كيف كشف فيروس كورونا عن الجانب المظلم لبريطانيا؟
ومن هنا جاءت الخصخصة زاحفة تسطو على مرافق الخدمات، ناهيك عن إغلاق المستشفيات وإضراب الأطباء الشباب وشغور ما يقرب من 44 ألف وظيفة تمريض حتى نوفمبر / تشرين الثاني الماضي.
ما لبث كوفيد 19، ذلك الجزيء الصغير والمنتقل من خفاش في الصين البعيدة، أن أنهى هذا النقاش، والذي تعلق به وتوقف عليه الكثير مما قيل ومورس في السياسة المحلية.
فقدان تام للذاكرة
وكأنما فقدان الذاكرة المفاجئ والتام واحد من الأعراض المبكرة للإصابة بالفيروس، يبدو أننا نسينا الآن أن جيريمي هانت، من موقعه كوزير للصحة، كان قد صاغ عقداً جديداً للأطباء الشباب حذف منه أجور العمل الإضافي.
تباهى هانت بانتصاره على الأطباء الشباب الذين شيطنهم تيار اليمين. حينها، قورن انتصاره على الأطباء الشباب بانتصار مارغريت ثاتشر على عمال المناجم، وكان ذلك منطلقه لخوض معركة التنافس على زعامة الحزب. صحيح أن سعيه خاب ولكن المحاولة لم تضره.
يتم التغاضي الآن عن كل ذلك
أولئك هم نفس الأطباء الشباب الذين يخاطرون اليوم بحياتهم في غرف الإنعاش على طول البلاد وعرضها ويعانون من نقص في الأقنعة والمراييل الواقية. وهذا هو نفسه جيريمي هانت الذي وقف لرئيس الوزراء بوريس جونسون يسائله بشأن غياب اختبارات المستضدات ونقص المراييل والأقنعة وأجهزة التنفس الاصطناعي، كما لو كان من أصحاب الاختصاص في هذا الموضوع.
ماذا عساك تصطحب معك لتقرأه وأنت تنتظر في المستشفى إلى أن تظهر نتيجة فحصك لوباء كوفيد 19؟، ولم لا يكون ذلك تلك المطوية التي تحتوي على السياسة التي شارك هانت في وضعها في عام 2005 وطالب فيها بالاستعاضة عن خدمة الصحة الوطنية بنظام تأمين.
الأبطال الحقيقيون
كم عدد هؤلاء العمال من أصحاب المهارات المتدنية الذين يتنقلون يومياً إلى العمل عبر وسائل المواصلات العامة معرضين أنفسهم للإصابة بالفيروس أثناء التنقل؟ كم عدد الذين يسوقون الشاحنات منهم، يقومون بتوصيل الطعام، أو الذين يعملون في المتاجر الكبيرة ويتحملون إساءات المتسوقين الذين أصابهم الهلع، أو يعملون في توزيع الطعام على المحتاجين أو يسكبون الحساء للجائعين، أو يقومون بمختلف المهام غير الطبية الأساسية التي تبقي بريطانيا حية طوال ساعات الإغلاق التام؟
فقط ما مدى اعتماد بريطانيا المغلقة على ما يقدمونه من خدمات؟ أعتقد أنه اعتماد كبير جداً.
والآن، لدينا ثلاثة من الأطباء دفعوا حياتهم في سبيل تقديم الخدمة التي نذروا أنفسهم لها. إنهم الدكتور حبيب زايدي، وله من العمر 76 عاماً، وكان يعمل طبيباً عاماً في "ليه أون سي". للدكتور زايدي أربعة أبناء، أحدهم طبيب استشاري في الدم، والثاني جراح تحت التدريب والثالث طبيب أسنان والرابع طبيب عام. والضحية الثانية هو الدكتور عادل الطاير، وله من العمر 63 عاماً، وهو متخصص في زراعة الأعضاء قضى آخر أيامه متطوعاً في قسم الحوادث والطوارئ في منطقة ميدلاندز. والضحية الثالثة هو الدكتور أمجد الحوراني، وله من العمر 55 عاماً، وهو إخصائي أذن وأنف وحنجرة. يذكر أن الضحية الثانية والثالثة كلاهما من السودان.
من جيل إلى الجيل الذي يليه، يشكل هؤلاء الأبطال الحقيقيون جزءاً من جماعة المهاجرين الذي قدموا من آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، والذين تعتمد عليهم خدمة الصحة الوطنية وتستفيد من خبراتهم.
ما هو حجمهم بالضبط؟
القوة العاملة في خدمة الصحة الوطنية
يشكل المواطنون البريطانيون ما يقرب من 88 بالمائة من القوة العاملة في خدمة الصحة الوطنية، بينما يشكل غير البريطانيين ما يقرب من 12 بالمائة، 6 بالمائة من مواطني الاتحاد الأوروبي و 6 بالمائة من خارج الاتحاد الأوروبي. يتباين توزيع هذه النسب من منطقة إلى أخرى داخل بريطانيا، وتحظى لندن بنصيب الأسد من العاملين في القطاع الصحي ممن ليسوا مواطنين بريطانيين حيث تبلغ نسبتهم 23 بالمائة.
فيما لو حللنا نسب العاملين في خدمة الصحة الوطنية على أساس الانتماء العرقي بدلا من الجنسية لبرزت لدينا أهمية العناصر الأسيوية والأفريقية والصينية وغير ذلك من الانتماءات العرقية. من بين العاملين الذين تعرف انتماءاتهم العرقية، يشكل البيض ما نسبته 79.9 بالمائة من القوة العاملة في خدمة الصحة الوطنية، وهذا يشمل العاملين في المجال الطبي والعاملين في غيره.
ولكن عندما تصنف العاملين في خدمة الصحة الوطنية إلى من يعملون في المهن الطبية ومن يعملون فيما سواها، ستتجلى بوضوح أهمية غير البيض من العاملين في هذا القطاع.
يشكل البيض ما نسبته 55.6 بالمائة فقط من العاملين في المهن الطبية، بينما يشكل الآسيويون ما يصل إلى 29 بالمائة، وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة من يعمل منهم في المهن غير الطبية (فقط 8 بالمائة). كما أن العاملين في المهن الطبية من الصينيين والأعراق المختلطة وغير ذلك من الانتماءات العرقية يشكلون نسبة أكبر من نسبتهم في المهن غير الطبية.
أضف إلى ذلك أن واحداً من كل خمسة أطباء عموميين تأهلوا ويعملون بشكل دائم في إنجلترا حتى شهر مارس / آذار 2019 حصلوا على مؤهلاتهم العلمية من خارج بريطانيا – وأغلبية هؤلاء من بلدان خارج الاتحاد الأوروبي (16 بالمائة – أغلبيتهم من جنوب آسيا ومن أفريقيا) وأربعة بالمائة من داخل الاتحاد الأوروبي. أول مجموعة من العاملين في القطاع الطبي قضوا نحبهم في القتال ضد فيروس كورونا كانوا جميعهم مسلمين وأصولهم أو جنسياتهم إما آسيوية أو أفريقية.
نشرت صحيفة ذي صان صورة رمزية صغيرة لأحد الضحايا على صفحتها الأولى، وفيما عدا ذلك لم تصل صور أي من الضحايا إلى الصفحات الأولى لصحف الديلي إكسبريس والديلي ميل والديلي تلغراف، وهو أمر يثير الفضول، لأنه عندما يكون المسلم إرهابياً فلن يجد صعوبة في نشر صوره على الصفحات الأولى لهذه الصحف.
وحتى الآن، وحتى اليوم، تطالب صحيفة الصن بترك المسنين يموتون، حيث تتزايد حالات "فرز أجهزة التنفس الاصطناعي"، أي سحب المسنين من أجهزة التنفس الاصطناعي وتركهم يموتون لتوفير العدد القليل المتوفر من هذه الأجهزة لإسعاف المصابين الأصغر سناً. بل إن محررها السياسي تريفر كافاناه توسع في شرح فضائل التركيز على أن يستعيد الاقتصاد عافيته ويقف على قدميه من جديد، قائلاً إن عدد من سيموتون بسبب انهيار الاقتصاد سوف يفوق عدد من يموتون بسبب الفيروس.
كشف الحقيقة
لقد كشف كوفيد 19 عن حقيقة قل من يتكلم عنها حول بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ينأى معظم السياسيين في التيار العام بأنفسهم عن التطرق إليه. هناك رؤيتان لهذا البلد: هل بريطانيا هي صناعة جماعية شارك فيها كل الناس بغض النظر عن المكان الذي انحدروا منه قبل أن يصلوا ويستقروا هنا؟ أم أن رأسمال هذا البلد هو الثروة والأثرياء فيها؟
هل نحن متساوون أما جهاز التنفس الاصطناعي أم أن المسنين لم يعودوا أولوية في زمن العجز والطوارئ؟ أي نوع من المجتمعات هذا الذي نسعى للحفاظ عليه؟ ومن نحتاج لكي يدافع عنا؟
إن خدمة الصحة الوطنية، وليس صحيفة ذي صن ولا هانت ولا جونسون، هي التي ستحمينا من أخطر مهلك يضرب اقتصادنا منذ الحرب العالمية الثانية. عندما نقرأ صحيفة ذي صن، هلا أدركنا على الأقل مدى شيطانية مقالها الافتتاحي الذي نشر يوم 24 مارس 2016 بعنوان "افصلوا الأطباء"؟
لقد أثبت فيروس ضئيل لا نملك الحصانة منه أنه أكثر دماراً لأسلوب معيشتنا من جميع أعداء بريطانيا التقليديين مجتمعين. إن الذي أوقف عجلة الحياة في بريطانيا فيروس مجهول – وليس إيران ولا بوتين ولا تنظيم الدولة الإسلامية، ولا البيروقراطيين في بروكسيل، ولا اللاجئين الباحثين عن ملاذ في أرجاء المتوسط.
لقد علمنا هذا الفيروس قيمة مهاجرينا وأبنائهم، وأن نقدر جهود من يتقاضون أجوراً زهيدة، وأن ندرك حماقة الاختباء وراء الجدران في عالم متصل ومتواصل، بحيث أن ما وقع في ووهان ذات يوم سيقع في اليوم التالي عند زاوية الشارع الذي نعيش فيه.
يوم الحساب
ليس هذا بالأمر الجديد. فلكم اعتمدت بريطانيا على غير البريطانيين في أزمنة الطوارئ الوطنية في أزمات سابقة. فعلي سبيل المثال شارك 574 طياراً من بلدان أخرى غير بريطانيا في طلعات جنباً إلي جنب مع 2353 طياراً بريطانياً أثناء معركة بريطانيا. جاء هؤلاء من بولندا ونيوزيلندا وكندا وتشيكوسلوفاكيا وبلجيكا وأستراليا وجنوب أفريقيا. لكم كان سهلاً أن ننساهم جميعاً.
قبل شهور مضت فقط، في أوج الحملة الانتخابية، لم يرغب أحد – ولا حتى قطاعات كبيرة من حزب العمال – في المشاركة في الحملة ضد الجانب المظلم من بريطانيا الحديثة، ذلك الجانب الذي كشفه الآن فيروس كورونا. من أهم ملامح ذلك الجانب المظلم انعدام الاستقرار للعاملين الذين لا يمنحون عقوداً تحفظ حقوقهم، وفي اقتصاد الاستعراض أطفال يعانون من الجوع في فترة الإجازات، والممرضون والممرضات الذين يتركون العمل في خدمة الصحة الوطنية زرافات ووحدانا.
غدا هؤلاء الآن في الخطوط الأمامية يحوزون على اهتمام الجميع، ولكنهم لم يكونوا كذلك من قبل.
كانت للزعيم السابق لحزب العمال جيريمي كوربين رسالة واضحة بشأن بريطانيا ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. سوف يكون صعباً أن يشرح المرء للمؤرخين كيف يمكن لرجل واحد أن يكون محقاً جداً بشأن القضايا التي ما لبثت أن احتلت موقع الصدارة من الاهتمام في نفس الأسبوع الذي تم فيه استبداله كزعيم لحزبه.
يعامله أقرانه الآن كما لو كان مصدر إحراج لهم، ويعتبرونه أسوأ زعيم منذ مايكل فوت. ومع ذلك، لو أن بريطانيا استمعت له حينما كان يتكلم عن النقص الذي تعاني منه خدمة الصحة الوطنية في العاملين، وحين تحدث عن أصحاب المهارات المتدنية وأصحاب الأجور الزهيدة، وحول اقتصاد الاستعراض، لما كنا اليوم في هذه الحالة من الفوضى العارمة.
إن من ينبغي أن يخجلوا من أنفسهم – ولا أستثني من هم داخل حزبه – هم أولئك الذين اصطفوا في طابور ليغرسوا الخنجر في ظهره. لن يسمح لنا هذا الفيروس بأن نسامح أو ننسى.
سيموت الآلاف بدون أي داع قبل أن تنتهي هذه الأزمة، ثم بعد ذلك سيكون الحساب. يوماً ما.
ديفيد هيرست
على مدى سنوات طويلة، بل وأطول مما قد يتذكر الكثيرون، هيمنت فكرتان على النقاش الوطني العام: أما الأولى فهي أن بريطانيا تغرق في بحر من المهاجرين متدني المهارات، وأما الثانية فهي أن بريطانيا ليست لديها الإمكانية لتمويل الخدمة الصحية الوطنية، والتي لا مفر من أن تتعايش، مثلها مثل الخدمات العامة الأخرى، مع الزمن.
ومن هنا جاءت الخصخصة زاحفة تسطو على مرافق الخدمات، ناهيك عن إغلاق المستشفيات وإضراب الأطباء الشباب وشغور ما يقرب من 44 ألف وظيفة تمريض حتى نوفمبر / تشرين الثاني الماضي.
ما لبث كوفيد 19، ذلك الجزيء الصغير والمنتقل من خفاش في الصين البعيدة، أن أنهى هذا النقاش، والذي تعلق به وتوقف عليه الكثير مما قيل ومورس في السياسة المحلية.
فقدان تام للذاكرة
وكأنما فقدان الذاكرة المفاجئ والتام واحد من الأعراض المبكرة للإصابة بالفيروس، يبدو أننا نسينا الآن أن جيريمي هانت، من موقعه كوزير للصحة، كان قد صاغ عقداً جديداً للأطباء الشباب حذف منه أجور العمل الإضافي.
تباهى هانت بانتصاره على الأطباء الشباب الذين شيطنهم تيار اليمين. حينها، قورن انتصاره على الأطباء الشباب بانتصار مارغريت ثاتشر على عمال المناجم، وكان ذلك منطلقه لخوض معركة التنافس على زعامة الحزب. صحيح أن سعيه خاب ولكن المحاولة لم تضره.
يتم التغاضي الآن عن كل ذلك
أولئك هم نفس الأطباء الشباب الذين يخاطرون اليوم بحياتهم في غرف الإنعاش على طول البلاد وعرضها ويعانون من نقص في الأقنعة والمراييل الواقية. وهذا هو نفسه جيريمي هانت الذي وقف لرئيس الوزراء بوريس جونسون يسائله بشأن غياب اختبارات المستضدات ونقص المراييل والأقنعة وأجهزة التنفس الاصطناعي، كما لو كان من أصحاب الاختصاص في هذا الموضوع.
ماذا عساك تصطحب معك لتقرأه وأنت تنتظر في المستشفى إلى أن تظهر نتيجة فحصك لوباء كوفيد 19؟، ولم لا يكون ذلك تلك المطوية التي تحتوي على السياسة التي شارك هانت في وضعها في عام 2005 وطالب فيها بالاستعاضة عن خدمة الصحة الوطنية بنظام تأمين.
الأبطال الحقيقيون
كما يتم الآن بشكل مشابه مطالبتنا بمسح الذاكرة الجمعية من كل آثار الجدال الذي دار على مدى أربعة أعوام بشأن بريكسيت والذي انصب أساساً على قضية وجود أعداد كبيرة جداً من العمال ذوي المهارات المتدنية الذين يدخلون البلاد، الأمر الذي تمخض عنه تدشين نظام في فبراير / شباط من هذا العام يقوم على النقاط وضعته وزيرة الداخلية بريتي باتيل.
كم عدد هؤلاء العمال من أصحاب المهارات المتدنية الذين يتنقلون يومياً إلى العمل عبر وسائل المواصلات العامة معرضين أنفسهم للإصابة بالفيروس أثناء التنقل؟ كم عدد الذين يسوقون الشاحنات منهم، يقومون بتوصيل الطعام، أو الذين يعملون في المتاجر الكبيرة ويتحملون إساءات المتسوقين الذين أصابهم الهلع، أو يعملون في توزيع الطعام على المحتاجين أو يسكبون الحساء للجائعين، أو يقومون بمختلف المهام غير الطبية الأساسية التي تبقي بريطانيا حية طوال ساعات الإغلاق التام؟
فقط ما مدى اعتماد بريطانيا المغلقة على ما يقدمونه من خدمات؟ أعتقد أنه اعتماد كبير جداً.
في لحظة يعاملون كما لو كانوا بعض رائحة كريهة، وفي اللحظة الأخرى يشاد بهم ويصفق لهم باعتبارهم أبطالاً قوميين؟ فأين هم، هنا أو هناك؟
والآن، لدينا ثلاثة من الأطباء دفعوا حياتهم في سبيل تقديم الخدمة التي نذروا أنفسهم لها. إنهم الدكتور حبيب زايدي، وله من العمر 76 عاماً، وكان يعمل طبيباً عاماً في "ليه أون سي". للدكتور زايدي أربعة أبناء، أحدهم طبيب استشاري في الدم، والثاني جراح تحت التدريب والثالث طبيب أسنان والرابع طبيب عام. والضحية الثانية هو الدكتور عادل الطاير، وله من العمر 63 عاماً، وهو متخصص في زراعة الأعضاء قضى آخر أيامه متطوعاً في قسم الحوادث والطوارئ في منطقة ميدلاندز. والضحية الثالثة هو الدكتور أمجد الحوراني، وله من العمر 55 عاماً، وهو إخصائي أذن وأنف وحنجرة. يذكر أن الضحية الثانية والثالثة كلاهما من السودان.
من جيل إلى الجيل الذي يليه، يشكل هؤلاء الأبطال الحقيقيون جزءاً من جماعة المهاجرين الذي قدموا من آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، والذين تعتمد عليهم خدمة الصحة الوطنية وتستفيد من خبراتهم.
ما هو حجمهم بالضبط؟
القوة العاملة في خدمة الصحة الوطنية
يشكل المواطنون البريطانيون ما يقرب من 88 بالمائة من القوة العاملة في خدمة الصحة الوطنية، بينما يشكل غير البريطانيين ما يقرب من 12 بالمائة، 6 بالمائة من مواطني الاتحاد الأوروبي و 6 بالمائة من خارج الاتحاد الأوروبي. يتباين توزيع هذه النسب من منطقة إلى أخرى داخل بريطانيا، وتحظى لندن بنصيب الأسد من العاملين في القطاع الصحي ممن ليسوا مواطنين بريطانيين حيث تبلغ نسبتهم 23 بالمائة.
فيما لو حللنا نسب العاملين في خدمة الصحة الوطنية على أساس الانتماء العرقي بدلا من الجنسية لبرزت لدينا أهمية العناصر الأسيوية والأفريقية والصينية وغير ذلك من الانتماءات العرقية. من بين العاملين الذين تعرف انتماءاتهم العرقية، يشكل البيض ما نسبته 79.9 بالمائة من القوة العاملة في خدمة الصحة الوطنية، وهذا يشمل العاملين في المجال الطبي والعاملين في غيره.
ولكن عندما تصنف العاملين في خدمة الصحة الوطنية إلى من يعملون في المهن الطبية ومن يعملون فيما سواها، ستتجلى بوضوح أهمية غير البيض من العاملين في هذا القطاع.
يشكل البيض ما نسبته 55.6 بالمائة فقط من العاملين في المهن الطبية، بينما يشكل الآسيويون ما يصل إلى 29 بالمائة، وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة من يعمل منهم في المهن غير الطبية (فقط 8 بالمائة). كما أن العاملين في المهن الطبية من الصينيين والأعراق المختلطة وغير ذلك من الانتماءات العرقية يشكلون نسبة أكبر من نسبتهم في المهن غير الطبية.
أضف إلى ذلك أن واحداً من كل خمسة أطباء عموميين تأهلوا ويعملون بشكل دائم في إنجلترا حتى شهر مارس / آذار 2019 حصلوا على مؤهلاتهم العلمية من خارج بريطانيا – وأغلبية هؤلاء من بلدان خارج الاتحاد الأوروبي (16 بالمائة – أغلبيتهم من جنوب آسيا ومن أفريقيا) وأربعة بالمائة من داخل الاتحاد الأوروبي. أول مجموعة من العاملين في القطاع الطبي قضوا نحبهم في القتال ضد فيروس كورونا كانوا جميعهم مسلمين وأصولهم أو جنسياتهم إما آسيوية أو أفريقية.
نشرت صحيفة ذي صان صورة رمزية صغيرة لأحد الضحايا على صفحتها الأولى، وفيما عدا ذلك لم تصل صور أي من الضحايا إلى الصفحات الأولى لصحف الديلي إكسبريس والديلي ميل والديلي تلغراف، وهو أمر يثير الفضول، لأنه عندما يكون المسلم إرهابياً فلن يجد صعوبة في نشر صوره على الصفحات الأولى لهذه الصحف.
وحتى الآن، وحتى اليوم، تطالب صحيفة الصن بترك المسنين يموتون، حيث تتزايد حالات "فرز أجهزة التنفس الاصطناعي"، أي سحب المسنين من أجهزة التنفس الاصطناعي وتركهم يموتون لتوفير العدد القليل المتوفر من هذه الأجهزة لإسعاف المصابين الأصغر سناً. بل إن محررها السياسي تريفر كافاناه توسع في شرح فضائل التركيز على أن يستعيد الاقتصاد عافيته ويقف على قدميه من جديد، قائلاً إن عدد من سيموتون بسبب انهيار الاقتصاد سوف يفوق عدد من يموتون بسبب الفيروس.
كشف الحقيقة
لقد كشف كوفيد 19 عن حقيقة قل من يتكلم عنها حول بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ينأى معظم السياسيين في التيار العام بأنفسهم عن التطرق إليه. هناك رؤيتان لهذا البلد: هل بريطانيا هي صناعة جماعية شارك فيها كل الناس بغض النظر عن المكان الذي انحدروا منه قبل أن يصلوا ويستقروا هنا؟ أم أن رأسمال هذا البلد هو الثروة والأثرياء فيها؟
هل نحن متساوون أما جهاز التنفس الاصطناعي أم أن المسنين لم يعودوا أولوية في زمن العجز والطوارئ؟ أي نوع من المجتمعات هذا الذي نسعى للحفاظ عليه؟ ومن نحتاج لكي يدافع عنا؟
إن خدمة الصحة الوطنية، وليس صحيفة ذي صن ولا هانت ولا جونسون، هي التي ستحمينا من أخطر مهلك يضرب اقتصادنا منذ الحرب العالمية الثانية. عندما نقرأ صحيفة ذي صن، هلا أدركنا على الأقل مدى شيطانية مقالها الافتتاحي الذي نشر يوم 24 مارس 2016 بعنوان "افصلوا الأطباء"؟
لقد أثبت فيروس ضئيل لا نملك الحصانة منه أنه أكثر دماراً لأسلوب معيشتنا من جميع أعداء بريطانيا التقليديين مجتمعين. إن الذي أوقف عجلة الحياة في بريطانيا فيروس مجهول – وليس إيران ولا بوتين ولا تنظيم الدولة الإسلامية، ولا البيروقراطيين في بروكسيل، ولا اللاجئين الباحثين عن ملاذ في أرجاء المتوسط.
لقد علمنا هذا الفيروس قيمة مهاجرينا وأبنائهم، وأن نقدر جهود من يتقاضون أجوراً زهيدة، وأن ندرك حماقة الاختباء وراء الجدران في عالم متصل ومتواصل، بحيث أن ما وقع في ووهان ذات يوم سيقع في اليوم التالي عند زاوية الشارع الذي نعيش فيه.
يوم الحساب
ليس هذا بالأمر الجديد. فلكم اعتمدت بريطانيا على غير البريطانيين في أزمنة الطوارئ الوطنية في أزمات سابقة. فعلي سبيل المثال شارك 574 طياراً من بلدان أخرى غير بريطانيا في طلعات جنباً إلي جنب مع 2353 طياراً بريطانياً أثناء معركة بريطانيا. جاء هؤلاء من بولندا ونيوزيلندا وكندا وتشيكوسلوفاكيا وبلجيكا وأستراليا وجنوب أفريقيا. لكم كان سهلاً أن ننساهم جميعاً.
قبل شهور مضت فقط، في أوج الحملة الانتخابية، لم يرغب أحد – ولا حتى قطاعات كبيرة من حزب العمال – في المشاركة في الحملة ضد الجانب المظلم من بريطانيا الحديثة، ذلك الجانب الذي كشفه الآن فيروس كورونا. من أهم ملامح ذلك الجانب المظلم انعدام الاستقرار للعاملين الذين لا يمنحون عقوداً تحفظ حقوقهم، وفي اقتصاد الاستعراض أطفال يعانون من الجوع في فترة الإجازات، والممرضون والممرضات الذين يتركون العمل في خدمة الصحة الوطنية زرافات ووحدانا.
غدا هؤلاء الآن في الخطوط الأمامية يحوزون على اهتمام الجميع، ولكنهم لم يكونوا كذلك من قبل.
كانت للزعيم السابق لحزب العمال جيريمي كوربين رسالة واضحة بشأن بريطانيا ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. سوف يكون صعباً أن يشرح المرء للمؤرخين كيف يمكن لرجل واحد أن يكون محقاً جداً بشأن القضايا التي ما لبثت أن احتلت موقع الصدارة من الاهتمام في نفس الأسبوع الذي تم فيه استبداله كزعيم لحزبه.
يعامله أقرانه الآن كما لو كان مصدر إحراج لهم، ويعتبرونه أسوأ زعيم منذ مايكل فوت. ومع ذلك، لو أن بريطانيا استمعت له حينما كان يتكلم عن النقص الذي تعاني منه خدمة الصحة الوطنية في العاملين، وحين تحدث عن أصحاب المهارات المتدنية وأصحاب الأجور الزهيدة، وحول اقتصاد الاستعراض، لما كنا اليوم في هذه الحالة من الفوضى العارمة.
إن من ينبغي أن يخجلوا من أنفسهم – ولا أستثني من هم داخل حزبه – هم أولئك الذين اصطفوا في طابور ليغرسوا الخنجر في ظهره. لن يسمح لنا هذا الفيروس بأن نسامح أو ننسى.
سيموت الآلاف بدون أي داع قبل أن تنتهي هذه الأزمة، ثم بعد ذلك سيكون الحساب. يوماً ما.
المصدر ميدل إيست آي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق