يوم كانت أمريكا تدفع الجزية للمسلمين
لم يكن مستغربا دفع الجزية للمسلمين حين كان سلطان الخلافة يبسط ظلاله على خريطة العالم، ولكنه مستغرب ومستهجن الحديث عن الجزية في غير ذلك العصر، لما ارتسم في أذهان الناس من ضعف نال من قوة المسلمين، كما يزيد من الذهول بل والإنكار أن تذكر أمريكا في قائمة الدول التي دفعت الجزية للمسلمين كون هذا الاسم ارتبط بالقوة والعظمة والاستكبار وكون الخبر اندثر في رفوف النسيان فلم يكن له صدى ولا أثر.
نعم فلم تكن سلسلة الحروب الثقيلة التي تحملها مجلدات التاريخ الأمريكية الوحيدة في حياة الأمريكان، بل هناك حروب لم يذع صيتها لغفلة أو لعمد. وهذا حال الحرب البربرية الأمريكية الأولى أو ما يسمى حرب الساحل البربري في عام 1801 – 1805 والتي حملت هذه التسمية نسبة إلى ساحل شمال أفريقيا الغربي.
نعم فلم تكن سلسلة الحروب الثقيلة التي تحملها مجلدات التاريخ الأمريكية الوحيدة في حياة الأمريكان، بل هناك حروب لم يذع صيتها لغفلة أو لعمد. وهذا حال الحرب البربرية الأمريكية الأولى أو ما يسمى حرب الساحل البربري في عام 1801 – 1805 والتي حملت هذه التسمية نسبة إلى ساحل شمال أفريقيا الغربي.
كما تسمى أحيانا “الحرب الأميركية المنسية” كونها غابت من الذاكرة الشعبية الأمريكية في غضون جيل واحد.
وما يميز هذه الحرب عن غيرها هي أنها أول حرب شنتها أمريكا خارج حدود البلاد وكانت ضد سلطنة المغرب (مراكش) المستقلة والولايات العثمانية الثلاث (الجزائر وتونس وطرابلس) التي كانت تقع في شمال إفريقيا وانتهت بهزيمة الأمريكان وإذلالهم.
وما يميز هذه الحرب عن غيرها هي أنها أول حرب شنتها أمريكا خارج حدود البلاد وكانت ضد سلطنة المغرب (مراكش) المستقلة والولايات العثمانية الثلاث (الجزائر وتونس وطرابلس) التي كانت تقع في شمال إفريقيا وانتهت بهزيمة الأمريكان وإذلالهم.
سبب اشتعال شرارة الحرب
وتبدأ قصة هذا العار الذي ألم بالأمريكان على يد المسلمين حين رفضت أمريكا دفع الجزية للحاكم العثماني في طرابلس “يوسف قرة مانلي” نظير دخول الأسطول الأمريكي إلى البحر المتوسط. وعلى عكس ما كان مفروضا عليها، دخلت السفن الأمريكية مياه المتوسط ضاربة بعرض الحائط بتصاريح البحرية العثمانية اللازمة لذلك.
أما الرد العثماني اتجاه هذا التمرد من قبل الأمريكان فقد ترجمه والي الخلافة العثمانية بتكسير سارية العلم الأمريكي في سفارة الولايات المتحدة بمدينة طرابلس الليبية، وبإهانة السفير الأمريكي وطرده. وكانت هذه الأسباب الأولى لاشتعال شرارة الحرب بين الطرفين.
أما الرد العثماني اتجاه هذا التمرد من قبل الأمريكان فقد ترجمه والي الخلافة العثمانية بتكسير سارية العلم الأمريكي في سفارة الولايات المتحدة بمدينة طرابلس الليبية، وبإهانة السفير الأمريكي وطرده. وكانت هذه الأسباب الأولى لاشتعال شرارة الحرب بين الطرفين.
إقرار أمريكي واتفاقيات دولية
وقد كان متفقا أن يدفع الأمريكان للأساطيل العثمانية والأساطيل البربرية التابعة لدول الساحل البربري الجزية مقابل أن تقوم من جهتها بحماية السفن التجارية التي تعمل في البحر المتوسط، وكان الاتفاق أيضا على أن تقدم أمريكا آلات ومهمات حربية قيمتها 4 آلاف ريال و10 آلاف ريال أخرى نقدا مصحوبة بهدايا قيمة، ثم لم تكن أمريكا لوحدها من يدفع الجزية بل شاركتها في هذه الحال جميع الدول الأوروبية التي تستفيد من الحماية في الممر المائي في المتوسط.
ويجدر الإشارة أن الأمريكان أنفسهم لجأوا للعثمانيين طلبا للحماية والنجدة، في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وبعد أن تعرضت السفن الأمريكية للاعتداء وعجزت عن حماية سفنها، فلجأ الأمريكان إلى التوقيع على معاهدة مع تركيا في 5 سبتمبر 1795 م، مكتوبة باللغة التركية، وهي المعاهدة الوحيدة المكتوبة بغير اللغة الإنجليزية أقر فيها أول رئيس أمريكي ” جورج واشنطون ” دفع الجزية للمسلمين وسلم العثمانيين على الفور 642 ألف دولار ذهبي، و1200 ليرة عثمانية، أطلقت على إثرها الجزائر سراح الأسرى الأمريكيين الموجودين لديها، وحظيت السفن الأمريكية بالأمن والحماية خلال إبحارها في مياه المتوسط أو الأطلسي.
الأمريكان يجمعون ويمكرون
ولكن الأمريكان لم يرضوا بهذا الوضع وهذه التبعية فقاموا بتقوية قواتهم البحرية وإرسال أسطولهم البحري إلى المتوسط، وكان ذلك في عهد “توماس جيفرسون“، ثالث رئيس للولايات المتحدة، الذي قال: “سوف نلقن هذا العثماني الأبله ـ ويقصد حاكم طرابلس ـ درسا لن ينساه في فنون القتال”. “وسنجعله نصرا مدويا ندشن به حقبة جديدة لأسطولنا وتواجدنا العسكري في أكثر مناطق العالم حيوية، وبهذا أيها السادة نكون قد خطونا الخطوة الأولى نحو بناء الامبراطورية الأمريكية”.
كانت هذه اللغة المستكبرة التي بدأت بها أمريكا خطواتها الأولى في التخطيط للتمرد على الاتفاقات الموقعة مع المسلمين. ورافق هذا التخطيط مماطلة في دفع الجزية المفروضة على الأمريكان.
ولم تتوقف ردود الأمريكان على مجرد تصريحات بل أرسل الرئيس الأمريكي توماس جفرسون، فعلا أسطول بحريا بهدف رد إهانة والي طرابلس يوسف قرة مانلي ولكن المفاجأة التي كانت تنتظر جفرسون هي هزيمة كارثية لجيشه انتهت بمحاصرة الأسطول المغرور وأسر “فيلادلفيا”. أكبر سفينة أمريكية ليستسلم إثر ذلك حوالي 300 بحار أمريكي ، وبان العجز الأمريكي بشكل أكبر حين فشلت في استعادت سفينتها وتحرير أسراها.
المحاولات الأمريكية لم تقف عند الميدان العسكري بل لجأت إلى الحيلة والمكر حين حاولت توظيف الخلافات بين والي طرابلس وشقيقه “أحمد باشا قرة مانلي” في مصر، ولكنها محاولات باءت بالفشل رغم ما قدمه الأمريكان من رشوة لأحمد باشا في سبيل تغيير نظام حكم شقيقه وتسليمه دفة الحكم بدلا منه.
وكانت المفاجأة الأكبر للأمريكان حين حاصروا مدينة درنة شرق ليبيا، ثم انتهى حصارهم بهزيمة شنيعة على يد قوات المسلمين التي استنجد بها والي طرابلس من المغرب والجزائر وتونس والدولة العثمانية، فهبت ملبية كالسيل الجارف لتكبّد الأمريكان في يوم واحد خسارة 1800 من جنودها وأسر 700 آخرون فيما حوصر الباقي.
وأدت هذه الهزيمة بأمريكا إلى توقيع اتفاقية مذلة لها مع ولاة تونس وطرابلس والجزائر والمغرب، بموجبها تدفع أمريكا تعويضًا للدول الإسلامية عن كل جندي قُتل، وتدفع أيضًا الجزية مضاعفة عن السابق، فضلا عن الاعتذار للدول الإسلامية الثلاث.
كانت هذه اللغة المستكبرة التي بدأت بها أمريكا خطواتها الأولى في التخطيط للتمرد على الاتفاقات الموقعة مع المسلمين. ورافق هذا التخطيط مماطلة في دفع الجزية المفروضة على الأمريكان.
ولم تتوقف ردود الأمريكان على مجرد تصريحات بل أرسل الرئيس الأمريكي توماس جفرسون، فعلا أسطول بحريا بهدف رد إهانة والي طرابلس يوسف قرة مانلي ولكن المفاجأة التي كانت تنتظر جفرسون هي هزيمة كارثية لجيشه انتهت بمحاصرة الأسطول المغرور وأسر “فيلادلفيا”. أكبر سفينة أمريكية ليستسلم إثر ذلك حوالي 300 بحار أمريكي ، وبان العجز الأمريكي بشكل أكبر حين فشلت في استعادت سفينتها وتحرير أسراها.
المحاولات الأمريكية لم تقف عند الميدان العسكري بل لجأت إلى الحيلة والمكر حين حاولت توظيف الخلافات بين والي طرابلس وشقيقه “أحمد باشا قرة مانلي” في مصر، ولكنها محاولات باءت بالفشل رغم ما قدمه الأمريكان من رشوة لأحمد باشا في سبيل تغيير نظام حكم شقيقه وتسليمه دفة الحكم بدلا منه.
وكانت المفاجأة الأكبر للأمريكان حين حاصروا مدينة درنة شرق ليبيا، ثم انتهى حصارهم بهزيمة شنيعة على يد قوات المسلمين التي استنجد بها والي طرابلس من المغرب والجزائر وتونس والدولة العثمانية، فهبت ملبية كالسيل الجارف لتكبّد الأمريكان في يوم واحد خسارة 1800 من جنودها وأسر 700 آخرون فيما حوصر الباقي.
وأدت هذه الهزيمة بأمريكا إلى توقيع اتفاقية مذلة لها مع ولاة تونس وطرابلس والجزائر والمغرب، بموجبها تدفع أمريكا تعويضًا للدول الإسلامية عن كل جندي قُتل، وتدفع أيضًا الجزية مضاعفة عن السابق، فضلا عن الاعتذار للدول الإسلامية الثلاث.
لغة الأقدام الثقيلة
هنا فقط وحين قالت الأقدام الثقيلة كلمتها، طأطأت أمريكا رأسها وجاءت مرغمة تجر أذيال الهزيمة لتجلس على طاولة المفاوضات ذليلة، ولتوقع معاهدة أخرى أذلّ من الأولى في تركيا، وهي اتفاقية طرابلس في 10 يونيو 1805 . أين تكلفت أمريكا أضعاف الجزية الأولى التي كانت تدفعها وأصبحت ملزمة بدفع غرامات مالية تقدر بثلاثة ملايين دولار ذهبا، وضريبة سنوية قدرها 20 ألف دولار سنويا، واستمرت أمريكا في دفع هذه الجزية مكرهة مهانة لتضمن حماية سفنها من القوى الإسلامية حتى سنة 1812م.
للتاريخ ضمير لا ينسي
للتاريخ ضمير لا ينسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق