الأربعاء، 25 مارس 2020

أكثر ثلاث مقولات حمقاء في العالم!

أكثر ثلاث مقولات حمقاء في العالم!

خواطر صعلوك
قرأت كتاباً يشرح فلسفة «الزِّن» ويقدم فيه الكاتب الذي هو واحد من أكبر رهبان الزِّن اليابانيين 100 عادة يومية لحياة أكثر هدوءاً وسعادة، وكانت أولى قواعد الكتاب أنه ينبغي على الإنسان في ظل الوقت الراهن المليء بالضغوط والهموم والتعامل مع الآخرين، أن يخصص وقت فراغ لذاته، ولا يفكر سوى في شيء واحد وهو «اللاشيء»!

ويوصي الكتاب بأن نخصص عشر دقائق يومياً من أجل التفكير في اللاشيء، ولأني مخلص لأي فكرة فقد قررت أن أخصص ثلاثة أرباع يومي في اللاشيء، والربع المتبقي أنجز فيه العمل والجهد من أجل إنجاز ما يتعين عليّ إنجازه.
وكما تعلم عزيزي القارئ فإن هذه التجربة لن تنجح طالما أني أسكن في بيت تمارس فيه طقوس لا تخطر على بال منظمة الصحة العالمية لمواجهة فيروس كورونا، وطفل وطفلة - الله يحفظ أبناءنا وأبناءكم - لا يتوقفان عن معاملتي كنطاطية قابلة للنفخ والركوب!
لذلك قررت أن أتسكع بين الكافيهات التي تسمح لمرتاديها أن يكونوا وحدهم، ويفكروا في اللاشيء، ولكن في كل يوم كنت أستمع إلى أحاديث غريبة من الجالسين حولي، على سبيل المثال، ما قالته تلك الفتاة العشرينية عن عدم رغبتها في إنجاب أطفال لأن العالم أصبح أكثر أنانية وأكثر حروباً وقسوة، ثم الإضافة التي أضافتها صديقتها بكل ثقة حيث أشارت إلى عدم رغبتها هي الأخرى في الإنجاب حفاظاً على الحيوية البدنية والجاذبية حتى سن متقدمة! أما صديقهم الثالث والذي بدا شاربه وكأنه شارب رجل غليظ خرج للتو من الحرب الأهلية اللبنانية، فقد اكتفى بقول:
- أنا نباتي... ولا أسعى إلى الإنجاب... فالعالم فيه ما يكفي من الاستهلاك!
كدت أن أصرخ في المكان، ثم أقوم بالاتصال بمكتب الإنماء الاجتماعي، لكي أخبرهم أن هناك من يهدد الهرم السكاني والبناء الاجتماعي للدولة، ولكني بدلاً من ذلك نظرت لهم طويلاً وأنا أفكر أين يمكن أن أضع ترتيب مقولاتهم ضمن أكثر خمس مقولات حمقاء في العالم؟
اكتشفت أن الكافيهات ليست مكاناً ملائماً للتفكير في اللاشيء، بقدر ما هي مكان ملائم لتجمع «اللاشيء»، ولقد أذهلني هذا الاكتشاف كما لو كنت قد علمت أن الأرض مسطحة للتو، لأن هذا يعني أنه ينبغي أن أبحث عن مكان بديل من أجل اكتمال تجربة التفكير في اللاشيء.
عدت مرة أخرى لأقرأ ما تبقى من الكتاب لعلي أجد في التسعة والتسعين عادة المتبقية ما يجعلني أكثر هدوءاً وسعادة في الحياة، فلاحظت أن الكاتب يطلب مني أن أستيقظ مبكراً خمس عشرة دقيقة عن موعدي، وأن أرتب مكتبي وأضبط فردتي حذائي في صف واحد، وألا أعد القهوة في المنزل بل في البرية على نار الحطب، وأنه يجب أن أُحسن خطي في الكتابة، وأن الحديث الأفضل هو أن أتحدث من بطني، وعند الأكل يجب أن أفكر في خمسة أمور ليست من بينها إجابة لسؤال قد يُوجهه الجالس أمامي في مأدبة عشاء أو غداء، وزراعة حديقة صغيرة على شرفتي، وألا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، وألا ألقي باللوم على الآخرين ولا أقارن نفسي بهم... وسلسلة طويلة من الطلبات التي يجب أن يقوم بها القارئ من دون أن يلاحظ كاتبها أنها رغم جمالها لا تتفق مع أهم قيمة من قيم فلسفة «الزِّن»، وتعاليم نصوص «السوترا» وهي ألا تنساق وراء قيم الآخرين، وألا تزعج نفسك بعيش حياة لا تشبهك.
هكذا عزيزي القارئ، فالرهبان البوذيون المتقشفون قرروا أن يُحاضروا في كليات هارفرد ويطبعوا الكُتب من أجل مزيدا من المبيعات حتى خرجوا من فكرة «الممارسة» إلى فكرة «التنظير»، تماماً كما قررت كثير من الجماعات الإسلامية ترك الدعوة والتوجه للسياسة حتى فقدنا الممارسة والتنظير معاً.
إن اليقظة الروحية تقع خارج المواعظ والكلمات والأحرف... إنها تقع من إدراك الإنسان لطبيعته وحقيقته وحالة الكمال المتضمنة اليقين بأن عيوبك هي أسلوبك، والاعتراف بجوهرنا على حاله هنا والآن.

@moh1alatwan

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق