقاط نظام البشير في السودان، لأن المبادئ لا تتجزأ ولأننا مع كل دعوة للتحرر الوطني والسعي للخلاص من عصابات الفساد وأغلال الاستبداد، وحق الشعب في اختيار حاكمه ومساءلته.
ثم إن البشير كان حاكما عسكريا استبداديا جثم على صدر السودانيين ثلاثين سنة عجفاء أهلك فيها ما تبقي من الزرع والضرع، وكانت تجربته عسكرية استبدادية استغل فيها لافتة الحركة الإسلامية متمسحا بها لتثبيت أركان حكمه وعسفه، ولإحراز مكاسب سياسية شخصية، كما تفعل إيران في التغني بتحرير بالقدس وقضية فلسطين!
 وكان الواجب على الإسلاميين أن يبادروا إلى تصحيح المسار ولا يسمحوا لعسكري أن يبني مجده الشخصي على أكتافهم، لكن بعضهم ركن إليه وأصبح من المستفيدين من مظلة الفساد المالي والإداري التي أصبحت دستورا في عهده!
بل استمرت غفلة بعض الإسلاميين إلى الآن ومازالوا في انتظار الفرج على يد العسكر والثقة بهم وتعليق الآمال عليهم! "والإسلامي" لا يلدغ من جحر مرتين، إلا جحر العساكر فقد لدغوا منه مرارا حتى بلغوا مرحلة الغرام بسم الأفاعي!
إلى ثالوث الشر:
ولا تخطئ عين الناظر هرولة المجلس العسكري إلى ثالوث الشر، ومعسكر الثورة المضادة الذي فرح بعودة الحكم العسكري الخالص والوقوف أمام الموجة الثانية من الربيع العربي، كما أن قوى الحرية والتغيير ليست بعيدة عن الإمارات مركز اتخاذ القرار ورأس أضلاع المثلث!
والذي يؤكد ذلك استمرار وجود الجيش السوداني في حرب تدمير اليمن وعدم المطالبة الجادة بعودتهم، ووضع ذلك في أوليات مطالب الثورة، كما لا يخفى اتفاقهم على العدو المشترك المتمثل في التيار الإسلامي، كذلك ما جري من تفاهمات بين قوى "الحرية والتغيير" والعساكر على تقاسم السلطة ومد أجل المرحلة الانتقالية دون النظر إلى مصالح الشعب الذي ملأ الميادين وخرج بالملايين وعاد بخفي حنين! والسبب في ذلك أن العسكر لا يعترف إلا بصندوق الذخيرة، والتيار اليساري أو العلماني العربي لا يحب التحاكم إلى صناديق الاقتراع والانتخابات النزيهة! لأن النخب المتضخمة لا وجود لها بين الجماهير التي صمدت في الشوارع حتى أحدثت الفارق وهم عموم الشعب السوداني الذي تمثل العقيدة الإسلامية الجزء الأكبر من هويته وطريقة حياته، كما أنه أقرب الشعوب العربية إلى فطرة الإسلام.
وهذه الجماهير لم تعط تفويضا مفتوحا لأحد في التحدث باسمها وتحديد مساراتها، وكل محاولة لفرض الشيوعية على السودانيين هي غرس لنبت شيطاني في غير أرضه! فهل كُتب على السودان أن يختار بين تجربة استبدادية شوهت الحركة الإسلامية، وبين خلايا شيوعية يلفظها الكافة ولا يؤمنون بأديباتها؟ إلى متى ستستمر هذه الوصاية على الشعب ومعاملته معاملة القُصّر؟
لابد بعد هذه التضحيات أن يمكن الشعب من اختيار من يحكمه لا من يسرقه ويستعبده.
كراهية كل ما هو إسلامي:
ومع ظهور خطابات وكتابات رموز قوى الحرية والتغيير بدت النبرة استعلائية إقصائية واضحة وخطاب كراهية لكل ما هو إسلامي، وكأن البشير كان رسول الإسلام إلى السودان، مع أنهم في نفس الوقت قبلوا بتقاسم السلطة مع تلاميذه وجنوده، وحميدتي وجنجويده!
وسينتهي بهم المطاف إلى نفس نهاية البرادعي والببلاوي في النسخة المصرية.
ونظرا لـ(عقدة مصر) عند كثير من الأشقاء يأبى قادة الحراك السوداني استصحاب صورة النموذج المصري مع أنهم يتبعونه حذو القذة بالقذة!
كما أن جنرالات السودان لم يتعظوا من مصير البشير الذي يقبع في "سجن كوبر" ذائع الصيت!
وهناك نغمات نشاز تصاحب الأحداث الهامة في بلادنا العربية كالصوت القائل: "لا تتدخل في أمورنا الداخلية وخليك في بلدك ". فإذا كان الشأن داخليا فلماذا الهرولة المتكررة إلى قصور السعودية والإمارات؟
أم إن ابن سلمان وأولاد زايد من عَطبرة أو كُردفان؟
ثم إننا أمة واحدة همها واحد، وإنني جغرافيا أقرب إلى السودان من القاهرة، ووجدانيا فإن القاهرة والخرطوم، وسوهاج وراس الفيل عندي سواء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق