«البدون» المستحقون للتجنيس حسب القانون، وشباب الحراك وقانون العفو العام، والكويتيون الذين أرهقتهم القروض وتم بيعها للبنوك، وأبناء الكويتيات، وخدمات المناطق الإسكانية الجديدة... إلخ، كل هذه قضايا تتطلب بدائل وحلولاً وليس تبني أسلوب يرفض الاحتكام إلى العقل، ويتبنى الانغماس في صراخ مستمر يغيب عن قاموسه كلمات مثل المبادرة والتفاوض والإقدام، ورسم مسارات متفق عليها تخدم أصحاب القضايا.
هناك بعض الأشخاص في مجتمعاتنا ناشطون للدفاع عن المجاميع «المضطهدة» بيننا، أبرز سماتهم أنهم لا ينتمون إلى هذه المجاميع بل يتمتعون بحقوق كاملة ولديهم عمل مضمون الراتب وسياقات اجتماعية تحميهم عند الحاجة، ولكنهم رغم كل ذلك غاضبون من المجتمع أو السلطة أو من أنفسهم، ويعيشون قلق السعي إلى المكانة بشكل دائم، يتبنون أسلوباً يفتقد العلم والواقع الموضوعي ولا يتبنون انفعالات هادئة وتقييما معتدلا وتحليلا منهجيا من أجل الوصول إلى أفضل النتائج المرجوة لمصلحة من يتكلمون بأسمائهم.
يصبح كل همهم تفريغ شحنة غضبهم الخاص، الذي لا علاقة له بما يتكلمون عن مصلحتهم، فيجد أصحاب القضايا أنفسهم متورطين بشدة وبين طرفي مقص وفي سلسلة متاجرة بالغضب لا تحقّق لهم أي عوائد، سوى تتابع ردود الأفعال لأن الغضب لا يولد سوى ما يشبهه.
قد نفهم غضب واستياء أصحاب القضايا أنفسهم، ولكن ما نجده عسيراً على الفهم هو تبني من يحاولون مساعدتهم لمواقف وتصرفات عدائية لا تخدم أحداً سوى ذلك الرجل أو تلك المرأة أو هذا الشاب الذي يتبع نهجاً يرضي حاجاته النفسية ولا يخدم من يدعي أنه يتحيز لهم، وتصبح مساعدة أصحاب القضايا هدفاً معلناً غير حقيقي!
إن مفاهيم مثل التعاطف والتراحم والتكافل الاجتماعي والوطنية، لا يجب أن تغرق المجتمع في أمراض لا يشهرها أصحابها، بل يجب أن ترسم اختيارات وبدائل وحلولا تساهم في عملية التغيير السياسي ومساعدة من يستحقون الحق وتحقيقه، لا تأزيم الواقع أكثر وتضخيمه.
فالمتاجرون بالغضب والمهووسون بتغليفه في قضايا الشأن العام، لو لم تكن هناك مشاكل أصلاً، لاختلقوا قضايا تسمح لهم بالتنفيس عن غضبهم الشخصي، حتى لو كانت إجراءات وزارة الصحة تجاه فيروس «كورونا»!
لي صديق غاضب من نفسه لأسباب لا يعلمها إلا الله، يأتي إلينا في المقهى من حين إلى آخر، وفضلاً عن كونه من أفضل الناس في مقاطعة الآخرين أثناء حديثهم، يمتلك صديقي مهارة أخرى وهي قدرته على تبني قضايا لا تعنيه ومساهمته في تأزيم وضع من تعنيهم القضايا عبر تغريداته العدائية التي تزيد الكراهية تجاه أصحابها، من دون أن يلاحظ ولو لمرة واحدة أنه في كل مرة لم يكن يناقش القضية بل ينفّس عن غضبه الشخصي.
قصة قصيرة:
- سأوزع 50 ألف كمام على الناس مجاناً، فهل تعرف مطبعة تضع شعار مؤسستي على كل كمام؟
- يا إلهي... إننا لا نتاجر بالغضب فقط، ولكننا أيضا نتاجر بهلع الناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق