الاثنين، 15 يوليو 2019

تشرشل والأربعين حرامي... واقعنا المعاصر!


تشرشل والأربعين حرامي... واقعنا المعاصر!

سيف الهاجري
إن أخطر مرحلة تاريخية مرت بها الأمة هي بعد الحرب العالمية الأولى والتي انتهت بسقوط الخلافة الإسلامية العثمانية ووقوع العالم العربي والإسلامي تحت الهيمنة الغربية الصليبية.
وأخطر سنوات هذه المرحلة هي عام 1921م والذي عقد فيه وزير المستعمرات البريطاني وينستون تشرشل مؤتمر القاهرة وحضرة أربعون موظفا بريطانيا استعماريا والذي أسمته الصحافة العالمية آنذاك (مؤتمر الأربعين حراميا)، وفي هذا المؤتمر تشكلت حدود الشرق الأوسط وشكل دوله وأنظمته وشعوبها مسلوبة الإرادة في غفلة من أمرها لا تعلم عما يحيكه تشرشل وعصابته لها في فندق شيبرد على ضفاف النيل.
إن بريطانيا لم تقم فقط دولا وترسم حدودا وإنما أقامت على أنقاض النظام القديم -الخلافة- (مشروعا إمبراطوريا جديدا في الشرق الأوسط يتطلب تحقيقه أجيالا) على حد وصف المؤرخ الأمريكي ديفيد فرومكين "سلام ما بعده سلام:ولادة الشرق الأوسط الجديد ص17".
هذا الوصف الدقيق لما حدث بعد سقوط الخلافة العثمانية هو الحقيقة التاريخية التي من خلالها ندرك طبيعة المنظومة الحاكمة اليوم بأبعادها السياسية والعسكرية والإقتصادية والثقافية والفكرية والقضائية والإجتماعية.
لقد أعادت القوى الغربية بناء العالم الإسلامي والعربي على وجه الخصوص وفق نظام جديد ارتبط ارتباطا عضويا وثيقا بالمنظومة الغربية الصليبية الاستعمارية.
وهذا الارتباط لم يقتصر على الأنظمة فقط وإنما شمل قوى المجتمع والجماعات والأحزاب الوظيفية وتم إعادة صياغة الوعي ليتم القبول بالهيمنة والنفوذ الغربي وبنظامه الدولي وتحت مسمى الاستقلال ذاته الذي منحته القوى الغربية لدول المنطقة وفي حقيقته استقلال صوري تحت حماية غربية.
وهذا هو سر وقوف الجماعات والأحزاب الوظيفية مع النظام العربي وتحالفها وتفاهمها معه لاحتواء الثورة العربية واختراقها من الداخل.
فهذه الجماعات الوظيفية وطنية كانت أم إسلامية ترعرعت وتكونت في ظل هذا المشروع الإمبراطوري الغربي في المنطقة وأصبحت جزءً من منظومته الوظيفية الثقافية والفكرية وفتح لها الطريق لتكون حاضنة وظيفية تستوعب الطاقات والكوادر ضمن ماكينة وظيفية خطيرة تمتص الطاقات لتفرغها في أنشطة لا تغير من واقع الأمة ولا تهدد النفوذ الغربي وأدواته الوظيفية.
ولذا تجد أول من حارب وعارض التيارات الجهادية والمقاومة هي هذه الجماعات الوظيفية نفسها بعلمائها ودعاتها واصطفت مع النظام الدولي كما في أفغانستان والعراق ومع النظام العربي كما في الثورة العربية.
فهذه الجماعات بكل أطيافها الإسلامية منها واليسارية والقومية والليبرالية لظروف نشأتها وطبيعتها الوظيفية الواحدة تجدها تصطف في خندق واحد لكنه ليس خندق الأمة وإنما خندق المشروع الإمبراطوري الذي بنته بريطانيا وفرنسا وورثته أمريكا وروسيا!


الاثنين 12 ذو القعدة 1440هـ
15 / 7 / 2019م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق