عام في القصر: أسرار تنشر لأول مرة عن الرئيس مرسي
[الحلقة الرابعة]
هي أيام الشك، ولا ريب، وهي الأيام التي أعقبت الانتهاء من إغلاق صناديق الانتخابات في 16 وإلى إعلان النتيجة في 24 من يونيو/حزيران 2012، وهي الأكثر سخونة وضبابية.
تقرير سليم عزوز
كان مقرراً إعلان النتيجة بعد يومين من إجراء الانتخابات في جولة الإعادة، لكن هذا تأخر، ما جعل قوى الثورة تستشعر الخوف من تزوير إرادة الناخبين، فقد بدد المجلس العسكري رصيد الثقة فيه، على مدى فترة حكمه منذ أن تنحى مبارك، فلم يعد أحد يتكلم عن الجيش الذي حمى الثورة، بل كانت المظاهرات تخرج لتهتف بسقوط حكم العسكر.
وارتكب المجلس العسكري في هذه الأيام من التصرفات، ما كان سبباً في زيادة رصيد الشك، وبدأ هذا بحكم حل البرلمان، وإصدار ما سمي بـ "الإعلان الدستوري المكمل"، وقالت القوى الثورية بحسب جريدة "المصري اليوم"، إن هذا الإعلان الدستوري جعل من الرئيس "طرطوراً"، وقد انتقص من سلطات رئيس الجمهورية وجار عليها، لصالح المجلس العسكري، الذي بدا أنه ليس في نيته مغادرة الحكم.
طغيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة:
صدر "الإعلان الدستوري المكمل"، في اليوم التالي للانتهاء من انتخابات الإعادة بين الدكتور محمد مرسي، والفريق أحمد شفيق، ونشر في الجريدة الرسمية في اليوم نفسه، وبتعديل الفقرة الثالثة من المادة 30 من الإعلان الدستور الصادر في 30 من مارس/آذار سنة 2011، والتي كانت تنص على أن يؤدي الرئيس المنتخب اليمين أمام البرلمان، لتكون بعد التعديل: "فإذا كان المجلس منحلاً أدى الرئيس اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا.
وجعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة من نفسه صاحب الاختصاص الوحيد فيما يتعلق بالجيش وشؤونه، بما يجعل منه جهة خارج مؤسسات الدولة وفوق رئيس الدولة، حيث تغل يد الرئيس عن ممارسة أي اختصاص بشأنه، حيث نصت المادة 45 مكرر بأن "يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان الدستوري بتقرير كل ما يتعلق بشؤون القوات المسلحة وتعيين قادتها ومد خدمتهم، ويكون لرئيسه، حتى إقرار الدستور الجديد، جميع السلطات المقررة في القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع".
وهو نص يمثل حصانة لأعضاء المجلس بذات "التشكيل القائم" يحميهم من العزل أو الإقالة، فلا يجوز لرئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة أن يعزل عضواً أو يعين آخرا بمقتضى هذه المادة، حتى إقرار الدستور الجديد.
وإذا كانت الدساتير السابقة أعطت لرئيس الدولة سلطة إعلان الحرب بعد موافقة البرلمان، فإن المادة 53 مكررا (1)، رتبت وضعا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة غير مسبوق، وجعلت من سلطة رئيس الجمهورية حبراً على ورق إذ نصت على: "يعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة".
وإذا كانت الدساتير السابقة أعطت لرئيس الجمهورية سلطة التدخل في حال حدوث اضطرابات في البلاد، فإن هذه السلطة صارت في الإعلان الدستوري مقيدة بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة حيث نصت المادة 53 مكرراً (2) من "الإعلان الدستوري المكمل" على: "يجوز لرئيس الجمهورية في حالة حدوث اضطرابات داخل البلاد تستوجب تدخل القوات المسلحة وبعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إصدار قرار باشتراك القوات المسلحة في مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية بالدولة. ويبين القانون سلطات القوات المسلحة ومهامها وحالات استخدام القوة والقبض والاحتجاز والاختصاص القضائي وحالات انتفاء المسئولية". لاحظ عبارة الاختصاص القضائي!
ثم اغتصب المجلس العسكري في هذا الإعلان الدستوري سلطة التشريع بعد حله لمجلس الشعب، حيث نصت المادة 56 مكرراً على أن "يباشر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الاختصاصات المنصوص عليها في البند (1) من المادة 56 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 من مارس/آذار سنة 2011 لحين انتخاب مجلس شعب جديد ومباشرته لاختصاصه.
إعداد الدستور وسلطة الأعلى للقوات المسلحة:
وإذا كان البرلمان قد شكل قبل حل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، فإن المجلس العسكري قفز من النافذة ليصبح المتحكم في الأمر، حيث نصت المادة 60 من "الإعلان الدستوري المكمل" على: "إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها (لم يحدد المقصود بالمانع) شكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال أسبوع جمعية تأسيسية جديدة، تمثل أطياف المجمع- لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال 3 أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه في شأنه خلال 15 يوما من تاريخ الانتهاء من إعداده. وتبدأ اجراءات الانتخابات التشريعية خلال شهر من تاريخ إعلان موافقة الشعب على الدستور الجديد".
ثم تدخل المجلس العسكري في "اعلانه الدستوري المكمل"، ليرتب لرئيسه سلطة أعلى من هذه الهيئة التأسيسية، وفيتو على مشروعها، وجد من غير المنطقي أن يختص به نفسه، لكنه منح حق الفيتو أيضاً لآخرين فإذا "رأى رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو رئيس مجلس الوزراء أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية أو خُمس عدد أعضاء الجمعية التأسيسية، أن مشروع الدستور يتضمن نصاً أو أكثر يتعارض مع أهداف الثورة ومبادئها الأساسية التي تتحقق بها المصالح العليا للبلاد، أو مع ما تواتر من مبادئ في الدساتير المصرية السابقة، فلأي منهم أن يطلب من الجمعية التأسيسية إعادة النظر في هذه النصوص خلال مدة أقصاها 15 يوماً، فإذا أصرت الجمعية على رأيها، كان لأي منهم الأمر على المحكمة الدستورية العليا، وتصدر المحكمة قرارها خلال 7 أيام من تاريخ عرض الأمر عليها. ويكون القرار الصادر من المحكمة الدستورية العليا ملزما للكافة."، "وفي جميع الأحوال يوقف الميعاد المحدد لعرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه في شأنه والمنصوص عليه في المادة 60 من هذا الاعلان الدستوري، حتى الانتهاء من إعداد مشروع الدستور في صياغته النهائية وفقاً لأحكام هذه المادة".
بهذه المادة يتحقق للمجلس العسكري ما يلي:
أولاً: أن رئيس الأعلى للقوات المسلحة الذي هو في الوقت ذاته وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي له حق الاعتراض على مشروع الدستور، لسبب مطاط هو تعارض نص أو أكثر مع أهداف الثورة ومبادئها الأساسية التي تتحقق بها المصالح العليا للبلاد، دون أن نعرف ما هي أهداف الثورة ومبادئها التي تتحقق بها المصالح العليا للبلاد، بجانب احتواء مشروع الدستور على مخالفة مع ما تواتر من مبادئ في الدساتير المصرية المتعاقبة، وأيضاً دون ضبط هذه المبادئ بنص واضح لا غموض فيه. والإعلان الدستوري المكمل في حد ذاته يخالف ما تواتر من مبادئ الدساتير المصرية، وأهمها أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو من مؤسسات الدولة وليس مؤسسة فوق الدولة.
ثانياً: أن السلطة الممنوحة لخُمس أعضاء الجمعية التأسيسية بالاعتراض على مشروع الدستور الذي أقرته الأغلبية، تُعطي للأقلية حق التسلط على ما تراه هذه الأغلبية، تمكن المجلس العسكري من تعطيل إعلان الدستور عن طريق هذا الخُمس.
ثالثاً: أن الإعلان الدستوري المكمل أعطى المحكمة الدستورية العليا وهى جهة قضائية تدخل في تشكيلها رئيس الدولة المخلوع، وجاء برئيسها الحالي متخطياً الرقاب من خارجها، ومخالفاً للتقاليد التي كانت مستقرة بأن الرئيس هو النائب الأقدم في تشكيلها، أعطاها سلطة على الجمعية التأسيسية التي هي من أطياف الشعب المصري، أو من اختيار البرلمان المنتخب، ومنتزعاً لها اختصاصاً جديداً لم يرد في اختصاصها المنصوص عليه في قانونها، فهي ليست جهة وضع الدستور أو ابداء الرأي فيه، ولكنها محكمة تحكم بمقتضى نصوص الدستور التي ليس من اختصاصها خلقه أو المساهمة في خلقه ولو بشطر كلمة.
رابعاً: أن الفقرة الأخيرة من هذه المادة ألغت عملياً الموعد المقرر للاستفتاء على الدستور وجعلتها فترة مفتوحة، على نحو يؤجل من عملية الاستفتاء، وانتخاب البرلمان، بما يعنى أن تستمر سلطة التشريع بيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى أجل غير مسمى، ويمكنه أن يقرر من القوانين في غياب البرلمان ما يمنحه من صلاحيات ليست له.
وكان ما سبق هو المادة الأولى من الإعلان الدستوري، أما المادة الثانية فنصت على "يُستبدل بنص المادة 38 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 من مارس/آذار سنة 2011 النص التالي: ينظم القانون حق الترشيح لمجلس الشعب والشورى وفقاً لأي نظام انتخابي يحدده".
"قصقصة ريش الرئيس":
لم يكن هذا فقط الإجراء الذي اتخذه المجلس الأعلى للقوات المسلحة لـ "قصقصة ريش" الرئيس قبل إعلان النتيجة، ولكن تبع هذا قرار أصدره المشير محمد حسين طنطاوي، بتعيين مدير للشؤون المالية برئاسة الجمهورية، وتعيين رئيساً للديوان، وقائد للحرس الجمهورية، وهو من أبسط صلاحيات رئيس الدولة أي رئيس، لكن طنطاوي لم يكتف بهذا "التكويش" على الصلاحيات الرئاسية، ولكن امتد بيده وباختياراته ليجعل من الرئيس هو مجرد رئيساً تحت الوصاية، وصايته هو شخصياً.
وكان المشير محمد حسين طنطاوي قد استبق انتخاب رئيس الجمهورية، بتشكيل "مجلس الدفاع الوطني"، والذي نُشر في الجريدة الرسمية في نفس يوم صدوره في 14 يونيو سنة 2012، أي قبل جولة الإعادة، ومن أغلبية عسكرية وذلك على النحو التالي: -
رئيس الجمهورية – رئيساً. وعضوية كل من رئيس مجلس الشعب، رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والانتاج الحربي، ووزيري الداخلية والمالية، ورئيس أركان القوات المسلحة، ورئيس المخابرات العامة، وقواد القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي، ووزير الدفاع المختص، ورئيس هيئة القضاء العسكري، ومدير ادارة المخابرات الحربية والاستطلاع، وأمين عام وزارة الدفاع، ويتولى رئاسة سر المجلس.
وتأتي المادة الثانية، لتكشف أن الهدف هو هيمنة وزير الدفاع على مجلس الدفاع الوطني، ومن ثم التحكم في اختصاصه، فالمادة الثانية نصت على "لا تكون اجتماعات المجلس صحيحة إلا إذا حضرها "الأغلبية المطلقة" لأعضاء المجلس، ويصدر قراراته بـ "الأغلبية المطلقة" لأعضائه الحاضرين.
فإذا افترضنا جدلاً، أن رئيس الجمهورية ينحاز له الأعضاء المدنيين بمن فيهم وزير الداخلية، فإنهم ستة أعضاء بما فيهم الرئيس في مواجهة تسعة من العسكريين، الذين هم من الاختيار الحر المباشر لوزير الدفاع، وليس مقطوعاً بأن المدنيين كلهم سيكونون من حزب الرئيس، إذا وقع خلاف، وهم وحدهم أقلية، ولا يشكلون الأغلبية البسيطة أو "الأغلبية المطلقة"، وإذا كان السنهوري قال إن "الأغلبية المطلقة" تعني 50%+ 1، فإن هناك من أكدوا على أنها عند النص عليها في أمر خاص بالتصويت على قرار، وليس على مرشح، فإنها قد تصل للثلثين!
وبعيداً عن الجدل الدستوري، فإن الإسراع بتشكيل "مجلس الدفاع القومي" قبل اختيار رئيس الجمهورية يؤكد أن نية الهيمنة حاضرة عند طنطاوي، فمجلس الدفاع الوطني تم النص عليه في الإعلان الدستوري الصادر في 30 من مارس/آذار 2011، فلماذا تأخر في تشكيله، لمدة أحد عشر شهراً؟، وإذا كان قد تأخر كل هذه الفترة فلما لم يترك أمره لأيام ليشكله الرئيس المنتخب؟ إلا إذا كان الهدف هو غل يد الرئيس، لاسيما وأن الدستور لا يحدد أعضاءه، واكتفى النص في المادة (54) من الإعلان الدستوري بما يلي: "ينشأ مجلس يسمى مجلس الدفاع الوطني يتولى رئيس الجمهورية رئاسته، ويختص بالنظر في الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها، ويبين القانون اختصاصاته الأخرى"، وهى المادة المقابلة للمادة (182) من دستور سنة 1971، لم يزد عليها حرف، وإذا كانت مصر عرفت "مجلس الدفاع الوطني" منذ سنة 1953، وأعاد عبد الناصر تغيير اختصاصاته أكثر من مرة، لكن في جميع الأحوال كان هو المجلس المهيمن على الجيش، وتأمين البلاد وسلامتها ورسم سياسة الدفاع عنها والإجراءات المتعلقة بكفالة الأمن الداخلي. وفي سنة 1967، نقل عبد الناصر إليه صلاحيات وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة بجانب صلاحياته الأصيلة.
ولم يهتم الرئيس السادات بهذا المجلس، فيُذكر أنه دعاه للاجتماع مرة واحدة في سنة 1971، لمناقشة موعد الحرب، وحدث خلاف على الموعد، انتهى بتجاهل المجلس تماما، كما أن مبارك لم يجتمع به سوى مرة واحد بعد قيام ثورة يناير.
لكن من الملاحظ هنا أن الرئيس هو من يختار أعضاءه، فليس شرطاً أن يكونوا من أغلبية عسكرية. كما أنه من الملاحظ أيضاً، أن المشير ولأنه كان في عجلة من أمره لم ينتبه لتحديد اختصاصاته، وربما كان واعياً بما يفعل، ورأى أن يترك الاختصاص مفتوحاً، نظراً لمطاطية النص الدستوري، فيمكنه بالاجتهاد ومعه الأغلبية الاستحواذ على ما يريد من صلاحيات تجعل منه الرئيس الفعلي للبلاد.
الحضور الجماهيري:
لقد تأخر موعد إعلان نتيجة الانتخابات، وتم الحديث عن قيام اللجنة العليا بإعادة الفرز في بعض اللجان، تلميحاً تارة، وتصريحا أخرى، وتارة ينشر أن الفرز تقوم به اللجنة العليا، بما لها من اختصاص، وتارة يُنشر أن جهة سيادية تحقق في تزوير بطاقات المطابع الأميرية ومحاضر اللجان، وبالإعلان أن تزوير البطاقات تم لصالح "شفيق" و"مرسي"
(المصري اليوم. العدد الصادر بتاريخ 22 من يونيو/حزيران 2012)
والحال كذلك فقد أصدر مركز كارتر، الذي كان يقوم بمراقبة الانتخابات تصريحا نفى فيه ما تداولته وسائل الإعلام من رصد لتجاوزات خطيرة خلال الجولة الثانية، وقالت المتحدثة باسم المركز في واشنطن "دينو هاكس" إن المراقبين لجولة الإعادة من المركز لم يرصدوا أي أدلة على وجود تزوير ممنهج أو عيوب خطيرة في عمليات التصويت والفرز بما يؤثر على حظ مرشح من المرشحين المتنافسين.
ولم تستسلم قوى الثورة لهذه الإجراءات، فكانت الحشود تأتي من المحافظات، وتنطلق من أكثر من موقع في القاهرة لأمور ثلاثة: الأول إدانة قرار حل مجلس الشعب، والثاني رفض الإعلان الدستوري المكمل، والمطالبة بإلغائه، والثالث هو الضغط لسرعة إعلان النتيجة.
ولم تكن المظاهرات قاصرة على الاخوان، أو القوى الاسلامية فقط، فقد شاركت فيها قوى ثورية أخرى، وإذ حذر المجلس العسكري بأنه سيواجه أي محاولات للمساس بأمن الوطن (يقصد أمنه بطبيعة الحال)، وأن الإعلان الدستوري ضرورة ولن يتراجع فيه، فقد رفض المتظاهرون هذا التهديد، بل إن يونس مخيون عضو الهيئة العليا لحزب النور "السلفي" صرح بأن "العسكر لم يتعلموا من الرئيس المخلوع وأن الشعب لا يمكن تهديده وليس كتيبة عسكرية يأمرها فتطيع، ولن نقبل تهديدا من أحد، وقال أحمد ماهر منسق حركة 6 أبريل: "تهديد المجلس العسكري غير مقبول، ولن نعترف بالإعلان الدستوري وسنواصل العمل لإسقاطه".
وقال خالد تليمة عضو المكتب التنفيذي لائتلاف الثورة: إن الإعلان الدستوري المكمل هو محاولة لعسكرة الدولة بشكل كامل ومرفوض شكلا وموضوعا وأنه لا يصلح لثورة مدنية أن ينتهي بها الحال أن تؤول كل السلطات إلى المجلس العسكري، الذي من المفترض أن يخرج من المشهد الآن".
واتهم تحالف انقاذ الثورة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالسعي إلى انقلاب عسكري والانقضاض على الشرعية، وأكد التحالف في بيان له إن المجلس العسكري لديه طمع في السلطة وغير مستعد لتسليمها للمدنيين.
وأعلنت 12 حركة ائتلافا ثوريا رفضها الإعلان الدستوري المكمل، معتبرة أنه انقلاب على الشرعية وتقييد للرئيس الجديد، مطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة دون بتباطؤ.
ولعب الاخوان بكل الأوراق، فحزب الحرية والعدالة كلف سعد الكتاتني بالتفاوض مع العسكري لإجراء استفتاء على عودة البرلمان. وقد التقى الكتاتني مع عدد من أعضاء المجلس العسكري برئاسة الفريق سامي عنان الذي وعد بدراسة الأمر.
ومن جانبه حذر البرادعي مما وصفه بانفجار مصر، وطلب بلجنة وساطة لحل الأزمة السياسية وقد نشر بالفعل أنه التقى بالمجلس العسكري لكن دون أن ترشح أنباء عما حدث في هذا اللقاء.
وقال المرشد العام السابق مهدي عاكف إن حسب الله الكفراوي الوزير الأسبق طلب منه المشاركة مع عمرو موسى للقاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة لنزع فتيل الأزمة، وإنه يرحب بذلك.
وفي مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في عددها الصادر بتاريخ 23 من يونيو/حزيران 2012، ووصفت الصحيفة بأن نبرة تصريحات الشاطر هي الأكثر حدة على الإطلاق فقد أكد على ما يلي: -
أولاً- يطلب من المجلس العسكري التراجع عن حل مجلس الشعب وإلغاء الإعلان الدستوري وتسليم السلطة للرئيس المنتخب على أساس أن هذا هو الحد الأدنى الذي يقبلونه.
ثانياً: أنه يؤمن بأن السياسة هي فن الممكن ومن ثم فإن الجماعة لا تريد التصادم مع النظام "فلا تتوقعوا منا البحث عن صدام أو استخدام العنف، فطريقتنا سلمية تعتمد على أساسيات اللعبة السياسية وحاولنا استخدام الحوار وسنستخدمه من جديد في الحاضر والمستقبل"
ثالثاً: وحول سؤال عن عدم وفاء الجماعة بتعهداتها بعدم خوض سباق الرئاسة، أرجع هذا إلى أن "رفض الجيش تقاسم السلطة أجبرنا على أن نغير المسار".
وأهمية هذا الحوار هو الحرص على إعلان عدم الصدام، وذلك رداً على من يقولون إن المجلس العسكري اضطر لتزوير نتيجة الانتخابات لصالح مرسي خوفا من أن يحرق الإخوان البلد!
وبعيداً عن هذا فقد كان خطاب الدكتور محمد مرسي هو الأكثر وضوحاً، إذ التحم بشباب الثورة، ووعدهم بعدم التفاوض مع المجلس العسكري، وأكد رفضه حل مجلس الشعب، ورفضه كذلك للإعلان الدستوري المكمل، ونفى بشدة لجوء جماعته للعنف في حال إعلان عدم فوزه، مع إيمانه بأنه الفائز، ولكنه سيلجأ للإجراءات السياسية والقانونية.
وصلى مرسي الجمعة بمسجد عمرو بن العاص يوم 21 من يونيو/حزيران 2012، والتحم بالجماهير، وأعلن ثقته في فوزه وثقته في القضاء المصري، وأنه يرفض أي ضغوط أجنبية.
الضغوط الأجنبية:
لكن هذا الضغوط كانت حاضرة من قبل الخارجية الأمريكية، التي لم تكترث كثيراً بالإعلان الدستوري المكمل، وقالت إنها ستعتمد على الأفعال لا الأقوال، لكنها فيما يختص بالانتخابات فقد طالبت بسرعة إعلان النتائج وتسليم السلطة للرئيس الفائز، وقالت الوزيرة هيلاري كلينتون إن الجيش ينبغي أن يفي بالوعد الذي قطعه للشعب المصري بتسليم السلطة إلى الفائز الشرعي في الانتخابات. وقالت في محادثات مع وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر إن جنرالات الجيش لم يكفوا عن قول شيء في العلن، ثم التراجع عنه في الخفاء بطريقة ما، لكن رسالتنا هي دائما نفسها: "يجب أن يحترموا العملية الديمقراطية".
وإن لم تكن الإدارة الأمريكية لم تكن على قلب رجل واحد، فقد كان لوزير الدفاع موقف مختلف عن موقف الخارجية، حيث أقنع المجلس العسكري وحكومة المملكة العربية السعودية أن الثورة المصرية انتهت ولم يعد لها تمثيل في الشارع المصري الذي سئم عدم الاستقرار، وذلك حسب خالد أبو الفضل رئيس قسم الفلسفة الاسلامية بجامعة بال والعضو السابق بلجنة الحريات الدينية التابعة للكونغرس. لكن نفوذ كلينتون لاسيما بعد سقوط هذه الدعاية كان أقوى وهي التي انحازت للديمقراطية، على العكس من وزير الدفاع الذي كان يتمنى فوز الجنرال أحمد شفيق.
وكانت مظاهرات المصريين في الخارج وفي واشنطن وبرلين وباريس، تمثل قوة لمظاهرات الداخل وللمطالب المرفوعة بضرورة الإسراع بإعلان النتيجة كما هي.
وكان اجتماع "فيرمونت" قوة ضاغطة أيضاً، تعطي رسالة بأن الرئيس وجماعته لن يكونوا لقمة سائغة للمجلس العسكري، ففريق من القوى المدنية، استجاب للدعوة للاجتماع مع الدكتور محمد مرسي بفندق "فيرمونت" بمصر الجديدة، ومنهم من لم يكن من مؤيديه في جولة الإعادة، مثل حمدي قنديل، الذي قاطع جولة الإعادة بعد أن أعطى صوته لحمدين صباحي في الجولة الأولى، وعلى النحو الذي أورده في سيرته الذاتية: "عشت مرتين"، وشارك في اجتماعاته أيضاً سيف عبد الفتاح، وعبد الجليل مصطفى، وعلاء الأسواني، وحسن نافعة، ووائل قنديل، وأحمد ماهر، وسكينة فؤاد، وعبد الخالق فاروق، ورباب المهدي، وسعد عبود، ومحمد الصاوي، وأيمن الصياد، ووائل غنيم، وإسلام لطفي، وطارق الخولي، وأحمد إمام مصطفى شوقي، وشادي الغزالي حرب.
إعلان النتيجة:
وفي يوم 24 من يونيو/حزيران 2012، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، فوز الرئيس محمد مرسي، الذي وجد نفسه في أزمة منذ اليوم الأول، تمثلت في ضرورة الانصياع للإعلان الدستوري المكمل وما رتبه من آثار، أخصها أن يؤدي اليمين الدستوري أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا.
واعتبرت القوى المناوئة له، ومن لم يحالفهم الحظ، أنهم أمام فرصة أخيرة لإشباع غريزة التمني لديهم، وعلى أساس أن الدكتور محمد مرسي رفض الإعلان المكمل، ومن هنا فلن يرضخ بالقسم أمام المحكمة الدستورية، وانطلق المفتون الدستوريون يؤكدون أن الرئيس سيكون وضعه باطلاً إن خالف الإعلان الدستوري، ولم يقسم أمام الجمعية العمومية، رغم أن الإعلان تم رفضه من كل قوى الثورة، فإن هؤلاء الذين لم يحالفهم الحظ وأنصارهم وعلى رأسهم حمدين صباحي كان في كل يوم في انتظار تطور يعيد إليه الأمل في الفوز بالرئاسة.
والامتثال لنصوصه، يعني اعترافاً من الرئيس به. وتعامل الرئيس على أنها الضرورة والتي تقدر بقدرها، فلم يختص المحكمة الدستورية العليا بالقسم، فأدى القسم الأول أمام الثوار بميدان التحرير، وفي لقاء حاشد، أسس لزعامته، وإذ طلب في المحكمة الدستورية ألا يذاع القسم على الهواء، فقد احتجت عليه القاضية الوحيدة بالمحكمة، التي اختارتها سوزان مبارك في موقعها، ومن دون اتخاذ الإجراءات الطبيعية في التعيين بهذه المحكمة، فلم تكن تهاني الجبالي هي المرأة الوحيدة الحاصلة على ليسانس حقوق في مصر، ولم يكن تعيينها عبر مسابقة مفتوحة وفق شروط معينة، كان معروفاً أنها لسان المجلس العسكري عندما يجتمع مع القوى السياسية، فقد عرفوا جميعاً موعد كلامها، الخارج عن اللياقة وعن القانون الذي لا تجيد الحديث فيه، فمعروف لدى الحاضرين بأن الإشارة تصدر من عين الفريق سامي عنان نائب الحاكم العسكري ورئيس أركان القوات المسلحة، فتندفع معتمدة على صوتها العالي، وهيلمانها الجسدي، وإلى كونها امرأة، في الردع والإسكات!
قالت تهاني الجبالي إن عدم نقل حلف اليمين عبر التلفزيون على الهواء مباشرة يبطلها من الناحية الدستورية، ولا نعرف إلى أي نص استندت فيما قالت!
أقسم الرئيس اليمين الدستورية، وانطلق إلى جامعة القاهرة في مؤتمر عقد له فأقسم هناك للمرة الثالثة.
وإذ تصرف بذكاء في القسم في محفلين مختلفين، بجانب المحكمة الدستورية العليا، فقد أفقد القيمة الرمزية للقسم أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، فقسمه أمام المحكمة الدستورية، كما نص "الإعلان الدستوري" سيئ السمعة، ليس هو الأول، كما أنه ليس الأخير.
ومن هنا فقد تجاوز خصومه اتهامه بالخضوع لإعلان دستوري سبق أن رفضه، ووعد بإلغائه وعدم الاعتراف به، فقد أفسد بما فعل مفعول هذه الدعاية المضادة، ومن ثم كانوا يروجون أن تردده في الذهاب للمحكمة الدستورية، أو رفضه في البداية نقل اللقاء على الهواء مباشرة، باعتباره تعالياً منه على واحدة من أعلى المحاكم في مصر.
وللأسف لم يجد الرئيس إعلاما مهتماً بتوضيح الموقف، وأن الأمر ليس تعاليا على المحكمة وقضاتها، ولكن لأن أداء القسم تم النص عليه في الإعلان الدستوري المكمل، بديلاً عن مجلس الشعب الذي تم حله، وكان يمكن أن يحل محله مجلس الشورى، حيث إنه مجلس منتخب، كما كان ينبغي أن تنتقل له السلطة التشريعية بحل مجلس الشعب، لكن حل المجلس كان بهدف أن يستحوذ المجلس العسكري على سلطة التشريع، ليستمر في الحكم، بعد أن أجبرته الثورة على تحديد موعد الانتخابات الرئاسية.
وفي هذه الأجواء دخل مرسي القصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق