الأحد، 1 ديسمبر 2019

الاستيطان الصهيوني والخذلان العربي

الاستيطان الصهيوني والخذلان العربي

هذا الاستعجال الصهيوني سيرتد إليهم، لأنه ضد ثوابت التاريخ والجغرافيا، ولن تنجح موافقة بعض الملوك والرؤساء العرب في إعطاء الحق لمن لا يستحق

عامر عبد المنعم
تتعرض القضية الفلسطينية لضربات متواصلة في ظل الخذلان العربي، ويتجرأ الصهاينة على التوسع الاستيطاني والتهام أراضي الفلسطينيين بالقوة، ويقود حملة التهويد الجديدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يهدر كل القرارات الدولية التي صدرت، ويريد إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بمحو فلسطين من الخريطة.
لم يكن التصريح الذي صدر عن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو وقال فيه إن المستوطنات الإسرائيلية قانونية ولا تتعارض مع القانون الدولي هو الأول خلال شهر واحد وإنما سبقه تصريح منسوب للسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان قال فيه إن الدعوة لإخلاء المستوطنات مطلب غير إنساني!
يبدو أن إدارة ترامب لا تكتفي بضم القدس والجولان، وتعمل على تسليم الضفة للكيان الصهيوني، وتقوم بحملة سياسية وإعلامية للقيام بخطوات عملية على الأرض لتهويد الضفة وتمزيقها قطعا متناثرة حتى لا تكون صالحة لقيام دولة، أو حتى لإدارة محلية، ووقف الحديث عن حل الدولتين الذي تتبناه الدول الأوربية ومعها بعض العرب.
من الواضح أن الصهاينة يظنون أن الفرصة مواتية لتمرير كل خططهم التوسعية مرة واحدة في ظل الانكسار الاستراتيجي العربي، واستغلال التأييد السري لحكام الدول المحيطة الذين يطلبون الدعم الدولي الخارجي لمواجهة شعوبهم، ويهرولون إلى اللوبي الصهيوني العالمي سرا وعلانية لمساعدتهم.
لقد سكت العرب عن قرار ترامب بضم القدس والجولان للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ثم سكتوا عن صفقة القرن التي نشرت بنودها وتفاصيل خططها في وسائل الإعلام، وسكتوا عن الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، وها هم يسكتون أيضا عن الاستيطان الذي يتوغل ويبتلع ما تبقى من الضفة.
رهان خاسر
هذا الاستعجال الصهيوني سيرتد إليهم، لأنه ضد ثوابت التاريخ والجغرافيا، ولن تنجح موافقة بعض الملوك والرؤساء العرب في إعطاء الحق لمن لا يستحق، ومنح شرعية – بالسرقة- للمحتل، خاصة مع الشعب الفلسطيني المقاوم والمتمسك بقضيته وأرضه، وأيضا في ظل رفض الشعوب المسلمة التي يكتم الاستبداد أنفاسها لبعض الوقت.
رهان الصهاينة على أن سيطرتهم على القرار العربي دائمة رهان خاسر، فنيران الثورات المشتعلة في المحيط العربي حول فلسطين تؤكد أن حقبة جديدة قادمة تتصادم مع كل ما يبدو أنها إنجازات حققها الصهاينة، فالعلو الإسرائيلي القائم على استباحة الأرض وقتل أصحابها علو مؤقت، ليس بسبب قوة الاحتلال وإنما لضعف جبهة المقاومة والانقسام العربي بسبب اختراق خارج السياق العام للأمة، وهذا الانقلاب لن يدوم طويلا.
منذ البداية كنا لا نعول على قرارات الأمم المتحدة لأن النظام الدولي الذي تأسس بعد الحربين العالميتين، وضعته الولايات المتحدة والدول الأوربية المنتصرة لخدمة مصالحها، وهذه الدول هي التي زرعت "إسرائيل" في بداية القرن الماضي في قلب العالم العربي دولة حاجزة، تفصل بين الجناح الآسيوي والجناح الأفريقي لمنع وحدة أمة العرب التي تشكل القلب النابض للعالم الإسلامي.
من غير المتصور أن يتفضل الغرب علينا، ويقف على الحياد في ملف فلسطين، أو أن يتلطف بالعرب الضعفاء، لكن الذكاء الذي كان يتعامل به الغرب مع العالم العربي انتهى مع وصول شخصية تعبر عن التطرف اليميني المسيحي للبيت الأبيض، ويعمل لصالح الكيان الصهيوني بشكل علني وصريح، وتكاملت معه انقلابات العالم العربي ووصول شخصيات موالية للصهاينة إلى كراسي الحكم.
ليس لهم حق في فلسطين
اليهود الذين يتم جلبهم في المستوطنات المغتصبة لا صلة لهم بفلسطين، وليس لهم صلة ببني إسرائيل التاريخيين فمعظم اليهود اليوم من الذين ينتمون إلى مملكة الخزر الوثنية التي اعتنق ملكها اليهودية في القرن الثامن الميلادي للتمايز عن المسلمين الذين كانوا يحاصرونه من الجنوب والرومان المسيحيون من الغرب والشمال، وتبعه شعبه.
 وحتى اليهود من أصول عربية ليس معظمهم من أبناء يعقوب، ففي اليمن اعتنق بعض العرب اليهودية في القرن الرابع الميلادي مثل "ذو نواس" الذي أحرق نصارى نجران في الأخدود، ويهود المغرب من البربر الذين اعتنقوا اليهودية منذ أزمنة بعيدة، ويهود إثيوبيا الذين اعتنقوا اليهودية ليسوا من الإسرائيليين.
ولا يعطي اعتناق اليهودية لشعوب العالم الحق في العيش في فلسطين وطرد أهلها، وإلا بنفس المنطق من حق كل من يعتنق الإسلام العيش في مكة والمدينة حيث ولد وعاش النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
حتى الوعد الذي ورد في التوراة والذي يبررون به جلب يهود العالم لاستيطان فلسطين لا يعطيهم هذا الحق، فالنص الذي ورد في سفر التكوين الذي يقول: " في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقا قائلا: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر الى النهر الكبير نهر الفرات" دليل ضدهم، فيهود الخزر الذين يشكلون 90% من اليهود في العالم وأغلبية المستوطنين في فلسطين ليسوا من نسل إبراهيم، ولا صلة لهم بإسحق ويعقوب، وهم ينتمون عرقيا إلى يافث بن نوح وليس سام بن نوح، كما أن هذا الوعد يتحدث عن نسل إبراهيم ومن المعروف أن إسماعيل أبو العرب هو الإبن الأكبر لإبراهيم، وإذا صح هذا الوعد فإن العرب المقيمين في فلسطين هم أصحاب الأرض وليس الأشكناز القادمين من روسيا وأوربا، الأغراب عن هذه الأرض.
الوجود اليهودي كان عابرا
لكن رغم ما يبدو من حالة الانهيار الرسمي في بلاد العرب فإن محاولة شطب اسم فلسطين من المستحيلات، ولم يتعلم الصهاينة من التاريخ القديم ولم يستفيدوا من تجاربهم السابقة التي انتهت بهزيمتهم وطردهم من الأرض المقدسة وبقيت فلسطين لشعبها.
إن الوجود اليهودي في فلسطين كان وجودا مؤقتا، وحكموا في فترة تاريخية قصيرة لم يستطيعوا فيها القضاء على سكان فلسطين العرب رغم أنهم كانوا على الوثنية، ولم يسيطر اليهود على كل فلسطين وانما على أجزاء منها، وكانوا في معظم فترات وجودهم متفرقين.
التجربة اليهودية في فلسطين كانت قصيرة جدا في زمن ضعف الإمبراطوريات القديمة ثم فشلت وخرجوا منها، فهم لم يقيموا دولة إلا في عهد داود، وحتى عندما اتسعت في عهد النبي سليمان – وفقا للتوراة-  لم تصل إلى ساحل البحر المتوسط حيث كان الفينيقيون يتمددون من الشمال، والفلسطينيون من غزة حتى يافا وكانوا متحالفين مع الحكم المصري.
وحتى في عهدي داود وسليمان (75 عاما) كانت أغلبية سكان فلسطين من العرب، وبعد موت سليمان تقلصت مساحة المملكة وانقسمت إلى شمالية باسم إسرائيل تضم 10 قبائل من بني إسرائيل، وجنوبية باسم يهودا تضم قبيلتين، وارتدت المملكة الشمالية عن اليهودية وعبدت اليهود العجل الذي أحضره لهم الملك يربعام الذي حكمهم بعد سليمان.
ظلت المملكة الشمالية في صراع وحرب مع الجنوبية، حتى جاء الآشوريون في 722 ق.م وقضوا عليها، وقاموا بترحيل اليهود إلى آشور، وقد اختفت القبائل العشر ولم يظهروا مرة أخرى، وبقيت يهودا حتى جاء نبوخذ نصر البابلي في 586 ق.م ودمرها وأخذ اليهود إلى السبي البابلي.
بعد عودة اليهود من بابل على يد قورش الفارسي الذي هزم البابليين ظلوا في حالة صراع داخلي وقاموا بمحاولات لإستعادة الملك لكن دهسهم البطالمة والسلوقيين حتى جاء الرومان وطردوهم من فلسطين بسبب الفتن التي كانوا يشاركون فيها، وعندما جاء الفتح الإسلامي لم يكن لليهود وجود.
 وظلت فلسطين مستقرة بلا يهود حتى وعد بلفور، عندما أعادهم الإنجليز لأسباب متعلقة بالإنجيلية البروتستانتية والتفسيرات التوراتية التي وضعها اليهود المتنصرين المتعلقة بشرط تجميع اليهود في فلسطين لتسريع العودة الثانية للمسيح.
***
التراجع العربي والتخلي عن دعم فلسطين يغري الصهاينة بالإقدام على المزيد من الممارسات العدوانية وهدم المسجد الأقصى، لفرض واقع احتلالي على الأرض يقطع الطريق على أي تسوية، ويغلق الباب أمام أي حلول سلمية.
لكن ما لا يعلمه الصهاينة أن الأطماع في التهام كل فلسطين سينهي مرحلة تمييع الصراع، وسيحرق كل اللاعبين المنافقين الذين يتحدثون باسم الفلسطينيين والعرب، وسيدفع العالم الإسلامي إلى الاحتشاد والاستعداد لتخليص فلسطين من الاحتلال الاستيطاني، وتكرار تجربة التصدي للحروب الصليبية وطرد المحتل ولو بعد حين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق