السودان بين مشروع حميدتي والاستقلال المدني
مهنا الحبيل
ستخوض الثورة بعد الاتفاق حرباً سياسية صعبة تحتاج ذكاء لتجنب أن تُسقطها الدولة العميقة
تصريحات الغرب الرسمية عن السودان حقيبة نفاق لا تُلغي تفاهماته السرّية
فشل النظام في التفويج الشعبي باسم نصرة الشريعة مؤشّر مهم لوعي الشعب السوداني المؤمن برسالته الإسلامية
***
يعتبر اتفاق المجلس السيادي في السودان، بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، معبراً مرحلياً ناجحاً، لطموح الشعب السوداني وتضحياته، على الرغم من أنه لم يحقق قطعاً الانتقال إلى السيادة المدنية، لصعوبة هذا الانتقال في الحالة العربية، على الصعيد الفكري النضالي واتحاد التيارات الشعبية، أو في مواجهة قوى الرفض العربية والدولية التي تخشى من أي مساحة يتقدم بها العالم الجنوبي وخصوصاً العربي، لنموذج نهضوي حر يستقلّ بقراره.
وقد تجنبت الثورة مأزقاً كان سيُحاصرها، لو أخذت بالمقترح الذي يدعو إلى تشكيل حكومة مدنية في الشارع، فاعتقال هذه الحكومة سهل جداً، بعد توقف الزحف أمام وزارة الدفاع والقصر الجمهوري، بعد أن تصاعدت التوقعات، بعد الحجم التاريخي للمسيرات الشعبية، وأصبح المجلس العسكري على حالة صدمة منذ مجزرة العيد، فأهم رسالة في استجابة الجموع أن مذبحة التخويف فشلت، وارتدّت عكسياً، عن رهان محور أبوظبي في مصر، لتنصيب عبدالفتاح السيسي.
ولا بد هنا من طرح مستوى صريح من التحليل السياسي، أوله أنه لا يمكن أن يُعتبر ما حصل ضماناً لتأمين الثورة وسلامة الشعب ومشاركته المدنية، فالثورة ستخوض بعد الاتفاق حرباً سياسية صعبة، تحتاج إلى الذكاء لتجنب أن تُسقطها الدولة العميقة، فالأمور كلها، تحت تقديراتٍ نسبيةٍ لا يمكن الجزم بها، أضف إلى ذلك أن المحور العربي الذي يتبنى العسكريين لا يعتبرها معركة نفوذ في دولة، بل حرب مشروع واسع، فلو خسر فيه السودان فقد يرتدّ عليه بقية المشروع، في ظل اضطرابه في ليبيا، ورعب نظام السيسي، على الرغم من تمكّنه من مفاصل الدولة، ولا يزال يُنفذ تصفيات ذبح دموي وسياسي جماعي، لكون مصر أيقونة تأثيرٍ عربي
مركزي، وبالتالي معركة الحرية في السودان، ذات بعد إقليمي مهم للثورة المضادّة.
وكل التصريحات الغربية الرسمية عن السودان، كما كانت في مصر، هي حقيبة منافقة، لا تُلغي أيّ تفاهماتٍ سرّية، ممكن أن تجري بين محور أبوظبي وعواصم المصالح الغربية، والتي لن تقبل بخيار ديمقراطي حرّ في الأرض العربية، ولكن منتهى المسار معها أن يتمكّن مشروع السيادة المدنية من تحقيق لغة تفاهم، لا حرب إعلامية تحفزهم أكثر لإسقاطها مستقبلاً.
كان الموج البشري مقدّمة تؤسس لتسلّم الحكم المدني، في ساعات الصدمة الأولى، ويتوقع أن قيادة الثورة كانت وضعت تصوراً لذلك، لكن موقفها النبيل والمهم، أنها تمنّعت من التقدم، لتجنب سيناريوهين، الأول فشل التسليم، وإدخال الجيش في معركة حربٍ أهلية، سيقود إلى تقسيم إضافي للسودان، والثاني مذبحة كبرى لا تُحصر ضحاياها ودماؤها، ومن ثم كان توقيت الاتفاق على المجلس السيادي صائباً.
هنا سنلاحظ أبرز شخصية في مشروع الثورة المضادّة، وهو نائب رئيس المجلس العسكري، الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، فهو الأكثر توثّباً، لمنع الحكم المدني. ولذلك ركّز عليه الدعم السعودي الظبياني، ودعونا هنا نُشِر إلى أن الجزم بسقوط بقية الأعضاء، وخصوصاً رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، أمام تقدّم حميدتي، يظل في دائرة المتوقع لا اليقين، والمفهوم الأساس هو كيف تحدد شخصيات الثورة المضادّة، لتحيد لصالح الشعب.
والمهم هنا أن يسعى الثوار، كما يسعى خصومهم، إلى ترتيب الأولويات بتفكيك قاعدة التوحش،
والبدء بأكثرها عنفاً، ومؤكّد أن جولات المفاوضات أعطت قادة الثورة مساحة تقييم، ومن في المجلس العسكري، قد يدعم عملية الانتقال السلمي في السودان من موقعه في الجيش، فلو ترجّح ذلك، فإن جسور الاتصال بحذر والدفع لترجيح أحدهم مرحلياً قد يكون مهماً للغاية لتضامن الشعب السوداني وثورته.
وهنا تحتاج قيادة الثورة لأن تراجع أيضاً حسابات الكتل السياسية التي سيعتمد عليها العسكر، في حال راهن على انقلاب دموي جديد، أو تحضيرهم لانتقال مزوّر كما جرى في "30 يونيو" المصرية، فجهود المفاوضات والحوار مع القوى السياسية التقليدية، والتيار الإسلامي الثالث، ضرورة لاعتماد نظرية التخفيف من الضغوط، والتخذيل لأي بنيةٍ سياسيةٍ قد يستخدمها النظام.
لقد فشل النظام في الاستمرار في التفويج الشعبي باسم نصرة الشريعة، وهذا مؤشّر مهم جداً لوعي الشعب السوداني المؤمن برسالته الإسلامية، لكن من المهم أيضاً، بغض النظر عن الميول الثورية، يسارية أو ليبرالية أو قومية، أن يكون الخطاب دافئاً مع هذا الضمير، وأن السيادة المدنية لن تُقصي أحداً، ولن تستهدف الإسلام في وجدان الشعب، وإنما ستخصص بالمحاكمة الجناة الكبار في العهد الأخير.
وبنية الثقة والجسور لا تقف عند هذه المرحلة، بل هي مهمةٌ لمستقبل صناعة الدولة المدنية الجديدة التي لن تقف محاولات حصارها، وجيد جداً نأي الثورة بنفسها عن الصراع الخليجي، ولكن لا بد من الاستمرار في دعم الشراكة الوطنية، ورسائل الوحدة لكل الطيف السوداني،
وهذا أيضاً لا يمنع فتح الجسور الاقتصادية المهمة مع رأس المال الخليجي، لكنه عبر الحكومة المدنية وتحت مراقبة الثورة. وهذا أيضاً يعود مرة أخرى إلى رأس الحربة في المشروع، والخشية من استثمار حميدتي وأمثاله هذه التشققات، فمن المهم استثمار كل موقف إيجابي، حتى ولو خشيت هشاشته، وحتى لا تحتشد طوائف سياسية واجتماعية خارج جسور الثورة، ويكون البناء المدني معرضاً لاختراق الأموال السعودية والظبيانية الضخمة.
شبكة الجسور الحوارية والسياسية مهمة جداً قبل أي جولة تصعيد، على ما حققته الثورة، كما أن اختصار الوقت لصالح تفكيك شبكة التطرّف في المجلس العسكري، تؤدي دوراً مهماً اليوم، لتجنب مواسم الصراعات أو الحروب الأهلية التي لا يُبالي محور أبوظبي بدفع السودان لها، مهما بلغت الدماء.
سيبقى هنا الإيمان بقضية المراحل والتدرج للوصول إلى السيادة المدنية، ويبقى هنا أيضاً فهم حاجات الناس المعيشية، وأهمية فتح الأبواب لمصالح السودان الاقتصادية، حتى لا تتسلل عبرها أي ثورة مضادّة تسقط الحلم السوداني العظيم.
يعتبر اتفاق المجلس السيادي في السودان، بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، معبراً مرحلياً ناجحاً، لطموح الشعب السوداني وتضحياته، على الرغم من أنه لم يحقق قطعاً الانتقال إلى السيادة المدنية، لصعوبة هذا الانتقال في الحالة العربية، على الصعيد الفكري النضالي واتحاد التيارات الشعبية، أو في مواجهة قوى الرفض العربية والدولية التي تخشى من أي مساحة يتقدم بها العالم الجنوبي وخصوصاً العربي، لنموذج نهضوي حر يستقلّ بقراره.
وقد تجنبت الثورة مأزقاً كان سيُحاصرها، لو أخذت بالمقترح الذي يدعو إلى تشكيل حكومة مدنية في الشارع، فاعتقال هذه الحكومة سهل جداً، بعد توقف الزحف أمام وزارة الدفاع والقصر الجمهوري، بعد أن تصاعدت التوقعات، بعد الحجم التاريخي للمسيرات الشعبية، وأصبح المجلس العسكري على حالة صدمة منذ مجزرة العيد، فأهم رسالة في استجابة الجموع أن مذبحة التخويف فشلت، وارتدّت عكسياً، عن رهان محور أبوظبي في مصر، لتنصيب عبدالفتاح السيسي.
ولا بد هنا من طرح مستوى صريح من التحليل السياسي، أوله أنه لا يمكن أن يُعتبر ما حصل ضماناً لتأمين الثورة وسلامة الشعب ومشاركته المدنية، فالثورة ستخوض بعد الاتفاق حرباً سياسية صعبة، تحتاج إلى الذكاء لتجنب أن تُسقطها الدولة العميقة، فالأمور كلها، تحت تقديراتٍ نسبيةٍ لا يمكن الجزم بها، أضف إلى ذلك أن المحور العربي الذي يتبنى العسكريين لا يعتبرها معركة نفوذ في دولة، بل حرب مشروع واسع، فلو خسر فيه السودان فقد يرتدّ عليه بقية المشروع، في ظل اضطرابه في ليبيا، ورعب نظام السيسي، على الرغم من تمكّنه من مفاصل الدولة، ولا يزال يُنفذ تصفيات ذبح دموي وسياسي جماعي، لكون مصر أيقونة تأثيرٍ عربي
مركزي، وبالتالي معركة الحرية في السودان، ذات بعد إقليمي مهم للثورة المضادّة.
وكل التصريحات الغربية الرسمية عن السودان، كما كانت في مصر، هي حقيبة منافقة، لا تُلغي أيّ تفاهماتٍ سرّية، ممكن أن تجري بين محور أبوظبي وعواصم المصالح الغربية، والتي لن تقبل بخيار ديمقراطي حرّ في الأرض العربية، ولكن منتهى المسار معها أن يتمكّن مشروع السيادة المدنية من تحقيق لغة تفاهم، لا حرب إعلامية تحفزهم أكثر لإسقاطها مستقبلاً.
كان الموج البشري مقدّمة تؤسس لتسلّم الحكم المدني، في ساعات الصدمة الأولى، ويتوقع أن قيادة الثورة كانت وضعت تصوراً لذلك، لكن موقفها النبيل والمهم، أنها تمنّعت من التقدم، لتجنب سيناريوهين، الأول فشل التسليم، وإدخال الجيش في معركة حربٍ أهلية، سيقود إلى تقسيم إضافي للسودان، والثاني مذبحة كبرى لا تُحصر ضحاياها ودماؤها، ومن ثم كان توقيت الاتفاق على المجلس السيادي صائباً.
هنا سنلاحظ أبرز شخصية في مشروع الثورة المضادّة، وهو نائب رئيس المجلس العسكري، الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، فهو الأكثر توثّباً، لمنع الحكم المدني. ولذلك ركّز عليه الدعم السعودي الظبياني، ودعونا هنا نُشِر إلى أن الجزم بسقوط بقية الأعضاء، وخصوصاً رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، أمام تقدّم حميدتي، يظل في دائرة المتوقع لا اليقين، والمفهوم الأساس هو كيف تحدد شخصيات الثورة المضادّة، لتحيد لصالح الشعب.
والمهم هنا أن يسعى الثوار، كما يسعى خصومهم، إلى ترتيب الأولويات بتفكيك قاعدة التوحش،
والبدء بأكثرها عنفاً، ومؤكّد أن جولات المفاوضات أعطت قادة الثورة مساحة تقييم، ومن في المجلس العسكري، قد يدعم عملية الانتقال السلمي في السودان من موقعه في الجيش، فلو ترجّح ذلك، فإن جسور الاتصال بحذر والدفع لترجيح أحدهم مرحلياً قد يكون مهماً للغاية لتضامن الشعب السوداني وثورته.
وهنا تحتاج قيادة الثورة لأن تراجع أيضاً حسابات الكتل السياسية التي سيعتمد عليها العسكر، في حال راهن على انقلاب دموي جديد، أو تحضيرهم لانتقال مزوّر كما جرى في "30 يونيو" المصرية، فجهود المفاوضات والحوار مع القوى السياسية التقليدية، والتيار الإسلامي الثالث، ضرورة لاعتماد نظرية التخفيف من الضغوط، والتخذيل لأي بنيةٍ سياسيةٍ قد يستخدمها النظام.
لقد فشل النظام في الاستمرار في التفويج الشعبي باسم نصرة الشريعة، وهذا مؤشّر مهم جداً لوعي الشعب السوداني المؤمن برسالته الإسلامية، لكن من المهم أيضاً، بغض النظر عن الميول الثورية، يسارية أو ليبرالية أو قومية، أن يكون الخطاب دافئاً مع هذا الضمير، وأن السيادة المدنية لن تُقصي أحداً، ولن تستهدف الإسلام في وجدان الشعب، وإنما ستخصص بالمحاكمة الجناة الكبار في العهد الأخير.
وبنية الثقة والجسور لا تقف عند هذه المرحلة، بل هي مهمةٌ لمستقبل صناعة الدولة المدنية الجديدة التي لن تقف محاولات حصارها، وجيد جداً نأي الثورة بنفسها عن الصراع الخليجي، ولكن لا بد من الاستمرار في دعم الشراكة الوطنية، ورسائل الوحدة لكل الطيف السوداني،
وهذا أيضاً لا يمنع فتح الجسور الاقتصادية المهمة مع رأس المال الخليجي، لكنه عبر الحكومة المدنية وتحت مراقبة الثورة. وهذا أيضاً يعود مرة أخرى إلى رأس الحربة في المشروع، والخشية من استثمار حميدتي وأمثاله هذه التشققات، فمن المهم استثمار كل موقف إيجابي، حتى ولو خشيت هشاشته، وحتى لا تحتشد طوائف سياسية واجتماعية خارج جسور الثورة، ويكون البناء المدني معرضاً لاختراق الأموال السعودية والظبيانية الضخمة.
شبكة الجسور الحوارية والسياسية مهمة جداً قبل أي جولة تصعيد، على ما حققته الثورة، كما أن اختصار الوقت لصالح تفكيك شبكة التطرّف في المجلس العسكري، تؤدي دوراً مهماً اليوم، لتجنب مواسم الصراعات أو الحروب الأهلية التي لا يُبالي محور أبوظبي بدفع السودان لها، مهما بلغت الدماء.
سيبقى هنا الإيمان بقضية المراحل والتدرج للوصول إلى السيادة المدنية، ويبقى هنا أيضاً فهم حاجات الناس المعيشية، وأهمية فتح الأبواب لمصالح السودان الاقتصادية، حتى لا تتسلل عبرها أي ثورة مضادّة تسقط الحلم السوداني العظيم.
ولا بد هنا من طرح مستوى صريح من التحليل السياسي، أوله أنه لا يمكن أن يُعتبر ما حصل ضماناً لتأمين الثورة وسلامة الشعب ومشاركته المدنية، فالثورة ستخوض بعد الاتفاق حرباً سياسية صعبة، تحتاج إلى الذكاء لتجنب أن تُسقطها الدولة العميقة، فالأمور كلها، تحت تقديراتٍ نسبيةٍ لا يمكن الجزم بها، أضف إلى ذلك أن المحور العربي الذي يتبنى العسكريين لا يعتبرها معركة نفوذ في دولة، بل حرب مشروع واسع، فلو خسر فيه السودان فقد يرتدّ عليه بقية المشروع، في ظل اضطرابه في ليبيا، ورعب نظام السيسي، على الرغم من تمكّنه من مفاصل الدولة، ولا يزال يُنفذ تصفيات ذبح دموي وسياسي جماعي، لكون مصر أيقونة تأثيرٍ عربي
وكل التصريحات الغربية الرسمية عن السودان، كما كانت في مصر، هي حقيبة منافقة، لا تُلغي أيّ تفاهماتٍ سرّية، ممكن أن تجري بين محور أبوظبي وعواصم المصالح الغربية، والتي لن تقبل بخيار ديمقراطي حرّ في الأرض العربية، ولكن منتهى المسار معها أن يتمكّن مشروع السيادة المدنية من تحقيق لغة تفاهم، لا حرب إعلامية تحفزهم أكثر لإسقاطها مستقبلاً.
كان الموج البشري مقدّمة تؤسس لتسلّم الحكم المدني، في ساعات الصدمة الأولى، ويتوقع أن قيادة الثورة كانت وضعت تصوراً لذلك، لكن موقفها النبيل والمهم، أنها تمنّعت من التقدم، لتجنب سيناريوهين، الأول فشل التسليم، وإدخال الجيش في معركة حربٍ أهلية، سيقود إلى تقسيم إضافي للسودان، والثاني مذبحة كبرى لا تُحصر ضحاياها ودماؤها، ومن ثم كان توقيت الاتفاق على المجلس السيادي صائباً.
هنا سنلاحظ أبرز شخصية في مشروع الثورة المضادّة، وهو نائب رئيس المجلس العسكري، الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، فهو الأكثر توثّباً، لمنع الحكم المدني. ولذلك ركّز عليه الدعم السعودي الظبياني، ودعونا هنا نُشِر إلى أن الجزم بسقوط بقية الأعضاء، وخصوصاً رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، أمام تقدّم حميدتي، يظل في دائرة المتوقع لا اليقين، والمفهوم الأساس هو كيف تحدد شخصيات الثورة المضادّة، لتحيد لصالح الشعب.
والمهم هنا أن يسعى الثوار، كما يسعى خصومهم، إلى ترتيب الأولويات بتفكيك قاعدة التوحش،
وهنا تحتاج قيادة الثورة لأن تراجع أيضاً حسابات الكتل السياسية التي سيعتمد عليها العسكر، في حال راهن على انقلاب دموي جديد، أو تحضيرهم لانتقال مزوّر كما جرى في "30 يونيو" المصرية، فجهود المفاوضات والحوار مع القوى السياسية التقليدية، والتيار الإسلامي الثالث، ضرورة لاعتماد نظرية التخفيف من الضغوط، والتخذيل لأي بنيةٍ سياسيةٍ قد يستخدمها النظام.
لقد فشل النظام في الاستمرار في التفويج الشعبي باسم نصرة الشريعة، وهذا مؤشّر مهم جداً لوعي الشعب السوداني المؤمن برسالته الإسلامية، لكن من المهم أيضاً، بغض النظر عن الميول الثورية، يسارية أو ليبرالية أو قومية، أن يكون الخطاب دافئاً مع هذا الضمير، وأن السيادة المدنية لن تُقصي أحداً، ولن تستهدف الإسلام في وجدان الشعب، وإنما ستخصص بالمحاكمة الجناة الكبار في العهد الأخير.
وبنية الثقة والجسور لا تقف عند هذه المرحلة، بل هي مهمةٌ لمستقبل صناعة الدولة المدنية الجديدة التي لن تقف محاولات حصارها، وجيد جداً نأي الثورة بنفسها عن الصراع الخليجي، ولكن لا بد من الاستمرار في دعم الشراكة الوطنية، ورسائل الوحدة لكل الطيف السوداني،
شبكة الجسور الحوارية والسياسية مهمة جداً قبل أي جولة تصعيد، على ما حققته الثورة، كما أن اختصار الوقت لصالح تفكيك شبكة التطرّف في المجلس العسكري، تؤدي دوراً مهماً اليوم، لتجنب مواسم الصراعات أو الحروب الأهلية التي لا يُبالي محور أبوظبي بدفع السودان لها، مهما بلغت الدماء.
سيبقى هنا الإيمان بقضية المراحل والتدرج للوصول إلى السيادة المدنية، ويبقى هنا أيضاً فهم حاجات الناس المعيشية، وأهمية فتح الأبواب لمصالح السودان الاقتصادية، حتى لا تتسلل عبرها أي ثورة مضادّة تسقط الحلم السوداني العظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق