الشيخ فوزي السعيد ..(إبن تيمية مصر)
خالد القاضى
إنه يوم الجمعة في الصباح الباكر وبالتحديد بعد صلاة الفجر في سنة 1994/1995، أستعد للسفر إلى القاهرة واسرع الخطى، حتى أصل مبكرا وأحجز مكان في مسجد التوحيد بغمرة، المسجد الذي تجاوز الخمسة أدوار ويسع أسبوعيا هو والمنطقة المحيطة به حوالي 20 ألف مصل ويزيد، وأنا أحب الدور الثاني مقدمة الصحن من الجهة اليمنى حتى أرى الشيخ فوزي السعيد.
بمجرد وصولي ميدان رمسيس وعبوري الطريق متجها على قدمى إلى غمرة، تقف سيارة أي سيارة ميكروباس ، ملاكي، أي سيارة وتناديك ..فوزي السعيد ياشيخ؟ فتسرع الخطى حتى تحظى بمكان في المسجد، التوصيل إلى المسجد مجاني وقليل ما سرت على قدمي بصحبة رفقاء الخير.
مجموعة تنظيم المرور الخاصة بالمسجد تنتشر على طول الطريق، حتى لاتؤثر أعداد المصلين على حركة السير.
وتبدأ خطبة الجمعة من شيخ ضعيف البنية قوي العزيمة جهوري الصوت، سلاسل من الألماس تنساب في كلمات، تقريرات وقواعد سلفية، إشارات مرجعية لكتب شيخي الإسلام إبن تيمية وإبن القيم، الرجل يستوعب كتبهم بطريقة لم أر مثلها قط.
سلاسة في الأسلوب، تواضع، قوة بصيرة، ويمر وقت الخطبة كالريح الطيبة، تحمل أرواح المؤمنين إلى عالم آخر من الإيمانيات.
ثم تختم بالدعاء ومع كل خطبة تنهار الجموع بالبكاء، حالة شعورية غريبة، خشوع في الصلاة، ونداء يجوز السجود على قدم أو ظهر أخيك، فلا مكان يسع الصفوف.
تنتهي صلاة الجمعة وتبقى ساعة الإجابة عن الأسئلة، ينصرف من ارتبط بعمل ونبقى قعود لنستزيد، أحيانا يعتذر الشيخ عن الإجابة لتعبه ومرضه وأحيانا يسترسل حتى قبيل صلاة العصر.
الخروج من المسجد يعقبه سوق كبير يشهد الناس فيه منافعهم كل ما تشتهيه الأنفس من كتب وكاسيتات وأطعمة وملابس، سوق إسلامي متكامل.
وهناك نستزيد من شراء كاسيتات الشيخ لسلاسل خطبه القديمة فيكون وردا يوميا سماع هذه السلاسل.
أذكر منها سلسلة الشهوة من منظور إسلامي، والتي سمعت فيها ما لم تقع عيني عليه من تقريرات وأساليب تربوية سلفية.
وآداب الصلاة وآداب يوم الجمعة وسلسلة طويلة من مسائل التوحيد والواقع علاوة على سلسلة الأسماء والصفات التى لم أسمع نظيرها في محاكاة الواقع.
الشيخ فوزي السعيد كان مثالا للمربي السلفي المستقل الذي لا يبتغي غير وجه الله ولهذا كان كلامه يخرج من القلب إلى القلب.
مرت السنين وتأمروا على المسجد حتى أغلق وغاب الشيخ في غياهب السجون أكثر من سبع سنوات هو وثلة من خيرة علماء مصر.
وبعد الثورة قررنا أن يحضر إلينا مرة أخرى، فكانت أول مرة يعطي فيها درسا في قرية تابعة لشبين الكوم.
المرض أعجزه، لكن شجرة علمه مازالت حيه شابة فتية، كتبه لم تطبع حتى الأن لأن دور النشر تخاف من تحمل التبعات والرجل لا يملك المال لطبعها على حسابه، لكن ليست المسألة بكثرة الكتب ولا علو الصيت.
الشيخ فوزي السعيد كان يمثل لنا ومازال إبن تيمية مصر في صبره وثباته ودعوته وحكمته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق