أحد تعاريف الوعي أنه طريقة شخصية يُجند بها الفرد معارفه السابقة، لمواجهة مشكل معين في وضعية معينة - وأضيف عليه - وإيجاد بدائل وحلول تعود عليه بالنفع.
وأحد تعاريف التاريخ أنه الفلسفة التي تعلّم بالمثال... إذ ترينا الرجال بطولهم الكامل.
وجزء كبير ذلك الذي يشكل الوعي... الذاكرة.
وجزء كبير ذلك الذي يشكل التاريخ... الحكاية.
لا أدري لماذا تداعى إلى ذاكرتي «كيماوي صدام» وضرب سوق شرق بصاروخ... وكأس العالم 1994م... وفاة الشيخ جابر الأحمد رحمه الله... وضرب برجي التجارة... ويوم المطر... وحظر كورونا.
وقلت لعل السبب هو أنهم جميعا بالنسبة لي لهم علاقة بمشاعر مختلطة بين الحزن والفرح والإثارة والانتباه، أذكر كيف أحكمت أمي رحمها الله البيت باللاصق «التيب»، وأوراق الجرائد وبعض الأقنعة عندما هددنا صدام بعد التحرير بأنه سيضربنا بالكيماوي!
لم أكن خائفاً وقتها... حيث لم أكن كبيراً بما يكفي لكي أخاف... كنت أذهب لمقابلة الأصدقاء ونضحك من خوف أمهاتنا المبالغ فيه... ثم نسمع صوت صفارة الإنذار كإجراء تدريبي... فنضحك أكثر.
في يوم المطر الذي اغتسلت فيه الكويت من أخطاء المهملين في أعمالهم والفاسدين في بنائهم... خرجت بسيارتي لعلي ألتقط بعض السيارة الذين لم يجدوا «سيارة»، كنت أشعر بالبهجة وأنا أسمع دعاءهم، والخوف من أن يزيد المطر أكثر فتغرق بيوتنا.
اليوم حالة من الحزن والخوف تظلل الكويت... هكذا بلد بكامله قد أُغلق... كعملاق بأقدام فخارية نهش فيه الخوف من «كورونا».
وباء عالمي... وإجراءات مشددة في كل العالم... وأشعر بالخوف هذه المرة... حتى الكتابة تتراقص لأنها على سطر متعرج وغير مستقر نفسياً.
لم أذهب إلى الجمعية التعاونية ولا التموين... اكتفيت بكرتون كمامات وقفازات... وأقول في عالم الصمت:
- لم تتعطل يومياً عبر التاريخ... شخصية الكويت في الأزمات... فريدة من نوعها وهي سر وحدتنا الروحية وبقائنا الوجودي.
كلمة السر... التفاعل الاجتماعي الذي يلتف بقوة على أي خطر يهدد المجموع... واعتباره الأنا.
كويتنا... دواويننا... اتصالاتنا... قدراتنا ومواهبنا... شبابنا... وزراؤنا وشركاتنا... أقلام كتابنا... حكومتنا ومعارضتنا... الجميع يلتف مع كلمة ربان السفينة وقائد القافلة.
تُطبع الحياة العامة بطابعها الجاد، ويتقبل الجميع ذلك، فتتعاضد الآراء الدينية الداعية إلى الصبر والحكمة والدعاء، والآداب الإنسانية، النزَّاعة إلى التكافل والتراحم والالتزام والدعم والتطوع، والآراء السياسية المتطلعة إلى التشجيع والتحفيز والمبادرة والعمل.
إن براعة حكام الكويت وأهلها المخصلين في قراءة الرجال وقت الأزمات، جعلتهم ممتلكين لمهارات ربما لم توجد عند غيرهم ممن برعوا في قراءة الكتب.
تمر أزمات على الكويت تطيح بدول، ولكن شخصية الكويت في الأزمات تلتف وتتكيف وتتماسك بشكل فيه بركة من الله، ومن يقس سلوك الكويتيين في هذه الأزمة بمن سبقهم من الكويتيين في أزمات سابقة يجدهم أكثر انضباطاً والتزاماً، ومن يقس سلوكهم بشعوب عصرهم يشهد لهم بالوعي وإدراك معنى المصلحة العامة.
إن الشعب الكويتي عندما يصل إلى الخط الأخير، أي عندما لا يبقى أي مكان يذهب إليه، فإنه يتجاوز الشقاقات المشؤومة والمعارف المرهقة، ويهرول في اتجاه وحدته الروحية وما تركت فيه التفاعلات الاجتماعية وما رسخ فيه من قيم والتي بدونها تبقى السياسة والعلم والسلاح والتقنية ضعيفة وعاجزة.
وأشكر كل وزارات الدولة على مجهوداتها الإعلامية والصحية والأمنية، مع طلب التركيز على العامل النفسي للشعب الذي تتفاوت مراحله العمرية بين الطفولة والكهولة... كما أتوجه بالرجاء إلى المركز الإعلامي الحكومي باستبدال كلمة «المخزون الإستراتيجي».
كما أرجو من جميع الجاليات الوافدة في الكويت، والذين هم إخواننا وشركاؤنا في العمل والبناء أن يفهموا ويتفهموا حالة الحرص، وربما الخوف من انتشار الوباء بين الناس... كما أرجو من أولئك الذين يسيئون إلى الآخرين أن يترجلوا عن البرج العالي الذين ينظرون منه إلى الناس.
كما أتوجه بالرجاء من الآباء والأمهات بعمل أنشطة لأطفالهم ومراعاة نفسيتهم... وأن يتوقف أصحاب النزعة الصحافية في «الواتس أب» عن إطلاق الإشاعات.
كما أرجو أن ينتهي هذا المقال سريعا... لأني بدأت بالفضفضة مع القارئ، ثم انتهيت بإعطاء تعليمات للدولة كلها... فسأكتفي بهذا قبل أن أصل إلى المرحلة التي أخاطب فيها منظمة الصحة العالمية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق