كيف أعادت المقاومة الفلسطينية الأمل إلى الأمة الإسلامية؟!
سادت حالة اليأس بعد انكسار الموجة الأولى من الربيع العربي، وسقوط التجارب الديمقراطية، وعودة النظم المستبدة التابعة للغرب.. وفقد الشباب الطموح والرغبة في الحياة والأمل في المستقبل.
ولأن النظم المستبدة تغلق المجال العام، وتمنع إجراء استطلاعات الرأي العام، لم يستطع أحد اكتشاف الآثار النفسية للمأساة، ومن أهمها حالة الاستسلام للواقع المر، وعدم التفكير في التغيير.
وكانت النظم الحاكمة تريد تلك الحالة التي تدفع الناس إلى الاستسلام للخوف والهزيمة النفسية؛ لذلك استخدمت وسائل الإعلام للترويج لفكرة أن الاستقرار، والمحافظة على الوضع الراهن؛ إنجاز حققته تلك النظم، وأن البديل هو انهيار الدولة لتعيش الجماهير في الملاجئ مثل سوريا والعراق.. لكننا يمكن أن نلاحظ أنه لم يجرؤ أحد من المنافقين في وسائل إعلام تلك النظم على أن يقول: حتى لا نصبح مثل غزة!! لأنهم يدركون أن الجماهير العربية يمكن أن ترد عليهم بكل قوة: ليتنا نصبح مثل غزة!
الشعب يريد الحياة الحقيقية!
لو تسمح لنا النظم الحاكمة بإجراء استطلاعات رأي عام فسنكتشف الكثير من الحقائق التي يمكن أن تشكل صدمة للنظم العربية الحاكمة وللدول الغربية، وأستطيع أن أتحدى تلك النظم؛ بأن من أهم النتائج أن الجماهير العربية تريد الحياة في غزة، وأنها رغم الحزن والألم على دماء الشهداء، فإن الجماهير العربية أصبحت تفضل الموت شهادة على الحياة الذليلة في ظل تلك النظم التابعة للغرب، التي لا تمتلك القدرة على اتخاذ قرار بإغاثة أهل غزة خوفا من النتن ياهو.
يمكن أن نتذكر ذلك الشعار الجميل الذي رفعه الشباب المصريون في ثورة 1919 “الاستقلال التام أو الموت الزؤام”، ولقد آن لنا أن نسترد هذا الشعار، ونرفعه في بداية مرحلة جديدة من الكفاح ضد الاستبداد والاستعمار القديم والجديد.
نصر أو استشهاد!
أما المقاومة الفلسطينية فإنها استردت الشعار الذي رفعه الشيخ عز الدين القسام، ويردده أبو عبيدة ليكسب به قلوب الجماهير العربية: “إنه لجهاد نصر أو استشهاد”.
ودراسة التاريخ توضح أن العربي يفضل الموت على حياة العبودية والذل والهوان، فالحياة الحقيقية ترتبط بالحرية والكرامة والسيادة والعز، ولا حياة في ظل الاحتلال والاستعمار، والشهادة دفاعا عن الحق والحرية، ولتحرير المسجد الأقصى، شرف وكرامة، وفوز في الدنيا والآخرة.
لذلك يسخر قادة المقاومة الفلسطينية من تهديدات النتن ياهو بقتلهم لأنهم يعتبرون أنفسهم مشاريع شهادة، والقائد الذي يفوز بالشهادة يمكن أن يحل مكانه قائد آخر أشد قوة وقدرة على إنتاج أفكار جديدة لمواجهة الاحتلال، فالقائد في المقاومة يعد القيادات التي تتولى المسؤولية بعده.
خرافة أنا الدولة والدولة أنا!!
حركات التحرر الوطني لا تعرف ذلك المديح الزائف للحاكم الذي ينشره المنافقون، والذي يدور حول أن هذا الحاكم هو الذي أنقذ البلد من الذين أرادوا أن يغيروا هويته، وأنه لا حياة للدولة بدونه، وأنه يمكن أن يدمر الوطن من يأتي بعده، ومن يعارضه هو خائن للوطن يرتبط بأجهزة مخابرات أجنبية، ويدبر مؤامرة لتدمير الوطن.. وربما قال المنافقون أكثر من ذلك، مما يعف اللسان عن ذكره.
المقاومة الفلسطينية تقدم نموذجا جديدا للقائد الذي تؤهله تضحياته وتمسكه بمبادئه لتولي المسؤولية، وأن الذين سبقوه في تولي القيادة حصلوا على الشهادة، فازدادت المقاومة قوة؛ حيث ألهمت شهادتهم الشعب، وأضاءت لهم طريق النصر، ومن أهم أولئك القادة شيخ المقاومة أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي؛ ثم جاء بعدهم من حمل الراية، وواصل السير على الطريق، وأنتج الكثير من الأفكار الجديدة التي لم يكن يتوقعها الاحتلال الصهيوني.
قيادات لمرحلة جديدة
وكل مرحلة في كفاح الأمة لتحقيق الاستقلال والحرية تحتاج إلى قيادات جديدة تواجه التحديات، وتكتشف الفرص لتحقيق آمال الشعب، وحلمه المشروع.
ولقد عبرت قيادات المقاومة الفلسطينية عن أمل الأمة الإسلامية كلها في تحرير القدس قبلة المسلمين الأولى، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، واجتهدت في تحقيق الهدف، وقادت ثورة العقول التي خططت وأبدعت وابتكرت؛ لذلك أحبت الأمة كلها قيادات المقاومة، وتجلى هذا الحب في انتظار بيانات أبي عبيدة، ونقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
والأمة تفخر بقيادات المقاومة التي تعبر عن الهوية الإسلامية، فتتحدث باللغة العربية الفصحى ببلاغة، وتؤكد أهليتها للقيادة بثقافتها القرآنية، وثقتها في نصر الله، وإصرارها على تحرير فلسطين.
قيادات تعبر عن الأمل!
قلوب الجماهير العربية تعلقت بقيادات المقاومة الفلسطينية لأنها تعبر عن الأمل، والشعوب تحتاج إلى الخروج من حالة اليأس، والمقاومة قدمت الدليل على أن الأمة الإسلامية تستطيع أن تفعل، وتبني قوتها وتغير الواقع، وتحقق المجد بالانتصار على جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يصور نفسه بأنه لا يقهر، والذي يملأ قلوب عبيد الواقع بالخوف.
لذلك يمكن أن يعود الأمل إلى نفوس شعوب العرب التي أصبحت تتعرض للموت فقرا وجوعا وعطشا وقهرا وتعذيبا في سجون الطغاة.. فالموت شهادة في ميادين الحرية، وتضحية بالنفس دفاعا عن دين الله ولإعلاء كلمته شرف ومجد، والانتصار في تلك الميادين يبني المستقبل على أسس الاستقلال الشامل والحرية والكرامة.
لذلك فإن انتفاضة عربية شاملة ضد الاستعمار والاستبداد والفساد هي الأمل في بناء المستقبل، والاحتلال الإسرائيلي وقوى الاستعمار سوف تفضل الرحيل على مواجهة انتفاضة عربية، فلا حياة بدون حرية وكرامة، والأحرار هم الذين يحررون الأوطان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق