محمد عناية الله أسد سبحاني
28-06-2021
أنت فارقتنا يا رئيسنا محمد مرسي! بغتة، وبصورة مفاجئة!
فارقتنا بصورة أدهشتنا، وأدهشت الجميع!
فارقتنا مظلوما شهيدا، ولم يستطع أحد من إخوانك وأبناءك أن يفرّج عنك، أو يخفّف عنك ما كنت فيه من شدة ومعاناة، فبكت عيوننا، وقرحت جفوننا، وتشققت قلوبنا على عجزنا وضعفنا عن مساعدتك!
وما نسيناك يا رئيسنا الحبيب اللبيب!
وما نسيناك يا رئيسنا الودود الرؤوف! فما زلت تعيش في قلوبنا، وما زلت تعيش في قلوب من لايحصون من أمة الإسلام.
وحدثت بعدك يارئيسنا الحبيب! أحداث جسام، وتلك الأحداث الجسام ذكّرتنا بشدةٍ اهتمامك بقضايا الأمة.
وذكّرتنا بشدّةٍ نصحك للإسلام وأهل الإسلام.
وذكّرتنا بشدّةٍ أمانتك، ومروءتك وشجاعتك، وإخلاصك وحسن تدبيرك إذا تعقدت الأمور، وادلهمّت الخطوب!
قال أبو فراس الحمداني:
سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم … وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر!
فصدِّقنا يا رئيسنا محمد مرسي! أننا ذكرناك حين جدّ جدّنا، وافتقدناك حين وقعت وقائع عظام، وحدثت أحداث جسام، ولم يكن فينا من يأتي بحلول سريعة حاسمة لتلك الأحداث الجسام، كما كنت تفعل في أيامك السعيدة المباركة. فجزاك الله عنا وعن أمة الإسلام أحسن الجزاء!
مما لاشك فيه أن الرئيس محمد مرسي كان نسيج وحده، وقريع دهره، وبديع عصره، وكان رجلا قلّما تجود بمثله الأيام.
وهو لم يكن رئيس مصر وحدها، بل كان رئيس المسلمين في العالم كله، فكان يحزن لحزنهم، ويفرح بفرحهم، وكان مهتمّا بقضاياهم جميعا، واهتمامه بقضية القدس والمسجد الأقصى أشهر من أن يذكر.
ولقد صدح بذلك كله في أول كلمة ألقاها في قاعة الأمم المتحدة بعد تسلمه رئاسة جمهورية مصر، ومنذ ذلك الحين علم الناس، وشعروا، وفرحوا أن الرئيس محمد مرسي ليس فقط رئيس جمهورية مصر، بل هو رئيس المسلمين جميعا، سواء كانوا في الشرق أو في الغرب.
وكم حدث أنه صرخ في قاعة المحكمة، وصرخ معه زملاؤه:
لبيك يا غزة! لبيك يا غزة!
وكان يردّد في خطبه وكلماته كثيرا: لن نترك غزة وحدها، ولن نترك أهل غزة وحدهم!
ولم يكن هذا مجرد كلام، كما هو الشأن عند ملوك المسلمين وحكامهم في هذه الأيام، بل كان يفعل أكثر مما يقول.
وما كان يعرف رحمه الله غير الجدّ والصدق، ففعل لأهل غزة فوق ما كانوا يحلمون، وفوق ما كانوا يقدّرون، وهم يعترفون بذلك بلفظ صريح.
وكان رحمه الله يصبح ويمسي مع قضية القدس، وقضية المسجد الأقصى، ولو استمرّت له السلطة والرئاسة لسنين مقبلة، لدخلت إسرائيل في خبر كان، وانتهت المشكلة للأبد بإذن الله، وعادت خارطة فلسطين كما كانت قبل تأسيس دولة إسرائيل!
وكل ما حدث في العراق، وفي سوريا، وفي ليبيا وفي غيرها من بلاد المسلمين كان يتأذى ويتوجع منه الرئيس محمد مرسي رحمه الله.
وقد قرر أمرا في شأن تلك البلاد كلها. ولكن المقادير جرت بغير ما قرّر، ولله في خلقه شؤون!
وحدث في العشر الأواخر من رمضان المنصرم ما حدث من أحداث جسام في غزة، وفي داخل المسجد الأقصى، واستمر بعدها إلى أيام!
حدثت أحداث اهتزّ لها العالم كله، وحدث ما يجعل الولدان شيبا! ولكن حكام المسلمين وملوكهم كانوا في نوم عميق، وما أفاقوا من نومهم إلا بعد ما خربت غزّة بشكل رهيب فظيع! وقتل منهم ومن شباب فلسطين عدد كبير، وكان فيهم من الجرحى والثكلى واليتامى ما أبكى أحرار الأمة، ومانكّس رؤوس المسلمين الغيارى!
ولو كان الرئيس محمد مرسي رحمه الله حيا يرزق، وكان مع سلطته ورئاسته، ولم يغدر به الخونة الغادرون، لرأيت من شأنه عجبا، ولسمعت منه زئيرا يهزّ العالم كله هزّا، ولرأيت منه بطولات وبطولات تصنع الأعاجيب!
إن الرئيس محمد مرسي لم يكن ملكا من الملوك الظالمين الغاشمين المستبدين، بل كان خليفة الله في الأرض، كانت فيه مقوّمات الخلافة، وذكّر المسلمين بسلوكه الجميل النبيل، وتحركاته الجادّة، ونشاطاته الموفّقة المتواصلة الخلفاء الراشدين من هذه الأمة، رضي الله عنهم أجمعين!
كانت فيه مواهب وقدرات وأخلاق قلّما توجد في الرجال، والذين رأوه من كثب، وعاشروه وجرّبوه في حالتي العسر واليسر، والغضب والرضا، شهدوا له بما يتعجب منه الإنسان، ويكاد يطير به فرحا وعجبا!
إنهم شهدوا بكل صراحة أنهم ما رأوا في حياتهم أصدق، ولاأنقى، ولاأتقى، ولاأوفى ولاأشجع من الرئيس محمد مرسي! رحمه الله رحمة واسعة.
قضى الرئيس محمد مرسي بعد الانقلاب الغادر فترة طويلة في السجون وفي الزنزانات، فلم يلق من إدارة السجون أيّ رعاية وأيّ احترام مع أنه كان يستحق كل رعاية وكل احترام.
كان يستحق ذلك لكبر سنّه، ولما كان يعاني منه من أمراض وأسقام خطرة موجعة. فعليهم من الله ما يستحقونه.
وأوذي رحمه الله في سجونه وزنزاناته كثيرا، ولكنه بقي مع شموخه وإبائه، وصبر صبر الكرام، وثبت ثبوت الجبال، وكان في صبره وصموده أسوة لزملائه وأصدقائه الصادقين.
والجدير بالذكر أن الشياطين وعملاء الشياطين أرادوا في تلك الظروف الحرجة القاسية أن يفتنوه عن صبره و صموده، وأرادوا أن يساوموه في سلطته ورئاسته، وأرادوا منه أن يغدر بدينه وقومه، ويتخلى عن قيمه وميزاته، ويبقى في منصب الرئاسة على شروطهم وقيودهم، ويدخل في قُطعان العبيد الأذلاء من ملوك المسلمين وأمرائهم!
فأبى الرئيس محمد مرسي إباءً، ولم يرض معهم بأي مفاوضة إلا أن تكون مفاوضة أمينة نزيهة مفتوحة أمام الشعب المصري الذين انتخبوه للرئاسة!
وهكذا فشلت المحاولات، وخرج الرئيس محمد مرسي من تلك الفتنة الحالقة عزيزا كريما، طاهر الذيل ونقيّ الثياب، ما عليه غبار!
ومن المعلوم المكشوف لدى عامّة الناس وخاصّتهم أن كل ما حدث مع الرئيس محمد مرسي كان بتخطيط وتدبير من الطاغوت الأكبر وهو أمريكا.
فأمريكا وأحلافها يخافون من حركة الإخوان المسلمين خوفا، ويعتقدون أنهم يريدون أن يقيموا في الأرض خلافة مثل خلافة سيدنا عمربن الخطاب!
وإذا قامت في أي بقعة من بقاع الأرض خلافة كخلافة سيدنا عمر بن الخطاب فلهم الويل كل الويل، حيث تفشل كل مخططاتهم الفاسدة، و وتنهار كل أمانيهم الباطلة!
وليس ذلك ظنا وتخمينا في الظلام، بل ورد في تصريحاتهم ما يدل على ذلك وأكثر.
هكذا يعتقد أعداء الإسلام، وهم ليسوا مخطئين فيما يعتقدون، فالإخوان المسلمون- حماهم الله من كيد الأعداء- لايريدون غير ذلك، حيث يهتفون دائما بكل ثقة واعتزاز، ولابخافون فيه لومة لائم:
"الله ربنا، والقرآن دستورنا، والرسول زعيمنا، والجهاد طريقنا، والشهادة في سبيل أسمى أمانينا!"
فإذا كانت أمريكا تخاف من خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلها الحق أن تخاف!
ولكن ما بال ملوك المسلمين وحكامهم أنهم أصبحوا عملاء أذلاء لأمريكا وأحلافها، وهم يتحركون لهدم الخلافة كما أرادت لهم أمريكا، و ينفّذون لهدمها ما خططت لهم أمريكا!
هل هم أيضا يخافون من دينهم وقرآنهم، كمثل أمريكا وأحلافها؟
وهل هم أيضا لايحبون أن تقوم لدينهم قائمة، ولايحبون أن تقوم لقرآنهم دولة؟
اللهم اهد هؤلاء القوم فإنهم لايعلمون ولا يفقهون!
واجز العاملين المجاهدين في سبيلك أحسن الجزاء، وكلّل جهودهم بالنجاح والتوفيق، وثبت أقدامهم، واحمهم من كيد الأعداء، يارب العالمين!
(مشاعر وخواطر سجّلت في ذكرى الرئيس محمد مرسي رحمه الله يوم استشهاده)
17 حزيران/ يونيو 2019.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق