رواء...
خواطر صعلوك
الرواء... هي إطلالة على الحياة لا تُعظم المشاكل وتنظر للجانب الجميل في التفاصيل الصغيرة، وتقدم العفو والتسامح على الحقد والكراهية، أصحابها يصادقون بود، ويخاصمون بلا عداء، ويعلمون أن أذواقهم ليست هي علم الجمال، والأقوال التي يتداولونها ليست هي علم اللغة، ويعلمون أن الأمر كله بيد الله، وأن الأجدى بالإنسان ألا ينظر إلى ماضيه الذي لم يعد موجوداً، ولا إلى مستقبله الذي لم يُوجد بعد، بل يرفع بصره للأعلى ليجد الراحة والسكينة... والرواء.
عندما بدأت الكتابة في جريدة «الراي» الغراء التي يحبها القراء، لفت انتباهي أن اسم النافذة الصحافية التي تطل منها المميزة والكاتبة الرائعة ريم الميع هي... رواء.
وتعرفت عليها واكتشفت أنها اسماً على مسمى ليس فقط كون اسمها ريم، بل واسم نافذتها التي تعبر عن الرواء في كل شيء، حياتها... كتاباتها... رحلاتها... ومذكراتها الصحافية في غوانتانامو ونيوريوك.
أتابع يومياتها على التواصل الاجتماعي فأرى الرواء مجسداً في التفاصيل... حتى طلبت منها بكل رواء أن نكتب مقالاً مشتركاً عن الرواء!
وتعرفت على المستشار التنموي كامل النابلسي الذي يواجه المصاعب ويضع الحلول بوعيه الهادئ، ويُبصر وجه الشبه بين الأشياء المختلفة، ووجه الاختلاف بين الأشياء المتشابهة... وكان دائما يردد كلمة «رواء» في سلوكه اليومي، حتى أصبحنا جميعاً كل من عرفه يرددها... رواء.
وتعرفت عليه أكثر ودخلت بيته وتعلمت منه كيف أمارس الرواء في حياتي عبر ممارسته لها أمامي في الطعام والشراب والسفر والحب والتربية، ومنهجية التفكير ورسم السياسات العامة والخاصة.
وذات يوم قرر صاحب المقهى الذي أجلس فيه أن يغسل وينظف لوحة اسم المقهى، وكانت مليئة بالأتربة والغبار حتى لا تكاد ترى اسمها، واكتشفت بعد سنوات أن المقهى الذي أجلس فيه اسمه مقهى «الرواء»، صحيح أن المقهى مليء بالضوضاء والتي هي أسوأ من سوء التغذية، ولكنه مقهى يطل على شارع حيوي جداً وتقاطع أربع إشارات مرور، يجعلك تنسى كل شيء وأنت تحملق في كل شيء، وفي هذا المقهى تعرفت على الإعلامي المبدع عمار تقي وهو شخصية «رواء» جداً تتمتع بذوق عالٍ يرافقه إلى كل مكان.
وجدت نفسي أردد كلمة «رواء» في يومي، مع زوجتي وأبنائي، في العمل والشارع ومع الجيران، في كلامي مع نفسي ومع الآخرين.
تعلمت أن من رضي بما قسم الله له، اطمأن قلبه واستراح بدنه، ومن الأمور التي يؤسف لها أن يكون المرء راضياً عن أفكاره وآرائه وتعامله مع الناس، وغير راضٍ أبدا بما قُسم له في هذه الحياة.
كتب كثير من الأدباء أن الحياة في نظر الجائع: رغيف، وفي نظر الفيلسوف: مهزلة، وفي نظر الفنان: لوحة، وفي نظر الطفلة: لعب ولهو، وفي نظر الفتاة: مظاهر، وفي نظر المرأة: زواج، وفي نظر الزوجة: كفاح... ولكن في نظر «الرواء» فإنه لا ينبغي أن تحدد كيف ينظر الآخرون إلى الحياة... عليك أن تمارسها لا أن تُنظر وتتفلسف حولها... لأن الرواء يشمل كل ما سبق.
يخبرنا الرواء ألا نخشى الكمال، فلن نصله أبداً، وألا نخشى الحب فلن نحيط به، وألا نخشى مشاكل الحياة... فالحياة التي يرافقها الخوف أشبه ما تكون بالموت.
إن البحث عن الرواء والجمال أفعال تتطلب السماح لأنفسنا بأن نظل أطفالاً طيلة العمر، هذا ما قاله السيد ألبرت آينشتاين بعد أن اكتشف النسبية العامة وظل يرقص لمدة ثلاثة أيام ثم سقط من التعب، فقرر أن يأخذ قارباً ويتوغل به في البحيرة وهو لا يعرف السباحة... فانقذه ثلاثة صبية صغار.
ترى كم كان عمر السيد آينشتاين وقتها ليقوم بهذا التصرف الطفولي؟
يضحك الأطفال الصغار كثيرا طوال اليوم، لأنهم لا ينظرون إلى أنفسهم بجدية، ولا ينظرون للحياة بتلك الجدية التي ينظر بها الذين يطالعون الصحف وأخبار تويتر وتصاريح السيد رئيس الوزراء.
لا يؤمن الأطفال بأن هناك دوراً اجتماعياً عليهم القيام به، يرقصون ويغنون ويتشقلبون ويقفزون على ظنون الآخرين وعلى تصوراتهم عن أنفسهم، لا يبالون كثيرا بنظرة الآخرين إليهم.
قصة قصيرة في معنى الرواء:
شيرلوك هولمز: لابد أن تهدئي يا مولي، أنت متوترة جداً.
مولي: وأنت تموت.
شيرلوك هولمز: أفوز أنا كالعادة؛ التوتر يفسد كل أيامك، وموتي لن يُفسد عليّ أكثر من يوم واحد.
@moh1alatwan
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق