الثلاثاء، 23 يوليو 2019

علمني مرسي

علمني مرسي
وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ

الديمقراطية حرامٌ عليكم

وهذه نصائح مراكز دراساتهم وخبرائهم؛ فهذا الكاتب الأميركي غريغري غوز(الغين تُلفظ جيمًا مصرية) Gregory Gause في إحدى مقالاته في Foreign Affairs (شؤون عالمية دولية) في 2005 يقول بالحرف:
إن الولايات المتحدة يجب ألا تشجع الديمقراطية في العالم العربي لأن حلفاء واشنطن من العرب السلطويين يمثلون رهانات مستقرة.
ماذا جرى في الجزائر في التسعينات ولجبهة الإنقاذ، ماذا جرى للإخوان في اليمن، ماذا حل بحركة الاتجاه الإسلامي (النهضة)في تونس، وكيف انتهى بها مسلسل الانبطاح!! وماذا جرى ويجري للإخوان في مصر، إفشالٌ متعمدٌ مهما حاولوا استجداء الرضى والتملق!!
وكيف انحرفت السفينة في تركيا مع رجب (وانحصرت إنجازات التجربة التركية العلمانية “المؤسلمة”، في بعض التصريحات والمظاهر، وبعض الخدمات للمساجد ومدارس القرآن، بينما في الجهة المقابلة ظهر أصحابها وهم يحتسون الكؤوس مع قادة اليهود ويرسلون المساعدات لإطفاء حرائق إسرائيل، واشتركوا في الحرب التي يخوضها حلف النيتو ضد المسلمين، بل وتسلموا زعامة النيتو في أفغانستان.

وفتحوا قواعدهم العسكرية للجيوش الصليبية وقدموا الدعم المتواصل للغزو الأمريكيو أوروبي للعراق، فضلًا عن الدعم الاستخباراتي وتسليم المعتقلين المسلمين للسجون السرية الأمريكية، لقد قدم الأتراك الكثير من القرابين لأجل إرضاء الأمريكان وما زالوا، وسفك بسبب دعمهم للغرب الكثير من الدماء المسلمة في العراق وسوريا وأفغانستان كلّ هذا وهم يرددون العلمانية لا تعارض الإسلام فلم يُبقوا للإسلام إلا اسمه) كما بينت د. ليلى حمدان في مقال لها بعنوان: تجارب الإسلاميين مع الديمقراطية رغم هذا لم نستوعب الدرس!.
وقد نُقل عن بعض جنرلات فرنسا أيام إفشال الديمقراطية الجزائرية!! قوله:
لقد كانت الطريقة صحيحةً سليمةً لكن السالكين لا نرضاهم فهم مغضوبٌون عليهم!!

التعويل على حماسة الشعوب

علمني مرسي أنه لا ينبغي التعويل كثيرًا على حماسة الشعوب وهتافاتها؛ فالشعوب لم تصل حد النضوج والتضحية للمبادئ بكل ثقلها، فسرعان ما خمدت جذوة الحماس، وخفتَ توارى وهج الثورة فور ظهور بوادر البطش والنكال من العسكر، ولم تستعد لذلك اليوم، يوم فض اعتصامي الرابعة العدوية والنهضة الدمويين.

فالشعوب أضناها القهر والإذلال واستمرأت المذلة كما استمرأ بنوا إسرائيل طغيان فرعون فسرعان ما ثاروا على موسى ولم يصبروا بل قالوا أنت السبب في معاناتنا فلم تزد الطين إلا بلةً!! (قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا)، وانخدعوا بالقوم العاكفين على الآلهة، كما انطلت عليهم حيل السامري وزخرفته.

طبقًا كما هتف المصريون ضد مرسي بأنهم ما جنوا في حكمه إلا بؤسًا وفقرًا وجوعًا وتضييقًا وطالبوا برحيله، وانخدعوا بالسامري الجديد (السيسي)!! فلا بد من التربية الطويلة والسعي الحثيث فيمن إخراج الأمة من التيه المستحكم فيها عليها منذ عقود.

فالأمة تائهةٌ وحائرةٌٌ أكثر مما تاه بنوا إسرائيل، وأشد!! ولا مفر من مفاصلة النظم الغربية والكفر بها كفرًا بواحًا يعذرنا أمام الله لنتأهل للنصر والتمكين.
وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

ضريبة الانحراف باهظة الثمن!

لقد ظنَّ الإسلاميون أن دخولهم إلى اللعبة الديمقراطية سيخفف عنهم تكاليف الطريق، وأنها أقرب الطرق إلى التمكين للدين، فتساقطوا عليها وتزاحموا في التقرب إليها وإهداء القرابين لها، وتمسحوا في تماثيلها، وصاغوا لها تعريفات جميلة براقة، تجعلها موافقةً للشريعة ولا تتصادم معها.

وقالوا لنا أن الديمقراطية مرادفةٌ لمصطلح الشورى في القاموس الشرعي عندنا!! يقول د. أحمد علي مدكور في مقالة بعنوان: حوارٌ بين الشورى والديمقراطية (ومقارنة «الشورى» في النظام الإسلامي بـ«الديمقراطية» في النظم العلمانية، تظهر لنا فروقًا جوهريةً؛ منها أن النظام الإسلامي نظامٌ ربانيٌّ من صنع الله، فهو يقوم على أساس أن الحاكمية لله وحده، فهو المشرِّع وحده دون البشر.

أما النظم الأخرى، ومنها تلك التي يمثل مصطلح «الديمقراطية» جزءًا في بنائها الحضاري فهي من صنع البشر، وتقوم على أساس أن الحاكمية للإنسان؛ فالإنسان هو الذي يشرع لنفسه بنفسه، وتبعًا لهذا فإن التشريعات والقيم في أصولها وفروعها في النظام الديمقراطي هي من صنع الإنسان.

فالنظام العلماني الذي ينبثق منه مصطلح الديمقراطية هو النظام العلماني الذي يفصل الدين عن المجتمع والدولة. ومن ثم فالنظام الإسلامي لا يلتقي مع هذينه النظامين؛ لأنهما يقومان على قاعدتين متناقضتين في الأصل).

ولكن وقوع الإسلاميين في براثن الديمقراطية وإيمانهم بها وموالاتهم ومعاداتهم على أساسها، والتناحر والتلاسن والتفرق من أجلها!! جاء بنتائج عكسية، بحيث هدر الكثير من الطاقات والجهود والوقت الثمين! وزرع الكثير من التشاإحن والبغضاء والتقاطع والتدابر المحرم بين أبناء الحركة الإسلامية!!

فلا شريعةً مكنوا لها، ولا أخوةً بينهم صانوها، ولا مجدًا ضائعًا أعادوه، ولا مظلومًا نصروه، ولا مصالحَ دعوةٍ حفظوها، فعلى نفسها جنت براقش! وما كانت الهزيمة إلا بانحرافاتٍ ومخالفاتٍ وقعت الحركة الإسلامية فيها، وفي مقدمتها قبولهم لصنم الديمقراطية!
قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ
إن الشجاعة والإخلاص وحدهما لا يكفيان لنصرة الإسلام والمسلمين بل لا بد من اتباع وموافقة الشرع والبصيرة والسير في هَديِ خير العباد -صلى الله عليه وسلم- في بناء الأمة المسلمة الموحدة الخاضعة لسلطان الله، الكافرة بسلطان العباد.

عدم الرضوخ للباطل

والاستنكاف من النزول على رأي الفسدة والمجرمين، وإن وقعت أسيرًا في يد الظالمين، لم يتنازل لهم رغم كل المحاولات الحثيثة لإقناعه بالتنازل والعيش كريمًا في قصر من القصور النائية عن الأضواء، إلا أنه اختار طريقة الثبات والكرامة، والرحيل عن الدنيا عزيزًا كريمًا، مسطرًا في ذلك أروع الأمثلة في مواجهة الأعاصير إذا هاجت عليك وحيدًا فريدًا!!

فالرجل أيقن أنه أمام هذا الامتحان الصعب لن يقدر تغيير العفن المتجذر زهاء قرن كامل من الذئاب التي تناسلت وتكاثرت في الجسد المصري، وتغلغلت في جميع المفاصل والعظام والأعصاب والأوعية والأمعاء، وتربعت في جميع المناطق والمناصب الحيوية.

فأدرك أن الخرق أوسع وأخطر وأخبث مما تصور وتصور الإسلاميون من وراء ودفعوه إلى السلطة على أساسها، وجابه ما لو واجه بعضنا لاستسلم وتضعضع، لكنه واجه الواقع كما هو، واستخدم ما بجعبته من كلامٍ وتوعيةٍ ورسائل؛ سواء إلى الأعداء
لن يكون لهم أبدًا.. لن يكون لهم أبدًا.. لن يكون لهم أبدًا سلطان على أهل غزة، لن نترك غزة وحدها.
لن يتحقق لكم سلامٌ بالعدوان، ولن يكون لكم استقرارٌ بالعدوان، ولن تنالوا خيرًا على هذه الأرض بالعدوان، وإنكم لن تستطيعوا أن تقهروا شعبًا، ولن تستطيعوا أن تقتلوا أمة، وليس في مقدوركم، ولم تكونوا يومًا قادرين على أن تقيموا سلامًا أبدًا، أو استقرارًا لأنفسكم بعدوانكم، اقرأوا دروس التاريخ وتعلموا من الواقع والماضي.
كانت هذه الكلمات صواريخ إسناد لصواريخ المقاومة في 
غزة أيام العدوان على غزة.
وأرسل رسائل إيقاظ وتحذير إلى أمةٍ ضُربت على آذانها، 
واستسلمت إلى النوم العميق
لا تقتلوا أسود بلادكم فتأكلكم كلاب أعدائكم
احذروا أن تُسرق منكم الثورة، بأي حجة، والحجج كثيرة
فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصيرٌ بالعباد
مات على العهد فما خان وما باع وما استسلم، مات واقفًا على قدميه، مناضلًا مكافحًا للباطل، ومؤرقًا لنومهم رغم الأسلاك الشائكة، والحبس الانفرادي، والأقفاص الزجاجية، مات مظلومًا مخذولًا!! قائلًا:

بلادي وإن جارت عليَّ عزيزةٌ ** أهلي وإن ضنوا عليَّ كرام

سلميتنا أقوى من الرصاص


موت شعار (السلمية الزائف)، أكذب مقولةً في العصر الحديث “سلميتنا أقوى من الرصاص”؛ لقد أدخلوا إلى الشعب المصري خزعبلات غاندي وجعلوه النموذج الأوحد للاستلهام لمواجهة الآلة الباطشة لعسكر الصليب، فتساقط الشباب صرعى أمام بطشهم بصدورٍ عارية، وهتافاتٍ فارغة.

كل ذلك استجداءً واسترضاءً للغرب، وكسبًا لتعاطفه، وليقولوا للعالم كم نحن حضاريون!! انظروا كيف نواجه الانقلاب بروحٍ حضارية؟ وانظروا كم هو همجيٌّ وقمعيًّ ووحشي؟

هذه خيانةٌ وعظمى ومتاجرةٌ بدماء شبابنا الزكي الطاهر!! فماذا يقول لنا سدنة السلمية وحاملوا لوائها بعد اغتيال عسكر المصالح للرئيس، من غير أن يرف لهم جفنٌ، ولم نكتسب أي تعاطف دولي رسمي، ناهيك عن تحرك جدي لوقف نزيف الدم، وإرغام العسكر على رد الحق إلى أهله!!

ماذا ستقولون لنا؟ وكم تألمت كثيرًا حين توجهت مراسلةٌ إلى محمود حسين -أمين جماعة الإخوان المسلمين-، في المؤتمر الصحفي الذي عقدته الجماعة للعزاء والتأبين، وقد كانت أمارات الحزن والأسى باديةً من وجهها، قائلةً له: ما هي آلايات المواجهة المرتقبة من الجماعة بعد رحيل الرئيس؟

وقد رأيتم كيف دخل اليهودي إلى قبره ولسان حاله ها قد عدنا يا مرسي، كما قال الصليبي: ها قد عدنا صلاح الدين؟ وهل نواجه اليهود بالسلمية أيضًا؟! كم كانت إجابته باردةً، ومُغارقةً في استخفاف العقول، والهروب إلى الواراء أميالًا كثيرة، والتمسك بما أستطيع أن أقول أنه “صنم السلمية الزائف”، فما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.

ولكن من أين هذا الشعار أصلًا؟ وهل له أصول في شرعنا الحنيف؟ وهل هناك من أهل العلم المعتبرين من قال به؟ ومن أين جرى تم استيراد المصطلح؟!!

يقول الشيخ أحمد طه:” إذا كانت السلمية حكم الإسلام، فنحن نتعبد بالامتثال لحكم الإسلام، ونمضي في طريقها لأن الإسلام حكمٌ وقال كلمته، ولكن هل أستفتي الإسلام فيها… الحقيقة لا، إنها اللعبة القديمة، تكون الاشتراكية حاكمةً والناس موافقون عليها وتسير حياتهمُ السياسية والاجتماعية والثقافية وفقها، ثم ينتبه غيورٌ على الإسلام… فيسأل أين الإسلام؟ فيقولون الاشتراكية هي الإسلام.

ثم تكون الرأسمالية حاكمةً والناس موافقون عليها.. ثم يسأل السائل أين الإسلام؟! فيقولون الرأسمالية هي الإسلام. ثم تكون الديمقراطية حاكمةً والناس موافقون عليها. ثم يسأل السائل أين الإسلام؟! فيقولون الديمقراطية هي الإسلام. ثم تكون السلمية اختيار مواجهة والناس موافقون عليها وتسير حركتهم فيها… ثم يسأل السائل أين الإسلام؟! فيقولون السلمية هي الإسلام.”

يقول الشيخ إبراهيم السكران –فك الله أسره– في كتابه الماتع (مآلات الخطاب المدني)، تحت عنوان (فكرة السلم المطلق):” بعض غلاة المدنية يردد فكرة السلم المطلق، ويدعو إلى مواجهة مشروعات الاحتلال العسكري الصريحة بلغة الحب ورحابة الصدر الأعزل ونحو ذلك من الأفكار الحالمة المستلهمة من نموذج الحكيم الهندي المعروف المهاتما غاندي.

وبعضهم يبالغ في تبجيل غاندي وعرضه كمخلص. والحقيقة: أن شريعة الله سبحانه وتعالى أرقى وأحكم من شريعة غاندي، وهذا الموضع موضع خطير على الإيمان لتضمنه المعارضة العملية لمحكمات الوحي، فإن الله شرع البر للمسالم والإثخان للمعتدي”

ثم يورد الشيخ كمًا غفيرًا من نصوص الوحي التي تناقض فكرة السلمية المطلق في مواجهة البغي والظالمين والكافرين ثم يقول:” هذا طبعًا من حيث علاقة فكرة السلم المطلق بنصوص الوحي، أما علاقتها بالواقع فهي فكرةٌ رومانسية طريفة، ذلك أن جمهور الأمم المعاصرة اليوم تمجد أبطالها القوميين ذوي البسالة في المعارك الكبرى، وترفعهم بحسب عبقريتهم في إزهاق الأعداء، وصناعة الانتصارات القتالية الحاسمة، وتبني لهم النصب التذكارية في مراكز المدن، وهذا أمرٌ مشاهدٌ معلوم”.

وقد أوضح الشيخ أن هذه الصورة الرومانسية التي صوروها غاندي هي صورةٌ غير دقيقةٍ وغير صادقة، فأورد نصوصًا غانديةً تدعوا إلى العنف والبسالة، بل وبين أنه شارك الاضطهاد البريطاني للمسلمين وأورد عنه قوله:” أنا أعتقد فعلًا أنه إذا كان الخيار فقط بين الخَوَر والعنف، فإني سوف أوصي بالعنف” وقد مارس ذلك فعلًا!!

خير أجناد الأرض

موت شعار “الجيش المصري.. خير أجناد الأرض”، وظهر بما لا يدع مجالًا للشك والاختلاف أنه أسوأ جيشٍ عرفته الشعوب العربية في المنطقة، والحقيقة أن هذه الجيوش في العالم الإسلامي ما هي إلا جيوشٌ صليبيةٌ عميلةٌ لليهود، وأنها جيوشٌ وظيفيةٌ صنعها الإستعمار وربَّاها تحت عينه وبصره، وحدد لها المهام والمسار والعقيدة والقيم.

وظيفتها الحيلولة دون رجوع الأمة إلى مصدر عزها وكرامتها، والعمل على جعل الأمة تركع تحت أحذية المستعمر، وتطويع الشعوب لتلعق أحذية المستكبرين والظالمين، وأن لا تفكر أبدًا بالحرية والانعتاق من العبودية للطغاة المستبدين، وأن تندم إذا سولت لها نفسها ذلك؛ لما تلقاه من التنكيل والبطش، والإذلال والإهانة، وانتهاك الحرمات، واستحلال للأعراض والدماء!!

ولقد صدق سيد قطب حين قال:” إن هذه الجيوش العربية التي ترونها، ليست للدفاع عن الإسلام والمسلمين؛ وإنما هي لقتلكم، وقتل أطفالكم ونسائكم ولن تطلق طلقةً واحدة على الكفار واليهود”!! فلك أن تتصور مأساة المسلمين في الجزائر، وفي تركيا، وفي السودان وفي سوريا وفي الصومال، ومصر النازفة… وما زال المسلسل يُعرض علينا عبر شاشات متعددة!

إن على الشعوب الإسلامية أن تفيق من سباتها، وتنفض عن نفسها غبار الوهن –حب الدنيا وكراهية الموت– وأن تجعل من دستورها كلمة الصديق الخالدة:” اطلبوا الموت تجدوا الحياة”؛ فلا حياة بدون الجهاد، ولا يكونن عنترة بن شدادٍ العبسي الشاعر الجاهلي أفقه منا بسنن الحياة، ونواميس الكون، بحيث كان يأبى بسجيته وفطريته؛ الحياة بذلةٍ ومهانة، وكان يفضل الموت بعزةٍ وكرامة:
لا تسقني ماء الحياة بذلة **** ولكن فاسقني بالعز كأس الحنظل
وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

ضريبة الحرية

إنه لا بد من ضريبةٍ يؤديها الأفراد، وتؤديها الجماعات، وتؤديها الشعوب، فإما أن تؤدي هذه الضريبة للعزة والكرامة والحرية، وإما أن تؤدي للذلة والمهانة والعبودية، والتجارب كلها تنطق بهذه الحقيقة التي لا مفر منها، ولا فكاك.

فإلى الذي يَفْرَقُون من تكاليف الحرية، إلى الذين يخشون عاقبة الكرامة، إلى الذين يمرِّغون خدودهم تحت مواطئ الأقدام، إلى الذين يخونون أماناتهم، ويخونون كراماتهم، ويخونون إنسانيتهم، ويخونون التضحيات العظيمة التي بذلتها أمتهم لتتحرر وتتخلص.

إلى هؤلاء جميعًا أوجه الدعوة أن ينظروا في عبر التاريخ، وفي عبر الواقع القريب، وأن يتدبروا الأمثلة المتكررة التي تشهد بأن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة، وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية، وأن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة، وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية، وأن الذين لا يرهبون الجاه والسلطان يَرْهَبُهم الجاه والسلطان.
وعلينا أن نختار كأمةٍ مسلمةٍ بين أن ندفع ثمن الكرامة والعزة، أو ندفع ضريبة الذلة والعبودية.

وقديمًا قالت اليهود لنبيها: قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ -المائدة 24-.

فأدَّت ثمن هذا النكول عن تكاليف العزة أربعين سنةً تتيه في الصحراء، تأكلها الرمال، وتذلها الغربة، وتشردها المخاوف، وما كانت لتؤدي معشار هذا كله ثمنًا للعزة والنصر في عالم الرجال.

فاللهم أبرِم لهذه الأمة أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك، ويُهدى به أهل معصيتك! وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق