كورونا ومنطلق التعاطي الإنساني للفكر الإسلامي
تمرّ البشرية بمرحلةٍ غير مسبوقةٍ منذ تشكّل العالم الدولي الحديث، بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا التشكّل خُلق بناءً على مسارٍ سياسي للمنتصرين في الحرب، تَدَّخَل في خريطة الدول الحديثة، وفي الأيديولوجيات أو المصالح التي اعتمد قبولها، هذا النظام العالمي بما فيه منح شرعية النظم الحاكمة أو نزعها، وبالتالي ففكرة تشكل هذا العالم في الإطار السياسي الحديث، تخضع تحت خلاصة نظرية ميشيل فوكو وسؤالها: هل كان المنتج الفكري للبشرية خاضعاً لمعادلة المعرفة الصرفة، أم أنه كان نتيجة ترجيحات القوة المادية القاهرة.
وبغض النظر عن إعادة تقييم نظرية فوكو، وتقييم مساره ذاتياً في تناولها وتشريحها، وهي خاضعة للحوار والمراجعة، لأن سؤال المعرفة هو أيضاّ يحتاج إعادة تعريف ما المعرفة التي وصلت إلى فوكو، وما المعرفة التي غابت عنه؟ ولكن ذلك كله لا يُسقط أهمية الفهم لهذه النتيجة أن العالم الحديث الذي يواجه كورونا ليس عالم المعرفة الإنساني، وإنما عالم النظام الدولي المنتصر عسكرياً، وهذا العالم ليس قوة عسكرية وسياسية فقط شكّلت مجلس الأمن الدولي، وإنما فكر قوة قاهرة، فرض رؤيته ثقافياً، كما فَرضها اقتصادياً وصحياً واجتماعياً، على عالمه القومي الذي يخضع لحدوده السيادية، والعالم الآخر خارج جغرافيته القومية، وهذه المناصفة الطبقية العالمية لا تُلغي وقوع الضرر على العالم الشمالي، تماماً كما رأيناها في
تأثيرات وباء كورونا. بل إن أحد أركان المعرفة الإسلامية في مفهوم الشراكة البشرية هي أن للعالم الشمالي حق كالعالم الجنوبي، في تقييم الاحتياج الإنساني، وضرورات مصالح الفرد للعدالة الاجتماعية والثقافة الإنسانية لسكينة الحياة، وأقصد هنا أن أي تفكيك لتوحش الرأسمالية أو حتى راديكالية الماركسية الشمالية، هو في إطار تقويم الميزان الأخلاقي والمعرفي معاً، أمام ظلم المشروع الفكري والسياسي الذي أنهك عالم الجنوب، لكنه، مطلقاً، لا يصنّف الشعوب الغربية، ولا يفرزهم من المشترك الإنساني المتحد، فهذه الشعوب الغربية، سواءً تعرّضت للظلم داخل منظومة نفوذ قوميتها، وسُحق كثير من طبقاتها، وهذا ما نراه اليوم في الطبقات الفقيرة من الشعوب الغربية ذات الأصل القومي الآري، أو كانت في مواجهة أي مظلمةٍ أو انحياز بسبب ردّة الفعل على الشمال الرأسمالي، فهي في دائرة العالم الإنساني الأوسع الذي يشملهم ويؤاخيهم مع عالم الجنوب.
إنما التفكيك الفلسفي هنا موجّه إلى منظومة النظام السياسي والأصول الفلسفية الغربية التي ساهمت في هذا التشكل، وأدوات ظلمها العميقة التي لا يمكن أن يُستثنى منها، حالة العالم اليوم في مواجهة كورونا، وسقوطه الأخلاقي القديم أمام مفهوم العدل، وترسيخ حق الإنسان، كل إنسان، في حياة فاضلة، ليس عبر ترداد منظوماتٍ كلامية، ولا مواد دستورية لم تفعّل مع الإنسان الآخر، وإنما عبر الإيمان بأن هذا النظام الذي يحكم حياة البشر وحركتهم، ويتدخل في طعامهم ومزاجهم، كان جزءًا رئيساً وخطيراً، من فقدان المناعة الأخلاقية، بعد أن روّجت آلته
قرار إعدام الضمير الروحي للعالم الجديد.
إنه لا يجوز في أبجديات الفهم العميق لأزمات العالم والكوارث الإنسانية، والواجب الحتمي على البشرية، أن يؤجّل نقد آثار موازين النظرية المركبة من قاعدة علوم وفلسفة موحدة، فُرض النظام العالمي عليها، بل هذا واجب وجودي، إذ كيف تمضي الإنسانية قدماً من دون مراجعة، وهي تحت أزمةٍ حوّلت الإنسانية كلها، إلى أبارتايد طوعي، برجاء النجاة من كورونا. وهذا لا يعني مطلقاً أن البشرية لن تجد لقاحاً، وأن منظومة العلم الإيجابي، في الطب وفروعه، غير ضرورية للإنقاذ، كلا..
هي في غاية الأهمية. ولكن لا يجوز، كما نرى اليوم في لغة الثقافة السطحية، وخصوصا في ظاهرة الهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية، سواءً على الشق الثقافي النخبوي أو الراي العام، والتي ترفض أسئلة المراجعات الفلسفية، فهذه ليست فلسفة عارضة ولا جدل حكواتي، إنما أصل جذري بُنيت عليه منظومة الصناعة العالمية الحديثة، وتنقلت حتى أصبحت سوقاً، لا يختلف بين أوروبا وأميركا الشمالية، وبين روسيا وملحقاتها والصين الشيوعية، فالسوق الذي دُفع له العالم واحد.
تفكيك هذه المعادلة هي مهمة اليوم، ليس كنوع من الفخر ولا الوعظ ولا التبكيت على مآل الإنسان، وإنما رسالة بعث معرفي، تمتلكها القيم الأخلاقية الفلسفية للفكرة الإسلامية، كميدان خصب ومجهول، تستطيع أن تساهم عبره بوضع أرضية حل، لفقدان المناعة الأخلاقية وتفشّي
الظلم العالمي، والذي بدوره يؤثر على الشعوب، ويحصدهم بفيروس كورونا، أو بفيروس الإبادة المادية التي تحكم قواعد الصراع منذ ولادة العالم الجديد، فهناك فرقٌ أساسيٌ ومحوري، بين العالم الكوني الإنساني والعالم الجديد القهري، هذا العالم الجديد المستبد يرفض وصول الفكرة الإنسانية الحرة إلى الشعوب ونخبتها، حتى لا تتحوّل إلى حركة تحرّر فلسفي، ثم أخلاقي، تَتَّبِعُها دول وتنشئ من رحمها أنظمة سياسية تؤمن بالعدالة الاجتماعية بشقيّها.
كظاهرة لم تولدها الحرب الباردة، وإن كانت هناك محاولات لها، ولكن أسقطتها نزعة الاستبداد أو الاستعجال، أو آلة المعسكر العالمي الشمالي، وإن كانت أصل الفكرة الثالثة لم تولد متكاملة حتى اليوم، فهي تحتاج إلى تحرير إطارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بعد نضوج جدل رؤيتها. وهذا كله لا يعني مطلقاً أن المعرفة الإسلامية لا تؤمن، في واقع الكارثة اليوم، بضرورة روح التواصل والتضامن العالمي، ودعم كل جهد إنساني ينقذ الضحايا، ويخفّف على المصابين والمضطهدين، خصوصا تحت ظروف رفض آلة الرأسمالية تأمين حياتهم. وأزمة الخطاب في واقع المسلمين اليوم أن الجمهور الضخم يقع مجدّداً تحت أخطاء الخطاب الديني الجاهل، والمأزوم نفسياً، فلا هو فتح الطريق إلى المعرفة الإسلامية، ولا هو أخذ العبرة من فشل خطابه وصحّحه، كما فشل النظام العالمي وكأن وباء الفكر كان مقدّمةً لوباء كورونا.
إنما التفكيك الفلسفي هنا موجّه إلى منظومة النظام السياسي والأصول الفلسفية الغربية التي ساهمت في هذا التشكل، وأدوات ظلمها العميقة التي لا يمكن أن يُستثنى منها، حالة العالم اليوم في مواجهة كورونا، وسقوطه الأخلاقي القديم أمام مفهوم العدل، وترسيخ حق الإنسان، كل إنسان، في حياة فاضلة، ليس عبر ترداد منظوماتٍ كلامية، ولا مواد دستورية لم تفعّل مع الإنسان الآخر، وإنما عبر الإيمان بأن هذا النظام الذي يحكم حياة البشر وحركتهم، ويتدخل في طعامهم ومزاجهم، كان جزءًا رئيساً وخطيراً، من فقدان المناعة الأخلاقية، بعد أن روّجت آلته
إنه لا يجوز في أبجديات الفهم العميق لأزمات العالم والكوارث الإنسانية، والواجب الحتمي على البشرية، أن يؤجّل نقد آثار موازين النظرية المركبة من قاعدة علوم وفلسفة موحدة، فُرض النظام العالمي عليها، بل هذا واجب وجودي، إذ كيف تمضي الإنسانية قدماً من دون مراجعة، وهي تحت أزمةٍ حوّلت الإنسانية كلها، إلى أبارتايد طوعي، برجاء النجاة من كورونا. وهذا لا يعني مطلقاً أن البشرية لن تجد لقاحاً، وأن منظومة العلم الإيجابي، في الطب وفروعه، غير ضرورية للإنقاذ، كلا..
هي في غاية الأهمية. ولكن لا يجوز، كما نرى اليوم في لغة الثقافة السطحية، وخصوصا في ظاهرة الهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية، سواءً على الشق الثقافي النخبوي أو الراي العام، والتي ترفض أسئلة المراجعات الفلسفية، فهذه ليست فلسفة عارضة ولا جدل حكواتي، إنما أصل جذري بُنيت عليه منظومة الصناعة العالمية الحديثة، وتنقلت حتى أصبحت سوقاً، لا يختلف بين أوروبا وأميركا الشمالية، وبين روسيا وملحقاتها والصين الشيوعية، فالسوق الذي دُفع له العالم واحد.
تفكيك هذه المعادلة هي مهمة اليوم، ليس كنوع من الفخر ولا الوعظ ولا التبكيت على مآل الإنسان، وإنما رسالة بعث معرفي، تمتلكها القيم الأخلاقية الفلسفية للفكرة الإسلامية، كميدان خصب ومجهول، تستطيع أن تساهم عبره بوضع أرضية حل، لفقدان المناعة الأخلاقية وتفشّي
كظاهرة لم تولدها الحرب الباردة، وإن كانت هناك محاولات لها، ولكن أسقطتها نزعة الاستبداد أو الاستعجال، أو آلة المعسكر العالمي الشمالي، وإن كانت أصل الفكرة الثالثة لم تولد متكاملة حتى اليوم، فهي تحتاج إلى تحرير إطارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بعد نضوج جدل رؤيتها. وهذا كله لا يعني مطلقاً أن المعرفة الإسلامية لا تؤمن، في واقع الكارثة اليوم، بضرورة روح التواصل والتضامن العالمي، ودعم كل جهد إنساني ينقذ الضحايا، ويخفّف على المصابين والمضطهدين، خصوصا تحت ظروف رفض آلة الرأسمالية تأمين حياتهم. وأزمة الخطاب في واقع المسلمين اليوم أن الجمهور الضخم يقع مجدّداً تحت أخطاء الخطاب الديني الجاهل، والمأزوم نفسياً، فلا هو فتح الطريق إلى المعرفة الإسلامية، ولا هو أخذ العبرة من فشل خطابه وصحّحه، كما فشل النظام العالمي وكأن وباء الفكر كان مقدّمةً لوباء كورونا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق